الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَقَالَ زُفَرُ بِدُخُولِهِ) أَيْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (فَقَطْ) وَإِضَافَةُ الْبُطْلَانِ إلَى الْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُرُوجِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِنْقَاضِ حَقِيقَةً.
(وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) يَبْطُلُ (بِأَيِّهِمَا كَانَ) وَإِلَى ثَمَرَةِ الْخِلَافِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (فَالْمُتَوَضِّئُ وَقْتَ الْفَجْرِ لَا يُصَلِّي بِهِ بَعْدَ الطُّلُوعِ) عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِانْتِفَاضِ طَهَارَتِهِ بِالْخُرُوجِ (إلَّا عِنْدَ زُفَرَ وَالْمُتَوَضِّئُ بَعْدَ الطُّلُوعِ) قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ لِعِيدٍ عَلَى الصَّحِيحِ (يُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِعَدَمِ خُرُوجِ وَقْتِ الْفَرْضِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِخُرُوجِ وَقْتِ الطُّهْرِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِزُفَرَ لِوُجُودِ دُخُولِ الْوَقْتِ وَلِأَبِي يُوسُفَ لِوُجُودِ أَحَدِ النَّاقِضَيْنِ، وَهُوَ دُخُولُ الْوَقْتِ.
(وَالْمَعْذُورُ مَنْ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ إلَّا وَاَلَّذِي اُبْتُلِيَ بِهِ يُوجَدُ فِيهِ) هَذَا تَعْرِيفُ الْمَعْذُورِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ فَإِنْ يَسْتَوْعِبْ اسْتِمْرَارُ الْعُذْرِ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَامِلًا كَالِانْقِطَاعِ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ الْوَقْتَ كُلَّهُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْكَافِي مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّمَا يَصِيرُ صَاحِبَ عُذْرٍ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ زَمَانًا يَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي فِيهِ خَالِيًا عَنْ الْحَدَثِ انْتَهَى
وَقَدْ وَفَّقَ صَاحِبُ الدُّرَرِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ اسْتِيعَابِ الْمَذْكُورِ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ عَلَى مَا يَعُمُّ الْحُكْمِيَّ، وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ مِثْلُ الِانْقِطَاعِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَذَلِكَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِيعَابِ الِاسْتِيعَابَ الْحَقِيقِيَّ انْتَهَى أَقُولُ: وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ اسْتِلْزَامَ الِاسْتِيعَابِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ الِانْقِطَاعِ لِلِاسْتِيعَابِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ الثُّبُوتِ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَمِرُّ كَمَالَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ لَحْظَةً نَادِرٌ فَيُؤَدِّي إلَى نَفْيِ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ إلَّا فِي الْإِمْكَانِ بِخِلَافِ جَانِبِ الصِّحَّةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَدُومُ انْقِطَاعُهُ وَقْتًا كَامِلًا، وَهُوَ مَا يَتَحَقَّقُ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ مَا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ مَا فِيهِ، وَمَا فِي الْكَافِي يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِمَا فِي غَيْرِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: وَلَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ الْيَسِيرَ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَفِي النَّوَازِلِ وَإِذَا كَانَ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَشَدَّ عَلَيْهِ خِرْقَةً فَأَصَابَهُ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَوْ أَصَابَ ثَوْبًا فَصَلَّى، وَلَمْ يَغْسِلْهُ إنْ كَانَ غَسَلَهُ يَنْجَسُ ثَانِيًا قَبْلَ الْفَرَاغِ جَازَ أَنْ لَا يَغْسِلَهُ، وَإِلَّا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ كَانَتْ بِهِ دَمَامِيلُ أَوْ جُدَرِيٌّ فَتَوَضَّأَ وَبَعْضُهَا سَائِلٌ ثُمَّ سَالَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا حَدَثٌ جَدِيدٌ كَمَا إذَا سَالَ أَحَدُ مَنْخَرَيْهِ فَتَوَضَّأَ مَعَ سَيَلَانِهِ وَصَلَّى ثُمَّ سَالَ الْمَنْخَرُ الْآخَرُ فِي الْوَقْتِ اُنْتُقِضَ وُضُوءُهُ.
[بَابُ الْأَنْجَاسِ]
إضَافَةُ الْبَابِ إلَى الْأَنْجَاسِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ بَيَانَهَا فِيهِ فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ، وَلَا يَقْتَضِي
تَقْدِيرَ الْبَيَانِ كَمَا سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ وَمَا فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى تَعَدُّدِ الْأَنْوَاعِ يَعْنِي عَلَى تَقْدِيرِ الْأَنْوَاعِ مُضَافًا إلَى الْأَنْجَاسِ فَمَنْ قَالَ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْأَنْجَاسِ فَقَدْ زَادَهُ وَالْأَنْجَاسُ جَمْعٌ نَجَسٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا مَعَ فَتْحِ النُّونِ وَبِكَسْرِ النُّونِ مَعَ كَسْرِ الْجِيمِ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي اللُّغَةِ وَالنَّجَسُ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْخَبَثُ وَعَلَى الْحُكْمِيِّ وَهُوَ الْحَدَثُ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا الْأَوَّلُ
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَتَطْهِيرِهَا وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قَلِيلَهَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ قَلِيلَهَا مَعْفُوٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَنَا قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ وَمَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ (يَطْهُرُ بَدَنُ الْمُصَلِّي وَثَوْبُهُ) وَكَذَا مَكَانُهُ يَعْنِي لَمَّا وَجَبَ التَّطْهِيرُ فِي الثَّوْبِ بِعِبَارَةِ النَّصِّ وَجَبَ فِي الْبَدَنِ وَالْمَكَانِ بِدَلَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ يَشْمَلُ الْكُلَّ.
وَفِي الْآخَرَيْنِ أَوْلَى بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا، وَقَدْ يَخْلُو عَنْ الثَّوْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَا هُنَا الْمَكَانَ؛ لِأَنَّهُ أَنْوَاعٌ وَلِكُلٍّ مِنْهَا حُكْمٌ خَاصٌّ عَلَى مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي طَهَارَةِ الْمَكَانِ تَحْتَ قَدَمِ الْمُصَلِّي حَتَّى لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَتَحْتَ قَدَمَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْقِيَامِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقَدَمِ وَأَمَّا فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ (مِنْ النَّجَسِ الْحَقِيقِيِّ بِالْمَاءِ) وَلَوْ مُسْتَعْمَلًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَنَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّهُ إنْ أُزِيلَتْ بِهِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ زَالَتْ وَتَبْقَى نَجَاسَةُ الْمَاءِ (وَبِكُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ) احْتِرَازٌ عَنْ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (مُزِيلٍ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِأَنْ يَنْعَصِرَ إذَا عُصِرَ (كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ لَا الدُّهْنِ) ؛ لِأَنَّهُ بِدُسُومَتِهِ لَا تُزِيلُ غَيْرَهُ، وَكَذَا اللَّبَنُ، وَنَحْوُهُ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالنَّجَسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَزُفَرَ وَلَهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقَةَ تَرْتَفِعُ بِالْمَاءِ اتِّفَاقًا لِقَلْعِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ مَحَلِّهَا فَكَذَا يَرْفَعُهَا الْمَائِعُ لِمُشَارَكَتِهِ الْمَاءَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي طَهَارَتِهِمَا بِالْمَائِعِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ لَا يَطْهُرُ الْبَدَنُ إلَّا بِالْمَاءِ.
(وَ) يَطْهُرُ (الْخُفُّ إنْ تَنَجَّسَ بِنَجَسٍ لَهُ جِرْمٌ بِالدَّلْكِ الْمُبَالَغِ إنْ جَفَّ) إنَّمَا خُصَّ الْخُفُّ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجُرْمِ لِأَنَّ مَا لَا جُرْمَ لَهُ إذَا أَصَابَ الْخُفَّ لَا بِالدَّلْكِ وَإِنْ جَفَّ إلَّا إذَا الْتَصَقَ بِهِ مِنْ التُّرَابِ فَجَفَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّ مَا لَهُ جِرْمٌ مِنْ النَّجَسِ إذَا أَصَابَ الْخُفَّ، وَلَمْ يَجِفَّ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالدَّلْكِ؛ لِأَنَّهُ بِالْغَسْلِ يَطْهُرُ اتِّفَاقًا ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَا جِرْمَ لَهُ هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يُرَى
بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعُذْرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ ذُو جِرْمٍ، وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ لَيْسَ بِذِي جِرْمٍ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْمُبَالَغِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتُونِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ أَصْلًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
(وَكَذَا إنْ لَمْ يَجِفَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتِي) أَيْ جَوَازِ الدَّلْكِ فِي رَطْبٍ ذِي جِرْمٍ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْجَفَافُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ ذَهَابُ الرَّائِحَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى.
(وَإِنْ تَنَجَّسَ بِمَائِعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِي الْخُفِّ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْغَسْلِ.
(وَالْمَنِيُّ نَجَسٌ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَيَطْهُرُ إنْ يَبِسَ بِالْفَرْكِ وَإِلَّا يُغْسَلْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ حَتَّهُ أَوْ حَكَّهُ بَعْدَمَا يَبِسَ يَطْهُرُ وَطَهَارَتُهُ مَشْرُوطَةٌ بِطَهَارَةِ رَأْسِ الْحَشَفَةِ وَإِلَّا يَجِبُ الْغَسْلُ وَلَا يَضُرُّ الْمُجَاوَرَةُ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا النَّجَاسَةَ الْبَاطِنَةَ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيَجْعَلَهُ تَبَعًا لَهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنِيِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْمُصَنِّفُ كَأَنَّهُ اخْتَارَهُ فَأَطْلَقَهُ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي الْبَدَنِ أَشَدُّ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الدَّلْكِ، وَبَقَاءُ أَثَرِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْفَرْكِ لَا يَضُرُّ كَبَقَائِهِ بَعْدَ الْغَسْلِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَيْهَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ ثُمَّ إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا.
وَفِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقِلُّ النَّجَاسَةُ بِالْفَرْكِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجَسًا عِنْدَهُ قِيَاسًا، وَلَا يَعُودُ عِنْدَهُمَا اسْتِحْسَانًا وَكَذَا الْخُفُّ إذَا أَصَابَهُ نَجَسٌ فَدَلَكَهُ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ الْمَاءُ.
(وَ) يَطْهُرُ (السَّيْفُ) الصَّقِيلُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا بِالصَّقِيلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ (وَنَحْوُهُ) كَالْمِرْآةِ وَالسِّكِّينِ (بِالْمَسْحِ مُطْلَقًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ سَيْفٌ أَوْ سِكِّينٌ أَصَابَهُ الْبَوْلُ وَالدَّمُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ، وَالْعُذْرَةُ أَيْ الرَّطْبَةُ وَالْيَابِسَةُ تَطْهُرُ بِالْحَتِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ السَّيْفُ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَالْبَوْلِ وَالْعُذْرَةِ وَالْإِمَامُ الْقُدُورِيِّ اخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَكَذَا الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ أَطْلَقَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا.
(وَ) تَطْهُرُ (الْأَرْضُ) النَّجِسَةُ (بِالْجَفَافِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ وَالطَّعْمُ وَمَنْ قَصَرَ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَقَدْ قَصَرَ كَمَا فِي بَحْرِ الرِّوَايَةِ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا» أَيْ طَهَارَتُهَا جَفَافُهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ وَهِيَ الذَّبْحُ سَبَبُ الطَّهَارَةِ فِي الذَّبِيحَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (لَا لِلتَّيَمُّمِ) ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الصَّعِيدِ ثَبَتَتْ شَرْطًا لِلتَّيَمُّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {طَيِّبًا} [المائدة: 6] أَيْ طَاهِرًا فَلَا يَتَأَدَّى التَّيَمُّمُ بِمَا ثَبَتَتْ طَهَارَتُهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا لَمْ يَجُزْ التَّوَجُّهُ إلَى
الْحَطِيمِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْحَطِيمُ مِنْ الْبَيْتِ» وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْجَفَافِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِفَّ لَا تَطْهُرُ إلَّا إذَا صَبَّ عَلَيْهَا مَاءً بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لِلنَّجَاسَةِ أَثَرٌ فَتَطْهُرُ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْجَفَافِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْيُبْسِ؛ لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَفَافِ، وَالْمُعْتَبَرُ هَا هُنَا الْجَفَافُ.
(وَكَذَا الْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ (وَالْخُصُّ الْمَنْصُوبُ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْبَيْتُ مِنْ قَصَبٍ وَالْمُرَادُ هَا هُنَا السُّتْرَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَى السُّطُوحِ مِنْ الْقَصَبِ وَتَقْيِيدُ الْخُصِّ بِالْمَنْصُوبِ كَتَقْيِيدِ الْآجُرِّ بِالْمَفْرُوشِ.
(وَالشَّجَرُ وَالْكَلَأُ غَيْرُ الْمَقْطُوعِ هُوَ الْمُخْتَارُ) رَاجِعٌ إلَى الْآخَرَيْنِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِمَا مُقَيَّدَيْنِ بِقَيْدِ غَيْرِ الْمَقْطُوعِ، وَلَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْإِصْلَاحِ وَالْخَانِيَّةِ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ.
(وَالْمُنْفَصِلُ) مِنْ الْأَوَّلَيْنِ (وَالْمَقْطُوعُ) مِنْ الْأَخِيرَيْنِ (لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْجِصُّ بِالْجِيمِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَرْضِ بِخِلَافِ اللَّبِنِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْأَرْضِ.
(وَطَهَارَةُ الْمَرْئِيِّ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) النَّجَاسَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مَرْئِيَّةٌ، وَغَيْرُ مَرْئِيَّةٍ وَطَهَارَةُ الْأُولَى بِزَوَالِ عَيْنِهَا لِأَنَّ تَنَجُّسَ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِهِ فَإِزَالَتُهَا، وَلَوْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ تَطْهِيرٌ لَهُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ صَارَتْ كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً بَلْ؛ لِأَنَّ الْمَرْئِيَّ لَا يَخْلُو عَنْ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ فَإِنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِالثَّوْبِ لَا تَكُونُ مَرْئِيَّةً، وَغَيْرُ الْمَرْئِيِّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَهَذَا أَحْوَطُ، وَالْأَوَّلُ أَوْفَقُ.
(وَيُعْفَى أَثَرٌ شَقَّ زَوَالُهُ) بِأَنْ يَحْتَاجَ فِي إخْرَاجِهِ إلَى نَحْوِ الصَّابُونِ.
(وَ) يَطْهُرُ (غَيْرُ الْمَرْئِيِّ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا) .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ فَطَهَارَتُهُ أَنْ يَغْسِلَ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْغَاسِلِ أَنَّهُ قَدْ طَهُرَ؛ لِأَنَّ التَّكْرَارَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِخْرَاجِ، وَلَا يُقْطَعُ بِزَوَالِهِ فَاعْتُبِرَ غَالِبُ الظَّنِّ كَمَا فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرُوا بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ يَحْصُلُ عِنْدَهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا.
وَفِي الْمَطْلَبِ: وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ انْتَهَى وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْغَسْلِ ثَلَاثًا عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ فَعِنْدَ التَّحَقُّقِ يَنْبَغِي الزِّيَادَةُ احْتِيَاطًا عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ تَنْزِيهِيٌّ لَا تَحْرِيمِيٌّ بِدَلَالَةِ التَّعْلِيلِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ، وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ لِلْمُصَلِّي (أَوْ سَبْعًا) هَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قِيلَ: ذِكْرُ السَّبْعِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَالْعَصْرُ كُلُّ مَرَّةٍ إنْ أَمْكَنَ عَصْرُهُ) وَيُبَالِغُ فِي الثَّالِثِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ الْقَطْرُ وَالْمُعْتَبَرُ عَصْرُ الْغَاسِلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَصَرَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ يَطْهُرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً.
(وَإِلَّا) وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْعَصْرُ كَالْحَصِيرِ وَنَحْوِهِ (فَيَطْهُرُ بِالتَّجْفِيفِ، كُلُّ مَرَّةٍ يَنْقَطِعُ التَّقَاطُرُ) وَلَا يُشْتَرَطُ الْيُبْسُ، وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُنْتَفِخَةً وَاللَّحْمُ
مَغْلِيٌّ بِالْمَاءِ النَّجَسِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا وَيُجَفَّفُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ تُنْقَعَ الْحِنْطَةُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ حَتَّى تَتَشَرَّبَ ثُمَّ يُجَفَّفَ وَيُغْلَى اللَّحْمُ فِي الْمَاءِ الطَّاهِرِ وَيُبَرَّدَ، يُفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعَلَى هَذَا السِّكِّينُ الْمُمَوَّهُ بِالْمَاءِ النَّجَسِ بِأَنْ يُمَوَّهَ بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَوْ كَانَ الْغَسْلُ نَجَسًا يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ بِقَدْرِهِ وَيُغْلَى حَتَّى يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ ثَلَاثًا وَكَذَا الدُّهْنُ بِأَنْ يُوضَعَ فِي إنَاءٍ مَثْقُوبٍ وَيُجْعَلَ عَلَى الْمَاءِ، وَيُحَرَّكَ ثُمَّ يُفْتَحَ الثَّقْبُ إلَى أَنْ يَذْهَبَ الْمَاءُ ثَلَاثًا، وَلَوْ أُلْقِيَتْ دَجَاجَةٌ حَالَةَ الْغَلَيَانِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا، وَيُغْسَلَ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لِلنَّتْفِ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا وَكَذَا الدَّقِيقُ إذَا صُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ بِالِاتِّفَاقِ (.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بِعَدَمِ طَهَارَةِ غَيْرِ الْمُنْعَصِرِ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْعَصْرِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْعَصِرُ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَيَطْهُرُ بِسَاطٌ تَنَجَّسَ بِجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة وَقِيلَ أَكْثَرُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَفِي الْوِقَايَةِ لَيْلَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ لِقَطْعِ الْوَسْوَسَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: الْبِسَاطُ إذَا تَنَجَّسَ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ الْمَاءُ إلَى أَنْ يُتَوَهَّمَ زَوَالُهَا طَهُرَ؛ لِأَنَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ يَقُومُ مَقَامَ الْعَصْرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَا هُنَا مَا تَعَذَّرَ عَصْرُهُ أَوْ تَعَسَّرَ، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا لَمْ يُمْكِنْ عَصْرُهُ.
(وَ) يَطْهُرُ (نَحْوُ الرَّوْثِ وَالْعُذْرَةِ بِالْحَرْقِ حَتَّى يَصِيرَ رَمَادًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ وَصْفَ النَّجَاسَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَقِيقَةِ، وَتَنْتِفِي الْحَقِيقَةُ بِانْتِفَاءِ بَعْضِ أَجْزَاءِ مَفْهُومِهَا فَكَيْفَ بِالْكُلِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الْعَصِيرَ الطَّاهِرَ إذَا صَارَ خَمْرًا يَتَنَجَّسُ وَإِذَا صَارَ خَلًّا يَطْهُرُ اتِّفَاقًا فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِحَالَةَ الْعَيْنِ يَسْتَتْبِعُهُ زَوَالُ الْوَصْفِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ صَابُونٍ صُنِعَ مِنْ زَيْتٍ نَجَسٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ ذَلِكَ النَّجَسِ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ.
(وَكَذَا يَطْهُرُ حِمَارٌ وَقَعَ فِي الْمُمَلَّحَةِ فَصَارَ مِلْحًا) لِانْقِلَابِ الْعَيْنِ، وَهُوَ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْخَمْرِ فَلَا خِلَافَ فِي الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا كَالْخِنْزِيرِ يَطْهُرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ،.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: الْعُذُرَاتُ إذَا دُفِنَتْ فِي مَوْضِعٍ حَتَّى صَارَتْ تُرَابًا قِيلَ: تَطْهُرُ.
(وَعُفِيَ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِسَاحَةً كَعَرْضِ الْكَفِّ فِي الرَّقِيقِ وَوَزْنًا بِقَدْرِ مِثْقَالٍ فِي الْكَثِيفِ) وَالْمُرَادُ بِعَرْضِ الْكَفِّ مَا وَرَاءَ مَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ اخْتَلَفَ فِي الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَهُ بِالْمِسَاحَةِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَبِالْوَزْنِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالدِّرْهَمُ هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي بَلَغَ وَزْنُهُ مِثْقَالًا وَقِيلَ دِرْهَمُ زَمَانِهِ وَوَفَّقَ الْهِنْدُوَانِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ الْمِسَاحَةِ فِي الرَّقِيقِ كَالْبَوْلِ، وَرِوَايَةُ الْوَزْنِ فِي الثَّخِينِ كَالْعُذْرَةِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالنَّجَاسَةُ الَّتِي يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَانِعَةٌ عِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ قَلِيلَةً كَانَتْ أَوْ كَثِيرَةً مُغَلَّظَةً كَانَتْ أَوْ مُخَفَّفَةً؛ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَلَنَا أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ
الْقَلِيلِ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يَطْهُرْ بِالْكُلِّيَّةِ بِإِمْرَارِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَ الْمُسْتَنْجِي فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ، فَإِذَا صَارَ مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ مَعْفُوًّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عُلِمَ أَنَّ قَلِيلَهَا فِي الشَّرْعِ مَعْفُوٌّ؛ لِأَنَّ الْمَحَالَّ مُسْتَوِيَةٌ فَعَبَّرُوا عَنْ الْمَقْعَدِ بِالدِّرْهَمِ لِاسْتِقْبَاحِهِمْ ذِكْرَهَا فِي مَحَافِلِهِمْ (مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) السَّائِلِ إلَّا دَمَ الشَّهِيدِ فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالسَّائِلِ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ فِي اللَّحْمِ وَالْعُرُوقِ لَيْسَ بِنَجَسٍ (وَالْبَوْلِ وَلَوْ مِنْ صَغِيرِ لَمْ يَأْكُلْ) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَنْزِهُوا عَنْ الْبَوْلِ» الْحَدِيثَ (وَكُلِّ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالدَّمِ (مُوجِبًا لِلتَّطْهِيرِ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْعِرْقِ وَالْبُزَاقِ وَنَحْوِهِمَا.
(وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهِ) كَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَالْإِوَزِّ (وَبَوْلِ الْحِمَارِ وَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ) وَاعْتَرَضَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوِقَايَةِ هَا هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ وَالْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ بَوْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَوْ طَرَحَ قَوْلَهُ: وَالْبَوْلِ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى
وَفِيهِ كَلَامٌ، وَهُوَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلْكَرَامَةِ وَبَيْنَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ التَّصْرِيحُ بِحُكْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ كَذَا قَالَ الْمُحَشِّي يَعْقُوبُ بَاشَا، وَلَمْ يَتَفَطَّنْ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ فَقَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَالْبَوْلِ أَيْ مِنْ حَيَوَانٍ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْسَانٍ، وَقَوْلُهُ: بَوْلِ الْحِمَارِ نَصَّ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ يُخَالِفُ حُكْمَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَأْكُولِ فِي الْبَوْلِ كَمَا خَالَفَهُ فِي السُّؤْرِ وَالْعِرْقِ وَلَمْ يُقَدِّرْ التَّدَارُكَ فِي قَوْلِهِ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ فَسَكَتَ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّدَارُكُ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِمَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ بَوْلُ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخَرْؤُهُمَا نَجَسٌ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ يَفْسُدُ الْمَاءُ وَالثَّوْبُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَوْلُ الْخُفَّاشِ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا بَوْلُ الْفَأْرَةِ وَالْهِرَّةِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ، وَعَلَى هَذَا تَخْصِيصُ ذِكْرِهِمَا لِكَوْنِهِمَا مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(وَكَذَا الرَّوْثُ وَالْخُنْثَى) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عِنْدَهُ مَا وَرَدَ النَّصُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ فِي طَهَارَتِهِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَوْ اخْتَلَفُوا فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ بِنَاءٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لَهُ وَقَدْ وَرَدَ فِي نَجَاسَتِهِمَا نَصٌّ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ رَمَى بِالرَّوْثَةِ وَقَالَ: هَذَا رِجْسٌ أَوْ رِكْسٌ» .
وَلَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ فَتُغَلَّظُ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ عِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةً لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ إذْ اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ عِنْدَهُمَا فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ؛ إذْ لَا ضَرُورَة فِيهِ فَإِنَّ الْأَرْض تُنَشِّفُهُ.
(وَمَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ) قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ: وَأَمَّا حَدُّ الْكَثِيرِ فِي النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ فَهُوَ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ الْإِمَامِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله عَنْ الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ فَكَرِهَ
أَنْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا، وَقَالَ: الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَفْحِشُهُ النَّاسُ وَيَسْتَكْثِرُونَهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ الرُّبُعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الرُّبُعِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَقِيلَ: رُبُعُ كُلِّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْكُمِّ هُوَ الْأَصَحُّ (كَبَوْلِ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) وَإِنَّمَا خَصَّ ذِكْرَ الْفَرَسِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لَحْمِهَا تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا هَذَا مِثَالٌ لِلنَّجَسِ الْخَفِيفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَوْلُ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ.
(وَخَرَجَ طَيْرٌ لَا يُؤْكَلُ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْتِحَامِي عَنْهَا مُتَعَذِّرٌ، وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمُخَفَّفَةٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ خُرْءَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْخُرْءِ انْتَهَى، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عَرَفْت مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْخُرْءُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْقَائِلَةَ بِالطَّهَارَةِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُعَدَّ اخْتِلَافًا تَدَبَّرْ.
(وَبَوْلٌ انْتَضَحَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ) جَمْعُ إبْرَةٍ وَهُوَ الْمِخْيَطُ وَلَوْ كَانَ مِقْدَارَ عَرْضِ الْكَفِّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا جُمِعَ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِالرُّءُوسِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ الْأَكْبَرِ لَمْ يُعْفَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّأْسِ كَالرَّأْسِ، وَالْمُرَادُ مِنْ رُءُوسِ الْإِبَرِ هَا هُنَا تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ (عَفْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْفَى فِيمَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ رَمَى بِعَذِرَةٍ فِي نَهْرٍ فَانْتَضَحَ الْمَاءُ مِنْ وُقُوعِهَا فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٌ بَالَ فِي الْمَاءِ فَأَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الرَّشِّ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ لَوْنُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ شَكًّا.
(وَدَمُ السَّمَكِ وَخُرْءُ طُيُورٍ مَأْكُولَةٍ طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ دَمَ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالذُّبَابِ طَاهِرٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (إلَّا الدَّجَاجَ وَالْبَطَّ وَنَحْوَهُمَا) .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ خُرْءَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَطِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لِخُرْئِهِ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً بِالِاتِّفَاقِ (وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ) عِنْدَهُمَا أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَالطَّاهِرُ لَا يَزُولُ طَهَارَتُهُ بِالشَّكِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) نَجَسٌ (مُخَفَّفٌ) حَتَّى إذَا فَحُشَ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ النَّجَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِلضَّرُورَةِ.
(وَمَاءٌ) قَلِيلٌ (وَرَدَ عَلَى نَجَسٍ نَجَسٌ) نَجَاسَةً غَلِيظَةً حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَاءُ طَاهِرٌ لِغَلَبَتِهِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ كَنَجَسٍ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهُ نَجَسٌ اتِّفَاقًا.
(وَلَوْ لُفَّ ثَوْبٌ طَاهِرٌ فِي رَطْبٍ نَجَسٍ فَظَهَرَتْ فِيهِ رُطُوبَتُهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَّرَ تَنَجَّسَ) فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ