الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَى حِجْرِهِ حَالَ قُعُودِهِ وَإِلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَالْأَيْسَرِ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَفِي إطْلَاقِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ فَقَطْ فِي الْكُلِّ.
(وَكَظْمُ فَمِهِ) أَيْ إمْسَاكُهُ (عِنْدَ التَّثَاؤُبِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ غَطَّاهُ بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ.
(وَإِخْرَاجُ كَفَّيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَأَبْعَدُ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَأَمْكَنُ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ إلَّا لِضَرُورَةِ الْبَرْدِ وَنَحْوِهِ قَيَّدَ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيُّ بِالْأَوَّلِ فَقَالَ: عِنْدَ التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَهُ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إدْخَالُهُمَا فِي الْكُمَّيْنِ فِي غَيْرِ حَالِ التَّكْبِيرِ لَكِنْ الْأَوْلَى إخْرَاجُهُمَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ هَذَا فِي الرِّجَالِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَتَجْعَلُ يَدَيْهَا فِي كُمَّيْهَا.
(وَدَفْعُ السُّعَالِ مَا اسْتَطَاعَ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَحَصَلَتْ مِنْهُ حُرُوفٌ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
(وَالْقِيَامُ) أَيْ قِيَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ إلَى الصَّلَاةِ (عِنْدَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَقِيلَ عِنْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) أَيْ حِينَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ فَتُسْتَحَبُّ الْمُسَارَعَةُ إلَيْهِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْمِحْرَابِ، وَإِلَّا فَيَقُومُ كُلُّ صَفٍّ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْإِمَامُ عَلَى الْأَظْهَرِ.
(وَالشُّرُوعُ عِنْدَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ شُرُوعُ الْإِمَامِ عِنْدَ مَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِئَلَّا يَكْذِبَ الْمُؤَذِّنُ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ لِلْمُنَاجَاةِ، وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُشْرَعُ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى تَحْصِيلِ فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لَهُ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ يَشْرَعُ إذَا أُقِيمَ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ أَخَّرَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا.
[فَصْلٌ صِفَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاة]
فَصْلٌ
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا شَرَعَ فِي بَيَانِ صِفَةِ الشُّرُوعِ فَقَالَ (يَنْبَغِي) لِلْمُصَلِّي (الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]{الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] .
(وَإِذَا أَرَادَ) الْمُصَلِّي (الدُّخُولَ) أَيْ الشُّرُوعَ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ (كَبَّرَ) أَيْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي التَّكْبِيرِ فِي حَالِ الْقِيَامِ أَوْ فِيمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الرُّكُوعِ أَمَّا لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا، وَلَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا يُحْسِنُ شَيْئًا فَيَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ وَكَذَا الْعَاجِزُ عَنْ النُّطْقِ عَلَى الصَّحِيحِ (حَاذِفًا) وَهُوَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالْمَدِّ فِي هَمْزَةِ اللَّهُ وَلَا فِي بَاءِ أَكْبَرُ فَإِنْ أَتَى بِهِ إنْ كَانَ فِي الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ، وَإِنْ تَعَمَّدَ كَفَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَقُولُ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا كُفْرَ تَدَبَّرْ وَإِنْ أَتَى بِهِ فِي بَاءِ أَكْبَرُ
فَقَطْ قِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ أَكْبَارَ جَمْعٌ فَكَانَ فِيهِ إثْبَاتُ الشَّرِكَةِ وَقِيلَ أَكْبَارُ اسْمُ الشَّيْطَانِ فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَأَمَّا مَدُّ الْأَلْفِ فِي آخِرِ الْجَلَالَةِ فَلَا يَضُرُّ لَكِنْ حَذْفُهُ أَوْلَى وَيَرْفَعُ الْجَلَالَةَ وَلَا يَجْزِمُ وَيَجْزِمُ الرَّاءَ فِي التَّكْبِيرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «الْأَذَانُ جَزْمٌ وَالْإِقَامَةُ وَالتَّكْبِيرُ جَزْمٌ» وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَلَا يَجْزِمُ أَكْبَرُ وَيَجُوزُ فِيهِ الْجَزْمُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْجَزْمُ مُوَافَقَةً لِلْحَدِيثِ تَدَبَّرْ (بَعْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ (مُحَاذِيًا) أَيْ مُقَابِلًا (بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام إذَا كَبَّرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَ إبْهَامَاهُ قَرِيبًا مِنْ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ» (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ (مَاسًّا) بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَتَعْلِيلُ صَاحِبِ النُّقَايَةِ لِيَتَيَقَّنَ مُحَاذَاةَ يَدَيْهِ لِأُذُنَيْهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ تَدَبَّرْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ» قُلْنَا: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ، وَالْأَخْذُ بِمَا رَوَيْنَا أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَاتِ؛ لِأَنَّ بِمُحَاذَاةِ الْإِبْهَامَيْنِ الشَّحْمَتَيْنِ يَكُونُ أَصْلُ الْكَفِّ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَأُصُولُ الْأَصَابِعِ إلَى الرَّأْسِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا قِيلَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَوْقَ الرَّأْسِ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرَّفْعِ الْمَسْنُونِ أَوْ قَدَرَ عَلَى رَفْعِ يَدٍ دُونَ أُخْرَى رَفَعَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْفَعُ مَعَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ) وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ هَذَا، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَوْلًا وَالْمَحْكِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ فِعْلًا وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْخُلَاصَةِ وَجَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ الْبَقَّالِيُّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا
الثَّانِي يَرْفَعُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَنَسَبَهُ فِي الْمَجْمَعِ إلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الْغَايَةِ إلَى عَامَّةِ عُلَمَائِنَا.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ النَّسَفِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الثَّالِثُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فَيُكَبِّرُ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ.
(وَالْمَرْأَةُ تَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا) هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ هَذَا أَسْتَرُ لَهَا وَعَنْ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ.
(وَمُقَارَنَةُ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ أَفْضَلُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَقِيقَةُ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُقَارَنَةِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ وَعِنْدَهُمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ، وَأَظُنُّ أَنَّ مَا قَالَاهُ يَلْزَمُ فِيمَا احْتَاجَ الْمُقْتَدِي إلَى السَّمَاعِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ الْإِمَامِ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِيهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَغَ مِنْ قَوْلِهِ: أَكْبَرُ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لَا يَكُونُ شَارِعًا كَمَا فِي الدُّرَرِ.
(وَلَوْ قَالَ بَدَلَ التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ) اللَّهُ (أَعْظَمُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ كَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ " خذا بزركست "
أَوْ " نام خذا بزركست "(صَحَّ) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا إلَّا أَنْ لَا يُحْسِنَ الْعَرَبِيَّةَ وَالْأَصَحُّ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا
اعْلَمْ أَنَّ الْمَشَايِخَ اخْتَلَفُوا فِي الذِّكْرِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاللَّهِ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَاَللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ مُعَرَّفًا أَوْ مُنَكَّرًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ ذِكْرٍ وَهُوَ ثَنَاءٌ خَالِصٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - يُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُهُ لَا غَيْرُ نَحْوُ اللَّهُ إلَهٌ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا كَقَوْلِهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَوْ افْتَتَحَ بِالتَّعَوُّذِ أَوْ بِالْبَسْمَلَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ؛ لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لَا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ، وَمُرَادُهُ: الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، وَلَوْ قَالَ: أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا.
(وَكَذَا لَوْ قَرَأَ بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ (عَاجِزًا عَنْ الْعَرَبِيَّةِ) التَّقْيِيدُ بِالْعَجْزِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمَعْنَى، وَالْفَارِسِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى فَيَكُونُ جَائِزًا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ خَاصَّةً وَرُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ رُجُوعَهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَلِهَذَا سَاقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ.
(وَغَيْرُ الْفَارِسِيَّةِ مِنْ الْأَلْسُنِ مِثْلُهَا) أَيْ مِثْلُ الْفَارِسِيَّةِ (فِي الصَّحِيحِ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْدَعِيُّ لَمْ يَجُزْ بِغَيْرِ الْفَارِسِيَّةِ لِمَزِيَّتِهَا عَلَى غَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لِسَانُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْفَارِسِيَّةُ الدُّرِّيَّةُ» وَفِيهِ نَظَرٌ.
(وَلَوْ شَرَعَ بِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِهِ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ آنِفًا.
(ثُمَّ يَعْتَمِدُ بِيَمِينِهِ عَلَى رُسْغِ يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَحْتَ الصَّدْرِ كَمَا فِي وَضْعِ الْمَرْأَةِ عِنْدَنَا وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ فَقِيلَ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقُ بِالْخِنْصِرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَضَعُ رُسْغَهُ الْيُسْرَى فِي وَسَطِ كَفِّهِ الْيُمْنَى قَابِضًا عَلَيْهَا وَعَنْهُمَا يَضَعُ بَاطِنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الرُّسْغِ طُولًا، وَلَا يَقْبِضُ.
وَفِي النَّوَادِرِ ذَكَرَ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى رُسْغَ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يَضَعُ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا
بِالْخِنْصِرِ وَالْإِبْهَامِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ شَرْعٌ لِلْخُضُوعِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ كُلَّ قِيَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْإِرْسَالُ، وَكُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْوَضْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُعْتَمَدُ (فِي) كُلِّ (قِيَامٍ شُرِعَ فِيهِ قِرَاءَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ إنَّمَا شُرِعَ مَخَافَةَ اجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَإِنَّمَا يُخَافُ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطْوِيلُهَا (فَيَضَعُ فِي الْقُنُوتِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ أَيْ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا ذِكْرًا مَسْنُونًا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ فَيُرْسِلُ فِيهِمَا عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ (وَيُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ مُمْتَدٌّ وَقِرَاءَةٌ.
(ثُمَّ يَقْرَأُ سُبْحَانَكَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَبَّحْتُك بِجَمِيعِ آلَائِك يَا اللَّهُ تَسْبِيحًا وَاشْتَغَلْت بِحَمْدِك فَإِنَّهُ رُوِيَ - سُبْحَانَك اللَّهُ بِحَمْدِك - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِيَاسٍ وَتَبَارَكَ اسْمُك أَيْ دَامَ خَيْرُك وَتَعَالَى جَدُّك أَيْ تُجَاوِزُ عَظَمَتُك عَنْ دَرْكِ أَفْهَامِنَا وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ: وَجَلَّ ثَنَاؤُك فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك بِفَتْحِهِمَا وَرَفْعِهِمَا وَفَتْحِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِ الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ لَا لِلتَّرَاخِي وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كُلُّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا إلَّا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَإِمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَرَكَ الثَّنَاءَ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ يُكَبِّرُ وَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ.
(وَلَا يَضُمُّ وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى آخِرِ الذِّكْرِ وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأُخْرَى أَنَّ «الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْلَى لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوْجِيهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ذَلِكَ
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوْجِيهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لِيَتَّصِلَ النِّيَّةُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(ثُمَّ يَتَعَوَّذُ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ لَا يَرَى ذَلِكَ (فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِنْدَ قَضَاءِ مَا سَبَقَ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ فَيَتَعَوَّذُ (لَا الْمُقْتَدِي) أَيْ لَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُثْنِي، وَلَا يَقْرَأُ فَلَا يَتَعَوَّذُ (وَيُؤَخِّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا، وَالتَّعَوُّذُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ (هُوَ) أَيْ التَّعَوُّذُ (تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ) وَهُوَ لِلصَّلَاةِ عِنْدَهُ، فَإِنَّ التَّعَوُّذَ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ عَنْ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِيهَا بِسَبَبِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ، وَالصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَفْعَالِ فَكَانَتْ أَوْلَى (فَيَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي، وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) وَلَمْ يَذْكُرْ، وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ مَعَ أَنَّهُ لَازِمُ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ.
(وَيُسَمِّي سِرًّا) إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ جَهْرًا فِيمَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ (أَوَّلَ كُلِّ رَكْعَةٍ) عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لَا) يُسَمِّي (بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ) فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَيْنَهُمَا فِي الْمُخَافَتَةِ عِنْدَهُ وَلَا يَأْتِي بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ، وَهُوَ شَنِيعٌ.
(وَهِيَ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ (آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) بَيَانٌ لِلْأَصَحِّ مِنْ الْأَقْوَالِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّهَا لَيْسَتْ بِآيَةٍ فِي غَيْرِ سُورَةِ النَّمْلِ وَهُوَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَرَدٌّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ، وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا آيَةٌ فِي حُرْمَةِ الْمَسِّ لَا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا لِشُبْهَةٍ فِيهَا.
(ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّ صَلَاةٍ لَمْ يُقْرَأْ فِيهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ أَيْ نَاقِصَةٌ» (وَسُورَةٌ) أُخْرَى بَعْدَهَا (أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) مِنْ أَيِّ سُورَةٍ شَاءَ لِمُوَاظَبَتِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ.
وَفِي الْمُنْيَةِ إذَا قَرَأَ آيَةً وَآيَتَيْنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ يَخْرُجُ لَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي حَدِّ الِاسْتِحْبَابِ.
(وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ أَمَّنَ هُوَ) أَيْ يَقُولُ الْإِمَامُ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مَعَ تَخْفِيفِ الْمِيمِ وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ مِنْ التَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ قِيلَ: لَوْ قَالَ آمِّينَ بِالتَّشْدِيدِ تَفْسُدُ
وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَهُوَ تَعْرِيبٌ هَمِينَ.
وَفِي الرَّضِيِّ أَنَّهُ سُرْيَانِيٌّ كَقَابِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ.
(وَ) أَمَّنَ (الْمُؤْتَمُّ) أَيْضًا لِقَوْلِ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ بَعْدَ إتْيَانِ الْإِمَامِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ ذَلِكَ (سِرًّا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَهْرِيَّةِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ رَاكِعًا) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ الِانْحِطَاطِ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالُوا: وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كَذَا.
وَفِي الْقُدُورِيِّ: ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَرْكَعُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْمُقَارَنَةِ وَضِدِّهَا وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْوَاوِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَلَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَحْضِ الْقِيَامِ كَمَا تَوَهَّمَ.
(وَيَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يَتَّكِئُ بِيَدَيْهِ (عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ فَإِنَّ الْأَخْذَ وَالتَّفْرِيجَ وَالْوَضْعَ سُنَّةٌ (بَاسِطًا ظَهْرَهُ) بِحَيْثُ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ قَدَحُ مَاءٍ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ مُسْتَوِيًا (غَيْرَ رَافِعٍ رَأْسَهُ وَلَا مُنَكِّسٍ لَهُ) مِنْ نَكَّسَهُ أَيْ جَعَلَهُ مَقْلُوبًا عَلَى رَأْسِهِ مَعْنَاهُ يَسْتَوِي رَأْسُهُ بِعَجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ: وَلَا خَافِضٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَفَضَ رَأْسَهُ قَلِيلًا كَانَ خِلَافًا لِلسُّنَّةِ.
(وَيَقُولُ) أَيْ الْمُصَلِّي فِي رُكُوعِهِ مَرَّاتٍ (ثَلَاثًا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَالَ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَدْنَى الْجَوَازِ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ أَدْنَى الْكَمَالِ لِجَوَازِ الرُّكُوعِ بِتَوَقُّفِ قَدْرِ التَّسْبِيحَةِ بَلْ أَقَلُّ وَلَوْ بِلَا ذِكْرٍ (وَهُوَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى التَّسْبِيحِ الْمَسْنُونِ مِنْ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ وَالتِّسْعِ، وَلَا يَرِدُ إشْكَالٌ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى التِّسْعِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّغْلِيبِ، وَعَلَى إفْرَادِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُعَرَّفِ لِاسْمِ التَّفْضِيلِ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْ اسْمِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَتُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ مَعَ الْإِيتَارِ لِلْمُنْفَرِدِ) وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ وَقَالُوا: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ خَمْسًا لِيَتَمَكَّنَ الْقَوْمُ مِنْ الثَّلَاثِ وَلَا يُطَوِّلُ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ مُفْسِدٌ وَكُفْرٌ وَقِيلَ جَائِزٌ إنْ كَانَ الْجَائِي فَقِيرًا وَقِيلَ مَأْجُورٌ إنْ أَرَادَ الْقُرْبَةَ.
(ثُمَّ يَرْفَعُ الْإِمَامُ) رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ (قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) هَذَا مَجَازٌ عَنْ الْإِجَابَةِ يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرِيُّ أَيْ أَجَابَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: سَمِعَ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ أَيْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ، وَاللَّامُ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى مِنْ، وَالْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17] وَقِيلَ لِلسَّكْتَةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الثِّقَاتِ وَمَعْنَاهُ قِيلَ: ثَنَاءُ مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ وَأَجَابَ.
(وَيَكْتَفِي) الْإِمَامُ (بِهِ) أَيْ بِالتَّسْمِيعِ فَقَطْ عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَقَالَا يَضُمُّ إلَيْهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) سِرًّا (وَيَكْتَفِي الْمُقْتَدَى بِالتَّحْمِيدِ) وَاخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا اسْتَجِبْ، وَلَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الصَّحِيحُ (اتِّفَاقًا) مِنْ عُلَمَائِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْمَعُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَيْنَ
الذِّكْرَيْنِ (وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) وَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ حَالَ الِارْتِفَاعِ وَبِالتَّحْمِيدِ حَالَ الِانْحِطَاطِ، وَقِيلَ: حَالَ الِاسْتِوَاءِ (فِي الْأَصَحِّ) أَيْ أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ.
(وَقِيلَ كَالْمُقْتَدِي) أَيْ يَأْتِي بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ، وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ: الْأَصَحُّ الْجَمْعُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلِهَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ وَعَمَّا رُوِيَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ كَالْإِمَامِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ) خَافِضًا (وَيَسْجُدُ) مَجَازٌ أَيْ يَمِيلُ إلَى السَّجْدَةِ (فَيَضَعُ) عَلَى الْأَرْضِ (رُكْبَتَيْهِ) وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَالْفَاءُ لِعِطْفِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْمُجْمَلِ (ثُمَّ يَدَيْهِ) أَيْ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى (ثُمَّ) يَضَعُ.
(وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ) فَإِنَّ الْأَصَابِعَ تُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ فِيمَا عَدَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ (مُحَاذِيَةً أُذُنَيْهِ) يَجُوزُ بِالتَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ سُنَّةٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: الْأَوْلَى أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ (وَيُبْدِئُ) بِالْهَمْزَةِ مِنْ الْإِبْدَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَبِغَيْرِ الْهَمْزَةِ مُشَدَّدَةَ الدَّالِ أَيْ يُبِدُّ مِنْ الْإِبْدَادِ، وَهُوَ الْإِبْعَادُ (ضَبْعَيْهِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ هُوَ الْعَضُدُ وَقِيلَ وَسَطُهُ وَبَاطِنُهُ أَيْ يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ، فَإِنَّهُ لَا يُبْدِي عَضُدَيْهِ كَيْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا.
(وَيُجَافِي) أَيْ يُبَاعِدُ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) أَيْ رُءُوسَ أَصَابِعِهِمَا بِأَنْ يَضَعَ صَدْرَ الْقَدَمِ مَعَ بُطُونِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْأَرْضِ (نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا سَجَدَ الْمُؤْمِنُ يَسْجُدُ كُلُّ عُضْوٍ مَعَهُ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ الْقِبْلَةَ مَا اسْتَطَاعَ» .
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: أَنَّ انْحِرَافَ أَصَابِعِهِمَا عَنْ الْقِبْلَةِ مَكْرُوهٌ.
(وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ) مِنْ الْإِلْزَاقِ وَهُوَ الْإِلْصَاقُ (بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ أُسْتَرُ لَهَا (وَيَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَإِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا» (وَهُوَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ لَا الْجَوَازِ.
(وَيَسْجُدُ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) .
وَفِي التُّحْفَةِ: يَضَعُ الْجَبْهَةَ ثُمَّ الْأَنْفَ، وَقِيلَ يَضَعُهُمَا مَعًا (فَإِنْ اقْتَصَرَ) فِي سُجُودِهِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) أَيْ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ الْأَنْفِ (أَوْ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ دَوْرِهَا (جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ السَّجْدَةُ عَلَيْهِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَجَدَ حَجْمَ الْأَرْضِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا إجْمَاعًا، وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَنْفِ عُذْرٌ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ الْكَنْزِ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا وَمَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ: عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِتَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَمَا فِي الْكِتَابِ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَ مَا فِي الْكَنْزِ إرَادَةَ أَنَّ
فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْجَبْهَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَرْكَ الْأَحْوَطِ فِي أَمْرِ الْعِبَادَةِ كَمَا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ.
(وَقَالَا: لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْأَنْفِ مُجَرَّدًا كَمَا لَا يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْخَبَرِ الْوَجْهُ لَا الْجَبْهَةُ لَكِنْ كُلُّ الْوَجْهِ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُرَادُ بَعْضُهُ وَالْخَدُّ وَالذَّقَنُ خَرَجَا عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ لَمْ يُشْرَعْ بِوَضْعِهِمَا فَبَقِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ فَكَمَا جَازَ الِاكْتِفَاءُ بِالْجَبْهَةِ يَجُوزُ بِالْأَنْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَيَجُوزُ) أَيْ السُّجُودُ (عَلَى فَاضِلِ ثَوْبِهِ) كَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ إنْ كَانَ الْمَكَانُ طَاهِرًا أَمَّا لَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى نَجَاسَةٍ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَصَحَّحَ الشُّمُنِّيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ الْجَوَازَ.
(وَعَلَى شَيْءٍ يَجِدُ) السَّاجِدُ (حَجْمَهُ وَتَسْتَقِرُّ جَبْهَتُهُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَا لَا تَسْتَقِرُّ) وَحَدُّ الِاسْتِقْرَارِ أَنَّ السَّاجِدَ إنْ بَالَغَ لَا يُنْزِلُ رَأْسَهُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ السَّجْدَةُ عَلَى الثَّلْجِ بِأَنْ غَابَ وَجْهُهُ فِيهِ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ وَوَجَدَ حَجْمَهُ بِأَنْ تَلَبَّدَ الثَّلْجُ تَجُوزُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ التُّرَابُ وَنَحْوُهُ.
(وَإِنْ سَجَدَ لِلزَّحْمَةِ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ) يَعْنِي لَوْ سَجَدَ لِلزِّحَامِ عَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاتَهُ (جَازَ) لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَجُوزُ لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ لَا يُصَلِّي أَوْ يُصَلِّي وَلَكِنْ لَا يُصَلِّي صَلَاتَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَ رُكْبَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيه وَقِيلَ لَا يُجْزِيه إلَّا إذَا سَجَدَ الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ.
(وَهِيَ) أَيْ السَّجْدَةُ (ثُمَّ بِالرَّفْعِ) أَيْ بِرَفْعِ الْجَبْهَةِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْوَضْعِ) أَيْ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ فَسَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السَّجْدَةِ مِنْ الْخَامِسَةِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ لِلتَّوَضُّؤِ وَالْبِنَاءُ جَازَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
(ثُمَّ يَرْفَعُ) الْمُصَلِّي (رَأْسَهُ) مِنْ السُّجُودِ (مُكَبِّرًا) الرَّفْعُ فَرْضٌ، وَالتَّكْبِيرُ سُنَّةٌ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِقَالَ فَرْضٌ، وَالرَّفْعُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ.
(وَيَجْلِسُ)
بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (مُطْمَئِنًّا) أَيْ سَاكِنًا بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ، وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ عِنْدَنَا وَكَذَا بَعْدَ رَفْعِهِ، وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ: إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمِّي رَافِعًا جَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ هُوَ الْأَصَحُّ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ.
(وَيُكَبِّرُ) لِلسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ خَافِضًا (وَيَسْجُدُ مُطْمَئِنًّا) قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَكْرَارِ السَّجْدَةِ أَنَّ الْأُولَى لِامْتِثَالِ الْأَمْرِ، وَالثَّانِيَةُ لِتَرْغِيمِ إبْلِيسَ فَإِنَّهُ أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَنَحْنُ أُمِرْنَا بِهِ فَنَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ تَرْغِيمًا لَهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ إبْلِيسَ سَجَدَ لِلَّهِ - تَعَالَى - كَثِيرًا وَمَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا امْتِنَاعُهُ مِنْ السُّجُودِ لِآدَمَ عليه السلام كَمَا قَالَ السُّرُوجِيُّ فِي غَايَتِهِ وَقِيلَ: الْأُولَى إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ، وَالثَّانِيَةُ إلَى أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ فَلَا يُطْلَبُ فِيهِ الْمَعْنَى كَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ.
(ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلنُّهُوضِ فَيَرْفَعُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ) عَلَى عَكْسِ السُّجُودِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عِنْدَ النُّهُوضِ، وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيُمْنَى، وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ.
(وَيَنْهَضُ قَائِمًا) بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ النُّهُوضُ الْقِيَامُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَيَقُومُ قَائِمًا، وَلَا مَعْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّجْرِيدِ وَيُجْعَلَ بِمَعْنَى يَسْتَوِي، وَهُوَ بَعِيدٌ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ النُّهُوضَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى التَّوَجُّهِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَكِلَاهُمَا مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَقَامِ فَلَمْ يَتَفَطَّنْ هَذَا الرَّادُّ فَقَالَ مَا قَالَ (مِنْ غَيْرِ قُعُودٍ، وَلَا اعْتِمَادٍ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ) أَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى فَخِذَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْلِسُ بَعْدَهَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَتُسَمَّى جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ، وَيَقُومُ مُعْتَمِدًا؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كَذَا، وَلَنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صَدْرِ قَدَمَيْهِ» وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ مَا وُضِعَتْ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ وَالْكِبَرِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ شَيْخًا كَانَ أَوْ شَابًّا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
(وَالثَّانِيَةُ) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ (كَالْأُولَى) أَيْ يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَفْعَلُ فِي الْأُولَى (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا.
(وَلَا يَتَعَوَّذُ) ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فَقْعَسَ صَمْعَجَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي ثَمَانِيَةِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَعِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعِنْدَ الْمَوْقِفَيْنِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ» فَلِكُلٍّ حَرْفٌ
مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ.
(فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ) أَيْ بَسَطَ عَلَى الْأَرْضِ (رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَجَلَسَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرِّجْلِ.
(وَنَصَبَ يُمْنَاهُ) مِنْ الرِّجْلِ (نَصْبًا وَوَجَّهَ أَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) بِقَدْرِ مَا اسْتَطَاعَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقْعُدُ الْقَعْدَتَيْنِ عَلَى هَذَا» .
(وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) بِحَيْثُ تَكُونُ أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الرُّكْبَةِ (وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ مُوَجَّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصِرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ عِنْدَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمِثْلُ هَذَا جَاءَ عَنْ عُلَمَائِنَا أَيْضًا.
(وَقَرَأَ) أَيْ الْمُصَلِّي (تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه) وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَشَهُّدِ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهٍ تُذْكَرُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُطْلَبْ مِنْهَا (وَهُوَ التَّحِيَّاتُ) أَيْ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ (لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ) أَيْ: الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ لِلَّهِ (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى (السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) قِيلَ لَمَّا أَثْنَى النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عليه الصلاة والسلام بِمُقَابَلَةِ التَّحِيَّاتِ السَّلَامَ وَالرَّحْمَةَ بِمُقَابَلَةِ الصَّلَوَاتِ وَالْبَرَكَاتِ أَيْ النَّمَاءَ وَالزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَةِ الطَّيِّبَاتِ (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) وَهَذَا السَّلَامُ مَقُولُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أَيْ أَعْلَمُ وَأَتَيَقَّنُ أُلُوهِيَّةَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَعُبُودِيَّةَ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام وَرِسَالَتَهُ.
(وَلَا يَزِيدُ) شَيْئًا (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى التَّشَهُّدِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، وَهَذَا فِي الْفَرَائِضِ وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ (فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِيهَا.
(وَيَقْرَأُ فِيمَا بَعْدَ) الرَّكْعَتَيْنِ (الْأُولَيَيْنِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْفَرْدُ الثَّالِثُ مِنْ الْمَغْرِبِ (الْفَاتِحَةَ خَاصَّةً) أَيْ لَا يَضُمُّ مَعَهَا السُّورَةَ، وَلَوْ ضَمَّ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّسْمِيَةَ وَالتَّأْمِينَ اعْتِمَادًا عَلَى تَبَعِيَّةِ الْفَاتِحَةِ.
(وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ (أَفْضَلُ وَإِنْ سَبَّحَ)
بِقَدْرِهَا أَوْ ثَلَاثَ تَسْبِيحَاتٍ (أَوْ سَكَتَ) بِقَدْرِهَا أَوْ بِقَدْرِ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ (جَازَ) وَقِيلَ: إنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا عَمْدًا كَانَ مُسِيئًا وَلَوْ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ.
(وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَتَوَرَّكُ فِيهَا فَالتَّشْبِيهُ فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقُعُودَ فَرْضٌ، وَالْأَوَّلُ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلَوْ قَالَ: وَالْقُعُودُ فِي الْأَخِيرِ كَالْقُعُودِ فِي الْأَوَّلِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَتَنَاوَلَ الْقُعُودَ فِي الْفَجْرِ وَقُعُودَ الْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ (وَالْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْقَعْدَتَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ التَّوَرُّكُ (أَنْ تَجْلِسَ عَلَى أَلْيَتِهَا) بِالْفَتْحِ (الْيُسْرَى وَتُخْرِجَ كِلْتَا رِجْلَيْهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا، وَتَضُمَّ فَخِذَيْهَا وَتَجْعَلَ السَّاقَ الْيُمْنَى عَلَى السَّاقِ الْيُسْرَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ.
(فَإِذَا أَتَمَّ) الْمُصَلِّي (التَّشَهُّدَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي (صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَفَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِنْسَانِ مَرَّةً إنْ شَاءَ جَعَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا.
وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كُلَّمَا ذُكِرَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام كُلَّمَا ذُكِرَ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُقَالَ: وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؛ إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا يُكْرَهَ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ.
(وَدَعَا) بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (بِمَا شَاءَ مِمَّا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ) نَحْوَ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا} [الحشر: 10] الْآيَةَ وَ {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23] الْآيَةَ وَ {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ} [آل عمران: 192] الْآيَةَ.
(وَالْأَدْعِيَةَ الْمَأْثُورَةَ) يَجُوزُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظَ وَبِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ نَحْوَ «اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِك وَارْحَمْنِي إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ، وَنَحْوَ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ وَأَعُوذُ بِك مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ» (لَا) يَدْعُو (بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) نَحْوَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مَالًا