الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا يَرْكَبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ أَنْ يَرْكَبَهُ بِغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُهْزِلَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ (فَإِنْ نَقَصَ بِرُكُوبِهِ) شَيْءٌ مِنْهُ (ضَمِنَهُ) أَيْ النُّقْصَانَ (وَلَا يَحْلِبُهُ) أَيْ الْهَدْيَ إذَا كَانَ لَهُ لَبَنٌ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ (فَإِنْ حَلَبَهُ) وَانْتَفَعَ بِهِ، أَوْ دَفَعَهُ إلَى الْغَنِيِّ لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُ كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَبَرِهِ، أَوْ صُوفِهِ (تَصَدَّقَ بِهِ) أَيْ بِاللَّبَنِ (وَيَنْضَحُ ضَرْعَهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيَنْقَطِعَ لَبَنُهُ) قَالُوا هَذَا إذَا قَرُبَ مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ وَأَمَّا إذَا أُبْعِدَ عَنْهُ فَيُحْلَبُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَيَتَصَدَّقُ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ إلَّا إذَا اُسْتُهْلِكَ فَإِنَّهُ بِالْقِيمَةِ وَلَوْ وَلَدَ الْهَدْيُ ذُبِحَ مَعَ الْوَلَدِ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ (فَإِنْ عَطِبَ) بِالْكَسْرِ أَيْ هَلَكَ (الْهَدْيُ الْوَاجِبُ، أَوْ تَعَيَّبَ) عَيْبًا (فَاحِشًا) يَمْنَعُ جَوَازَ الْأُضْحِيَّةِ (أَقَامَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ) ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ وَالْعَيْبُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ (وَصَنَعَ بِالْمَعِيبِ مَا شَاءَ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمِلْكِهِ وَإِنْ عَطِبَ أَيْ قَرُبَ إلَى الْعَطَبِ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ؛ لِأَنَّ النَّحْرَ بَعْدَ حَقِيقَةِ الْعَطَبِ لَا يُتَصَوَّرُ (التَّطَوُّعُ نَحَرَهُ وَصَبَغَ نَعْلَهُ) أَيْ قِلَادَتَهُ (بِدَمِهِ وَضَرَبَ بِهِ) أَيْ بِنَعْلِهِ (صَفْحَتَهُ) أَيْ صَفْحَةَ سَنَامِهِ (وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ هُوَ وَلَا غَنِيٌّ) لِعَدَمِ تَمَامِ الْقُرْبَةِ وَفَائِدَةُ الْفِعْلِ أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَ مِنْهُ الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُتْرَكَ لَحْمًا لِلسِّبَاعِ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ) لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ (وَتُقَلَّدُ بَدَنَةُ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ) ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ نُسُكٍ (لَا) يُقَلَّدُ (غَيْرُهَا) كَدِمَاءِ الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْإِحْصَارِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا الْجِنَايَةُ، وَالسَّتْرُ أَلْيَقُ لَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ لَا يَضُرُّ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْمُحِيطِ يُقَلِّدُ دَمَ النَّذْرِ.
[مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ فِي كِتَاب الْحَجّ]
مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ أَنْ يَذْكُرُوا فِي آخِرِ الْكِتَابِ مَا شَذَّ وَنَدَرَ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْأَبْوَابِ السَّالِفَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ تَكْثِيرًا لِلْفَائِدَةِ وَيُتَرْجِمُوا عَنْهُ بِمَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ، أَوْ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَبْوَابِ (شَهِدُوا أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ بَطَلَتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَالْحَجُّ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى أَمْرٍ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ وَالْحَجُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامًّا لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ بَيِّنٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ صِيَانَةً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ.
(وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ) أَيْ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَفُوا فِيهِ (يَوْمُ التَّرْوِيَةِ صَحَّتْ) هَذِهِ الشَّهَادَةُ لِإِمْكَانِ التَّدَارُكِ فَلَوْ شَهِدُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْإِمَامُ أَنْ
يَقِفَ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَقِفُوا عَشِيَّتَهُ فَاتَهُمْ الْحَجُّ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَقِفَ مَعَهُمْ لَيْلًا لَا نَهَارًا فَكَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقِفَ لَيْلًا مَعَ أَكْثَرِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقِفُوا مِنْ الْغَدِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي لَفْظِ الْجَمْعِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةُ جَمْعٍ عَظِيمٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَهْيِيجًا لِلْفِتْنَةِ.
(وَمَنْ تَرَكَ الْجَمْرَةَ الْأُولَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) وَرَمَى الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ (فَإِنْ شَاءَ رَمَاهَا فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْمِيَ الْكُلَّ) رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ.
(مَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا يَمْشِي مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَطُوفَ لِلزِّيَارَةِ) عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْحَجَّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّ الْمَشْيَ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ فَيَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ، وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَشْيَهُ مَكْرُوهٌ (وَقِيلَ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ) ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَفْعَالِهِ (فَإِنْ رَكِبَ لَزِمَهُ دَمٌ) وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ (حَلَالٌ اشْتَرَى أَمَةً مُحْرِمَةً بِالْإِذْنِ) أَيْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى (فَلَهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (أَنْ يُحَلِّلَهَا) وَالْأَوْلَى تَحْلِيلُهَا (بِقَصِّ شَعْرٍ، أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ قَبْلَ الْجِمَاعِ) .
(وَمِنْ الْمُهِمَّاتِ) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي الْمُجَاوَرَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إلَى اسْتِحْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْوُقُوعُ فِي الْمَحْظُورَاتِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَالْإِمَامُ مَالِكٌ إلَى كَرَاهَتِهَا وَهُوَ الْأَحْوَطُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ قَدْرَهُمَا وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ خَاصَّةٌ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ عِنْدَنَا وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ حَرَمٌ فِي حَقِّ الصُّيُودِ وَالْأَشْجَارِ وَغَيْرِهِمَا الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ حَجُّ الْفَرْضِ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ بِخِلَافِ النَّفْلِ لَا يَتَزَوَّجُ الْمُقْتَدِرُ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ جَازَ حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ مَكَّةُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْرَفُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا سِوَاهَا وَمِنْ أَحْسَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بَلْ يَقْرُبُ مِنْ دَرَجَةِ الْوَاجِبَاتِ زِيَارَةُ قَبْرِ نَبِيِّنَا وَسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ حَرَّضَ عليه السلام عَلَى زِيَارَتِهِ وَبَالَغَ فِي النَّدْبِ إلَيْهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ جَاءَنِي زَائِرًا لَا يُهِمُّهُ حَاجَةٌ إلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَيَّ أَنْ أَكُونَ شَفِيعًا لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ «لَا عُذْرَ لِمَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ مِنْ أُمَّتِي وَلَمْ يَزُرْنِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ صَلَّى عَلَى قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ نَائِيًا بُلِّغْتُهُ» وَقَوْلُهُ «مَنْ حَجَّ وَزَارَ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ كَمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي» وَقَوْلُهُ «مَنْ زَارَنِي إلَى الْمَدِينَةِ مُتَعَمِّدًا كَانَ فِي جِوَارِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ إذَا لَمْ يَقَعْ
فِي طَرِيقِ الْحَاجِّ الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ ثُمَّ يُثَنِّي بِالزِّيَارَةِ فَإِذَا نَوَاهَا فَلْيَنْوِ مَعَهَا زِيَارَةَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَيْهَا يُكْثِرُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَيْهِ أَشْرَفُ التَّحِيَّاتِ وَأَفْضَلُ التَّسْلِيمَاتِ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمَدِينَةِ اغْتَسَلَ بِظَاهِرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، أَوْ تَوَضَّأَ وَلَكِنَّ الْغُسْلَ أَفْضَلُ وَلَبِسَ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَكُلَّ مَا كَانَ أَدْخَلَ فِي الْأَدَبِ وَالْإِجْلَالِ فَعَلَهُ وَإِذَا دَخَلَهَا قَالَ {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] . الْآيَةُ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك وَرَحْمَتِك وَارْزُقْنِي زِيَارَةَ قَبْرِ رَسُولِك الْمُجْتَبَى عليه الصلاة والسلام مَا رَزَقْتَ أَوْلِيَاءَكَ وَأَهْلَ طَاعَتِك وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ وَلْيَكُنْ مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا بِكَمَالِ الْأَدَبِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَيَدْخُلُ مِنْ الْبَابِ الْمَعْرُوفِ بِبَابِ جِبْرِيلَ عليه الصلاة والسلام قَاصِدًا الرَّوْضَةَ الشَّرِيفَةَ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقَبْرِ الشَّرِيفِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» فَيُصَلِّي عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام رَكْعَتَيْنِ يَقِفُ بِحَيْثُ يَكُونُ عَمُودُ الْمِنْبَرِ بِحِذَاءِ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَيَسْجُدُ شُكْرًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَدْعُو بِمَا يُحِبُّ، ثُمَّ يَنْهَضُ فَيَتَوَجَّهُ إلَى الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَيَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيَدْنُو مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، أَوْ أَرْبَعَةٍ وَلَا يَدْنُو مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جِدَارِ التُّرْبَةِ الشَّرِيفَةِ فَهُوَ أَهْيَبُ وَأَعْظَمُ لِلْحُرْمَةِ وَيَقِفُ كَمَا يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَيْرَ خَلْقِ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِينُهُ أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ وَنَصَحْتَ الْأُمَّةَ وَكَشَفْتَ الْغُمَّةَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا جَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَازَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ اللَّهُمَّ أَعْطِ سَيِّدَنَا عَبْدَكَ وَرَسُولَكَ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ وَابْعَثْهُ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الَّذِي وَعَدْتَهُ وَأَنْزِلْهُ الْمَنْزِلَ الْمُبَارَكَ عِنْدَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى حَاجَتَهُ، وَأَعْظَمُ الْحَاجَاتِ سُؤَالُ حُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْأَلُكَ الشَّفَاعَةَ الْكُبْرَى وَأَتَوَسَّلُ بِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ أَمُوتَ مُسْلِمًا عَلَى مِلَّتِكَ وَسُنَّتِكَ وَأَنْ أُحْشَرَ فِي زُمْرَةِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ عَنْ يَمِينِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقْبِلًا قَدْرَ ذِرَاعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ وَثَانِيهِ فِي الْغَارِ وَيَا أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكَ وَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا خَيْرًا، ثُمَّ يَتَأَخَّرُ كَذَلِكَ فَيُسَلِّمُ عَلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ الْفَارُوقَ أَنْتَ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِكَ الْإِسْلَامَ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام خَيْرًا، ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى حِيَالِهِ وَجْهَ
النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ بِأَفْضَلِ مَا يُمْكِنُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَيَسْتَشْفِعُ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، ثُمَّ يَفْعَلُ مَا شَاءَ مِمَّا تَيَسَّرَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْبَقِيعِ وَيَزُورَ الْقُبُورَ الَّتِي يُتَبَرَّكُ بِهَا كَقَبْرِ عُثْمَانَ وَعَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَقُبُورِ صَاحِبِ الْأَصْحَابِ الْأَبْرَارِ وَالْآلِ الْأَخْيَارِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَسَائِرِ أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ رحمهم الله وَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ أَنْتُمْ لَنَا سَابِقُونَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَيَفْعَلُ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَالْخَيْرَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَيَكُونُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَا دَامَ سَاكِنًا فِيهَا فَإِذَا عَزَمَ إلَى السَّفَرِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوَدِّعَ فِي الْمَسْجِدِ بِصَلَاةٍ وَقَدْ أَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ «صَلَاةً فِي مَسْجِدِي خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» وَيَدْعُو بَعْدَهُ بِمَا أَحَبَّ وَأَنْ يَأْتِيَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِإِخْوَانِهِ الصَّالِحِينَ وَأَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُ دَارَ النَّعِيمِ وَيُوَصِّلَهُ إلَى أَهْلِهِ سَالِمًا غَانِمًا بِخَيْرِ عَاقِبَةٍ وَحُسْنِ عَافِيَةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الْجِيرَانِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ بَاكِيًا حَزِينًا عَلَى فِرَاقِ الْحَضْرَةِ النَّبَوِيَّةِ وَمِنْ السُّنَنِ أَنْ يُكَبِّرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ وَيَقُولَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَأَعَزَّ جُنْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ وَإِذَا دَخَلَ بَلَدَهُ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينَ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَّيْنَ وَنَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَشَرِّ مَا فِيهَا اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِيهَا قَرَارًا وَارْزُقْنِي رِزْقًا حَسَنًا طَيِّبًا حَلَالًا مُبَارَكًا وَيَنْبَغِي لِمَنْ يَتَوَجَّهُ إلَى الْحَجِّ الشَّرِيفِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا اكْتَسَبَ وَمَا فَعَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّنُوبِ عَسَى رَبُّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَأَنْ يُرْضِيَ خُصُومَهُ وَيَقْضِيَ دُيُونَهُ إلَّا مَا كَانَ مُؤَجَّلًا وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ إلَى أَهْلِهَا وَيَتْرُكَ نَفَقَةَ عِيَالِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَيَسْتَصْحِبَ نَفَقَةً طَيِّبَةً قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُونَ عَلَى رِفْقٍ مَعَ رُفَقَائِهِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ وَعَلَى سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَطْوَارِ وَيَفْعَلُ مَا لَا يَتَأَلَّمُ مِنْهُ الْخَلْقُ وَلَا يَتَأَذَّى وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ الْمَلِكِ الْمُتَعَالِ فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ فَإِذَا تَوَجَّهَ السَّفَرَ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَحْسَنِ مَا كَانَ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالتَّيْسِيرَ لِمَا أَرَادَ وَالْحِفْظَ مِنْ شَرِّ الْعِبَادِ وَالطُّغَاةِ وَيَتَصَدَّقُ بِمَا يَطِيبُ قَلْبُهُ مِنْ أَطْيَبِ الْأَمْوَالِ مِنْ مَالِهِ الْحَلَالِ وَيَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ الْأَبْرَارِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ يُوَدِّعُ أَهْلَهُ وَعِيَالَهُ وَسَائِرَ مَنْ حَضَرَ