الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الْخُلْعِ]
ِ الْمُنَاسَبَةُ الْخَاصَّةُ بَيْنَ الْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ النُّشُوزُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَالْخُلْعُ نُشُوزٌ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ هُوَ لُغَةً النَّزْعُ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّرْشِيحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] فَكَأَنَّهُمَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ نَزَعَا لِبَاسَهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا بِالضَّمِّ إلَّا أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَشَرْطُهُ شَرْطُ الطَّلَاقِ وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ وَصِفَتُهُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَمُعَارَضَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَمِينٌ عِنْدَ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَأَلْفَاظُهُ الْخُلْعُ وَالْمُبَارَأَةُ وَالتَّطْلِيقُ وَالْمُبَايَنَةُ وَالْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ خَالَعْتُ نَفْسِي مِنْك بِكَذَا وَقَالَ خَلَعْت وَشَرْعًا (وَهُوَ الْفَصْلُ عَنْ النِّكَاحِ) الْمُرَادُ بِهِ الصَّحِيحُ فَخَرَجَ بِهِ الْفَاسِدُ وَمَا بَعْدَ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لَا مِلْكَ فِيهِ وَهَذَا التَّعْرِيفُ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْكَنْزِ لَكِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ فَصْلٌ عَنْ النِّكَاحِ وَلَيْسَ بِخُلْعٍ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ هَذَا تَفْسِيرٌ لَا تَعْرِيفٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ (أَنْ تَفْتَدِيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِمَالٍ لِيَخْلَعَهَا بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ وَكَذَا مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ وَفِي الْفَتْحِ وَفِي الشَّرْعِ أَخْذُ الْمَالِ بِإِزَاءِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْأَوْلَى قَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِ مَعَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالْفَرْقِ بِخُصُوصِ الْمُتَعَلِّقِ وَالْقَيْدِ الزَّائِدِ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِنَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ فِيهِ وَبِبَدَلٍ فِيمَا يَلِيه فَالصَّحِيحُ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ بِبَدَلٍ بِلَفْظِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَيْسَ هُوَ الْخُلْعُ بَلْ فِي حُكْمِهِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْنُونَةِ لَا مُطْلَقًا انْتَهَى لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا عَرِيَ عَنْ الْبَدَلِ كَمَا إذَا قَالَ خَالَعْتُكِ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَقَبِلَتْ فَإِنَّهُ خُلْعٌ مُسْقِطٌ لِلْحُقُوقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِهَا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ تَأَمَّلْ (وَلَا بَأْس بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (عِنْدَ الْحَاجَةِ) بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عِنْدَ ضَرُورَةِ عَدَمِ قَبُولِ الصُّلْحِ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِيُصْلَحَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُصْلِحَا جَازَ لَهُ الطَّلَاقُ وَالْخُلْعُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَدَمَ الْخُلْعِ أَوْلَى (وَكُرِهَ) [لَهُ أَيْ لِلزَّوْجِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] إنْ نَشَزَ الزَّوْجُ وَكُرِهَ أَخْذُ أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ إنْ نَشَزَتْ] تَحْرِيمًا وَقِيلَ تَنْزِيهًا (لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ (أَخْذُ شَيْءٍ) مِنْ الْمَهْرِ وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20](إنْ نَشَزَ) الزَّوْجُ أَيْ كَرِهَهَا وَبَاشَرَ أَنْوَاعَ الْأَذَى.
(وَ) كُرِهَ (أَخْذُ أَكْثَرِ مِمَّا أَعْطَاهَا) مِنْ الْمَهْرِ (إنْ نَشَزَتْ) الْمَرْأَةُ فَلَا يُكْرَهُ أَخْذُ مَا قَبَضَتْهُ مِنْهُ هَذَا عَلَى رِوَايَةٍ الْأَصْلِ وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا لَكِنَّ اللَّائِقَ بِحَالِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَ نَاقِصًا مِنْ الْمَهْرِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَطْءُ عَنْ الْمَالِ (وَالْوَاقِعُ بِهِ) أَيْ بِالْخُلْعِ (وَبِالطَّلَاقِ
عَلَى مَالٍ) بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى مَالٍ كَذَا أَوْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا وَيَقُولَ هُوَ طَلَّقْتُك عَلَيْهِ (بَائِنٌ) إذَا كَانَ بِعِوَضٍ لَا رَجْعِيٌّ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْكِنَايَاتِ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ قَالُوا إنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ هُنَا لِأَنَّهُ بِحُكْمِ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ كَالصَّرِيحِ وَلَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْ بِهِ طَلَاقًا لَا يُسْمَعُ قَضَاءً لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَالِ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِهِ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ لَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُبَارَأَةِ وَلَا يُصَدَّقُ فِي لَفْظِ الطَّلَاقِ وَالْبَيْعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْخُلْعَ رَجْعِيٌّ وَعَنْهُ فِي قَوْلِ الْقَدِيمِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ فَسْخٌ بِالنِّكَاحِ (وَيَلْزَمُ الْمَالُ الْمُسَمَّى) فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِهِ (وَمَا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (مَهْرًا صَلُحَ) أَنْ يَكُونَ (بَدَلًا لِلْخُلْعِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعَيَّنًا فَيَأْخُذُهُ لَا غَيْرُ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ مَعْلُومٍ فَيَأْخُذُهُ وَسَطًا أَوْ مَجْهُولًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَهْرِهَا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهَذَا الْأَصْلُ لَا يُنَافِي الْعَكْسَ حَتَّى جَازَ مَا لَا يَصْلُحُ مَهْرًا كَالْأَقَلِّ مِنْ الْعَشَرَةِ، وَكَذَا مَا فِي يَدِهَا وَبُطُونِ غَنَمِهَا أَوْ جَارِيَتِهَا مِنْ الْوَلَدِ أَوْ ضُرُوعِ غَنَمِهَا مِنْ اللَّبَنِ أَوْ نَخِيلِهَا مِنْ الثِّمَارِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَيَانُ الْجِنْسِ لَا بَيَانُ الْقَدْرِ فَلَا يَضُرُّ.
(وَإِنْ بَطَلَ الْعِوَضُ فِيهِ) أَيْ فِي الْخُلْعِ (يَقَعُ بَائِنًا) لِكَوْنِهِ كِنَايَةً (وَفِي الطَّلَاقِ) الصَّرِيحِ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ لَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ فِيهِمَا (كَمَا إذَا خَالَعَهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَهُوَ مُسْلِمٌ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَيْتَةٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ فَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ بِمُقَابَلَتِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْكِتَابَةِ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى مُتَقَوِّمٌ وَكَذَا الْبُضْعُ فِي حَالَةِ الدُّخُولِ.
وَفِي الْمِنَحِ خَالِعْنِي عَلَى هَذَا الْخَلِّ فَإِذَا هُوَ خَمْرٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَرُدَّ الْمَهْرَ الْمَأْخُوذَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا لِأَنَّهَا قَدْ سَمَّتْ مَالًا مُتَقَوِّمًا فَتَصِيرُ غَارَّةً لَهُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَا شَيْءَ.
(أَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا عَامَّةٌ تَشْمَلُ مَالَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا لَا تَغُرُّهُ بِذِكْرِهِ مَا لَهُ قِيمَةٌ وَالرُّجُوعُ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الْغُرُورِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ وَكَذَا إذَا قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا
فِي هَذَا الْبَيْتِ أَوْ مَا فِي بُطُونِ غَنَمِي أَوْ مَا فِي شَجَرِي أَوْ نَخْلِي وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ حَالَ قَوْلِهَا فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ.
(وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي (عَلَى مَا فِي يَدِيَ مِنْ دَرَاهِمَ وَ) الْحَالُ (لَا شَيْءَ فِي يَدِهَا لَزِمَهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ) وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهَا دِرْهَمٌ تُؤْمَرُ بِإِتْمَامِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَهُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ يَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا قَالَ فِي الْجَامِعِ إنْ كَانَ فِي يَدِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةٌ فَعَبْدُهُ حُرٌّ وَفِي يَدِهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ كَانَ حَانِثًا لِأَنَّ مِنْ قَدْ تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ تَكُونُ صِلَةً كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ كَانَ لِلتَّبْعِيضِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ كَانَ صِلَةً كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ فَإِنَّهَا لَوْ قَالَتْ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ دَرَاهِمَ كَانَ الْكَلَامُ مُخْتَلًّا، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ بِمَنْزِلَةِ مَا إذَا قَالَ لَا أَشْتَرِي الصَّيْدَ قِيلَ إنَّمَا يُحْمَلُ الْكَلَامُ عَلَى الْجِنْسِ إذَا كَانَ احْتِمَالُ كُلِّ الْجِنْسِ فِيهِ مُتَصَوَّرًا وَلَا تَصَوُّرَ هُنَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهَا وَقِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ هُنَا زَائِدَةٌ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى.
(وَإِنْ قَالَتْ) خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِيَ (مِنْ مَالٍ) أَوْ عَلَى مَا فِي بَيْتِي مِنْ مَتَاعٍ وَالْحَالُ لَا شَيْءَ فِيهِمَا (لَزِمَهَا رَدُّ مَهْرِهَا) إنْ كَانَ مَقْبُوضًا أَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا مَتَى أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ مُتَقَوِّمٍ فَلَمْ تُسَلِّمْ لَهُ لِفَقْدِهِ وَعَدَمِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ لِأَنَّهَا غَرَّتْهُ حَيْثُ أَطْعَمَتْهُ فِي مَالٍ وَالْمَغْرُورُ يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ بِالْبَدَلِ فَإِذَا فَاتَ الشُّرُوطُ الْمَطْمَعَ فِيهِ زَالَ مِلْكُهُ مَجَّانًا فَيَلْزَمُهَا أَدَاءُ الْمُبْدَلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعِ وَقَدْ عَجَزَتْ عَنْ رَدِّهِ فَيَلْزَمُهَا رَدُّ قِيمَتِهِ وَهُوَ الْمَهْرُ وَلَوْ خَالَعَهَا بِمَالِهَا مِنْ الْمَهْرِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ لَزِمَهُ رَدُّ الْمَهْرِ، وَإِنْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا مَتَاعَ لَهَا فِي الْبَيْتِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِهَا الْآبِقِ) صِفَةُ الْعَبْدِ (عَلَى أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِنْ ضَمَانِهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ إنْ وُجِدَ الْعَبْدُ يُسَلَّمْ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا (لَا تَبْرَأُ) الْمَرْأَةُ مِنْ ضَمَانِهِ بِخِلَافِ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَيْبِهِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ (وَلَزِمَهَا تَسْلِيمُهُ) أَيْ الْعَبْدِ (إنْ أَمْكَنَ) التَّسْلِيمُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهُ (فَقِيمَتُهُ) لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَقْضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ وَاشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ عَنْهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَيَبْطُلُ إلَّا أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلِذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يُمْسِكَ الْوَلَدَ عِنْدَهُ صَحَّ الْخُلْعُ وَبَطَلَ
الشَّرْطُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ) فَتُجْعَلُ الْأَلْفُ ثَلَاثًا كُلُّ ثُلُثٍ بِمُقَابَلَةِ وَاحِدَةٍ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ ثِنْتَيْنِ فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لَزِمَهَا الْأَلْفُ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهَا بِإِزَاءِ الْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ كَمَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا دَفْعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (وَبَانَتْ) لِوُجُوبِ الْمَالِ (وَفِي عَلَى) أَلْفٍ (يَقَعُ رَجْعِيًّا بِلَا شَيْءٍ) أَيْ مَجَّانًا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالشَّافِعِيِّ كَلِمَةُ عَلَى (كَالْبَاءِ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ حَتَّى أَنَّ قَوْلَهُمْ احْمِلْ هَذَا الطَّعَامَ بِدِرْهَمٍ أَوْ عَلَى دِرْهَمٍ سَوَاءٌ، لَهُ كَلِمَةُ عَلَى لِلشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُوَزَّعُ عَلَى أَجْزَاءِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْبَاءِ لِأَنَّهَا لِلْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْمَالُ كَانَ مُبْتَدَأً فَوَقَعَ فَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ.
(وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَتْ) نَفْسَهَا (وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِالْبَيْنُونَةِ إلَّا بِسَلَامَةِ الْأَلْفِ بِخِلَافِ قَوْلِهَا لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ لِأَنَّهَا لَمَّا رَضِيَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِأَلْفٍ فَلَأَنْ تَرْضَى بِبَعْضِهَا كَانَ أَوْلَى.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ) فِي الْمَجْلِسِ (بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْمَالُ) لِلْقَبُولِ وَهَذَا مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْوَاقِعُ بِهِ وَبِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ بَائِنٌ، وَلَوْ تَرَكَ هَاهُنَا وَذَكَرَ لُزُومَ الْمَالِ وَالْقَبُولِ ثَمَّةَ لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَوْلَى تَأَمَّلْ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَقَالَتْ قَبِلْت نِصْفَ هَذِهِ التَّطْلِيقَةِ طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِالْأَلْفِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَتْ قَبِلْت نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ كَانَ بَاطِلًا.
(وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك أَلْفٌ طَلُقَتْ) الْمَرْأَةُ فِي الْأُولَى (وَعَتَقَ) الْعَبْدُ فِي الثَّانِيَةِ حَالَ كَوْنِهِمَا (مَجَّانًا وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَقْبَلَا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَزُفَرُ (لَا) تَطْلُقُ وَلَا يَعْتِقُ (مَا لَمْ يَقْبَلَا) الْأَلْفَ (وَإِذَا قَبِلَا لَزِمَ الْمَالُ) وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك الْأَلْفُ أَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَفَعَلَ.
وَفِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَلَك أَلْفٌ فَقَالَ طَلَّقْتُك عَلَى الْأَلْفِ الَّتِي سَمَّيْتهَا إنْ قَبِلَتْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ الْمَالُ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَا يَقَعُ وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ وَيَقَعُ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ طَلُقَتْ ثَلَاثًا مَجَّانًا عِنْدَهُ لِلْمُخَالَفَةِ وَعِنْدَهُمَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَعَلَيْهَا الْأَلْفُ بِإِزَاءِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ مُجِيبٌ بِالْوَاحِدَةِ مُبْتَدِئٌ بِالْبَاقِي، وَإِنْ ذَكَرَ الْأَلْفَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ وَإِذَا قَبِلَتْ الْكُلَّ وَقَعَ الثَّلَاثُ بِالْأَلْفِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ تَقْبَلْ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَطْ وَإِنْ قَبِلَتْ طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِأَلْفٍ وَثِنْتَانِ بِغَيْرِ شَيْءٍ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ.
(وَالْخُلْعُ) كَالطَّلَاقِ