الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْقِيَامِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا لَمْ يَقُمْ الْقَوْمُ إلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ هُوَ رَاجِعًا إلَى الْإِمَامِ.
[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]
جَمْعُ شَرْطٍ بِالتَّسْكِينِ، وَالشَّرِيطَةُ فِي مَعْنَاهُ وَجَمْعُهَا شَرَائِطُ وَالشَّرَطُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ وَمِنْهُ أَشْرَاطُ السَّاعَةِ أَيْ عَلَامَاتُهَا وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الشُّرُوطُ لَا الْأَشْرَاطُ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ شُرُوطَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْعِلَّةِ، أَوْ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّ عِلَّةَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ كَمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَرَائِطِهَا مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، وَهِيَ الْحُكْمُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ شَرَائِطِهَا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَغَيْرِهِمَا فَالْمَشْرُوطُ يُضَافُ إلَى شَرْطِهِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَالْمَعْلُولُ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ وُجُوبًا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالشَّرْطِ أَنَّ الرُّكْنَ دَاخِلٌ فِي الْمَاهِيَّةِ وَالشَّرْطَ خَارِجُهَا وَيَفْتَرِقَانِ افْتِرَاقَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ فَكُلُّ رُكْنٍ شَرْطٌ وَلَا يَنْعَكِسُ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعَامِّ عَدَمُ الْخَاصِّ، وَالْأَعَمُّ وَالْأَخَصُّ عَلَى الْعَكْسِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْأَعَمِّ وُجُودُ الْأَخَصِّ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْأَعَمِّ عَدَمُ الْأَخَصِّ.
ثُمَّ قَدَّمَ الطَّهَارَةَ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهَا أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا؛ إذْ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا ثُمَّ قَدَّمَ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ شَرْطٌ فَهُوَ عِلَّةُ الْوُجُوبِ أَيْضًا فَكَانَ لَهُمَا زِيَادَةُ قُوَّةٍ عَلَى سَائِرِ الشُّرُوطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
وَفِي الدُّرَرِ لَمْ يَقُلْ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ جَعَلَهُ صِفَةً كَاشِفَةً لَا مُمَيِّزَةً؛ إذْ لَيْسَ مِنْ الشُّرُوطِ مَا لَا يَكُونُ مُقَدَّمًا حَتَّى يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ احْتِرَازًا عَنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَتَقَدَّمُهَا بَلْ يُقَارِنُهَا أَوْ يَتَأَخَّرُ عَنْهَا وَهِيَ الَّتِي تُذْكَرُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ، وَالْمُرَادُ شَرْطُ الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الْوُجُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّ تَنَوُّعُهُ إلَى النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَشَرْطُ الْخُرُوجِ وَالْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَيْسَا بِشَرْطَيْنِ لِلصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ، وَهُوَ الْخُرُوجُ وَالْبَقَاءُ، وَإِنَّمَا يُسَوَّغُ أَنْ يُقَالَ: شَرْطُ الصَّلَاةِ نَوْعَانِ مِنْ التَّجَوُّزِ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ تَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ (هِيَ طَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي مِنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَلِآيَةِ الْوُضُوءِ (وَخَبَثٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اسْتَنْزِهُوا عَنْ الْبَوْلِ» الْحَدِيثَ وَقَدَّمَ الْحَدَثَ عَلَى الْخَبَثِ لِقُوَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ مَانِعٌ بِخِلَافِ قَلِيلِ الْخَبَثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْقَطْرَةَ مِنْ الْخَرْءِ وَنَحْوِهِ يُنَجِّسُ الْبِئْرَ وَالْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَا يُنَجَّسُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الصُّورِيِّ لَا يَقْتَضِي وَجْهًا فَيَلْزَمُ بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَأَمَّا قِيَاسُ تَنَجُّسِ الْبِئْرِ وَالْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ
الْقَلِيلَةِ فَلَيْسَ بِمَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ طَهَارَةُ بَدَنِ الْمُصَلِّي فَلَا مَدْخَلَ فِي تَنَجُّسِهِمَا (وَثَوْبِهِ وَمَكَانِهِ) مِنْ خَبَثٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وَالْمَكَانُ بِمَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا: مِنْ خَبَثٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ عِبَارَتِهِ يُوهِمُ طَهَارَتَهُمَا عَنْ الْحَدَثِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهِ.
(وَسِتْرُ عَوْرَتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أَيْ مَا يُوَارِي عَوْرَتِكُمْ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الزِّينَةِ عَنْهَا لَا يُمْكِنُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مَحَلَّهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِّ عَلَى الْمَحَلِّ وَأُرِيدَ بِالْمَسْجِدِ الصَّلَاةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ فَإِنْ قِيلَ: الْآيَةُ وَرَدَتْ فِي شَأْنِ الطَّوَافِ لَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قُلْنَا: الْعِبْرَةُ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَهُنَا عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ فَقَدْ أُمِرَ بِأَخْذِهِ الزِّينَةَ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْقَصْرَ عَلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: كَلَامُهُمْ يُوهِمُ كَوْنَ الْمَسْجِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ قَالُوا قُبَيْلَهُ فِيهِ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ مَتْرُوكًا بِالْكُلِّيَّةِ فِي الِاسْتِعَارَةِ انْتَهَى
أَقُولُ: فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ نُسَلِّمُ الْإِيهَامَ؛ لِأَنَّ السَّائِلَ وَالْمُجِيبَ يُسَلِّمَانِ كَوْنَ الْمَسْجِدِ هُنَا مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ إلَّا أَنَّ السَّائِلَ يُخَصِّصُ الْمَسْجِدَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَيُرِيدُ الطَّوَافَ، وَالْمُجِيبُ يُعَمِّمُ وَيُرِيدُ الصَّلَاةَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لَا اسْتِعَارَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ التَّشْبِيهِ تَدَبَّرْ ثُمَّ إنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ عَنْ الْغَيْرِ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا السِّتْرُ عَنْ نَفْسِهِ فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ صَلَّى فِي قَمِيصٍ يَرَى عَوْرَتَهُ مِنْ الْجَيْبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ حَتَّى يَحْصُلَ السِّتْرُ التَّامُّ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ.
(وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ) عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَلَيْسَ السِّينُ لِلطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ الْمُقَابَلَةُ لَا طَلَبُهَا، وَالْقِبْلَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابَلُ الشَّيْءُ عَلَيْهَا كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَابِلُونَهَا فِي صَلَاتِهِمْ وَتَقَابُلِهِمْ وَهِيَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] ثُمَّ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى شَطْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَكَانَ إجْمَاعًا عَلَى ذَلِكَ.
(وَالنِّيَّةُ) أَيْ نِيَّةُ الصَّلَاةِ لَا الْكَعْبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» أَيْ حُكْمُ الْأَعْمَالِ وَثَوَابُهَا مُلْصَقٌ بِهَا ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَفْصِيلِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهَا فَقَالَ.
(وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ تَحْتِ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ) فَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ بِخِلَافِ الرُّكْبَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الرُّكْبَةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فِي التَّبْيِينِ الرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ زُفَرُ
كِلَاهُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ نَقْلًا عَنْ أَبِي عِصْمَةَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ السُّرَّةَ إحْدَى حَدِّ الْعَوْرَةِ فَتَكُونُ مِنْ الْعَوْرَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الِاشْتِهَاءِ فَوْقَ الرُّكْبَةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ فَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتَيْهِ» وَيُرْوَى مَا دُونَ سُرَّتِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ رُكْبَتَيْهِ وَكَلِمَةُ إلَى بِمَعْنَى مَعَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ حَتَّى.
(وَ) عَوْرَةُ (الْأَمَةِ) قِنًّا كَانَتْ أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُكَاتَبَةً وَكَذَا الْمُسْتَسْعَاةُ عِنْدَ الْإِمَامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي كَوْنِ مَا دُونَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتَيْهَا عَوْرَةً (مَعَ زِيَادَةِ بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ مُشْتَهًى فَأَشْبَهَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ.
(وَجَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «بَدَنُ الْحُرَّةِ كُلُّهَا عَوْرَةٌ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا» وَالْكَفُّ مِنْ الرُّسْغِ إلَى الْأَصَابِعِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْكَفِّ دُونَ الْيَدِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ ظَهْرَهُ عَوْرَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَفَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْبَطْنُ لَا الظَّهْرُ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ ظَاهِرَ الْكَفِّ وَبَاطِنَهُ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ.
وَفِي الْمُنْتَقَى تُمْنَعُ الشَّابَّةُ عَنْ كَشْفِ وَجْهِهَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْفِتْنَةِ وَفِي زَمَانِنَا الْمَنْعُ وَاجِبٌ بَلْ فَرْضٌ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ.
وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - جَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ عَوْرَةٌ إلَّا إحْدَى عَيْنَيْهَا فَحَسْبُ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ (وَقَدَمَيْهَا فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَهِيَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مُبْتَلَاةٌ بِإِبْدَاءِ قَدَمَيْهَا فِي مَشْيِهَا إذْ رُبَّمَا لَا تَجِدُ الْخُفَّ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا عَوْرَةٌ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ فِي الصَّلَاةِ وَعَوْرَةٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَوْ انْكَشَفَ ذِرَاعُهَا جَازَتْ صَلَاتُهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى كَشْفِهِ فِي الْخِدْمَةِ وَسِتْرِهِ أَفْضَلُ.
(وَكَشْفُ رُبْعِ عُضْوٍ هُوَ عَوْرَةٌ) مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَلِيظَةٌ أَوْ خَفِيفَةٌ، وَالْعَوْرَةُ الْغَلِيظَةُ قُبُلٌ وَدُبُرٌ وَمَا حَوْلَهُمَا وَالْخَفِيفَةُ مَا عَدَا ذَلِكَ (يَمْنَعُ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ لِلرُّبْعِ حُكْمَ الْكُلِّ
وَاعْلَمْ أَنَّ انْكِشَافَ مَا دُونَ الرُّبْعِ عَفْوٌ إذَا كَانَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ، وَإِذَا كَانَ عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَجُمِعَ وَبَلَغَ رُبْعَ أَدْنَى عُضْوٍ مِنْهَا يَمْنَعُ كَمَا لَوْ انْكَشَفَ شَيْءٌ عَنْ شَعْرِهَا وَبَعْضٌ عَنْ فَخِذِهَا وَبَعْضٌ عَنْ أُذُنِهَا لَوْ جُمِعَ وَبَلَغَ رُبْعَ الْأُذُنِ يَكُونُ مَانِعًا كَمَا فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ (كَالْبَطْنِ وَالْفَخِذِ) فَإِنَّهُ عُضْوٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، أَوْ مَعَ الرُّكْبَةِ عِنْدَ الْبَعْضِ.
(وَالسَّاقِ) مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إلَى أَعْلَى الْكَعْبِ (وَشَعْرِهَا النَّازِلِ) مِنْ الرَّأْسِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالنَّازِلِ احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ الشَّعْرِ مَا عَلَى الرَّأْسِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ كَرَأْسِهَا، وَأَمَّا النَّازِلُ فَلَيْسَ فِي حُكْمِ الرَّأْسِ فَلَا يَكُونُ عَوْرَةً.
(وَذَكَرِهِ بِمُفْرَدِهِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَحْدَهُمَا) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمُفْرَدِهِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بِوَحْدِهِمَا احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ: إنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ مَعَ الْخُصْيَتَيْنِ (وَحَلَقَةِ الدُّبُرِ بِمُفْرَدِهَا) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قِيلَ الدُّبُرُ عُضْوٌ مَعَ الْأَلْيَتَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنَّمَا يَمْنَعُ) صِحَّةَ الصَّلَاةِ (انْكِشَافُ الْأَكْثَرِ) أَيْ أَكْثَرِ الْعُضْوِ
(وَفِي النِّصْفِ
عَنْهُ رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ وَفِي أُخْرَى: لَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ كَشْفُ شَيْءٍ مِنْهَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَاعْلَمْ أَنَّ الِانْكِشَافَ الْكَثِيرَ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ لَا يَمْنَعُ حَتَّى لَوْ انْكَشَفَ كُلُّهَا وَغَطَّاهَا فِي الْحَالِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْقَلِيلُ مُقَدَّرٌ بِمَا لَا يُؤَدَّى فِيهِ الرُّكْنُ.
(وَعَادِمُ مَا يُزِيلُ) بِهِ (النَّجَاسَةَ) الْحَقِيقِيَّةَ عَنْ ثَوْبِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَجِدَ الْمُزِيلَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالٍ لِمَانِعٍ كَالْعَطَشِ وَالْعَدُوِّ (يُصَلِّي مَعَهَا) أَيْ مَعَ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ.
(وَلَا يُعِيدُ) الصَّلَاةَ إذَا وَجَدَ الْمُزِيلَ وَإِنْ بَقِيَ الْوَقْتُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فِي وُسْعِهِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ لِلْمُقِيمِ اشْتِرَاطَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَلَوْ وَجَدَ ثَوْبًا رُبْعُهُ طَاهِرٌ وَصَلَّى عَارِيًّا لَا يُجْزِيهِ) ؛ لِأَنَّ رُبْعَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ كُلَّهُ طَاهِرٌ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ فَتُفْرَضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِيهِ (وَفِي أَقَلَّ مِنْ رُبْعِهِ يُخَيَّرُ) بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَحُكْمُ مَا كُلُّهُ نَجِسٌ كَحُكْمِ مَا أَقَلُّ مِنْ رُبْعِهِ طَاهِرٌ كَمَا فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِي مَا كُلُّهُ نَجِسٌ يُخَيَّرُ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ بِهِ حُكْمَ الْأَقَلِّ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى.
(وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ بِهِ) أَيْ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السِّتْرِ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ، وَفَرْضُ الطَّهَارَةِ مُخْتَصٌّ بِهَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَلْزَمُ) الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَرْكَ فَرْضٍ وَاحِدٍ، وَفِي الصَّلَاةِ عُرْيَانًا تَرْكُ فُرُوضٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فَصَلَّى قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ جَازَ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا صَلَّى عُرْيَانًا قَاعِدًا يُومِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ هَكَذَا فَعَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فَإِنْ صَلَّى قَائِمًا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقُعُودِ سِتْرُ الْعَوْرَةِ الْغَلِيظَةِ، وَفِي الْقِيَامِ أَدَاءُ هَذِهِ الْأَرْكَانِ فَيَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
وَفِي مُلْتَقَى الْبِحَارِ إنْ شَاءَ صَلَّى عُرْيَانًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ مُومِيًا بِهَا إمَّا قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَهَذَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْإِيمَاءِ قَائِمًا انْتَهَى
أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَوْ كَانَ جَائِزًا حَالَةَ الْقِيَامِ لَمَا اسْتَقَامَ هَذَا الْكَلَامُ تَدَبَّرْ (وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا بِإِيمَاءٍ) ؛ لِأَنَّ السِّتْرَ وَجَبَ لِحَقِّ الصَّلَاةِ وَحَقِّ النَّاسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَمْ يَجِبَا إلَّا لِحَقِّ الصَّلَاةِ، وَكَيْفِيَّةُ الْقُعُودِ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ أَسْتَرَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ قَدْرَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالنَّبَاتِ فَإِنْ وَجَدَ وَجَبَ السِّتْرُ.
وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ طِينًا يُلَطِّخُ عَوْرَتَهُ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا مُتَبَاعِدِينَ يُومُونَ إيمَاءً وَإِنْ صَلَّوْا بِجَمَاعَةٍ يَتَوَسَّطُهُمْ الْإِمَامُ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فُرَادَى، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: وَالْعَارِي يُصَلِّي قَائِمًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّ ظُلْمَتَهَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهُ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّ
السِّتْرَ الَّذِي يَحْصُلُ فِي ظُلْمَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ انْتَهَى
أَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَمَّا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ فَيُكْتَفَى بِهَا.
(وَقِبْلَةُ مَنْ بِمَكَّةَ عَيْنُ الْكَعْبَةِ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّعْيِينِ، وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا كَانَ بِمُعَايَنَتِهَا مِنْ الْمُجَاوِرِينَ وَمَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَكِّيٌّ فِي بَيْتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ بِحَيْثُ لَوْ أُزِيلَتْ الْجُدْرَانُ يَقَعُ اسْتِقْبَالُهُ عَلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الدِّرَايَةِ مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ حَائِلٌ الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْغَائِبِ وَلَوْ كَانَ الْحَائِلُ أَصْلِيًّا كَالْجَبَلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَصْعَدَهُ لِيُصَلِّيَ عَلَى التَّعْيِينِ.
وَفِي الْفَتْحِ: أَنَّ فِي جَوَازِ التَّحَرِّي مَعَ إمْكَانِ صُعُودِهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّ الْمَصِيرَ إلَى الدَّلِيلِ الظَّنِّيِّ، وَتَرْكُ الْقَاطِعِ مَعَ إمْكَانِهِ لَا يَجُوزُ (وَ) قِبْلَةُ (مَنْ بَعْدَ جِهَتِهَا) هِيَ الْجَانِبُ الَّذِي إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ يَكُونُ مُسَامِتًا لِلْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْرِيبًا، وَمَعْنَى التَّحْقِيقِ: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ خَطٌّ مِنْ جَبِينِهِ عَلَى زَاوِيَةٍ قَائِمَةٍ إلَى الْأُفُقِ يَكُونُ مَارًّا عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا وَمَعْنَى التَّقْرِيبِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُنْحَرِفًا عَنْهَا أَوْ هَوَائِهَا انْحِرَافًا لَا تَزُولُ بِهِ الْمُقَابَلَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثُمَّ إنَّ مَكَّةَ لَمَّا بَعُدَتْ عَنْ دِيَارِنَا بُعْدًا مُفْرِطًا يَتَحَقَّقُ الْمُقَابَلَةُ إلَيْهَا فِي مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ فَإِنَّا لَوْ فَرَضْنَا خَطًّا مِنْ جَبِينِ مَنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ عَلَى التَّحْقِيقِ فِي دِيَارِنَا ثُمَّ فَرَضْنَا خَطًّا آخَرَ يَقْطَعُ ذَلِكَ الْخَطَّ عَلَى زَاوِيَتَيْنِ قَائِمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِ الْمُسْتَقْبِلِ وَشِمَالِهِ لَا تَزُولُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ وَالتَّوَجُّهُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ عَلَى الْخَطِّ الثَّانِي بِفَرَاسِخَ كَثِيرَةٍ فَلِذَلِكَ وَضَعَ الْعُلَمَاءُ الْقِبْلَةَ فِي الْبِلَادِ الْمُتَقَارِبَةِ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْآفَاقِيِّ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهَا أَيْضًا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ فَعِنْدَهُ تُشْتَرَطُ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ، وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ: إنْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ لَا تُشْتَرَطُ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ تُشْتَرَطُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ.
وَفِي النَّظْمِ أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي مَكَّةَ وَمَكَّةُ قِبْلَةٌ لِمَنْ فِي الْحَرَمِ وَالْحَرَمُ قِبْلَةُ الْعَالَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: قِبْلَةُ الْبَشَرِ الْكَعْبَةُ وَقِبْلَةُ أَهْلِ السَّمَاءِ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَقِبْلَةُ الْكَرُوبِيِّينَ الْكُرْسِيُّ وَقِبْلَةُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ الْعَرْشُ وَمَطْلُوبُ الْكُلِّ وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى عز وجل.
(فَإِنْ جَهِلَهَا) أَيْ جِهَةَ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْهَا) مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ وَهُوَ يَعْلَمُ جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ وَالْمُتَحَرِّي سَوَاءٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مَنْ يَعْلَمُهَا لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مِنْ أَهْلِ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا آخَرَ (تَحَرَّى وَصَلَّى) وَالتَّحَرِّي طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا لَمْ يَسْأَلْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى فَإِنْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَأَلَهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ وَتَحَرَّى وَصَلَّى ثُمَّ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُصِبْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ اكْتَفَى الْآخَرُ بِتَحَرِّي الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ إذَا تَحَرَّيَا مُخْتَلِفًا.
وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الِاسْتِدْلَالَ بِالنُّجُومِ عَلَى الْقِبْلَةِ لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي؛ لِأَنَّهُ فَوْقَهُ وَلَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ وَأَخْبَرَهُ رَجُلَانِ إلَى جَانِبٍ آخَرَ أَخَذَ بِقَوْلِهِمَا إنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ
ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَإِلَّا لَا وَكَذَا إنْ أَخْبَرَهُ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ؛ لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ مِنْ الدِّيَانَاتِ فَيُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ صَلَّى بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ فِي الْمَفَازَةِ وَالسَّمَاءُ مُضْحِيَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ النُّجُومَ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ هَلْ يَجُوزُ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: يَجُوزُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ الْمُعْتَادَةِ نَحْوَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمَّا دَقَائِقُ عِلْمِ الْهَيْئَةِ وَصُوَرِ النُّجُومِ الثَّوَابِتِ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي الْجَهْلِ بِهَا وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُصَلِّي اسْتِوَاءُ الْقِبْلَةِ فَالتَّيَامُنُ أَوْلَى مِنْ التَّيَاسُرِ تَدَبَّرْ (فَإِنْ عَلِمَ بِخَطَئِهِ بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (لَا يُعِيدُ) ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةِ تَحَرِّيهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا كَانَ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ.
(وَإِنْ عَلِمَ بِهِ) أَيْ بِخَطَئِهِ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (اسْتَدَارَ وَبَنَى) ؛ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ لَمَّا سَمِعُوا بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ اسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ فَرْقٌ جَلِيٌّ فَأَنَّى يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَيْهِ لَكِنْ أَقُولُ: هَذَا الِاسْتِدْلَال ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ، وَعَدَمُ فَهْمِ هَذَا الْقَائِلِ جَلِيٌّ يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ بِأَدْنَى التَّأَمُّلِ.
(وَكَذَا) الْحُكْمُ (إنْ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ) إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فِيهَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاجِبٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ أَقْوَى، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الِاجْتِهَادِ بِمَنْزِلَةِ دَلِيلِ النَّسْخِ، وَأَثَرُ النَّسْخِ يَظْهَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي فَكَذَا الِاجْتِهَادُ.
(وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ لَا تَجُوزُ) صَلَاتُهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَصَابَ) الْقِبْلَةَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَنْ صَلَّى بِدُونِ الِاجْتِهَادِ يُكَفَّرُ لِاسْتِخْفَافِهِ بِالدِّينِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَصَابَ) الْقِبْلَةَ (جَازَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ لَمْ يَسْتَأْنِفْ إلَى غَيْرِهِ هَذِهِ الْجِهَةَ فَلَا يُفِيدُ لَهُمَا أَنَّ بِنَاءَ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ فَاسِدٌ، وَحَالُهُ بَعْدُ أَقْوَى مِنْ حَالِهِ قَبْلَهُ، وَهَذَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا تَبَيَّنَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَجَائِزَةٌ بِالِاتِّفَاقِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(وَإِنْ تَحَرَّى قَوْمٌ جِهَاتٍ) فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا (وَجَهِلُوا حَالَ إمَامِهِمْ جَازَتْ صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ) إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ لِوُجُودِ التَّوَجُّهِ إلَى جِهَةِ التَّحَرِّي، وَهَذِهِ الْمُخَالَفَةُ غَيْرُ مَانِعَةٍ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ (بِخِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ) فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ (أَوْ عَلِمَ وَخَالَفَهُ) فَإِنَّهُ تَفْسُدُ أَيْضًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ عَلَى الْخَطَأِ هَذَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْأَدَاءِ فَلَا يَضُرُّ.
(وَقِبْلَةُ الْخَائِفِ) مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ (جِهَةُ قُدْرَتِهِ) لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ وَلَوْ قَالَ وَقِبْلَةُ نَحْوِ الْخَائِفِ لَكَانَ أَشْمَلَ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْأَسِيرَ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِقْبَالِهِ جَازَ اسْتِقْبَالُهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرَ وَهُوَ عَاجِزٌ لَا خَائِفٌ تَدَبَّرْ.
(وَيَصِلُ قَصْدَ قَلْبِهِ) وَهُوَ النِّيَّةُ (الصَّلَاةَ بِتَحْرِيمَتِهَا) أَيْ وَيَقْصِدُ الْمُصَلَّى بِقَلْبِهِ صَلَاتَهُ مُتَّصِلًا
ذَلِكَ الْقَصْدُ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَلَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ لَا يَخْلُو عَنْ النِّيَّةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ تَصِحُّ النِّيَّةُ مَا دَامَ الثَّنَاءُ وَقِيلَ تَصِحُّ إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الْقُعُودِ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ نِيَّةِ اقْتِدَائِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيُفْرَضُ أَنْ تَكُونَ بُعَيْدَهَا، وَقِيلَ: يَنْوِي بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: أَكْبَرُ.
وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَنْوِي حِينَ وَقَفَ الْإِمَامِ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُوجَدْ قَاطِعُ النِّيَّةِ مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِصَلَاةٍ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إلَّا فِي الصَّوْمِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ فَسَادُ اعْتِرَاضِ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ عَلَى صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَنُدِبَ أَنْ يَصِلَ إلَى آخِرِهِ إنْ قَرَنَتْ النِّيَّةُ لِلتَّكْبِيرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ لَمْ تَقْرِنْ بَلْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ لَا مَا فَهِمَ هَذَا الرَّادُّ تَدَبَّرْ.
(وَضَمُّ التَّلَفُّظِ إلَى الْقَصْدِ أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِاجْتِمَاعِ الْعَزِيمَةِ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ، وَذِكْرُهَا بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ.
وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ تُبَاحُ، وَكَيْفِيَّةُ التَّلَفُّظِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَدَاءَ صَلَاةِ ظُهْرِ الْيَوْمِ أَوْ فَرْضِ الْوَقْتِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، وَالْإِمَامُ يَنْوِي مِثْلَ الْمُنْفَرِدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي لِلنِّسَاءِ الَّتِي خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَهُنَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ.
(وَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ (لِلنَّفْلِ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ مُنْصَرِفٌ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقَّنٌ (وَالسُّنَّةِ) الْمُؤَكَّدَةِ.
(وَالتَّرَاوِيحِ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ فِي الْأَصْلِ فَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ عَدَمَ جَوَازِ أَدَاءِ السُّنَنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلِهَذَا الْأَحْوَطُ التَّصْرِيحُ.
(وَلِلْفَرْضِ شُرِطَ تَعْيِينُهُ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ نَوَى، وَلَمْ يَقُلْ: ظُهْرَ الْوَقْتِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ، وَالْفَائِتُ عَارِضٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيِّ دُونَ الْعَارِضِيِّ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَجُوزُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا فَرْضَ الْوَقْتِ