الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِيَاسًا لِلثَّانِي لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي مَبْنِيَّةٌ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَلَمْ تَفْسُدْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اتِّفَاقًا فِي الْكُلِّ فَكَذَا الْمُقْتَدِي وَفَرَّقَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْحَدَثَ مُفْسِدٌ لِلْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِيه مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مِثْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي غَيْرَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبِنَاءِ وَالْمَسْبُوقَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ بِخِلَافِ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا لَا يَخْرُجُ الْمُقْتَدِي مِنْهَا بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامِهِ فَيُسَلِّمُ وَيَخْرُجُ بِحَدَثِهِ عَمْدًا فَلَا يُسَلِّمُ بَعْدَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ، وَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَخْذًا بِقَوْلِ الْإِمَامِ.
(وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَعَادَهُمَا) بَعْدَ التَّوَضُّؤِ (حَتْمًا) إنْ بَنَى لِأَنَّ تَمَامَ الرُّكْنِ بِالِانْتِقَالِ وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعَادَةِ.
(وَمَنْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً) نَسِيَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ (فِي رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَسَجَدَهَا) أَيْ قَضَاهَا فِي ذَلِكَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (نُدِبَ إعَادَتُهُمَا) لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ الَّتِي بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عِنْدَهُ فَرْضٌ.
(وَمَنْ أَمَّ فَرْدًا فَأَحْدَثَ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا) صَالِحًا لِلِاسْتِخْلَافِ (تَعَيَّنَ لِلِاسْتِخْلَافِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ إذْ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ يُفْسِدُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي، حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُقَدِّمْ أَحَدًا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْقَوْمِ وَتَعْيِينُ الْإِمَامِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْقَوْمِ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا مُزَاحِمٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِخْلَافِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ الْمَأْمُومُ لِلْإِمَامَةِ مِثْلُ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى (فَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ) ذَلِكَ الْفَرْدُ (فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمَا) وَجْهُ فَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ اسْتِخْلَافُهُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَعِلَّةُ فَسَادِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ خُلُوُّ مَكَانِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامِ، (وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَقَطْ (دُونَ) صَلَاةِ (الْإِمَامِ) لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
(وَلَوْ حُصِرَ) الْإِمَامُ (عَنْ الْقِرَاءَةِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، أَمَّا إذَا قَرَأَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إجْمَاعًا.
[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعَوَارِضِ الْجَبْرِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِالسَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْعَوَارِضِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُسَمَّاة بِالْكَسْبِيَّةِ وَقَدَّمَ السَّمَاوِيَّةَ لِأَصَالَتِهَا (يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ وَلَوْ سَهْوًا) وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِهِ سَهْوًا مَعَ أَنَّ الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ دَاخِلَانِ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا شَرْعًا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (أَوْ فِي نَوْمٍ)
وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَفْسُدُ فِي الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ إذَا كَانَ التَّكَلُّمُ قَلِيلًا، (وَكَذَا) أَيْ تُفْسِدُهَا (الدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ مِنْهُمْ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهُهُ بُيِّنَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَالْأَنِينُ) صَوْتُ الْمُتَوَجِّعِ قِيلَ: هُوَ أَنْ يَقُولَ آهِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْهَاءِ (وَالتَّأَوُّهُ) أَنْ يَقُولَ: أَوْهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ (وَالتَّأْفِيفُ) أَنْ يَقُولَ: أُفٍّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِالتَّنْوِينِ وَبِدُونِهِ وَلُغَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الْعَشَرَةِ كَمَا فِي الرِّضَا.
(وَلَوْ كَانَتْ بِحَرْفَيْنِ) أَيْ يُفْسِدُهَا وَلَوْ كَانَتْ بِحَرْفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحِ أَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُخَفَّفِ، وَفِي الْمُشَدَّدِ تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ انْتَهَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ فِي الْحَرْفَيْنِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَفِي أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ تَفْسُدُ وَفِي ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ، هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الْمُجْتَبَى تَدَبَّرْ.
(وَالْبُكَاءُ بِصَوْتٍ) وَيَحْصُلُ بِهِ حَرْفٌ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الدَّمْعُ بِلَا صَوْتٍ لَمْ تَفْسُدْ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ تُفْسِدُهَا إنْ كَانَتْ (لِوَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ) فَصَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِكَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، (لَا) أَيُّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا تُفْسِدُهَا إنْ كَانَتْ (لِذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) فَصَارَ كَأَنَّهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ لِكَوْنِهِ دُعَاءً لَا يُمْكِنُ طَلَبُهُ مِنْ النَّاسِ.
(وَ) يُفْسِدُهَا (التَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) هُوَ أَنْ يَقُولَ أَحْ أَحْ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ لِأَنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ الْحُرُوفُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْحَرْفَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ كَمَنْ لَهُ سُعَالٌ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ
حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ، وَلَوْ قَالَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ صَوْتِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَوْ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لِيَهْتَدِيَ إمَامُهُ عِنْدَ خَطَئِهِ فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ عَدَمُ الْفَسَادِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ.
(وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ) التَّسْمِيتُ بِالْمُهْمَلَةِ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ مَأْخُوذٌ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ، وَبِالْمُعْجَمَةِ عِنْدَ أَبِي عُبَيْدَةَ وَهُوَ أَفْصَحُ لِأَنَّهُ أَعْلَى فِي كَلَامِهِمْ وَأَكْثَرُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمُصَلِّي لِلْعَاطِسِ: يَرْحَمُك اللَّهُ، وَلَوْ قَالَ لِنَفْسِهِ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةَ، وَأَمَّا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ (وَقَصْدُ الْجَوَابِ بِالْحَمْدَلَةِ أَوْ الْهَيْلَلَةِ أَوْ السَّبْحَلَةِ أَوْ الِاسْتِرْجَاعِ أَوْ الْحَوْقَلَةِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ أَخْبَرَ الْمُصَلِّيَ بِمَا يَسُرُّهُ، أَوْ قَالَ: هَلْ مَعَ اللَّهِ آلِهَةٌ أُخْرَى؟ ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَوْتِ رَجُلٍ، أَوْ أَخْبَرَ بِمَا يَسُوءُهُ فَقَالَ الْمُصَلِّي: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَوْ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ مُرِيدًا بِهِ جَوَابُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ جَوَابًا لَهُ وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِهِ عُرْفًا (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ ثَنَاءٌ بِأَصْلِهِ فَلَا يَخْرُجُ بِإِرَادَةِ الْجَوَابِ عَنْ الثَّنَاءِ كَمَا لَا يَصِيرُ كَلَامُ النَّاسِ بِالْقَصْدِ ثَنَاءً لَكِنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُمَا.
(وَلَوْ أَرَادَ) الْمُصَلِّي (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ (إعْلَامَهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا نَابَتْ أَحَدُكُمْ نَائِبَةً فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ» .
(وَلَوْ فَتَحَ) الْمُصَلِّي (عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ فَسَدَتْ) صَلَاةُ نَفْسِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ فِي صَلَاةٍ أَوْ لَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَفْتُوحِ عَلَيْهِ لَمْ تَفْسُدْ بِالْأَخْذِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَكْرَارُ الْفَتْحِ لِلْفَسَادِ.
وَفِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ، (لَا) أَيْ لَا تَفْسُدُ (إنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ، أَوْ تَحَوَّلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى أَوْ لَمْ يَتَحَوَّلْ، (وَالْأَصَحُّ) وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَوْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ وَإِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ مِنْهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا الْفَتْحَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ صَلَاتِهِ مَعْنًى لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْفَتْحَ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى.
(وَ) يُفْسِدُهَا (السَّلَامُ عَمْدًا) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَلَيْكُمْ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْعَمْدِ لِأَنَّ السَّلَامَ سَهْوًا غَيْرُ مُفْسِدٍ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُظَنُّ أَنَّهُ أَكْمَلَ، لَا السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ سَهْوًا إذْ قَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ سَهْوًا عَلَى إنْسَانٍ فَقَالَ: السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي مُقَدَّمَتِهِ فَهَذَا التَّحْقِيقُ يَنْدَفِعُ
مَا قِيلَ إنَّ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْكَافِي وَصَاحِبَ الْكَنْزِ شَامِلٌ لِلسَّهْوِ وَالْعَمْدِ فَتَلْزَمُ الْمُخَالَفَةُ انْتَهَى لِأَنَّ شُمُولَ إطْلَاقِهِمَا لِلسَّهْوِ يُمْكِنُ بِحَمْلِ السَّلَامِ عَلَى إنْسَانٍ هَاهُنَا فَلَا حُكْمَ بِالْمُخَالَفَةِ تَدَبَّرْ، (وَرَدُّهُ) أَيْ يُفْسِدُهَا رَدُّ السَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَذْكَارِ بَلْ هُوَ كَلَامٌ وَلَوْ قَيَّدَهُ بِلِسَانِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ رَدَّهُ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي فَصْلِ الْكَرَاهَةِ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ.
(وَ) تُفْسِدُهَا (قِرَاءَتَهُ مِنْ مُصْحَفٍ) عِنْدَ الْإِمَامِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَمَا فِي الْجَامِعِ، وَقِيلَ إنْ قَرَأَ آيَةً وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ أَوْرَاقِهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَأَنَّ التَّلَقِّيَ مِنْ الْمُصْحَفِ شَبِيهٌ بِالتَّلَقِّي مِنْ الْمُعَلِّمِ، فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِالْقُرْآنِ مِنْ الْمَوْضُوعِ عَلَى شَيْءٍ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ إذَا قَرَأَ مِنْ مُصْحَفٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ كَذَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ مُشِيرٌ إلَى أَنَّ الْحَافِظَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ، (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ لَا تُفْسِدُ قِرَاءَةُ الْمُصَلِّي مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ عِبَادَةٌ أُخْرَى، وَالْعِبَادَةُ الْوَاحِدَةُ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّتْ إلَى أُخْرَى، إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِصَنِيعِ الْكُفَّارِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّا نَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُونَ بَلْ إنَّمَا هُوَ التَّشْبِيهُ فِيمَا كَانَ مَذْمُومًا وَفِيمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّشْبِيهُ، فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ) يُفْسِدَانِهَا مُطْلَقًا عَامِدًا كَانَ الْمُصَلِّي أَوْ نَاسِيًا فَرْضًا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ نَفْلًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي النَّفْلِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النِّسْيَانُ عَفْوًا كَمَا فِي الصَّوْمِ، أُجِيبُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالصَّوْمِ لِأَنَّ حَالَتَهَا مُذَكِّرَةٌ دُونَ حَالَتِهِ وَلَوْ أَكَلَ سِمْسِمَةً مِنْ خَارِجٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ فِي فَمِهِ مَطَرٌ فَابْتَلَعَهَا.
(وَسُجُودُهُ عَلَى نَجَسٍ) أَيْ يُفْسِدُهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ)، يَعْنِي يَقُولُ: إذَا سَجَدَ عَلَى نَجِسٍ يُفْسِدُ السَّجْدَةَ لَا الصَّلَاةَ حَتَّى لَوْ أَعَادَهَا عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ صَحَّتْ السَّجْدَةُ أَيْضًا لِأَنَّ أَدَاءَهَا عَلَى النَّجَاسَةِ كَالْعَدَمِ كَمَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً فَأَدَّاهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ، وَلَهُمَا فَسَادُ الْكُلِّ لِفَسَادِ جُزْئِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا فَإِنَّ الْجُزْءَ لَمْ يَفْسُدْ بَلْ تُرِكَ.
(وَالْعَمَلُ الْكَثِيرُ) وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ قِيلَ: هُوَ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: مَا يَشُكُّ النَّاظِرُ أَنَّ عَامِلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْعَامَّةِ، وَقِيلَ مَا يَكُونُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيًا حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثًا أَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ ثَلَاثًا تُفْسِدَانِ عَلَى الْوَلَاءِ وَقِيلَ: مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ بِأَنْ يُفْرَدَ لَهُ مَجْلِسٌ عَلَى حِدَةٍ كَمَا إذَا مَسَّ زَوْجَتَهُ بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ، وَقِيلَ: مَا يَسْتَكْثِرُهُ الْمُصَلِّي قَالَ السَّرَخْسِيُّ: هَذَا أَقْرَبُ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ فَإِنَّ دَأْبَهُ فِي مِثْلِهِ التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ.
(وَشُرُوعُهُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ يُفْسِدُهَا شُرُوعُ الْمُصَلِّي فِي صَلَاةٍ غَيْرِ مَا صَلَّى صُورَتُهَا صَلَّى رَكْعَةً مِنْ الظُّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ افْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ فَقَدْ نَقَضَ الظُّهْرَ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ فَيَتِمُّ الثَّانِي وَلَا تُحْسَبُ مِنْهَا الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا قَبْلَهَا، (لَا شُرُوعُهُ فِيهَا ثَانِيًا) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْ الظُّهْرِ رَكْعَةً بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْزِئُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ حَتَّى إذَا لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ الَّتِي ثَالِثَةٌ عِنْدَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ إلَّا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا يَنْوِي الِانْفِرَادَ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِلتَّغَايُرِ، وَلَوْ قُيِّدَ إذَا لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَتَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ فَسَدَتْ الْأُولَى وَصَارَ مُسْتَأْنِفًا لِلْمَنْوِيِّ ثَانِيًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْكَلَامَ مُفْسِدٌ.
(وَلَا إنْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ) يَعْنِي إذَا كَانَ قُدَّامَ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مَكْتُوبٌ عَلَى الْجِدَارِ أَوْ كِتَابٌ مَنْشُورٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَنَظَرَ فِيهِ وَفَهِمَ مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالْفَهْمِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الْفَهْمُ أَمَّا فَسَادُ الصَّلَاةِ فَبِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ دُونَ الْحِمِّصَةِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ فَيُتْبِعُ لِرِيقِهِ ضَرُورَةً وَلِهَذَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَقِيلَ: مَا دُونَ مِلْءِ الْفَمِ حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ شَيْئًا بَيْنَ أَسْنَانِهِ قَدْرَ الْحِمِّصَةِ لَا تُفْسِدُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا لَوْ ابْتَلَعَ عَيْنًا مِنْ السُّكَّرِ قَبْلَ الشُّرُوعِ ثُمَّ ابْتَلَعَ حَلَاوَتَهُ لَمْ تَفْسُدْ (وَتَفْسُدُ فِي قَدْرِهَا) أَيْ الْحِمِّصَةِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الْخَارِجِ.
(وَإِنْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ حَاذَى الْأَعْضَاءُ الْأَعْضَاءَ إذَا كَانَ عَلَى الدُّكَّانِ أَثِمَ الْمَارُّ وَلَا تَفْسُدُ) ، يَعْنِي شَرَطَ فِي كَوْنِ الْمَارِّ آثِمًا أَنْ يَمُرَّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي قَائِمًا عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ أَنْ يُحَاذِيَ جَمِيعُ أَعْضَائِهِ أَعْضَاءَ الْمُصَلِّي كُلَّهَا عِنْدَ الْبَعْضِ أَوْ أَكْثَرَهَا عِنْدَ الْآخَرِ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي قَائِمًا عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ دُونَ قَامَةٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَكَانُ بِقَدْرِ قَامَةِ الرَّجُلِ فَلَا يَأْثَمُ، وَفِي تَفْسِيرِ مَوْضِعِ السُّجُودِ تَفْصِيلٌ، فَاعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ إنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ هُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ فَالْمُرُورُ أَمَامَ الْمُصَلِّي حَيْثُ كَانَ يُوجِبُ الْإِثْمَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ الصَّغِيرَ مَكَانٌ وَاحِدٌ فَأَمَامُ الْمُصَلِّي حَيْثُ كَانَ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ مَرَّ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ يَأْثَمُ وَإِلَّا فَلَا، وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ إذَا كَانَ الْمُصَلِّي نَاظِرًا فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَأْثَمُ بِالْمُرُورِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ، وَقِيلَ
فِي الصَّحْرَاءِ: إنَّهُ يَأْثَمُ فِي مِقْدَارِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَقِيلَ: ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ، وَقِيلَ: خَمْسَةٍ، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ: خَمْسِينَ، (وَيَنْبَغِي) لِلْمُصَلِّي (أَنْ يَغْرِزَ أَمَامَهُ فِي الصَّحْرَاءِ سُتْرَةً) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِيَسْتَتِرْ أَحَدُكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» (طُولَ ذِرَاعٍ وَغِلَظَ أُصْبُعٍ) لِأَنَّ مَا دُونَهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ (وَيَقْرَبُ مِنْهَا) أَيْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي قَرِيبًا مِنْ السُّتْرَةِ (وَيَجْعَلُهَا عَلَى أَحَدِ حَاجِبِيهِ) أَيْ الْأَيْسَرِ وَالْأَيْمَنِ وَهُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ، (وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) أَيْ لَا يَكْفِي وَضْعُ السُّتْرَةِ عَلَى الْأَرْضِ بَدَلًا عَنْ الْغَرْزِ.
(وَلَا) يَكْفِي (الْخَطُّ) بِأَنْ يَرْسِمَ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بِحَيْثُ يُغْرَزُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ: تُوضَعُ، وَقِيلَ: لَا وَأَمَّا الْخَطُّ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ فَالْمَانِعُ يَقُولُ: لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ: وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُنَصِّبْ عَصًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامَهُ» وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ خِلَافَ هَذَا لَكِنَّ الْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْأَثَرِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يُنْشَرُ قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالُوا: الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا بِالْعَرْضِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَيَدْرَأُ) أَيْ يَدْفَعُ الْمُصَلِّي (الْمَارَّ) بَيْنَ يَدَيْهِ (بِالْإِشَارَةِ) بِالرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْيَدِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِوَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ (أَوْ التَّسْبِيحِ) لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (لَا بِهِمَا) أَيْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا لَا يَدْرَأُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَلَا بِالضَّرْبِ الْوَجِيعِ (إنْ عَدِمَتْ السُّتْرَةُ، أَوْ قَصَدَ) الْمَارُّ (الْمُرُورَ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمُصَلِّي (وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ السُّتْرَةِ.
(وَجَازَ تَرْكُهَا) أَيْ السُّتْرَةُ إذَا عَدِمَ الدَّاعِي إلَيْهَا وَذَلِكَ (عِنْدَ أَمْنِ الْمُرُورِ) لِأَنَّ اتِّخَاذَ السُّتْرَةِ لِلْحِجَابِ عَلَى الْمَارِّ وَلَا حَاجَةَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَارِّ لَكِنَّ الْأَوْلَى اتِّخَاذُهَا لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهَا (وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ مُجْزِئَةٌ) أَيْ كَافِيَةٌ (عَنْ الْقَوْمِ) وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُتْرَتِهِ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ.
(وَلَوْ صَلَّى عَلَى ثَوْبٍ بِطَانَتُهُ نَجِسَةٌ صَحَّ) مَا صَلَّى (إنْ لَمْ يَكُنْ) الثَّوْبُ (مُضْرَبًا) أَيْ مَخِيطًا مَا بَيْنَ جَانِبَيْهِ بِخُيُوطٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ جَوَانِبُهُ مَخِيطَةً وَلَمْ يَكُنْ وَسَطُهُ مَخِيطًا فَلَا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ ثَوْبَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى الطَّرَفِ الطَّاهِرِ مِنْ بِسَاطٍ طَرَفٌ مِنْهُ نَجِسٌ) أَيْ لَوْ كَانَ طَرَفٌ مِنْهُ طَاهِرًا وَطَرَفٌ آخَرُ نَجِسًا فَصَلَّى عَلَى الطَّرَفِ الطَّاهِرِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِطَهَارَةِ مَكَانِهَا (سَوَاءٌ تَحَرَّكَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ طَرَفَيْهِ (بِحَرَكَةِ الْآخَرِ أَمْ لَا) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَلَّى عَلَى خَشَبٍ وَفِي جَانِبِهِ الْآخَرِ نَجَاسَةٌ إنْ كَانَ غَلُظَ الْخَشَبُ بِحَيْثُ يَقْبَلُ الْقَطْعَ تَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا.