الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَدَبَّرْ (أَدَاءً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185](وَقَضَاءً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] وَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ.
[صَوْمُ الْمَنْذُورِ]
(وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ) مُعَيَّنًا كَمَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مَثَلًا أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مَثَلًا وَسَبَبُهُ النَّذْرُ وَلِذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ عَنْهُ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو التَّعْيِينُ (وَالْكَفَّارَةُ) لِظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ فِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ، وَالسَّبَبُ الْحِنْثُ وَالْقَتْلُ (وَاجِبٌ) لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى فَرْضِيَّةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَلْ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ ثُبُوتِهِ عَمَلًا لَا عِلْمًا وَلِهَذَا لَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا وَنَصَّ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْمَنْذُورِ.
وَفِي الْمَوَاهِبِ وَفَرْضُ صَوْمَ الْكَفَّارَاتِ وَكَذَا صَوْمُ الْمَنْذُورِ فِي الْأَظْهَرِ.
وَفِي التَّبْيِينِ الْكَفَّارَةُ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ وَاجِبٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا، وَقَوْلُ ابْنِ مَالِكٍ فِي شَرْحِهِ، وَلَوْ قَالَ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ فَرْضٌ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَاجِبٌ لَكَانَ أَوْلَى لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صَوْمِ النَّذْرِ وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ فِي الْوَاجِبِيَّةِ أَوْ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى. عَلَى أَنَّهَا يُخَالِفُ مَا فِي شَرْحِهِ لِلْمَجْمَعِ تَدَبَّرْ.
هَذَا بَحْثٌ طَوِيلٌ فَلْيُطْلَبْ مِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا (وَغَيْرُ ذَلِكَ نَفْلٌ) يَعْنِي الزَّائِدَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ السُّنَّةِ كَصَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ كَصَوْمِ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا وَهُوَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ مُنْفَرِدًا وَنَحْوَهُ كَمَا سَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ]
(وَصَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ حَرَامٌ) لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ الصِّيَامِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ.
(وَيَجُوزُ) أَيْ يَصِحُّ (أَدَاءُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ) وَاقِعَةٍ (مِنْ اللَّيْلِ وَإِلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ) وَالنَّهَارُ الشَّرْعِيُّ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْمَغْرِبِ فَمُنْتَصَفُهُ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ اللُّغَوِيَّ كَذَلِكَ كَمَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مَوْجُودَةً فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ، وَلَوْ قَالَ فِي اللَّيْلِ وَالْيَوْمِ قَبْلَ نِصْفِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجُودُهَا فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ لَا ابْتِدَاؤُهَا مِنْ أَحَدِهِمَا وَانْتِهَاؤُهَا فِي الْآخَرِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ التَّبْيِيتِ (لَا عِنْدَهُ) أَيْ نِصْفَ النَّهَارِ (فِي الْأَصَحِّ) فَلَوْ نَوَى عِنْدَ الضَّحْوَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ لِقِيَامِ الْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلصُّبْحِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا خَاصٌّ بِالصَّوْمِ لِكَوْنِهِ رُكْنًا وَاحِدًا بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ فَلَا تَجُزْ بِنِيَّةٍ فِي أَكْثَرِهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ مِنْ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِالنِّيَّةِ وَجَوَازِهَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ بِهَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَبِعَدَمِ جَوَازِهَا إلَّا مِنْ اللَّيْلِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ.
(وَ) يَصِحُّ أَدَاؤُهَا (بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) وَهُوَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَاتِ الصَّوْمِ دُونَ الصِّفَةِ كَنَوَيْتُ
الصَّوْمَ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ نَفْلًا أَوْ فَرْضًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا نِيَّةٌ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ، وَلَوْ قَالَ بِنِيَّةِ الْمُطْلَقِ لَكَانَ أَوْلَى وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قَالَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ صَوْمُهُ بِنِيَّةِ نَفْلٍ وَيَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بِإِعَادَةِ النِّيَّةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْإِطْلَاقِ فَإِضَافَتُهَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي. تَدَبَّرْ وَيُشْتَرَطُ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ.
(وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ) وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ أَدَاءُ رَمَضَانَ إلَّا بِنِيَّةٍ عَلَى التَّعْيِينِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَمَّا فِي النِّيَّةِ الْمُطْلَقَةِ؛ فَلِأَنَّ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنٌ لِلْفَرْضِ لَا يَسَعُ غَيْرَهُ وَالْإِطْلَاقُ فِي الْمُتَعَيِّنِ تَعَيُّنٌ كَمَا نَادَى زَيْدًا الْمُنْفَرِدَ فِي الدَّارِ بِيَا إنْسَانُ فَإِنَّ فِيهِ تَعْيِينًا لَهُ وَأَمَّا فِي نِيَّةِ النَّفْلِ؛ فَلِأَنَّ وَصْفَهُ بِالنَّفْلِ خَطَأٌ فَيَبْطُلُ وَيَبْقَى الْإِطْلَاقُ وَهُوَ تَعْيِينٌ، وَلَوْ صَامَ مُقِيمٌ عَلَى غَيْرِ رَمَضَانَ لِجَهْلِهِ بِهِ فَوَافَقَهُ فَهُوَ عَنْهُ.
(وَ) يُؤَدَّى (صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) يَعْنِي يَصِحُّ أَدَاءُ رَمَضَانَ إذَا نَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ عَلَيْهِ نَحْوِ كَفَّارَةِ قَتْلِ غَيْرِ الْعَمْدِ أَوْ ظِهَارٍ (لَا) يُؤَدَّى (النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ) بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ (بَلْ) يَقَعُ الْأَدَاءُ (عَمَّا نَوَاهُ) كَمَا أَنَّ النَّفَلَ لَا يُؤَدَّى بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ بَلْ يَقَعُ عَمَّا نَوَى هَذَا إنْ نَوَى بِاللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى بَعْدَمَا أَصْبَحَ فِي يَوْمِ التَّعْيِينِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَنْ نَذْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا جُعِلَ بِوِلَايَةِ النَّاذِرِ، وَلَهُ حَقُّ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَرَمَضَانُ مُتَعَيِّنٌ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ.
(وَلَوْ نَوَى الْمَرِيضُ أَوْ الْمُسَافِرُ فِيهِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ (وَاجِبًا آخَرَ) كَالْقَضَاءِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ (وَقَعَ) صَوْمُهُ (عَمَّا نَوَى) هَذِهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ لَكِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولَيْهِمَا: وَوَجْهُهُ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ فَأَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ تَتَعَلَّقُ بِعَجْزِ بَاطِنٍ قَامَ السَّفَرُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ.
وَفِي الْإِيضَاحِ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى وَبِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ؛ لِأَنَّ رُخْصَتَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَوْفِ ازْدِيَادِ الْمَرَضِ لَا بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ فَكَانَ كَالْمُسَافِرِ فِي تَعَلُّقِ الرُّخْصَةِ لِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ (وَعِنْدَهُمَا) يَقَعُ (عَنْ رَمَضَانَ) ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَوَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّهُمَا شَغَلَا الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ وَتَخْيِيرِهِمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ مِنْ الْأَيَّامِ الْأُخَرِ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْمُسَافِرُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ كَالْمَرِيضِ.
(وَالنَّفَلَ كُلَّهُ) وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَدَمُ الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ وَشُرِطَ لِقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالنَّفَلِ الْفَاسِدِ أَنْ يُبَيِّتَ. تَدَبَّرْ (يَجُوزُ