الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَمَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا يُسَمَّى تَعْزِيرٌ وَلَا قِصَاصٌ حَدًّا) أَمَّا التَّعْزِيرُ فَلِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ وَأَمَّا الْقِصَاصُ؛ فَلِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ مُطْلَقًا فَلِهَذَا جَازَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِحَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ عِنْدَنَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
[حَدّ الزِّنَا]
(وَالزِّنَى) بِالْقَصْرِ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ نَجْدِيَّةٌ (وَطْءٌ) أَيْ غَيْبَةُ حَشَفَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ فَلَوْ لَمْ تَدْخُلْ الْحَشَفَةُ لَمْ يُحَدَّ؛ لِأَنَّهُ مُلَامَسَةٌ (مُكَلَّفٍ) خَرَجَ بِهِ وَطْءُ الْمَجْنُونِ، وَالْمَعْتُوهِ، وَالصَّبِيِّ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ نَاطِقٌ طَائِعٌ خَرَجَ بِالنَّاطِقِ وَطْءُ الْأَخْرَسِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَدَّعِيَ شُبْهَةً وَبِالطَّائِعِ وَطْءُ الْمُكْرَهِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْحَدَّ عَلَى مَا سَيَأْتِي (فِي قُبُلٍ) وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ مُشْتَهَاةٌ حَالًا أَوْ مَاضِيًا فَخَرَجَ بِهِ غَيْرُ الْمُشْتَهَاةِ كَوَطْءِ الصَّبِيَّةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَالْمَيِّتَةِ، وَالْبَهِيمَةِ (خَالٍ) ذَلِكَ الْوَطْءُ (عَنْ مِلْكٍ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ، وَالْيَمِينِ احْتِرَازٌ عَنْ وَطْءِ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ وَمَنْكُوحَةٍ نِكَاحًا فَاسِدًا (وَشُبْهَتِهِ) أَيْ الْمِلْكِ كَوَطْءِ مُعْتَدَّةِ الْبَائِنِ وَجَارِيَةِ الِابْنِ، وَالْأَبِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَوْلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَدَّ فِي الْوَطْءِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَمْكِينُهَا لِيَصْدُقَ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى إذَا أَدْخَلَتْهُ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ سِوَى التَّمْكِينِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَيْسَ بِتَعْرِيفِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ وَإِلَّا لَانْتَقَضَ التَّعْرِيفُ طَرْدًا وَعَكْسًا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِيَكُونَ التَّعْرِيفُ تَامًّا تَأَمَّلْ.
[بِمَا يَثْبُتُ الزِّنَا]
(وَيَثْبُتُ) الزِّنَا ثُبُوتًا ظَاهِرًا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا بِمُجَرَّدِ عِلْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَثَوْرِيٍّ وَالشَّافِعِيِّ (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ) فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ وَلَا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ وَلِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتِمُّ إلَّا بِاثْنَيْنِ وَفِعْلُ وَاحِدٍ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَهُمْ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ بِشَرْطِ كَوْنِ الزَّوْجِ لَمْ يَقْذِفْهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَ قَذَفَهَا وَشَهِدَ بِالزِّنَا وَمَعَهُ ثَلَاثَةٌ حُدَّ الثَّلَاثَةُ لِلْقَذْفِ وَعَلَى الزَّوْجِ اللِّعَانُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُ الشُّهُودِ إنَّ فُلَانًا قَدْ زَنَى وَشَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا تُقْبَلُ (مُجْتَمِعِينَ) فَلَوْ شَهِدُوا مُتَفَرِّقِينَ حَالَ مَجِيئِهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ لَمْ تُقْبَلْ وَيُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ وَأَمَّا إذَا حَضَرُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَجَلَسُوا مَجْلِسَ الشُّهُودِ وَقَامُوا إلَى الْحَاكِمِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَشَهِدُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ دُفْعَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي السِّرَاجِ (بِالزِّنَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِالشَّهَادَةِ أَيْ شَهَادَةٌ مُلْتَبِسَةٌ بِلَفْظِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ الدَّالُ عَلَى الْفِعْلِ الْحَرَامِ (لَا بِالْوَطْءِ أَوْ الْجِمَاعِ إذَا سَأَلَهُمْ) بَعْدَ الشَّهَادَةِ ظَرْفٌ يُثْبِتُ (الْإِمَامُ) أَوْ نَائِبُهُ، وَالْقَاضِي (عَنْ مَاهِيَّةِ الزِّنَا) احْتِرَازٌ عَنْ زَنَى الْعَيْنِ، وَالْيَدِ، وَالرِّجْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ تَوَسُّعًا نَحْو الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ (وَكَيْفِيَّتُهُ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مُكْرَهًا وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ تَمَاسَّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ إدْخَالٍ وَقِيلَ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ زِنَى الْإِبْطِ، وَالْفَخِذِ، وَالدُّبُرِ كَمَا فِي الْمُضْمِرَاتِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّهُ مُخْتَارُ الْمَبْسُوطِ وَلَا يُقَالُ إنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يُغْنِي عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ صُورَةُ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذِهِ الِاسْتِقْصَاءُ وَكَمَالُ
الْجُهْدِ، وَالِاحْتِيَاطِ فِي الِاحْتِيَالِ لِدَرْءِ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «ادْرَءُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» فَالْأَحْسَنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَأَيْنَ زَنَى) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ (وَمَتَى زَنَى) ؛ لِأَنَّ الزِّنَى الْمُتَقَادِمُ أَوْ فِي حَالِ الصِّبَا أَوْ الْجُنُونِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَرُدَّ بِأَنَّ الزِّنَى الْمُتَقَادِمُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ إذَا كَانَ ثُبُوتُهُ بِالْإِقْرَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّقَادُمَ إنَّمَا يَمْنَعُ لِإِيجَابِهِ التُّهْمَةَ بِالتَّأْخِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي التُّهْمَةَ، وَالتَّقَادُمُ فِي الزِّنَا يَثْبُتُ بِشَهْرٍ وَمَا فَوْقَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي (وَبِمَنْ زَنَى) هَذَا السُّؤَالُ عَنْ الْمُزَنِيَّةِ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الزَّانِي وَفَائِدَتُهُ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ الشُّبْهَةِ وَعَنْ الزَّانِي إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُزَنِيَّةِ وَفَائِدَتُهُ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ شَرْطِ التَّكْلِيفِ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تُوجَدُ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ فَمَنْ قَالَ إنَّ السُّؤَالَ عَنْ الْمَاهِيَّةِ يُغْنِي عَنْهُ أَوْ خَصَّ السُّؤَالَ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ أَخْطَأَ تَأَمَّلْ (فَبَيَّنُوهُ) عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ (وَقَالُوا رَأَيْنَاهُ وَطِئَهَا) بِصِيغَةِ الْفِعْلِ (فِي فَرْجِهَا كَالْمِيلِ فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ، وَالْحَاءِ آلَةٌ مَخْصُوصَةٌ لِلْكُحْلِ، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَإِلَّا يُغْنِي مَا ذُكِرَ عَنْ ذَلِكَ (وَعُدِّلُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الشُّهُودُ تَعْدِيلًا (سِرًّا وَعَلَانِيَةً) عِنْدَ مَنْ لَا يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْحُقُوقِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عِنْدَ مَنْ يَكْتَفِي احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَيَحْبِسُهُ الْإِمَامُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ كَيْ لَا يَهْرُبَ وَلَا وَجْهَ لِأَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ نَوْعُ احْتِيَاطٍ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِيمَا يُبْتَنَى عَلَى الدَّرْءِ وَحَبْسُهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ، بَلْ بِطَرِيقِ التَّعْزِيرِ انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ الْأَمْرُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّعْزِيرِ، وَالْحَدِّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا حُدَّ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ احْتِيَاطًا لَا تَعْزِيرًا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ تَعْلِيلِ الْحَبْسِ بِقَوْلِهِمْ كَيْ لَا يَهْرُبَ يُؤَيِّدُهُ تَأَمَّلْ.
(أَوْ بِالْإِقْرَارِ) أَيْ يَثْبُتُ الزِّنَاءُ بِإِقْرَارِ الزَّانِي أَيْضًا حَالَ كَوْنِهِ (عَاقِلًا بَالِغًا) فَلَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ فَلَوْ أَقَرَّ الذِّمِّيُّ بِوَطْءِ الذِّمِّيَّةِ حُدَّ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا الْحُرِّيَّةُ فَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالزِّنَا حُدَّ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَرْبَعَ مَرَّاتٍ) كَمَا فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً (فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ) مِنْ مَجَالِسِ الْمُقِرِّ وَقِيلَ مِنْ مَجَالِسِ الْحَاكِمِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ فَلَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَانَ كَإِقْرَارٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَهُ يُقَامُ بِالْإِقْرَارِ أَرْبَعًا وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثَبَتَ بِهِ الزِّنَاءُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلِلْإِقْرَارِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا فَلَوْ أَقَرَّ الْأَخْرَسُ بِالزِّنَاءِ بِكِتَابَةٍ أَوْ بِإِشَارَةٍ لَا يُحَدُّ الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ كَذِبُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ فَظَهَرَ مَجْبُوبًا أَوْ أَقَرَّتْ فَظَهَرَتْ رَتْقَاءَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ شُبْهَةً فَتَنْدَرِئُ كَمَا فِي الْفَتْحِ فَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ قَاصِرَةٌ تَدَبَّرْ
(كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) الْحَاكِمُ وَقَالَ أَبِكَ دَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ غَيْرُهُ (حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ) وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَرُدُّهُ فِي الرَّابِعَةِ، بَلْ يَقْبَلُهُ فَلَوْ قَيَّدَهُ بِإِلَّا مَرَّةً رَابِعَةً لَكَانَ أَوْلَى.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ غَيْرِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا قَدْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِالشَّهَادَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (ثُمَّ سَأَلَ كَمَا مَرَّ) أَيْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَزْنِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ (سِوَى الزَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعُ الشَّهَادَةِ لَا الْإِقْرَارُ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ أَوْ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ (فَبَيَّنَهُ) أَيْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الشَّرْطِ فَإِذَا بَيَّنَهُ لَزِمَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الْحَقِّ.
(وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) أَيْ تَلْقِينُ الْحَاكِمِ الْمُقِرَّ (لِيَرْجِعَ) عَنْ إقْرَارِهِ (بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطَّأْت بِشُبْهَةٍ) أَوْ نَظَرْت أَوْ بَاشَرْت أَوْ تَزَوَّجْت تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ فَلَوْ ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زِنَائِهِ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ أَوْ كَانَ بِالْإِقْرَارِ تَدَبَّرْ (فَإِنْ رَجَعَ) الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَ الْحَدِّ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحَدِّ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ (أَوْ فِي أَثْنَائِهِ) قَبْلَ الْمَوْتِ (تُرِكَ) وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِوُجُودِ الْحَدِّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ.
(، وَالْحَدُّ لِلْمُحْصَنِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا (رَجْمُهُ) لَمْ يَقُلْ بِالْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الرَّجْمِ (فِي فَضَاءٍ) أَيْ أَرْضٍ فَارِغَةٍ وَاسِعَةٍ (حَتَّى يَمُوتَ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجْمِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِي رَجْمِهِ وَهَرَبَ أُتْبِعَهُ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَتْبَعُهُ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إلَّا مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجُمُهُ وَلَكِنْ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُهُ أَصْلًا، وَهَذَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَإِ إذَا قَتَلَهُ (يَبْدَأُ بِهِ الشُّهُودُ) أَيْ يَجِبُ بِدَايَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْأَدَاءِ، ثُمَّ يَسْتَعْظِمُونَ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُونَ وَفِيهِ ضَرْبُ احْتِيَالٍ فِي الدَّرْءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُشْتَرَطُ بِدَايَتُهُمْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُمْ وَبِدَايَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا، وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ الشُّهُودُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَنْ الرَّجْمِ (أَوْ غَابُوا
أَوْ مَاتُوا) أَوْ جُنُّوا أَوْ فَسَقَوْا أَوْ قَذَفُوا كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ عَمُوا أَوْ خَرِسُوا أَوْ ارْتَدُّوا (سَقَطَ) الرَّجْمُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ بُدَاءَةُ الشُّهُودِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ أَبَوْا كُلًّا أَوْ بَعْضًا أَوْ غَابُوا رَجَمَ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ وَلَمْ يَنْتَظِرُوهُمْ وَلَوْ كَانُوا مَرْضَى لَا يَسْتَطِيعُونَ الرَّمْيَ، وَقَدْ حَضَرُوا أَوْ مَقْطُوعِي الْأَيْدِي يَبْدَأُ بِهِ الْإِمَامُ هَذَا إذَا قُطِعَتْ أَيْدِيهمْ قَبْلَهَا فَإِنَّ بَعْدَ الشَّهَادَةِ امْتَنَعَتْ الْإِقَامَةُ وَقَيَّدَ بِالرَّجْمِ؛ لِأَنَّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْحُدُودِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ مِنْ الشُّهُودِ وَلَا الْإِمَامِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ وَإِذَا سَقَطَ بِامْتِنَاعِ أَحَدِهِمْ هَلْ يُحَدُّ الشَّاهِدُ أَوْ لَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ (ثُمَّ الْإِمَامُ) أَيْ يُرْجَمُ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي (ثُمَّ النَّاسُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الشُّهُودِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَقِيَاسُهُ السُّقُوطُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْقَاضِي إذَا أَمَرَ النَّاسَ بِرَجْمِ الزَّانِي وَسِعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ هَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فَقِيهًا عَدْلًا أَمَّا إذَا كَانَ فَقِيهًا غَيْرَ عَدْلٍ أَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ فَقِيهٍ فَلَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ حَتَّى يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ (وَفِي الْمُقِرِّ يَبْدَأُ الْإِمَامُ) أَيْ يَرْجُمُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ خَاصَّةً الْإِمَامُ حَالَ كَوْنِهِ مُبْتَدَأً فَهُوَ تَضْمِينٌ شَائِعٌ لَيْسَ فِيهِ تَسَامُحٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (ثُمَّ النَّاسُ) هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(وَيُغَسَّلُ) الْمَرْجُومُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُكَفَّنُ (وَيُصَلَّى عَلَيْهِ)«لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام حِينَ سُئِلَ عَنْ غُسْلِ مَاعِزٍ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ اصْنَعُوا بِهِ كَمَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ عَلَى أَهْلِ الْحِجَازِ لَوَسِعَتْهُمْ وَلَقَدْ رَأَيْته يَنْغَمِسُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُسْلُ بِخِلَافِ الشَّهِيدِ.
(وَ) الْحَدُّ (لِغَيْرِ الْمُحْصَنِ) أَيْ لِزَانٍ حُرٍّ فَقَدَ سَائِرَ الشُّرُوطِ الْخَمْسِ (مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] إلَّا أَنَّهُ انْتَسَخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مَعْمُولًا بِهِ وَيَكْفِينَا فِي تَعْيِينِ النَّاسِخِ الْقَطْعُ بِرَجْمِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسَّنَةِ الْقَطْعِيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَلِلْعَبْدِ) الزَّانِي (نِصْفُهَا) أَيْ نِصْفُ جُمْلَةِ الْمِائَةِ فَيُجْلَدُ خَمْسِينَ سَوْطًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَلْدُ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَنْتَصِفُ وَإِذَا ثَبَتَ التَّنْصِيفُ فِي الْإِمَاءِ لِوُجُودِ الرِّقِّ ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ دَلَالَةً (بِسَوْطٍ) مُتَعَلِّقٌ بِجَلْدَةٍ (لَا ثَمَرَةَ لَهُ) ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ (ضَرْبًا وَسَطًا) أَيْ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْمُولِمِ فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِ الْمُولِمِ.
وَفِي الْمُضْمِرَاتِ ضَرْبًا مُولِمًا غَيْرَ قَاتِلٍ وَلَا جَارِحٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِانْزِجَارُ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَأْخُذَ عُثْكَالًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَيُضْرَبَ بِهِ ضَرْبَةً» كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ (مُفَرِّقًا) ذَلِكَ
الضَّرْبَ (عَلَى) جَمِيعِ (بَدَنِهِ) وَيُعْطِي كُلَّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ؛ لِأَنَّهُ نَالَ اللَّذَّةَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي شَرْحِ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَضْرِبَ الْفَرْجَ انْتَهَى لَكِنَّ الضَّرْبَ فِي الْفَرْجِ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ، وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ فَلِهَذَا تُتَّقَى الْأَعْضَاءُ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ مِنْهَا التَّلَفُ كَالْفَرْجِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (إلَّا الرَّأْسَ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى زَوَالِ سَمْعِهِ أَوْ بَصَرِهِ أَوْ شَمِّهِ (وَالْوَجْهَ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَلَا يُؤْمَنُ ذَهَابُهَا بِالضَّرْبِ (وَالْفَرْجَ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْهَلَاكِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَضْرِبُ الصَّدْرَ، وَالْبَطْنَ؛ لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ (يَضْرِبُ الرَّأْسَ ضَرْبَةً) وَاحِدَةً لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَضْرِبُوا الرَّأْسَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَرْبِيٍّ كَانَ دَعَاهُ، وَهُوَ مُسْتَحَقٌّ الْقَتْلَ.
(وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ قَائِمًا فِي كُلِّ حَدٍّ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ، وَالْقِيَامُ أَبْلَغُ فِيهِ (بِلَا مَدٍّ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلْقَى عَلَى الْأَرْضِ وَتُمَدُّ رِجْلَاهُ كَمَا يُفْعَلُ الْيَوْمَ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُدَّ الضَّارِبُ يَدَهُ فَوْقَ رَأْسِهِ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَدَّ السَّوْطُ عَلَى الْعُضْوِ عِنْدَ الضَّرْبِ وَيَجُرُّهُ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْحَدِّ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُمْسَكُ وَلَا يُشَدُّ؛ لِأَنَّ الْأَلَمَ يَزِيدُ بِهِ إلَّا أَنْ يُعْجِزَهُمْ فَيُشَدُّ (وَيُنْزَعُ ثِيَابُهُ) أَيْ يُجَرَّدُ الرَّجُلُ عَنْهَا لِيَجِدَ زِيَادَةَ الْأَلَمِ فَيَنْزَجِرَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ (سِوَى الْإِزَارِ) فَإِنَّهُ لَا يُنْزَعُ حَذَرًا عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ (، وَالْمَرْأَةُ) تُحَدُّ (جَالِسَةً) فِي كُلِّ حَدٍّ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَلَا تُنْزَعُ ثِيَابُهَا) أَيْ ثِيَابُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ بِالِاسْتِثْنَاءِ (إلَّا الْفَرْوَ) أَيْ اللِّبَاسُ الَّذِي مِنْ جُلُودِ الْغَنَمِ وَغَيْرِهِ (وَالْحَشْوَ) أَيْ الثَّوْبُ الْمَمْلُوُّ بِالْقُطْنِ أَوْ الصُّوفِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُمَا يُنْزَعَانِ لِيَصِلَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَيُحْفَرُ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ إلَى السُّرَّةِ أَوْ إلَى الصَّدْرِ (فِي الرَّجْمِ) ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَضْطَرِبُ وَتُكْشَفُ الْعَوْرَةُ، وَهُوَ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ الْحَفْرِ لَهَا (لَا) يُحْفَرُ فِي الرَّجْمِ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي التَّشْهِيرَ، وَالرَّبْطُ، وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْمَرْجُومِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ (وَلَا يَحُدُّ سَيِّدٌ مَمْلُوكَهُ) سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نِيَابَةَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ فَإِنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَحُدُّ إذَا عَايَنَ السَّبَبَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَلَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ وَجْهَانِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَوْلَى مِمَّنْ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحُدُودِ بِتَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ امْرَأَةً فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ اتِّفَاقًا (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ) احْتِرَازٌ عَنْ إحْصَانِ الْقَذْفِ عَلَى مَا سِيَاتِي (الْحُرِّيَّةُ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا يُحَصِّنُ الْحُرُّ الْأَمَةَ وَلَا الْعَبْدُ الْحُرَّةَ» (وَالتَّكْلِيفُ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا بِأَهْلٍ لِلْعُقُوبَاتِ (وَالْإِسْلَامُ) لِلْحَدِيثِ مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَرَجْمُهُ عليه السلام الْيَهُودِيَّيْنِ إنَّمَا كَانَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجَلْدِ
ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِحْصَانِ وَبِهِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (وَالْوَطْءُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ) حَتَّى لَوْ وَطِئَ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ لَمْ يُرْجَمْ وَكَذَا مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَوْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِقَوْلِهِ عليه السلام الثَّيِّبُ وَبِالثَّيِّبِ، وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ بِغَيْرِ دُخُولٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ الزِّنَاءِ، وَالدُّخُولُ إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِنْزَالُ؛ لِأَنَّهُ شِبَعٌ.
وَفِي الدُّرَرِ وَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حُصُولَ الْوَطْءِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ شَرْطٌ لِحُصُولِ صِفَةِ الْإِحْصَانِ وَلَا يَجِبُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، ثُمَّ زَالَ النِّكَاحُ وَبَقِيَ مُجَرَّدًا وَزَنَى يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّجْمُ (حَالَ وُجُودِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْوَطِيءِ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَتَّى إنَّ الْمَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَا بَيْنَهُمَا وَطْءٌ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ حَالَ الرِّقِّ، ثُمَّ عَتَقَا لَمْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ وَكَذَا الْكَافِرَانِ وَكَذَا الْحُرُّ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً وَوَطِئَهَا لَا يَكُونُ مُحْصَنًا لِوُجُودِ النُّفْرَةِ عَنْ نِكَاحِ هَؤُلَاءِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ كَافِرًا وَهِيَ حُرَّةٌ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ مُسْلِمَةٌ بِأَنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ وَطِئَهَا الْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُحْصَنَةً بِهَذَا الدُّخُولِ وَلَوْ زَالَ الْإِحْصَانُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْجُنُونِ أَوْ الْعَتَهِ يَعُودُ مُحْصَنًا إذَا أَفَاقَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَعُودُ حَتَّى يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى، ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَسَقَطَ عَنْهُ.
(وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ جَلْدٍ وَرَجْمٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَجْمَعْ (وَلَا) يُجْمَعُ (بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ) يَعْنِي فِي الْمُحْصَنِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ، وَالنَّفْيِ وَلَنَا أَنَّ الْحَدَّ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءُ بِاللِّسَانِ، ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجِلْدِ مِائَةٍ وَنَفْيٍ فِي الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ وَجَلْدٍ وَرَجْمٍ فِي الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ، ثُمَّ نُسِخَ بِجِلْدِ مِائَةٍ فِي كُلِّ زَانٍ، ثُمَّ نُسِخَ الْجِلْدُ وَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ بِالرَّجْمِ فِي الْمُحْصَنِ، وَالْجِلْدُ فِي غَيْرِهِ (إلَّا سِيَاسَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ.
وَلَا بَيْنَ جَلْدٍ وَنَفْيٍ إذَا رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ فَيُعَزِّرُ بِهِ قَدْرَ مَا يَرَى؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَفَى غُلَامًا صَبِيحَ الْوَجْهِ اُفْتُتِنَ بِهِ النِّسَاءُ، وَالْحُسْنُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ إلَّا أَنَّهُ فَعَلَهُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السِّيَاسَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالزِّنَاءِ، بَلْ تَكُونُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْإِمَامِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَفَسَّرَ التَّغْرِيبَ فِي النِّهَايَةِ بِالْحَبْسِ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا بِلُحُوقِ الْعَارِ وَبِالْغُرْبَةِ عَنْ الْوَطَنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَوْدُ مُفْسِدًا تَأَمَّلْ.
(، وَالْمَرِيضُ) الزَّانِي الْمُحْصَنُ (يُرْجَمُ) فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ وَلَا يَتَأَخَّرُ لِسَبَبِ الْمَرَضِ (وَلَا يُجْلَدُ) الزَّانِي الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ (مَا لَمْ يَبْرَأْ) عَنْ الْمَرَضِ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى الْهَلَاكِ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِهِ لَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ فَيُجْلَدُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرِيضًا وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ بُرْئِهِ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ تَطْهِيرًا كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ فِي الْحَرِّ، وَالْبَرْدِ الشَّدِيدَيْنِ لِخَوْفِ التَّلَفِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
(، وَالْحَامِلُ إنْ ثَبَتَ زِنَاهَا بِالْبَيِّنَةِ تُحْبَسُ حَتَّى تَلِدَ) كَيْ لَا تَهْرُبَ قَيَّدَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لَا تُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ صَحِيحٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْحَبْسِ (وَتُرْجَمُ) الْحَامِلُ الْمُحْصَنَةُ (إذَا وَضَعَتْ) أَيْ بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ لَهُ مُرَبٍّ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَقَدْ انْفَصَلَ (وَلَا تُجْلَدُ) الْحَامِلُ غَيْرُ الْمُحْصَنَةِ (مَا لَمْ) تَلِدْ وَ (تَخْرُجْ مِنْ نِفَاسِهَا) ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِذَا نَفَذَ تَصَرُّفُهَا مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ اكْتَفَى جَازَ، وَالْحَائِضُ كَالصَّحِيحِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلُودِ