الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِفَرْضِيَّةِ الِاسْتِمَاعِ إلَّا إذَا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ فَيُصَلِّي سِرًّا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَالنَّائِي) أَيْ الْبَعِيدُ الَّذِي لَا يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ (وَالدَّانِي) أَيْ الْقَرِيبُ (سَوَاءٌ) فِي وُجُوبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ.
[فَصْلٌ الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ]
فَصْلٌ
(الْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) أَيْ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ مِصْرٍ لَقُوتِلُوا وَإِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ ضُرِبَ وَحُبِسَ وَلَا يُرَخَّصُ لِأَحَدٍ تَرْكُهَا إلَّا لِعُذْرٍ مِنْهُ الْمَطَرُ وَالطِّينُ وَالْبَرْدُ الشَّدِيدُ وَالظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِيهَا فِي قَوْلٍ عَنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْهُمَا.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ أَيْضًا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَلَكِنْ غَيْرُ شَرْطٍ لِجَوَازِهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ جَمَاعَةٍ وَلَكِنْ يَأْثَمُ فَيَؤُولُ إلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ الْوُجُوبَ.
وَفِي الْمُفِيدِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَتَسْمِيَتُهَا سُنَّةً لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ لَكِنْ إنْ فَاتَتْهُ جَمَاعَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ: لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ فَقَدْ أَتَى بِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ.
[أَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ]
(وَأَوْلَى النَّاسِ بِالْإِمَامَةِ أَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ) أَيْ بِمَا يُصْلِحُ الصَّلَاةَ وَيُفْسِدُهَا وَقَيَّدَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ تَقْدِيمَ الْأَعْلَمِ بِغَيْرِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، وَأَمَّا الرَّاتِبُ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْقَهَ مِنْهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْكَلَامُ فِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى، وَكَذَا إمَامُ الْحَيِّ إلَّا إذَا كَانَ الضَّعِيفُ ذَا سُلْطَانٍ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِلْمِ (أَقْرَؤُهُمْ) أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِالتَّجْوِيدِ وَالْمُرَاعِي لَهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَحْفَظَهُمْ لِلْقُرْآنِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْعَكْسِ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْأَوْلَى أَقْرَؤُهُمْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» لَهُمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْعِلْمِ أَشَدُّ حَتَّى إذَا عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَفِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ الْقُرْآنَ بِأَحْكَامِهِ فَكَانَ أَقْرَؤُهُمْ أَعْلَمَهُمْ.
وَفِي زَمَانِنَا أَنَّهُ أَكْثَرُ مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ لَا حَظَّ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ فَالْأَعْلَمُ أَوْلَى لَكِنْ هَذَا بَعْدَمَا يُحْسِنُ مِنْ الْقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا تَقُومُ بِهِ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُطْعَنْ فِي دِينِهِ، (ثُمَّ أَوَرَعُهُمْ) أَيْ أَشَدُّهُمْ اجْتِنَابًا عَنْ الشُّبُهَاتِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ) أَيْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْأَسَنِّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا فَعَلَى هَذَا لَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ لَكِنْ فِي الْمُحِيطِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ، وَالْآخَرُ أَوَرَعَ فَالْأَكْبَرُ أَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِسْقٌ ظَاهِرٌ (ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) أَيْ أَحْسَنُهُمْ فِي الْمُعَاشَرَةِ مَعَ إخْوَانِهِ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ ثُمَّ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا أَيْ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً بِاللَّيْلِ لِلْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ
بِالنَّهَارِ» لَكِنْ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ سَمَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ خَلْفَهُ ثُمَّ أَشْرَفُهُمْ نَسَبًا ثُمَّ أَنْظَفُهُمْ ثَوْبًا؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَإِنْ اسْتَوَوْا يُقْرَعُ أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ.
(وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَبْدِ) سَوَاءٌ كَانَ مُعْتَقًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِلتَّعَلُّمِ (وَالْأَعْرَابِيِّ) وَهُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَرَبِيِّ الْبَلَدِيِّ لَكِنْ فِي الْكَرْمَانِيِّ أَنَّهُ تُكْرَهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَالْأَعْمَى) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ وَلَا يَهْتَدِي إلَى الْقِبْلَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيعَابِ الْوُضُوءِ غَالِبًا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِعَدَمِ التَّقْيِيدِ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ أَصْلًا لِنُقْصَانِ الْوُضُوءِ.
وَفِي الْبُرْهَانِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ بَصِيرٌ أَفْضَلُ مِنْهُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِاسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ حِينَ خَرَجَ إلَى تَبُوكَ وَكَانَ أَعْمَى.
(وَالْفَاسِقِ) أَيْ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُهِمُّ بِأَمْرِ دِينِهِ وَكَذَا إمَامَةُ النَّمَّامِ وَالْمُرَائِي وَالْمُتَصَنِّعِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ (وَالْمُبْتَدِعِ) أَيْ صَاحِبِ هَوًى لَا يُكَفَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ حَتَّى إذَا كُفِّرَ بِهِ لَمْ تَجُزْ أَصْلًا قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ صَاحِبِ هَوًى إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ خَلْفَ الرَّافِضِيِّ وَالْجُهَنِيِّ وَالْقَدَرِيِّ وَالْمُشَبِّهَةِ، وَمَنْ يَقُولُ: بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَالرَّافِضِيُّ إنْ فَضَّلَ عَلِيًّا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ، وَإِنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ فَهُوَ كَافِرٌ.
(وَوَلَدِ الزِّنَا) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُؤَدِّبُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ أَعْلَمَ زَمَانِهِ بَلَى الْأَوْجَهُ تَنَفُّرُ الطَّبْعِ عَنْهُ فَيَلْزَمُ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ وَفِي وِتْرِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ.
وَفِي الْجَوَاهِرِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ خَلْفَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ، وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَتَعَصَّبُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ فَصْدِهِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَمْ يَغْسِلْ ثَوْبَهُ مِنْ الْمَنِيِّ، أَوْ لَمْ يَفْرُكْهُ أَوْ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ أَشْبَاهِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ (فَإِنْ تَقَدَّمُوا جَازَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ» ، وَالْفَاسِقُ إذَا تَعَذَّرَ مَنْعُهُ تُصَلَّى الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ وَفِي غَيْرِهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يُصَلِّيَانِ الْجُمُعَةَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَفْسَقَ أَهْلِ زَمَانِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُ الْإِمَامِ) عَنْ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ (الصَّلَاةَ) بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ.
(وَكَذَا) يُكْرَهُ (جَمَاعَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ إحْدَى الْمَحْظُورَيْنِ إمَّا قِيَامُ الْإِمَامِ وَسَطَ الصَّفِّ، أَوْ تَقَدُّمُهُ وَهُمَا مَكْرُوهَانِ فِي حَقِّهِنَّ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ إلَّا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَلَا تُتْرَكُ بِالْمَحْظُورِ (فَإِنْ فَعَلْنَ) أَيْ إنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً وَارْتَكَبْنَ الْكَرَاهَةَ (يَقِفُ الْإِمَامُ) الْإِمَامُ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ أَيْ يُقْتَدَى بِهِ ذَكَرًا كَانَ
أَوْ أُنْثَى فَلِهَذَا لَمْ يُدْخِلْ تَاءَ التَّأْنِيثِ (وَسَطَهُنَّ) ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَعَلَتْ كَذَا حِينَ كَانَتْ جَمَاعَتُهُنَّ مُسْتَحَبَّةً ثُمَّ نُسِخَ الِاسْتِحْبَابُ.
وَفِي السِّرَاجِ وَإِنَّمَا أَرْشَدَ إلَى التَّوَسُّطِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهَةً مِنْ التَّقَدُّمِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَقِبَهَا عَنْ عَقِبِ مَنْ خَلْفَهَا لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ حَتَّى لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ يَصِحَّ وَالْوَسَطُ بِالتَّحْرِيكِ اسْمُ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ كَمَرْكَزِ الدَّائِرَةِ وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ لِدَاخِلِهَا وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ هَا هُنَا بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ، قَالَ الْجَزَرِيُّ: وَهُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا فِي الرَّامُوزِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ، وَلَا يَجُوزُ فَتْحُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (كَالْعُرَاةِ) التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ وَالْكَيْفِيَّةِ لَا مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعُرَاةِ قُعُودًا أَفْضَلُ دُونَ النِّسَاءِ.
(وَلَا يَحْضُرْنَ الْجَمَاعَاتِ) فِي كُلِّ الصَّلَاةِ نَهَارِيَّةً أَوْ لَيْلِيَّةً لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلَاتُهَا فِي قَعْرِ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا وَصَلَاتُهَا فِي صَحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» وَلِأَنَّهُ لَا تُؤْمَنُ الْفِتْنَةُ مِنْ خُرُوجِهِنَّ (إلَّا الْعَجُوزَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ) وَكَذَا الْعِيدَيْنِ لِنَوْمِ الْفُسَّاقِ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالْأَكْلِ فِي الْمَغْرِبِ وَاتِّسَاعِ الْجَبَّانَةِ فِي الْعِيدَيْنِ فَيُمْكِنُهَا الِاعْتِزَالُ عَنْ الرِّجَالِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ كَالظُّهْرِ وَالْجُمُعَةُ كَالْعِيدَيْنِ (وَجَوَّزَا) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ (حُضُورَهَا) أَيْ الْعَجُوزِ (فِي الْكُلِّ) لِانْعِدَامِ الْفِتْنَةِ لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ فِيهِنَّ، لَكِنْ هَذَا الْخِلَافُ فِي زَمَانِهِمْ وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَيُمْنَعْنَ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَيَّدَ بِالْعَجُوزِ؛ لِأَنَّ الشَّابَّةَ لَيْسَ لَهَا الْحُضُورُ اتِّفَاقًا الشَّابَّةُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَالْعَجُوزُ مِنْ خَمْسِينَ إلَى آخِرِ الْعُمُرِ.
(وَمَنْ صَلَّى مَعَ وَاحِدٍ أَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَقِفُ الْمُؤْتَمُّ الْوَاحِدُ رَجُلًا أَوْ صَبِيًّا فِي جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ مُسَاوِيًا لَهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَضَعُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ، وَلَوْ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ جَازَ وَيُكْرَهُ.
وَفِي كَرَاهَةِ الْقِيَامِ خَلْفَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَإِنَّهُ يُقِيمُ الرَّجُلَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا.
(وَيَتَقَدَّمُ) أَيْ الْإِمَامُ (عَلَى الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ ذَلِكَ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتَوَسَّطُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّ مُتَعَدِّدًا لَا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ.
(وَيُصَفُّ الرِّجَالُ) فِي الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» ، (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) ، (ثُمَّ الْخَنَاثَى) بِفَتْحِ الْخَاءِ جَمْعُ الْخُنْثَى وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَنْ يَكُونُ حَالُهُ مُشْكِلًا فَإِنْ تَبَيَّنَ حَالُهُ يُعَدُّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ صِيَغَ الْجَمْعِ فِي بَيَانِ الصُّفُوفِ؛ لِأَنَّ الصَّفَّ لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى الْجَمَاعَةِ، (ثُمَّ النِّسَاءُ) .
وَفِي الْبَحْرِ قِيلَ وَلَيْسَ هَذَا التَّرْتِيبُ بِحَاصِرٍ بِجُمْلَةِ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قِسْمًا وَالتَّرْتِيبُ الْحَاصِرُ لَهَا أَنْ يُقَدَّمَ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ الْعَبِيدُ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثَى الْكِبَارُ ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ
الْخَنَاثَى الصِّغَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْحَرَائِرُ الصِّغَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ الْإِمَاءُ الصِّغَارُ.
(فَإِنْ حَاذَتْهُ) أَيْ حَاذَتْ الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ، وَحَدُّ الْمُحَاذَاةِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَالرَّجُلُ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ.
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ الْكَعْبُ وَالسَّاقُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي إطْلَاقِهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَلِيلَ الْمُحَاذَاةِ مُفْسِدٌ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيُشْتَرَطُ مِقْدَارُ رُكْنٍ حَتَّى لَوْ تَحَرَّمَتْ فِي صَفٍّ وَرَكَعَتْ فِي آخَرَ وَسَجَدَتْ فِي ثَالِثٍ فَسَدَتْ صَلَاةُ مَنْ عَنْ يَمِينِهَا أَوْ يَسَارِهَا وَخَلْفَهَا مِنْ كُلِّ صَفٍّ (مُشْتَهَاةٌ) أَيْ امْرَأَةٌ عَاقِلَةٌ مُشْتَهَاةٌ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمَاضِي مَحْرَمًا كَانَتْ أَوْ أَجْنَبِيَّةً فَيَدْخُلُ فِيهَا الْعَجُوزُ وَتَخْرُجُ عَنْهَا الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَا تُشْتَهَى، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تَخْرُجُ بِالْمُشْتَهَاةِ كَمَا تَوَهَّمَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ فِي الْجُمْلَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ، (فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ) وَهِيَ الَّتِي لَهَا رُكُوعٌ وَسُجُودٌ وَلَوْ بِالْإِيمَاءِ وَاحْتَرَزَ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ (مُشْتَرَكَةٍ) ؛ لِأَنَّ مُحَاذَاتَهَا لِمُصَلٍّ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا لَا تُفْسِدُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (تَحْرِيمَةً) بِأَنْ يَبْنِيَ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْآخَرِ أَوْ بَنَيَا تَحْرِيمَتَهُمَا عَلَى تَحْرِيمَةٍ ثَالِثَةٍ (وَأَدَاءً) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامًا لِلْآخَرِ أَوْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامًا فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَقِيقَةً كَالْمُدْرِكِ، وَهُوَ الَّذِي أَتَى الصَّلَاةَ جَمِيعَهَا مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ تَكُونَ تَحْرِيمَتُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَأَدَاؤُهُ عَلَى أَدَائِهِ أَوْ تَقْدِيرًا كَاللَّاحِقِ وَهُوَ الَّذِي فَاتَهُ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ نَوْمٍ أَوْ سَبْقِ حَدَثٍ بِأَنْ يَكُونَ تَحْرِيمَتُهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً وَأَدَاؤُهُ فِيمَا يَقْضِيهِ عَلَى أَدَائِهِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مُتَابَعَتَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ بِالتَّحْرِيمَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْرَأُ فِيمَا يَقْضِيهِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَبَدُّلِ اجْتِهَادِهِ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا يَنْقَلِبُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدَ الِاشْتِرَاكَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ لَوْ ثَبَتَ فِي التَّحْرِيمَةِ دُونَ الْأَدَاءِ كَمَا إذَا كَانَا مَسْبُوقَيْنِ وَقَامَا لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا لَا تُفْسِدُ مُحَاذَاتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُشْتَرِكَيْنِ أَدَاءً بَلْ هُمَا فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدَيْنِ فِيمَا يَقْضِيَانِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا وَالسُّجُودِ لِسَهْوِهِمَا، وَيَنْقَلِبُ الْفَرْضُ أَرْبَعًا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: إنَّ ذِكْرَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَدَاءِ مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ الِاشْتِرَاكِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِدْرَاكِ الْأَدَاءِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِكَةَ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ أَنْ تَقْتَدِيَ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ الرِّجَالِ مِنْ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ انْتَهَى، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ تَفْصِيلًا بِمَحَلِّ الْخِلَافِ عَنْ مَحَلِّ الْوِفَاقِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُؤَلِّفِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاشْتِرَاكَ تَحْرِيمَةً شَرْطٌ اتِّفَاقًا، وَالِاشْتِرَاكُ أَدَاءً شَرْطٌ عَلَى الْأَصَحِّ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (فِي مَكَان مُتَّحِدٍ بِلَا حَائِلٍ) وَأَدْنَاهُ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرِّجْلِ
وَغِلَظُهُ غِلَظُ الْأُصْبُعِ، وَالْفُرْجَةُ تَقُومُ مَقَامَهُ، وَأَدْنَاهَا قَدْرُ مَا يَقُومُ الرَّجُلُ (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ صَلَاةُ الرَّجُلِ اسْتِحْسَانًا دُونَ صَلَاتِهَا لِتَرْكِهِ فَرْضَ الْمَقَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّأْخِيرِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» وَأَنَّهُ مِنْ الْمَشَاهِيرِ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ دُونَهَا
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِصَلَاتِهَا (إنْ نُوِيَتْ إمَامَتُهَا) أَيْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ إمَامَةَ النِّسَاءِ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ.
وَفِي الْبَحْرِ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَيْدِ الِاشْتِرَاكِ؛ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ إلَّا بِنِيَّةِ إمَامَتِهَا؛ إذْ لَوْ لَمْ يَنْوِ إمَامَتَهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا.
(وَلَا تَدْخُلُ فِي صَلَاتِهِ بِلَا نِيَّتِهِ إيَّاهَا) أَيْ لَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةِ الرَّجُلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا الْإِمَامُ.
وَقَالَ زُفَرُ: تَدْخُلُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَالرَّجُلِ، وَلَنَا أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنْ جِهَتِهَا ضَرَرٌ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ بِأَنْ تَقِفَ فِي جَنْبِهِ فَتُفْسِدَ صَلَاتَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ ذَلِكَ بِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا.
(وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ) لِمَا رَوَيْنَا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلنِّسَاءِ جَائِزَةٌ وَلِلرِّجَالِ، وَالْخُنْثَى مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ (أَوْ صَبِيٍّ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِصَبِيٍّ فِي فَرْضٍ قَضَاءً وَأَدَاءً بِالِاتِّفَاقِ إلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ عَنَّا قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّ نَفْلَ الصَّبِيِّ دُونَ نَفْلِ الْبَالِغِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يُبْنَى الْقَوِيُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَإِلَى أَنَّهُ يَقْتَدِي الصَّبِيُّ بِالصَّبِيِّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَطَاهِرٍ) أَيْ صَحِيحٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ (بِمَعْذُورٍ) أَيْ بِمَنْ بِهِ عُذْرٌ، وَهُوَ كَسَلَسِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْحَدَثِ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا جُعِلَ حَدَثُهُ كَالْعَدَمِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْأَدَاءِ فَكَانَ أَضْعَفَ حَالًا مِنْ الطَّاهِرِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى: وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ حَائِضًا أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاحْتِمَالُ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ (وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) وَالْأُمِّيُّ فِي الْأَصْلِ مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ أَوْ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْخَطَّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأُمَّةِ فَحُذِفَتْ التَّاءُ فَهُوَ كَالْعَامِّيِّ أَوْ عَادَةِ الْعَامَّةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى اقْتِدَاءِ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ أَوْ أُمِّيٍّ بِأُمِّيٍّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي إمَامَةِ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ (وَمُكْتَسٍ) أَيْ لَابِسٍ.
وَلَوْ قَالَ وَمَسْتُورٍ بِعَارٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِالسَّرَاوِيلِ لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فِي الْعُرْفِ مَعَ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُكْتَسِي خَلْفَهُ كَمَا أَفَادَهُ صَاحِبُ السِّرَاجِ (بِعَارٍ وَغَيْرِ مُومٍ بِمُومٍ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ فِيهِمَا (وَمُفْتَرِضٍ) .
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرْضُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا إذَا نَذَرَ (بِمُتَنَفِّلٍ) ؛ لِأَنَّهُ أَضْعَفُ حَالًا مِنْهُ (أَوْ بِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) كَمُصَلِّي الظُّهْرِ اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْعَصْرِ
لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَضَاءً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ فِيهِمَا، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ، وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ وَبِالْعَكْسِ يَجُوزُ.
وَفِي النَّوَادِرِ رَجُلَانِ افْتَتَحَا الصَّلَاةَ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ إمَامًا لِصَاحِبِهِ فَصَلَاتُهُمَا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ فَلَغَتْ النِّيَّةُ، وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ، وَإِنْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَأْتَمَّ بِصَاحِبِهِ فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ قَصَدَ الِاشْتِرَاكَ وَلَمْ تَصِحَّ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ إمَامًا وَمُؤْتَمًّا.
(وَيَجُوزُ)(اقْتِدَاءُ غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) لِاسْتِوَاءِ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَمَا حَلَّ بِالْخُفِّ يُزِيلُهُ الْمَسْحُ، وَالْمَاسِحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ.
(وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى؛ إذْ الْحَاجَةُ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ إلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْفَرْضِ، وَزِيَادَةُ صِفَةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَرْضٌ فِي حَقِّ الْمُتَنَفِّلِ وَفِي الْفَرْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ (وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَا قَائِمَيْنِ أَوْ قَاعِدَيْنِ أَوْ مُسْتَلْقِيَيْنِ أَوْ مُضْطَجِعَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُومِي قَاعِدًا بِالْمُومِي مُضْطَجِعًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ عَدَمَ الْجَوَازِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِمُومٍ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ (وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) أَيْ الْمُنْحَنِي سَوَاءٌ كَانَ أَحْدَبَ أَوْ أَقْعَسَ لِاسْتِوَاءِ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ وَكَذَا الْأَعْرَجُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْأَحْدَبِ لِلْقَائِمِ وَقِيلَ: تَجُوزُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(وَكَذَا) يَجُوزُ (اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ خَلَفٌ عَنْ الْمَاءِ عِنْدَهُمَا فَيَكُونُ شَرْطُ الصَّلَاةِ مَوْجُودًا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي الْغَاسِلِ وَالْمَاسِحِ وَلَا يَقْتَدِي بِالْمُتَيَمِّمِ مُتَوَضِّئٌ مَعَهُ مَاءٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ (وَالْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا، وَالْقَوْمُ خَلْفَهُ قِيَامٌ» (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَّلٍ التَّيَمُّمُ خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ؛ إذْ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَبْنِيَ صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ صَاحِبِ الْخَلَفِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ حَالَ الْقَائِمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَامِلٌ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِالنَّاقِصِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمَأْمُومُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ (أَنَّ إمَامَهُ كَانَ مُحْدِثًا) حِينَ صَلَّى (أَعَادَ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ أَمَّ قَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَأَعَادُوا» وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِنْدَهُ أَدَاءٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ إذَا ظَهَرَ حَدَثُ إمَامِهِ بَطَلَتْ فَيَلْزَمُ إعَادَتُهَا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ حَيْثُ قَالَ: أَعَادَ أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَمُرَادُهُ بِالْإِعَادَةِ الْإِتْيَانُ بِالْفَرْضِ لَا الْإِعَادَةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْجَابِرَةُ لِلنَّقْصِ فِي الْمُؤَدَّى