الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعِنْدَهُمَا إذَا أَجْرَوْا فِيهَا أَحْكَامَ الشِّرْكِ صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَبَقِيَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا.
[بَابُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ]
ِ أَيْ فِي بَيَانِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ، لَمَّا ذَكَرَ مَا يَصِيرُ بِهِ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيًّا شَرَعَ فِي بَيَانِ الْخَرَاجِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَذِكْرِ الْعُشْرِ اسْتِطْرَادًا لِأَنَّ سَبَبَ كُلٍّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ وَقَدَّمَهُ عَلَى الْخَرَاجِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ عُنْوِنَ الْبَابُ بِمَا لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْهُ وَقَدْ اسْتَقْبَحَهُ الْبَعْضُ وَالْعُشْرُ لُغَةً وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَالْخَرَاجُ مَا يَخْرُجُ مِنْ نَمَاءِ الْأَرْضِ أَوْ نَمَاءِ الْغُلَامِ وَسُمِّيَ بِهِ مَا يَأْخُذُهُ السُّلْطَانُ مِنْ وَظِيفَةِ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ وَحَدَّدَ أَرَاضِيِهِمَا أَوَّلًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَضْبَطُ فَقَالَ (أَرْضُ الْعَرَبِ عُشْرِيَّةٌ وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ الْعَرَبِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الذَّالِ تَصْغِيرُ عَذْبٍ يُرَادُ بِهِ مَاءُ تَمِيمٍ (إلَى أَقْصَى حَجَرٍ) وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ: الصَّخْرُ، فَمَنْ رَوَى بِسُكُونِ الْجِيمِ وَفَسَّرَهُ بِالْجَانِبِ فَقَدْ صَحَّفَهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي أَمَالِي أَبِي يُوسُفَ الصَّخْرُ مَوْضِعُ الْحَجَرِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ) بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِالْيَمَنِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ رَجُلٍ أَوْ اسْمُ قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهِ الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ فَسَمَّى ذَلِكَ الْمُقَامَ بِهِ هَذَا طُولُهَا وَأَمَّا عَرْضُهَا فَهُوَ مَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَالدَّهْنَاءِ وَرَمْلٍ وَعَالِجٍ وَهِيَ أَسْمَاءُ مَوَاضِعَ (إلَى حَدِّ الشَّامِ) أَيْ إلَى مَشَارِفِ الشَّامِ وَقُرَاهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام وَالْخُلَفَاءَ
الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ لَمْ يَأْخُذُوا الْخَرَاجَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْفَيْءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي أَرَاضِيِهِمْ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي رِقَابِهِمْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ وَضْعَ الْخَرَاجِ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُقِرَّ أَهْلَهَا عَلَى الْكُفْرِ كَمَا فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَكَذَا الْبَصْرَةُ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ جُزْءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ وَالْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ عُشْرِيَّةٌ.
(وَ) كَذَا (كُلُّ مَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي (أَسْلَمَ أَهْلُهُ) وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ) لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْمُسْلِمِينَ وَضْعُ الْعُشْرِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ حَتَّى يُصْرَفَ مَصَارِفَ الصَّدَقَاتِ وَيُشْتَرَطَ فِيهِ النِّيَّةُ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الْخَرَاجِ لِتَعَلُّقِهِ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْخَرَاجِ (وَأَرْضُ السَّوَادِ) أَيْ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَسُمِّيَ بِهِ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهَا وَزَرْعِهَا (خَرَاجِيَّةٌ) لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَضَعَ عَلَيْهَا الْخَرَاجَ بِحَضْرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ أَثَرٌ مُعَيَّنٌ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى مِصْرَ حِينَ فَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ
وَكَذَا أَجْمَعُوا عَلَى وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَى الشَّامِ (وَهِيَ) أَيْ أَرْضُ السَّوَادِ (مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ) بَدَلٌ مِنْ السَّوَادِ (إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ) بِضَمِّ الْحَاءِ اسْمُ بَلَدٍ (وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ) بِفَتْحِ الثَّلَاثَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ الْعَلْثِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ: قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ (إلَى عَبَّادَانَ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ وَوَضْعُ الثَّعْلَبِيَّةِ مَوْضِعَ الْعَلْثِ فِي حَدِّ السَّوَادِ خَطَأٌ لِأَنَّهَا مِنْ مَنَازِلِ الْبَادِيَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَّرَهُ وَعَنْوَنَهُ بِ قِيلَ لَكَانَ أَوْلَى.
(وَكَذَا) فِي كَوْنِهَا خَرَاجِيَّةً (كُلُّ مَا) أَيْ أَرْضٍ (فُتِحَ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ) وَتَذْكِيرُ ضَمِيرِهَا عَلَى مَا مَرَّ بِاعْتِبَارِ لَفْظَةِ مَا (أَوْ صُولِحُوا) أَيْ صَالَحَ الْإِمَامُ مَعَ أَهْلِهَا أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْقُلْهُمْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّ اللَّائِقَ بِالْكُفَّارِ ابْتِدَاءً الْخَرَاجُ (سِوَى مَكَّةَ) فَإِنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا إلَّا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُوَظِّفْ عَلَى أَرَاضِيهَا الْخَرَاجَ وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَكَمَا لَا رِقَّ عَلَى الْعَرَبِ فَكَذَا لَا خَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيهمْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا أَقَرَّ أَهْلَهُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَتَكُونُ خَرَاجِيَّةً وَمَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَاسْتُخْرِجَ مِنْهَا عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ انْتَهَى لَكِنْ فِي الْفَتْحِ تَفْصِيلٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أَقَرَّ الْكُفَّارَ عَلَيْهَا لَا يُوَظِّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ
وَإِنْ قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظِّفُ إلَّا الْعُشْرَ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ سَقَى لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فِيمَنْ مَلَكَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً فَتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ، تَتَبَّعْ. (وَأَرْضُ السَّوَادِ مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهَا عِنْدَهُ وَقْفٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُهَا مُسْتَأْجِرُونَ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ فَآجَرَهَا لَكِنْ فِي التَّبْيِينِ رُدَّ مِنْ وُجُوهٍ فَلْيُطَالَعْ (يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً لِأَهْلِهَا لَكِنْ إذَا
كَانَتْ الْخَرَاجِيَّةُ مَمْلُوكَةً فَكَوْنُ الْعُشْرِيَّةِ مَمْلُوكَةً أَوْلَى. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ لَكِنْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّ مَا وَرَاءَهُمَا أَرْضًا لَيْسَتْ بِعُشْرِيَّةٍ وَلَا خَرَاجِيَّةٍ بَلْ يُقَالُ لَهَا الْأَرْضُ الْمُمَلَّكَةُ وَاشْتُهِرَتْ بِالْأَرْضِ الْأَمِيرِيَّةِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا لَكِنْ لَمْ تُمْلَكْ لِأَهْلِهَا بَلْ أُحْرِزَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ أُوجِرَتْ بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَزْرَعُوهَا وَيُؤَدُّوا مِنْ حَاصِلِهَا خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ وَاشْتُهِرَتْ عِنْدَ النَّاسِ بِالْعُشْرِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ أَرَاضِي بَلَدِنَا وَلَيْسَتْ مِلْكًا لِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَهِبَتِهَا
وَوَقْفِهَا إلَّا بِتَمْلِيكِ السُّلْطَانِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَامَ ابْنُهُ مَقَامَهُ وَيَتَصَرَّفُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَعُودُ الْأَرَاضِي الَّتِي فِي يَدِهِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَطَالَبَاهُ يُعْطِي لَهُمَا بِأُجْرَةٍ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أَيْضًا وَإِنْ عَطَّلَهَا مُتَصَرِّفُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْأَرْضِ تُنْزَعُ عَنْ يَدِهِ وَتُعْطَى لِآخَرَ وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْفَرَاغَ لِآخَرَ لَا يَقْدِرُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ.