الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُحَدُّ.
وَفِي الْمِنَحِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ غَائِبَةً وَأَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ زَنَى بِهَا أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ.
(وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا) أَيْ الْأَمَةَ (بِهِ) أَيْ بِفِعْلِ الزِّنَاءِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْفَاعِلَ (الْحَدُّ، وَالْقِيمَةُ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيُوَفَّرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُكْمُهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَزِمَهُ (الْقِيمَةُ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّ تَقَرُّرَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْأَمَةِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ نَكَحَهَا أَوْ زَنَى بِجَارِيَةٍ جَنَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ الزِّنَاءِ فَدَفَعَتْ إلَى الزَّانِي بَعْدَ الزِّنَاءِ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ أَمَّا لَوْ فَدَاهَا الْمَوْلَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ اتِّفَاقًا أَوْ زَنَى بِهَا، ثُمَّ غَصَبَهَا وَضَمِنَ قِيمَتَهَا أَمَّا لَوْ غَصَبَهَا، ثُمَّ زَنَى بِهَا، ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدَ بِالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَنَى بِالْحُرَّةِ فَقَتَلَهَا بِهِ يَجِبُ الْحَدُّ مَعَ الدِّيَةِ اتِّفَاقًا.
وَفِي الْحَقَائِقِ وَضْعُ هَذَا إذْ لَوْ زَنَتْ بِعَبْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَتْهُ يُحَدَّانِ اتِّفَاقًا.
(وَالْخَلِيفَةُ) أَيْ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ إمَامٌ (يُؤْخَذُ بِالْمَالِ وَبِالْقِصَاصِ) إذَا أَخَذَ مَالًا أَوْ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَسْتَوْفِيهِ وَلِيُّ الْحَقِّ إمَّا بِتَمْكِينِهِ أَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِمَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَالْأَمْوَالِ إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْأَمْوَالَ (لَا بِالْحَدِّ) ؛ لِأَنَّ إقَامَتَهُ مُفَوَّضَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَذَا الْقَاضِي بِخِلَافِ أَمِيرِ الْبَلْدَةِ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَاءِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا]
(لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ) أَيْ بِمَا يُوجِبُهُ كَالزِّنَاءِ مَثَلًا (مُتَقَادِمٍ) أَيْ مُوجِبُهُ أَوْ سَبَبُهُ، وَهُوَ الزِّنَاءُ فَإِسْنَادُهُ إلَى الْحَدِّ مَجَازٌ (مِنْ غَيْرِ بُعْدٍ عَنْ الْإِمَامِ) يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ مَشْرُوطٌ بِقُرْبِ الْحَاكِمِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَإِلَّا تُقْبَلُ.
وَفِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْبُعْدُ عُذْرًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ طَرِيقٍ وَلَوْ فِي بُعْدِ يَوْمَيْنِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْمُسَارَعَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَكَانَ أَوْلَى تَأَمَّلْ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحُدُودَ الْخَالِصَةَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى تَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ حِسْبَتَيْنِ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ، وَالسِّتْرُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَوْرَةً سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَالتَّأْخِيرُ إنْ كَانَ لِلسَّتْرِ فَالْإِقْدَامُ عَلَى الْأَدَاءِ بَعْدَهُ يَكُونُ عَنْ عَدَاوَةٍ وَإِلَّا صَارَ فَاسِقًا آثِمًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَالْمِنَحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلًا مَشْهُورًا فَإِنَّ الَّذِي يَبْطُلُ بِالتَّقَادُمِ الشَّهَادَةُ بِأَسْبَابِهَا (إلَّا فِي) حَدِّ (الْقَذْفِ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهِ شَرْطٌ فَيُحْمَلُ تَأْخِيرُهُمْ عَلَى انْعِدَامِ الدَّعْوَى فَلَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُمْ.
(وَفِي السَّرِقَةِ يَضْمَنُ) السَّارِقُ (الْمَالَ) الْمَسْرُوقَ إذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّقَادُمُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ لَكِنْ لَا يُحَدُّ السَّارِقُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ وَفِي كَثِيرٍ
مِنْ الْكُتُبِ التَّقَادُمُ كَمَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحَدِّ بَعْدَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ حَتَّى لَوْ هَرَبَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ، ثُمَّ أُخِذَ بَعْدَمَا تَقَادَمَ الزَّمَانُ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْحَدِّ (وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ) أَيْ لَوْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ بَعْدَ التَّقَادُمِ؛ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يُتَّهَمُ عَلَى نَفْسِهِ (إلَّا فِي الشُّرْبِ وَتَقَادُمُ غَيْرِ الشُّرْبِ بِشَهْرٍ) ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ وَمَرْوِيٌّ عَنْهُمَا (فِي الْأَصَحِّ) قَالَ الْإِمَامُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقِيلَ بِمُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ بِنِصْفِ شَهْرٍ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ شَهِدُوا بِزِنًى مُتَقَادِمٍ حُدَّ الشُّهُودُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَقِيلَ لَا (وَ) تَقَادُمُ (الشُّرْبُ بِزَوَالِ الرِّيحِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِشَهْرٍ أَيْضًا) أَيْ كَتَقَادُمِ غَيْرِ الشُّرْبِ.
(وَإِنْ شَهِدُوا بِزِنَاهُ بِغَائِبَةٍ) وَهُمْ يَعْرِفُونَهَا (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمْ وَيُحَدُّ (بِخِلَافِ سَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ) أَيْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يُقْطَعْ لِشَرْطِيَّةِ الدَّعْوَى فِي السَّرِقَةِ دُونَ الزِّنَاءِ لَكِنَّهُ يُحْبَسُ السَّارِقُ إلَى أَنْ يَجِيءَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ كَمَا سَيَأْتِي.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِالزِّنَى بِمَجْهُولَةٍ) أَوْ غَائِبَةٍ (حُدَّ) الْمُقِرُّ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالزِّنَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ شَهِدُوا، كَذَلِكَ) أَيْ شَهِدُوا وَجَهِلُوا الْمَوْطُوءَة (لَا يُحَدُّ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ، بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا الشُّهُودُ لِوُجُودِ النِّصَابِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَإِنْ قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إنَّ الَّتِي رَأَوْهَا مَعِي لَيْسَتْ لِي بِامْرَأَةٍ وَلَا بِخَادِمٍ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا وَذَلِكَ أَنَّهَا تُتَصَوَّرُ أَمَةَ ابْنِهِ أَوْ مَنْكُوحَتَهُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَوْ قَالُوا زَنَى بِامْرَأَةِ لَا نَعْرِفهَا، ثُمَّ قَالُوا بِفُلَانَةَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ الرَّجُلُ وَلَا الْمَشْهُودِ.
(وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا فِي طَوْعِ الْمَرْأَةِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ كُرْهًا وَآخَرَانِ أَنَّهَا طَاوَعَتْهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ (وَعِنْدَهُمَا يُحَدُّ الرَّجُلُ) لِاتِّفَاقِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى زِنَاهُ لَا الْمَرْأَةُ لِلِاخْتِلَافِ فِي طَوْعِهَا وَلَهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَاءَ فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَفِي إطْلَاقِهِ شَامِلٌ مَا إذَا شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالطَّوَاعِيَةِ وَوَاحِدٌ بِالْإِكْرَاهِ وَعَكْسِهِ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُحَدُّ الثَّلَاثَةُ حَدَّ الْقَذْفِ لِعَدَمِ سُقُوطِ إحْصَانِهَا بِشَهَادَةِ الْفَرْدِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُحَدُّونَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَاءِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ يَخْرُجُ كَلَامُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا.
(وَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي بَلَدِ الزِّنَاءِ) أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِاخْتِلَافِهِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِلشُّبْهَةِ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ الصُّورَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ (أَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (فِي بَلَدٍ) مُعَيَّنٍ (فِي وَقْتٍ) مُعَيَّنٍ (وَأَرْبَعَةٌ بِهِ) أَيْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ أُخْرَى بِالزِّنَا (فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِبَلَدٍ آخَرَ) لَمْ يُحَدَّ أَحَدٌ أَمَّا فِي حَقِّهِمَا فَلِلتَّيَقُّنِ بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا فَيُرَدُّ الْجَمِيعُ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلِاحْتِمَالِ صِدْقِ كُلِّ فَرِيقَيْنِ يَعْنِي مَعَ وُجُودِ النِّصَابِ إذْ بِدُونِهِ لَا يَجْرِي ذَلِكَ الِاحْتِمَالُ وَبِدُونِ احْتِمَالِ الصِّدْقِ لَا يَجْرِي وُجُودُ النِّصَابِ.
(وَكَذَا)
لَا يُحَدُّ أَحَدٌ (لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَاءِ (وَهِيَ) أَيْ، وَالْحَالُ أَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ (بِكْرٌ) أَيْ يَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَقَوْلُهُنَّ يُقْبَلُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ فَلَا يُحَدُّ أَحَدٌ وَكَذَا فِي الرَّتْقِ، وَالْقَرْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُعْمَلُ بِقَوْلِ النِّسَاءِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَاءِ فَوُجِدَ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى أَحَدٍ (أَوْ هُمْ) أَيْ الشُّهُودُ (فَسَقَةٌ) سَوَاءٌ عُلِمَ فِسْقُهُمْ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ ظَهَرَ فِسْقُهُمْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالتَّوَقُّفِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ وَأَمَّا عَدَمُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ (أَوْ شُهُودٌ عَلَى شُهُودٍ) ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِمْ زِيَادَةَ شُبْهَةٍ وَهُمْ مَا نَسَبُوا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إلَى الزِّنَاءِ، بَلْ حَكَوْا شَهَادَةَ الْأُصُولِ بِذَلِكَ، وَالْحَاكِي لِلْقَذْفِ لَا يَكُونُ قَاذِفًا فَلَا يُحَدُّونَ وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى الْأُصُولِ بِالْأَوْلَى.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِالزِّنَى (الْأُصُولُ بَعْدَ ذَلِكَ) لِرَدِّ شَهَادَتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ هَذَا فِي الْحُدُودِ وَفِي غَيْرِ الْحُدُودِ تُقْبَلُ بَعْدَ رَدِّ شَهَادَةِ الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْمَالِ مَعَ الشُّبْهَةِ.
(وَحَدُّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ فِي زَوَايَا الْبَيْتِ) مَعْنَاهُ أَنْ يَشْهَدَ كُلُّ اثْنَيْنِ عَلَى الزِّنَاءِ فِي زَاوِيَةٍ وَكَانَ الْبَيْتُ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا لَا تُقْبَلُ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ كَيْفَ مَا كَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ فِي زَاوِيَةٍ، وَالِانْتِهَاءُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى بِالِاضْطِرَابِ وَلَوْ اخْتَلَفُوا فِي سَاعَتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ فِي لَوْنِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَفِي طُولِهَا وَقِصَرِهَا أَوْ فِي ثِيَابِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ.
(وَ) حَدُّ (الشُّهُودِ فَقَطْ) إذَا طَلَبَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (لَوْ كَانُوا عُمْيَانًا) فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ (أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ) كَانُوا أَيْ الشُّهُودُ (أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ) وَلَوْ تَرَكَ قَوْلَهُ أَوْ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهِ مِمَّا ذُكِرَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَأَمَّلْ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَدُّ بِهِمْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ أَوْ عَدَمِ النِّصَابِ فَلَا يَثْبُتُ الزِّنَاءُ وَيَجِبُ الْحَدُّ لِكَوْنِهِمْ قَذَفَةً.
(وَكَذَا) أَيْ حَدُّ الشُّهُودِ فَقَطْ (لَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمْ) أَيْ أَحَدُ الشُّهُودِ (عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا) فِي قَذْفٍ (بَعْدَ حَدِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ (وَدِيَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ رُجِمَ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَخَطَؤُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَجِبُ فِي مَالِهِمْ، وَهُوَ بَيْتُ الْمَالِ.
(وَأَرْشُ جُرْحِ ضَرْبِهِ) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَوْ مَوْتِهِ مِنْهُ هَدَرٌ) أَيْ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِالزِّنَى، وَالزَّانِي غَيْرُ مُحْصَنٍ فَجُلِدَ فَجُرِحَ أَوْ أَفْضَى إلَى الْمَوْتِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَالْأَرْشُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْشُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا فِي الرَّجْمِ وَلَهُ أَنَّ الْفِعْلَ الْجَارِحَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَيُقْصَرُ عَلَى الْجَلَّادِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ) وَفِيهِ
تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ أَرْشَ الْجُرْحِ أَوْ مَوْتَهُ هَدَرٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْجُرْحِ، وَالْمَوْتِ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ رَجَعُوا) الشُّهُودُ (بَعْدَ الرَّجْمِ) أَيْ رَجْمِ الْمُحْصَنِ (حُدُّوا) أَيْ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ.
وَقَالَ زُفَرُ لَا يُحَدُّونَ قَيَّدَ بِالرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِبَعْدِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ رَجَعُوا بَعْدَ الْجَلْدِ يُحَدُّونَ اتِّفَاقًا (وَغَرِمُوا الدِّيَةَ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُونَ هَذَا إذَا قَالُوا تَعَمَّدْنَا وَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا غَرِمُوا الدِّيَةَ اتِّفَاقًا (وَكُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّهُودِ (رَجَعَ) صِفَةُ كُلِّ (حُدَّ) خَبَرُ كُلٍّ (وَغَرِمَ رُبُعَهَا) أَيْ رُبُعَ الدِّيَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ بِالزِّنَاءِ بِغَيْرِهَا فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ فَإِنَّهُمْ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ إجْمَاعًا وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُحَدُّونَ وَلَوْ تَرَكَ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ لَكَانَ أَخْصَرَ لِانْفِهَامِهَا مِنْهَا بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ رَجَعَ أَحَدُ خَمْسَةٍ) الَّذِينَ شَهِدُوا بِهِ وَرُجِمَ لِشَهَادَتِهِمْ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاجِعِ مِنْ الضَّمَانِ وَالْحَدِّ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ (فَإِنْ رَجَعَ آخَرُ) بَعْدَ رُجُوعِ الْخَامِسِ (حُدَّا) لِانْفِسَاخِ الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ فِي حَقِّهِمَا (وَغَرِمَا) أَيْ الرَّاجِعَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ (رُبُعَهَا) أَيْ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ بَقَاءُ مَنْ شَهِدَ لَا رُجُوعُ مَنْ رَجَعَ فَبَقِيَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ مِنْ الدِّيَةِ (وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حُدُّوا كُلُّهُمْ) وَلَا يُرْجَمُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ زُفَرُ حُدَّ الرَّاجِعُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَهُمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَذْفٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَهَادَةً بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بَقِيَ قَذْفًا فَيُحَدُّونَ.
(وَلَوْ) رَجَعَ وَاحِدٌ (بَعْدَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (قَبْلَ الْحَدِّ فَكَذَلِكَ) أَيْ حُدُّوا كُلُّهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (الرَّاجِعُ فَقَطْ) وَلَا يُحَدُّ الْبَاقُونَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَأَكَّدَتْ بِالْقَضَاءِ فَلَا تَنْفَسِخُ إلَّا فِي حَقِّ الرَّابِعِ كَمَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ شَهِدُوا فَزُكُّوا فَرُجِمَ) بِكَوْنِهِ مُحْصَنًا (ثُمَّ ظَهَرُوا) أَيْ الشُّهُودُ (كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا فَالدِّيَةُ) أَيْ دِيَةُ الْمَرْجُومِ (عَلَى الْمُزَكِّينَ إنْ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ) وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا الْكَذِبَ مَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَلَوْ ثَبَتُوا عَلَى تَزْكِيَتِهِمْ وَلَمْ يَرْجِعُوا وَقَالُوا أُخْطِئْنَا (فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا) ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ الدِّيَةُ (فِي بَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رَجَعُوا عَنْ التَّزْكِيَةِ أَوْ لَا هَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِحُرِّيَّةِ الشُّهُودِ وَإِسْلَامِهِمْ أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ فَظَهَرُوا عَبِيدًا لَمْ يَضْمَنُوا اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِالْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ لَمْ يَقَعْ شَهَادَةً وَلَا يُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَذَفُوا حَيًّا، وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ.
(وَلَوْ قَتَلَ أَحَدٌ الْمَأْمُورَ بِرَجْمِهِ)