الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَاسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ضَمَّهَا وَزَكَّى كُلَّهَا عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَنُقْصَانُ النِّصَابِ) أَطْلَقَهُ لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ نِصَابٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالسَّوَائِمِ (فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يَضُرُّ إنْ كَمُلَ فِي طَرَفَيْهِ) ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ كَمَالِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ حَرَجًا فَاعْتُبِرَ وُجُودُ النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِلِانْعِقَادِ.
وَفِي آخِرِهِ لِلْوُجُوبِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ النِّصَابِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ كُلُّهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَجِبُ وَإِنْ تَمَّ آخِرَ الْحَوْلِ عَلَى النِّصَابِ فَلَوْ كَانَ لَهُ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فِي آخِرِهِ وَالْخَلُّ أَيْضًا يُسَاوِيهِ يَسْتَأْنِفُ لِلْخَلِّ وَيَبْطُلُ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَإِلَى أَنَّ الدَّيْنَ فِي الْحَوْلِ لَا يَقْطَعُ حُكْمَ الْحَوْلِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَكَذَا إذَا جَعَلَ السَّائِمَةَ عَلُوفَةً؛ لِأَنَّ الْعَلُوفَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ وَصْفِهِ كَهَلَاكِ كُلِّ النِّصَابِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً مَاتَتْ فِي الْحَوْلِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ صُوفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ الْكَمَالُ فِي كُلِّ الْحَوْلِ فِي سَائِمَةٍ وَنَقْدٍ وَفِي آخِرِ الْحَوْلِ فِي عُرُوضٍ.
(وَلَوْ عَجَّلَ) أَيْ قَدَّمَ (ذُو نِصَابٍ لِسِنِينَ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ النِّصَابِ أَوْ أَكْثَرَ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ تِلْكَ السِّنِينَ حَتَّى إذَا مَلَكَ فِي كُلٍّ مِنْهَا نِصَابًا أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمَالُ النَّامِي وَقَدْ وُجِدَ (أَوْ) عَجَّلَ (لِنُصُبٍ صَحَّ) أَيْ صَحَّ لِمَالِكِ نِصَابٍ وَاحِدٍ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى إذَا مَلَكَ النُّصُبَ أَثْنَاءَ الْحَوْلِ فَبَعْدَ مَا تَمَّ الْحَوْلُ أَجْزَأَهُ مَا أَدَّى خِلَافًا لِزُفَرَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِلَا نِصَابٍ إجْمَاعًا فَلَوْ عَجَّلَ فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ لَمْ يَأْخُذْهُ وَفِي يَدِ الْإِمَامِ أَخَذَهُ لَكِنْ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ.
(وَلَا شَيْءَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ التَّغْلِبِيِّ وَعَلَى الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ مَا عَلَى الرَّجُلِ) بَنُو تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ طَالَبَهُمْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْجِزْيَةِ فَأَبَوْا فَقَالُوا نُعْطِي الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً فَصُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَذَا جِزْيَتُكُمْ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ فَلَمَّا جَرَى الصُّلْحُ عَلَى ضِعْفِ زَكَاةِ الْمُسْلِمِينَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ وَتُؤْخَذُ مِنْ نِسْوَانِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُوضَعُ عَلَى النِّسَاءِ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْجِزْيَةِ وَجِزْيَةٌ عَلَى النِّسَاءِ.
[بَابُ الْعَاشِرِ]
أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا قَبْلَهُ لِتَمَحُّضِ مَا قَبْلِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَهَذَا يَشْمَلُ غَيْرَ الزَّكَاةِ كَالْمَأْخُوذِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ قَدَّمَهُ عَلَى الْخُمْسِ مِنْ الرِّكَازِ وَالْعَاشِرُ فَاعِلٌ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ أَعْشُرُهُمْ عُشْرًا بِالضَّمِّ فِيهِمَا إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ لَكِنَّ الْمَأْخُوذَ هُوَ رُبُعُ الْعُشْرِ لَا الْعُشْرُ إلَّا فِي الْحَرْبِيِّ
إلَّا أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ الْعُشْرَ وَأَرَادَ بِهِ رُبُعَهُ مَجَازًا مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ جُزْئِهِ أَوْ يُقَالُ الْعُشْرُ صَارَ عَلَمًا لِمَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْخُوذُ عُشْرًا لُغَوِيًّا أَوْ رُبُعَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ الْعَاشِرُ هُوَ تَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ (هُوَ مَنْ نُصِبَ) أَيْ نَصَّبَهُ الْإِمَامُ (عَلَى الطَّرِيقِ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّاعِي وَهُوَ الَّذِي يَسْعَى فِي الْقَبَائِلِ لِيَأْخُذَ صَدَقَةَ الْمَوَاشِي فِي أَمَاكِنِهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا وَلَا كَافِرًا لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ فِيهِمَا وَلَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُعْلَمُ حُكْمُ تَوْلِيَةِ الْكَافِرِ فِي زَمَانِنَا عَلَى بَعْضِ الْأَعْمَالِ وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ (لِيَأْخُذَ صَدَقَاتِ التُّجَّارِ) الْمَارِّينَ بِأَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ فَيَأْخُذَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَهَذَا بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمِصْرِ وَلَا فِي الْقُرَى بَلْ فِي الْمَفَازَةِ قَالُوا: إنَّمَا يُنْصَبُ لِيَأْمَنَ التُّجَّارُ مِنْ اللُّصُوصِ وَيَحْمِيَهُمْ مِنْهُمْ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْحِمَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِبَايَةَ بِالْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِالصَّدَقَةِ تَغْلِيبًا لِاسْمِ الصَّدَقَةِ عَلَى غَيْرِهَا (يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ رُبُعَ الْعُشْرِ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ بِعَيْنِهَا.
(وَمِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَهُ) ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الذِّمِّيِّ إلَى الْحِمَايَةِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْمُسْلِمِ (وَمِنْ الْحَرْبِيِّ تَمَامَهُ) ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ إلَيْهَا أَشَدُّ لِكَثْرَةِ طَمَعِ اللُّصُوصِ فِي أَمْوَالِهِ (إنْ بَلَغَ مَالُهُ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ مَالُ الْحَرْبِيِّ (نِصَابًا وَ) بِشَرْطِ إنْ (لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا) أَيْ مِقْدَارَ مَا يَأْخُذُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ عَلِمَ نَفْسَ الْأَخْذِ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكِنْ فِي الْعِنَايَةِ إذَا اشْتَبَهَ الْحَالُ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْعَاشِرُ مَا يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ.
(وَإِنْ عَلِمَ) مَا أَخَذُوهُ مِنَّا (أَخَذَ مِثْلَهُ) قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا تَحْقِيقًا لِلْمُجَازَاةِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَمَرَ بِذَلِكَ (لَكِنْ إنْ أَخَذُوا الْكُلَّ لَا يَأْخُذُهُ) أَيْ الْعَاشِرُ الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ غَدْرٌ (بَلْ يَتْرُكُ قَدْرَ مَا يُبَلِّغُهُ مَأْمَنَهُ) أَيْ مَوْضِعَ أَمْنِهِ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْإِيصَالَ عَلَيْنَا فَلَا فَائِدَةَ فِي أَخْذِ الْكُلِّ وَقِيلَ يَأْخُذُ الْكُلَّ زَجْرًا لَهُمْ.
(وَإِنْ كَانُوا لَا يَأْخُذُونَ) مِنَّا (شَيْئًا لَا يَأْخُذُ) الْعَاشِرُ (مِنْهُمْ شَيْئًا) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْأَمَانِ.
(وَلَا) يَأْخُذُ (مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَقَرَّ بِأَنَّ فِي بَيْتِهِ مَا يُكْمِلُ النِّصَابَ) لَمَّا كَانَ مَظِنَّتُهُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ مِلْكُ النِّصَابِ مُطْلَقًا لَا نِصَابِ الْمُرُورِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ أَقَرَّ إلَى آخِرِهِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ اعْتِرَاضِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ بِزِيَادَتِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ مَرَّ حَرْبِيٌّ بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونُوا يَأْخُذُونَ مِنَّا مِنْ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ وَهَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْقَلِيلِ وَإِنْ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ لَمْ يَزَلْ عَفْوًا؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِمَايَةِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْصِيلٌ تَدَبَّرْ.
(وَيَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ) مِنْ التُّجَّارِ الَّذِينَ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ (تَمَامَ الْحَوْلِ) ، وَلَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْمُسْتَفَادِ وَسَطَ الْحَوْلِ (أَوْ الْفَرَاغَ مِنْ الدَّيْنِ)
أَيْ أَنْكَرَ فَرَاغَ الذِّمَّةِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُطَالَبِ مِنْ الْعَبْدِ.
وَفِي الْبَحْرِ أَطْلَقَ مِنْ الدَّيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْتَغْرِقَ لِلْمَالِ وَالْمُنْقِصَ لِلنِّصَابِ وَهُوَ الْحَقُّ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمُحِيطِ بِمَالِهِ وَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَبَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَاشِرَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِمَا يَسْتَغْرِقُ النِّصَابَ يُصَدِّقُهُ وَإِلَّا لَا انْتَهَى. لَكِنْ، إنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَامٍّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَشْمَلُ مَا لَا يَكُونُ مُنْقِصًا لِلنِّصَابِ كَمَا يَشْمَلُهُمَا فَالْحَقُّ التَّقْيِيدُ كَمَا لَا يَخْفَى تَدَبَّرْ (أَوْ ادَّعَى الْأَدَاءَ بِنَفْسِهِ إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ) ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الدَّفْعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ لَا يُقْبَلُ (فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ فِي السَّوَائِمِ لِلْإِمَامِ فِي الْمِصْرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُجِزْ الْإِمَامُ دَفْعَهُ يَضْمَنُ عِنْدَنَا قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا هُوَ الصَّحِيحُ (أَوْ) ادَّعَى (الْأَدَاءَ إلَى عَاشِرٍ آخَرَ إنْ وُجِدَ عَاشِرٌ آخَرُ) فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ نُصِبَ آخَرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ قُيِّدَ بِهِ لِظُهُورِ كَذِبِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ عَاشِرٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ يُصَدَّقُ بِمَا أَخْبَرَ إلَّا بِمَا هُوَ كَذِبٌ بِيَقِينٍ (مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ صُدِّقَ فِي دَعْوَى هَذِهِ الْأُمُورِ بِيَمِينِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ كَانَتْ يُصَدَّقُ فِيهَا بِلَا تَحْلِيفٍ لَكِنْ تَعَلَّقَ هَاهُنَا حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْعَاشِرُ فِي الْأَخْذِ فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ إخْرَاجُ الْبَرَاءَةِ) أَيْ الْعَلَامَةِ بِالدَّفْعِ لِعَاشِرٍ آخَرَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَصْنَعُ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَلَوْ جَاءَ الْبَرَاءَةَ بِلَا حَلِفٍ لَمْ يُصَدَّقْ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُصَدَّقْ عِنْدَهُمَا عَلَى قِيَاسِ الشَّهَادَةِ بِالْخَطِّ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي أَدَائِهِ بِنَفْسِهِ خَارِجَ مِصْرٍ) أَيْ إذَا ادَّعَى الْأَدَاءَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ وَيَضْمَنُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَلَا) يُقْبَلُ (فِي السَّوَائِمِ، وَلَوْ فِي الْمِصْرِ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ وَإِنْ فُهِمَتَا عَمَّا سَبَقَ فَهَاهُنَا صَرَّحَ بِهِمَا.
(وَمَا قَبِلَ مِنْ الْمُسْلِمِ قَبِلَ مِنْ الذِّمِّيِّ) هَذَا لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ قَالَ أَدَّيْتهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ كَمَا يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ وَمَصْرِفُهَا مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ فَلَوْ زَادَ إلَّا فِي ادِّعَاءِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ إلَى الْفَقِيرِ لَكَانَ أَوْلَى (لَا) يُقْبَلُ (مِنْ الْحَرْبِيِّ) أَيْ جَمِيعُ ذَلِكَ (إلَّا قَوْلَهُ لِأَمَتِهِ هِيَ أُمُّ وَلَدِي) فَيُقْبَلُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرْبِيًّا لَا يُنَافِي الِاسْتِيلَادَ وَإِقْرَارُهُ بِنَسَبِ مَنْ فِي يَدِهِ صَحِيحٌ إذَا كَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَأُمُومِيَّةُ الْوَلَدِ تَبَعٌ لِلنَّسَبِ وَلَوْ كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُعَشَّرُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ مَرَّ الْحَرْبِيُّ ثَانِيًا قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ) بَعْدَ التَّعْشِيرِ (فَإِنْ مَرَّ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى دَارِهِ عُشِّرَ ثَانِيًا) ، وَلَوْ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِقُرْبِ الدَّارَيْنِ كَمَا فِي جَزِيرَةِ أَنْدَلُسَ
لِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْأَمَانِ وَقَدْ اسْتَفَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ.
(وَإِلَّا فَلَا) يُعَشَّرُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ حَتَّى يَحُولَ الْحَوْلُ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَمَا قِيلَ إذَا قَالَ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ السَّنَةِ عَاشِرٌ آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ فِيهِ، وَإِلَّا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِيصَالِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مَرْدُودٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي التُّحْفَةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُمْ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ وَقَدْ وُجِدَتْ مِنْ هَذَا الْعَاشِرِ الْآخَرِ كَمَا وُجِدَتْ مِنْ الْعَاشِرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ أَحَدِهِمَا بِأَخْذِ الْآخَرِ حَقَّهُ وَالِاسْتِيصَالُ لَا يَلْزَمُ بِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ بِالتَّعْشِيرِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الرُّجُوعُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ انْتَهَى. لَكِنَّ هَذَا الدَّلِيلَ جَارٍ فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ أُجْرَةُ الْحِمَايَةِ أَيْضًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَدَبَّرْ.
(وَتُعَشَّرُ قِيمَةُ الْخَمْرِ) ، وَلَوْ قَالَ قِيمَةَ خَمْرِ كَافِرٍ لِلتِّجَارَةِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَاشِرَ لَا يَأْخُذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إذَا مَرَّ بِالْخَمْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا لَا يَأْخُذُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَجُلُودُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (لَا قِيمَةَ الْخِنْزِيرِ) أَيْ لَوْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الْعَاشِرِ عَشَّرَ الْخَمْرَ أَيْ مِنْ قِيمَتِهَا دُونَ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَا إنْ مَرَّ بِهَا لَا إنْ مَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ عِنْدَهُمْ فَأَخْذُ قِيمَتِهِ كَأَخْذِ عَيْنِهِ، وَالْخَمْرُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَأَخْذُ قِيمَتِهَا لَا يَكُونُ كَأَخْذِهَا وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ يُعْرَفُ بِقَوْلِ الْفَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا انْتَهَى. لَكِنْ إنَّ الْقِيَمَ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، وَوُجُودُ فَاسِقَيْنِ تَابَا أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَسْلَمَا حِينَ صُدُورِ الدَّعْوَى نَادِرٌ تَدَبَّرْ.
(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ مَرَّ بِهِمَا مَعًا يُعَشِّرُهُمَا) كَأَنَّهُ جَعَلَ الْخِنْزِيرَ تَابِعًا وَعَشَّرَ الْخَمْرَ دُونَ الْخِنْزِيرِ إنْ مَرَّ بِهِمَا عَلَى الِانْفِرَادِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعَشِّرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَقَالَ زُفَرُ يُعَشِّرُهُمَا مُطْلَقًا.
(وَلَا يُعَشَّرُ مَالٌ تُرِكَ فِي الْمِصْرِ) لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ بُرُوزُهُ بِالْمَالِ عَلَيْهِ فَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (بِضَاعَةً) وَهِيَ مَالٌ يَكُونُ رِبْحُهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِأَدَاءِ زَكَاتِهِ (وَلَا) يُعَشَّرُ مَالٌ (مُضَارَبَةً) .
وَفِي الْإِيضَاحِ هَذَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَذَا الْمَالُ بِضَاعَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
(وَلَا) يُعَشَّرُ (كَسْبُ مَأْذُونٍ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُمَا وَلَا نِيَابَةَ مِنْ الْمَالِكِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ عُشِّرَتْ حِصَّةُ الْمُضَارِبِ إنْ بَلَغَتْ نِصَابًا (إلَّا إنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَأْذُونِ (وَمَعَهُ مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَلَا يَأْخُذُهُ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ عَلَى أَصْلِ الْإِمَامِ وَلِلشُّغْلِ عَلَى أَصْلِهِمَا وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَوْلَاهُ.
(وَمَنْ مَرَّ بِالْخَوَارِجِ فَعَشَّرُوهُ عُشِّرَ ثَانِيًا) إذَا مَرَّ عَلَى