الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبِ الدُّرَرِ وَهُوَ تَقْوِيَةُ الْخَبَرِ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ لِشُمُولِهِ الْحَلِفَ بِصِفَاتِ الذَّاتِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ وَأَمَّا مَفْهُومُ لَفْظَةِ الْيَمِينِ اصْطِلَاحًا فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ مُقْسَمٌ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا، أَوْ تَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا، فَدَخَلَ بِقَيْدِ " ظَاهِرًا " الْغَمُوسُ أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ كَكُفْرٍ أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيَمْنَعَ عَنْهُ أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ، قَدْ خَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ انْتَهَى. لَكِنَّ قَوْلَهُ أُولَى مُسْتَدْرَكٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْبَحْرِ وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَانْفِرَادُ اللُّغَوِيِّ فِي الْحَلِفِ بِغَيْرِهِ مِمَّا يُعَظَّمُ وَانْفِرَادُ الِاصْطِلَاحِيِّ فِي التَّعْلِيقَاتِ
وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ
وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا
وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ أَصْلًا وَالْكَفَّارَةُ خَلَفًا كَمَا فِي الْكَافِي وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا؛ لِأَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا.
وَفِي التَّبْيِينِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا.
وَفِي الْبَحْرِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ يُخْشَى عَلَى إيمَانِهِ.
[أَقْسَامِ الْيَمِينِ]
(وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ (ثَلَاثٌ) بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ تُعَدَّ (غَمُوسٌ) هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى إثْبَاتِ شَيْءٍ أَوْ نَفْيِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ فِيهَا صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْيَمِينُ الْغَمُوسُ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ وَمَنْ حَلَفَ كَاذِبًا أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ» وَسُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي النَّارِ (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ (حَلِفُهُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَوْ سُكُونِهَا يَمِينٌ يُؤْخَذُ بِهَا الْعَهْدُ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ كُلُّ يَمِينٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيُّ حَلَفَ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ كَذِبًا عَمْدًا) حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفَ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ حَلِفًا، وَالْكَذِبُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنْ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالسَّهْوِ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، لَكِنْ فِي الْكَرْمَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَذِبَ يَرْجِعُ إلَى مَا فِي الذِّهْنِ دُونَ الْخَارِجِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَحُكْمُهَا) أَيْ الْيَمِينِ الْغَمُوسِ (الْإِثْمُ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ
الْغَمُوسِ (إلَّا التَّوْبَةَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَوْ مُتَّصِلٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِيهَا كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا وَجَبَتْ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَبِالْغَمُوسِ أَوْلَى وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَالْفِرَارُ عَنْ الزَّحْفِ وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ» ، وَلِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةُ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ.
(وَ) ثَانِيهَا (لَغْوٌ) سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا فَإِنَّ اللَّغْوَ اسْمٌ لِمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ) أَوْ حَالٍ (يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ وَ) الْحَالُ (هُوَ بِخِلَافِهِ) أَيْ إنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ فِي الْمَوَاقِعِ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ كَمَا إذَا حَلَفَ أَنَّ فِي هَذَا الْكُوزِ مَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ ثُمَّ أُرِيقَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا كَذَلِكَ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ، وَهِيَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أُخْبِرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي أَوْ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ فِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ أَوْ لَا وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ، وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى أَثَرِ حِكَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَغْوٌ، فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ انْتَهَى. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ لَك أَنَّ اللَّغْوَ أَعَمُّ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا، وَعَلَى تَفْسِيرِهِ لَا يَكُونُ لَغْوًا فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَاضِي لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ. (وَحُكْمُهَا رَجَاءُ الْعَفْوِ) أَيْ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا صَاحِبَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89] وَإِنَّمَا عَلَّقَ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ إمَّا تَوَاضُعًا أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ اللَّغْوِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْيَمِينُ اللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهَا صَاحِبُهَا إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ.
(وَ) ثَالِثُهَا (مُنْعَقِدَةٌ وَهِيَ حَلِفُهُ عَلَى فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إنْ حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَلَى الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَفِي هَذَا الْمَحَلِّ بَحْثٌ فِي الدُّرَرِ فَلْيُطَالَعْ، (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ (مَا يَجِبُ فِيهِ الْبِرُّ) أَيْ حِفْظُ يَمِينِهِ (كَفِعْلِ الْفَرَائِضِ) كَأَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَصُومَنَّ رَمَضَانَ (وَتَرْكِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْخَمْرَ (وَمِنْهَا مَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ كَفِعْلِ الْمَعَاصِي) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الزِّنَا الْيَوْمَ (وَتَرْكُ الْوَاجِبَاتِ)