الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صِفَةِ الحَجِّ والعُمْرَةِ
يُسَنُّ لِمُتَمَتِّع حَلَّ من عُمْرَتِهِ، ولغيرِهِ من المُحِلِّينَ بِمَكَّةَ أو قُرْبِها، الإحْرَامُ بالحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وهو الثَّامِنُ من ذي الحِجَّةِ إلَّا من لَمْ يَجِدْ هديًا وَصَامَ، ففي سَابِعِهِ، وَيَفْعَلُ ما يَفْعَلُهُ في إحرامِهِ من المِيقَاتِ من غُسْلٍ وغيرِه، ثُمَّ يَطُوفُ ويُصَلِّي رَكْعَتَين، ثُمَّ يُحْرِمُ من المَسْجِدِ والأَفضل مِن تَحْتِ الميزابِ، ويَصِحُّ من خَارِجِ الحَرَمِ ولا دَمَ، ولا يَطُوفُ بَعْدَهُ قَبْلَ خروجِهِ لِوَداعِ البيت، فلو طافَ وَسَعَى بعده، لم يُجْزِئْهُ عن السَّعِي الواجبِ.
ثُمَّ يَخْرُجُ إلى مِنًى قَبْلَ الزَّوالِ فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الإمامِ، ويبيتُ بها إلى أن يُصَلِّيَ مَعه الفَجْرَ، ولو صَادَفَ يَوْمَ جُمُعةٍ، وهو مُقِيمٌ بِمَكَّةَ مِمَّن تَجِبُ عليهِ وَزَالتِ الشَّمْسُ، لَمْ يَخْرُجْ قَبْلَ صلاتِها، وَقَبْلَ الزَّوالِ يُخَيَّرُ، فإذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ سَارَ إلى عَرَفَة فَأَقامَ بِنَمِرَةَ نَدْبًا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، فإذا زَالت الشَّمْسُ استُحِبَّ للإمامِ أو نائبِهِ أن يَخْطُبَ خُطْبَةً واحدةً يُقَصِّرُها، وَيَفْتَتِحُها بالتكْبيرِ، يُعَلِّمُ النَّاسَ فيها
مَناسِكَهم مِنَ الوقوفِ وَوَقْتِهِ والدَّفْعِ من عَرَفَاتٍ والمبيتِ بِمُزْدَلِفَة وغيرِ ذلك من الأَحكامِ، فإذا فَرَغَ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ والعَصْرَ جَمْعًا إن جاز لَهُ بأذانٍ وإِقامَتَيْنِ، وإن تَرَك الأَذانَ فلا بَأْسَ، وكذا يجمَعُ المُنْفَرِدُ أيضًا.
ثُمَّ يأتي الموقِفَ ويَغْتَسِلُ لَه، وعرفةُ كُلُّها مَوْقِف إلَّا بطنَ عُرَنْةَ، وَحَدُّ عَرَفَةَ من الجَبَلِ المُشْرِفِ على عُرَنَةَ إلى الجِبالِ المُقَابِلَةِ له إلى ما يَلي حَوائِط بني عامِرٍ.
وَيُسَنُّ أن يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَراتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ واسمُه إلالٌ، على وَزْنِ هِلالٍ، ولا يُشْرَعُ صُعُودُهُ، وَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، رَاكِبًا بِخلافِ سَائِرِ المَناسِكِ والعباداتِ فإنه يكونُ فيها راجلًا، ويُكْثِرُ مِنَ الدُّعاءِ ومن قَوْلِ:"لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي ويُميتُ وهو حَيٌّ لا يموتُ، بيدِهِ الخَيْرُ وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وفي بَصَرِي نُورًا، وفي سَمْعي نورًا، وَيَسِّرْ لي أمْري"(1). وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ.
وَوَقْتُ الوُقُوفِ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَة إلى طُلُوعِ الفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، فمَن حَصَلَ بعَرَفَةَ في هذا الوَقْتِ ولو لَحْظَةً، وَلو مَارًّا بها، أو نَائِمًا، أو جَاهِلًا بها، وهو من أَهْلِ الوقُوفِ، صَحَّ حَجُّهُ،
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 117) من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال البيهقي بعده:"تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف، ولم يدرك أخوه عليًّا رضي الله عنه".
لا مَجْنُونٌ وَمُغْمًى عليه وَسَكْرانُ، إلَّا أن يُفيقُوا وهم بها قبلَ خروج وقتِ الوقوفِ.
وَيُسَنُّ أن يَقِفَ طَاهِرًا من الحَدَثَينِ، وَيَصِحُّ وقوفُ حَائِضٍ إجماعًا؛ لأَن عائشة رضي الله عنها وَقَفَتْ حَائِضًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (1)، ولا تُشْتَرَطُ سترةٌ ولا استقبالٌ، ولا نِيَّةٌ.
وَيَجِبُ أن يَجْمَعَ في الوقوفِ بَيْنَ اللَّيْل والنَّهارِ إن وَقَفَ نهارًا، فإن دَفَعَ قَبْلَ الغُروبِ فَعَليه دَمٌ إن لم يَعُدْ قبلَهُ، وإن وافاها لَيْلًا فَوَقَفَ بها فلا دَمَ عليه، وإن خَافَ فَوْتَ الوقوفِ إن اشتغلَ بالصَّلاة فَلَهُ صَلاةُ خَائِفٍ.
تَتِمَّةٌ: وقْفَةُ الجُمُعَة في آخِرِ يَوْمِها سَاعَةُ الإجَابَةِ، فإذا اجتمَعَ فَضْلُ يَوْمِ الجُمُعَةِ مع يَوْمِ عَرَفَةَ، كان لها مَزِيَّةٌ على سائرِ الأَيامِ، لكن ما اشتَهَرَ على ألْسِنَةِ النَّاس مِنَ العَوَامِّ أنها تَعْدِلُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حِجَّةً، باطِلٌ لا أصْلَ لَهُ.
ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ غُروبِ الشَّمْسِ بسَكينةٍ مُسْتَغْفِرًا إلى مُزْدَلِفةَ وهي ما بين المَأْزِمَيْنِ ووادي مُحَسِّرٍ - مع أميرِ الحَاجِّ أو نائبه، ويُكْرَهُ قَبْلَهُ، يُسْرِعُ في الفَجْوَةِ، ويُلبِّي في الطَّرِيقِ، وَيَذْكُرُ اللهَ، ويَنْوي جَمْعَ المَغْرِبِ مع العِشاءِ تأخيرًا، فإذا وَصَلَها صَلَّاهُما قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ بإقامَةٍ لِكُلِّ صَلاةٍ بلا أَذانٍ، وإن أَذَّنَ للأُولى فَحَسَنٌ، فإن فاتَتْهُ الصَّلاةُ مع
(1) أخرجه البخاري (3/ 415)، ومسلم (2/ 873).
الإمامِ بها أو بِعَرَفَةَ جَمَعَ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَبِيتُ بِها حَتَى يُصْبِحَ ويُصلي الفجرَ.
ولَيْسَ لِغَيْرِ رُعَاةٍ وسُقَاةٍ الدَّفْعُ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فإن فَعَلَ فعليه دمٌ ما لم يُوافِها بعدَهُ قبل الفجرِ كالذي لم يَأْتِها إلَّا في النِّصف الثاني، وله الدَّفْعُ قبل الإمامِ.
ومَن أصبحَ بها صَلَّى الصُّبْحَ بِغَلَسٍ ثُمَّ أتى المَشْعَرَ الحرامَ فَرَقى عليه أو وَقَفَ عِنْدَهُ وحَمِدَ الله تعالى، وهلَّلَ وَكَبَّرَ وَدَعا، فيقول: اللَّهُمَّ كَمَا وَقَفْتَنا فيه وَأَرَيْتَنا إيَّاه، فَوَفِّقْنا لِذِكْرِك كما هَدَيْتَنا، واغْفِرْ لَنَا، وارْحَمْنا كما وَعَدْتَنا بقولك -وقَوْلُك الحَقُّ-:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)} [البقرة: 198، 199].
ويستَمِرُّ يَدعو حَتَّى يُسْفِرَ جدًّا، ثُمَّ يَدْفَعُ قبل طُلُوعِ الشَّمْسِ إلى مِنًى وعليه السَّكينةُ، فإذا بَلَغَ وادي مُحَسِّرٍ أسْرَعَ راكبًا كان أو ماشيًا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ، ويكونُ مُلَبِّيًا إلى أن يَرْمِيَ جَمْرَةَ العَقَبَةِ، وهي آخِرُ الجَمَراتِ مِمّا يلي مِنًى، وأولُها مِمَّا يلي مَكَّة، ويأخذُ حَصَى الجِمارِ من طريقِه قبلَ أن يَصِلَ إلى مِنًى، أو من مُزْدَلِفَةَ، ومن حيثُ أَخَذَه جَازَ، ويُكْرَهُ مِن مِنى وسائرِ الحَرَمِ، وتكسيرهُ، ويكونُ أكبَرَ مِن
الحِمَّصِ ودُونَ البُنْدُقِ، فلا يُجْزِئُ صغيرٌ جِدًا ولا كبير، ويُجْزِئُ مع الكراهةِ نَجِسٌ وحصاةٌ في خاتَمٍ، إن قَصَدَها، وتُجْزِئُ من مِسَنٍّ وَبِرامٍ ومَرْمَرٍ ورُخامٍ وغيرِها لا ما رُمِيَ بِهِ، أو غَيْرُ الحَصَاةِ كَجَوْهَرٍ وَذَهَبٍ ونحوهِما، وعَدُد الحصى سبعون حصاة. ولا يسن غسله.
فإذا وَصَلَ إلى مِنًى -وَحدُّها من وَادي مُحَسِّرٍ إلى جمرةِ العَقَبَةِ- بَدَأَ بها الرَّاكِبُ رَاكبًا والماشي ماشِيًا، لأَنَّها تَحِيَّةُ مِنى، فَرَمَاها بِسَبع حَصَيَاتٍ واحدةً بعد واحدةٍ بعد طلوع الشَّمْسِ نَدْبًا، فإن رَمى بَعْدَ نِصْفِ ليلةِ النَّحْرِ أَجْزَأَ، وإن غرَبت الشَّمْسُ فبعدَ الزَّوالِ من الغَدِ. فإن رَماها دَفْعَةً واحدةً لم يُجْزِئْهُ وَيُؤَدَّبُ.
ويشترطُ عِلْمُه بحصولها في المَرْمَى، فلو وقعت خَارِجَهُ ثُمَّ تَدَحْرَجَت فيه أو على ثَوْبِ إنسانٍ ثُمَّ صارت فيه ولو بِنَفْضِ غيره أجْزَأَتْهُ.
ويُسَنُّ أن يُكَبِّرَ مع كُلِّ حَصاةٍ وأن يقول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعيًا مَشْكُورًا. وَيَسْتَبْطِنُ الوادِيَ، وَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ وَيَرْمي عن جانبِهِ الأَيْمَنِ، وَيَرْفَعُ يُمناهُ حَتَّى يُرى بياضُ إبطه، ولا تقِفُ عِنْدها بل يرميها وهو ماشٍ، وله رميها من فوقِها.
وَيَقْطَعُ التلبية بَأَوَّل الرَّمي، ثُمَّ يَنْحَرُ هديًا مَعَهُ، ثُمَّ يَحْلِقُ رأسَهُ ويبدأُ بأيمنِهِ ويستقْبِلُ القِبْلَةَ فيه، ويُكبِّرُ وَقْتَ الحَلْقِ، والأَوْلَى أن لا يشارِطَ الحَلَّاقَ على الأُجْرَةِ.
وإن قَصَّرَ فمن جميع شعر رأْسِهِ لا من كُلِّ شَعْرةٍ بعينها، والمرأةُ تُقَصِّرُ قَدْرَ أُنمُلَةٍ فَأقَلَّ من رؤوس الضَّفَائِرِ كَعَبْدٍ، ولا يَحلِقُ إلَّا بإذن سيدِه.
ويُسَنُّ أخذُ ظفُرِه وشاربِهِ ونحوه، وإمرارُ المُوسَى على من عَدِمَ الشَّعْرَ، ثُمَّ قَد حَلَّ لَهُ كُلُّ شيءٍ إلَّا النِّساءَ، وعَقْدَ النَكَاحِ.
فَائِدَةٌ: الحَلْقُ والتَّقْصِيرُ لِذَكَرٍ والتِّقْصِيرُ لأُنْثى نُسُكٌ في تَرْكهما دَمٌ؛ لا إن أَخَّرَهُما عن أيامِ مِنًى أو قَدَّمَ الحَلْقَ على الرَّمْيِ أو على النَّحْرِ أو نَحرَ أو طافَ قَبْلَ رميه، وَيُكْرَه مع العلم.
فَرْعٌ: ويحصُلُ التَّحَلُلُ الأَولُ باثنينِ من ثَلاثَةٍ وهي الرَّمْيُ والحَلْقُ والطَّوافُ، والثَّاني بما بَقِيَ منها مع السَّعي. ثُمَّ يَخْطُبُ الإِمامُ بِمنًى يوم النَّحْرِ خُطْبَةً يَفْتَتِحُها بالتكْبِيرِ يُعَلِّمُهُم فيها النَّحْرَ والإفاضَةَ والرَّمْيَ، ثُمَّ يُفيض (1) إلى مكة، فيطوفُ مُفْرِدٌ وقارِنٌ لم يَدْخُلاها قبل ذَلِكَ للقدومِ ويرمُلُ.
ويطوفُهُ مُتَمَتِّعٌ بلا رَمَلٍ ثُمَّ يطوفُ للزِّيَارَةِ وَيُسمَّى طوافَ الإفاضَةِ والصَّدَرِ (2) يُعَيِّنُه بنيتِهِ وهو رُكنٌ لا يتم الحَجُّ إلَّا بِهِ، ووقتُهُ من نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ لِمن وَقَفَ ولغيرِهِ بعد الوقوفِ، وفعلهُ يَوْم النَّحْرِ أَفْضَلُ،
(1) لا وجود لهذه الكلمة والتي قبلها في (ب).
(2)
هكذا ضبطها شيخنا العلامة الشيخ محمد بن سليمان الجراح الحنبلي رحمه الله تعالى، وسُمِّيَ بذلك لأنه يصدر إليه من منى، قاله العلامة ابن قاسم العاصمي في "حاشيته على الروض المربع"(4/ 165).
وإن أَخَّرَهُ عن أيامِ مِنًى جَازَ ولا شيءَ فيه كالسَّعْيِ، ثُمَّ يَسْعَى المُتَمَتِّعُ ومن لَم يَكُن سَعَى مع طوافِ القدُومِ، ثُمَّ يَشْرَبُ من زمزمَ لِمَا أحَبَّ، لأَن ماءَ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ، وَيَتَضَلُّعُ مِنه وَيَرُشُّ على بَدَنِهِ وثَوْبِهِ ويقول: بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا، وَرِزْقًا واسِعًا، ورِيًّا وَشِبَعًا، وَشِفاءً من كُلِّ داءٍ، واغْسِلْ بِهِ قَلْبِي، وامْلأَهُ من خَشْيَتِكَ وَحِكْمَتِكَ.
فَائِدَةٌ: وَيُسَنُّ أن يَدْخُلَ البَيْتَ والحِجْرُ منه، ويكونَ حافِيًا بلا خُفٍّ ولا نَعْلٍ بِغَيْرِ سِلاحٍ، ويُكَبِّرُ وَيَدْعُوفي نواحِيه، ويُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ، ويُكْثِرُ النَّظَرَ إِليه.
فَائِدَةٌ: وإذا أرادَ أن يَسْتَشْفِيَ بشيءٍ من طيبِ الكَعْبَةِ، فليأتِ بطيبٍ من عِنْدِهِ (1)، فَيَلْزِقَه عليها ثُمَّ يأخذَهُ، ولا يأخُذُ من طِيبِها شيئًا، وإذا نَزَعَ ثَوْبَها تَصَدَّقَ بِهِ.
ثُمَّ يَرْجِعُ إلى منى فَيُصَلِّي بها ظُهْرًا لِنَحْرٍ ويبيتُ بها ثَلاث ليالٍ، وَيَرْمي الجمراتِ بها أَيَّامَ التَّشْرِيقِ كُلَّ يومٍ بَعْدَ الزَّوالِ وجوبًا.
ويُسَنُّ قَبْلَ الصَّلاةِ إلَّا السُّقَاةَ والرُّعَاةَ، فلهم الرَّمْيُ كُلَّ وَقْتٍ، ولو في يومٍ واحدٍ أو لَيْلَةٍ واحدةٍ من أيامِ التِّشْرِيقِ، وآخِرُ رَمْيِ كُلِّ يومٍ إلى الغُروبِ.
ولا يَدَعُ الصَّلاة مع الإمامِ في مَسْجِدِ مِنًى وهو مَسْجِدُ الخَيْفِ،
(1) هذا الكلام يفتقر إلى دليل من الكتاب أو السُّنَّة.
فَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَياتٍ واحدةً بعد واحدةٍ، فيبدأُ بالجَمْرَةِ الأُولى، وهي أبْعَدُهُنَّ من مكِّةَ، وَتَلي مَسْجِدَ الخَيْفِ، فَيَجْعَلُها عن يسارِهِ وَيَرميها، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قليلًا، لِئَلَّا يُصِيبَهُ الحَصَى، فَيَقِفُ وَيَدْعُو اللَّهَ رَافِعًا يَدَيْهِ ويُطِيلُ، ثُمَّ يأتي الوُسْطى، فَيَجْعَلُها عن يَمينه، وَيَرميها كذلك، وَيقِفُ عِنْدَها وَيدْعُو كَذَلِكَ، ثُمَّ يَرْمِي جَمَرَةَ العَقَبَةِ كَذَلِكَ وَيَجْعَلُها عن يمينِهِ وَيَسْتَبْطِنُ الوَادِيَ، ولا يَقِفُ عِنْدَها.
وَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ في الجَمَراتِ كُلِّها، وتَرْتيبُها شرطٌ بأنْ يَرْمِيَ أوَّلًا التي تَلِي مَسْجِدَ الخَيْفِ، ثُمَّ الوُسْطى ثُمَّ العَقَبَةَ، فإن نكسه لم يُجْزِئْه، وإن أَخَلَّ بحصَاةٍ من الأولى، لم يَصِحَّ رَمْيُ ما بعدَهَا، وإن جَهِلَ مَحَلَّها بنى على اليقينِ، ثُمَّ يَرْمِي في اليوم الثَّاني والثَّالث كذلك، وإن أَخرَ الرَّمْيَ كُلَّه ورمْيَ يَوْمِ النَّحْر، فَرَماهُ آخِرَ أيَّامِ التَشْرِيقِ، أَجْزَأَهُ أداءً وكان تاركًا للأَفْضَلِ.
وَيَجِبُ ترتيبُهُ بنيَّتِهِ، وكذا لو أَخَّرَ رَمْيَ يومٍ أو يومينِ.
وفي تأْخِيرِ رمي جَمْرةٍ أو الكُلِّ من أيامِ مِنًى دمٌ، وفي تَرْكِ حصاةٍ ما في شعْرَةٍ، وفي حَصاتَيْن ما في شَعْرَتَيْنِ.
ولا مَبيتَ على سُقاةٍ ورُعاةٍ، فإن غَرَبتِ الشَّمسُ وهم بها لَزِمَ الرُّعاةَ فقط المبيتُ، وإن تَرَكَهُ غيرُهُم ليلةً فعليه دَمٌ.
ومن كانَ مَريضًا أو مَحْبُوسًا أو لَهُ عُذْرٌ جازَ له أن يستنيبَ من يَرْمِيَ عَنْهُ والأَوْلى أن يشهدَهُ إن قَدَرَ.
ويُسَنُّ أن يَضَعَ الحَصى في يدِ النَّائِبِ ليكونَ لَهُ عمل في الرَّمْي.
وَيَخْطُبُ الإِمامُ ثَانيَ أيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةً يُعَلِّمُهُم حُكْمَ التَّعْجيلِ والتَّأخِيرِ وتوديعَهُم.
ولِكُلِّ حَاجٍّ غَيْرِ الإمامِ المُقيمِ للمنَاسِكِ التَّعْجيلُ في ثاني التَّشْرِيقِ وهو النَّفْرُ الأَولُ لكن ينفرُ قَبْلَ غروبِ الشَّمْسِ، فإن غَرَبَت وهو بها لَزِمَهُ المبيتُ والرَّمْيُ مِن الغَدِ، ثُمَّ يَنْفِرُ وهو النَّفْرُ الثَّاني، ويسقُطُ رَمْيُ اليومِ الثَّالثِ، ويدفِنُ حصاهُ في المَرْمَى، ولا يَضُرُّ رجوعُهُ.
وإذا نَفَرَ من مِنًى يسن نزوله بالأَبطحِ -وهو المُحَصَّبُ، وَحَدُّهُ ما بينَ الجَبَلَيْنِ إِلى المَقْبَرَةِ- فَيُصَلِّي به الظُهْرَيْنِ والعِشائَيْنِ، وَيَهْجَعُ يَسيرًا، ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ.
فإذا أتَى مَكَّةَ لم يَخْرُجْ حَتَّى يُودِّعَ البَيْتَ بالطَّوافِ بَعْدَ الفَراغِ من جميعِ أمُورِهِ وهو على كُلِّ خَارِجٍ من مكَّةَ، ثُمَّ يُصلِّيَ ركعتينِ خَلْفَ المَقَامِ، ويأتِيَ الحَطِيمَ -وهو تحتَ المِيزابِ- فَيَدْعُوَ، ثُمَّ يَأْتِيَ زَمْزَمَ فَيَشْرَبَ منه ثُمَّ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ ويقَبِّلَهُ ويقفُ في المُلْتَزَمِ -وهو ما بَيْنَ الحَجَرِ الأَسْودِ وباب الكَعْبَةِ- فَيَلْتَزِمُهُ مُلْصِقًا بِهِ صَدْرَهُ، وَوَجْهَهُ، وَبَطْنَهُ، ويَبْسُطُ يديه عليه، وَيَجْعَلُ يمينَهُ نحو البَابِ، ويسارَهُ نحو الحَجَرِ، وَيَدْعُو بِما أَحَبَّ من خَيْرَيِ الدُّنيا والآخِرَةِ ومنه: اللَّهُمَّ هذا بَيْتُكَ، وَأَنا عَبْدُكَ وابنُ أَمَتِكَ، حَمَلْتَني على ما سَخَّرْتَ لي من
خَلْقِكَ، وَسَيَّرْتَنِي في بِلادِكَ حَتَّى بَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ إلى بَيْتِكَ، وَأَعَنْتَنِي على أداءِ نُسُكي، فإن كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فَازْدَدْ عَنِّي رضًا، وإلَّا فَمُنَّ الآنَ قَبْلَ أن تَنْأَى عن بَيْتِكَ دَارِي، فهذا أوانُ انْصِرَافِي إن أَذِنْتَ لِي، غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ ولا بِبَيْتِكَ، ولا رَاغِبٍ عَنْكَ ولا عن بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي العافيةَ في بَدَني، والصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، والعِصْمَةَ في ديني، وأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وارْزُقْنِي طاعَتَك ما أَبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي بَيْنَ خَيْرَي الدُّنيا والآخرةِ، إِنَّك على كُلِّ شيءٍ قديرٌ. ويُصَلِّي على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
فإذا خَرَجَ وَلَّاها ظَهْرَهُ ولا يَلْتَفِتُ، فإن فَعَلَ أَعادَ الوَدَاع نَدْبًا. والحَائِضُ تَقِفُ على بَابِ المَسْجِدِ وَتَدْعو بِذَلِكَ، ولا وَداعَ عَليها ولا فِدْيَةَ إلَّا أن تَطْهُرَ قَبْلَ مُفارقَةِ البُنْيانِ فَتَرْجِعُ وتُوَدِّعُ، فإن لم تَفْعَل ولو لِعُذْرٍ فَعَليها دَمٌ.
فإذا وَدَّع ثُمَّ اشْتَغَلَ بِغَيْرِ شَدِّ رَحْلٍ ونحوِهِ، أو اتَّجَرَ أو أَقَامَ أعادَ الوداعَ، لا إن اشترى حاجةً في طريقِهِ أو صَلَّى، وإن خَرَجَ قبلَهُ فعليه الرُّجُوعُ إِليه لِفِعْلِهِ إن كانَ قريبًا ولم يَخَفْ على نَفْسٍ أو مَالٍ أو فواتِ رُفْقَتِهِ أو غَيْرِ ذَلِكَ ولا شيءَ عليه إذا رَجَعَ، فإن لم يمكنهُ أو أمكنَهُ ولم يَرْجِعْ أو أَبْعَدَ مسافَةَ قَصْرٍ فَعليه دَمٌ رَجَعَ أو لا، وسواء تركَهُ عَمْدًا أَو خَطأً أو نسيانًا.
وَمَتى رَجَعَ مع القُرْبِ لم يَلْزَمْهُ إحرامٌ، وَيَلْزَمُهُ مع البُعْدِ بِعُمْرَةٍ يأتي بها، ثُمَّ يَطوفُ للوداعِ.