الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَلَا تَصِحُّ الصَّلاةُ في الأَرضِ المَغْصُوبَةِ ولا في المَقْبَرَةِ، ولا يَضُرُّ قَبَرانِ وَلا خَشْخاشَة (1) ولا ما دُفِنَ في دَارِهِ، وَتَصِحُّ صَلاةُ الجَنَازَةِ فِيها. ولا في المَجْزَرَةِ، والمَزْبَلَة، والحُشِّ، وأَعْطَانِ الإِبلِ، وقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، والحَمَّامِ، وكُل ما يتبعُهُ في البيع، وأسطحةُ هذه المواضِعِ مِثْلُهَا في عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عليها.
وَتَصِحُّ الجُمُعةُ والعيدُ والجَنَازَةُ ونحوها بالطريق، والغَصْبِ عِنْدَ الضرورةِ.
وَتَصِحُّ الصَّلاةُ في الكُلِّ لِعُذْرٍ.
وَتُكْرَهُ إِليها بِلَا حَائِلٍ، وَلَوْ كَمُؤَخِّرةِ الرَّحْلِ.
وَلَوْ غُيِّرَتْ هذه الأَماكِنُ بما يُزِيلُ اسْمَها؛ كَجَعْلِ الحَمَّامِ دَارًا، صَحَّتِ الصَّلاةُ فيها. والمَسْجِدُ الحَادِثُ في المَقْبَرَةِ مِثْلُها.
ولا يَصِحُّ فَرْضٌ دَاخِلَ الكَعْبَةِ ولا على ظَهْرِهَا، إلَّا إذا وَقَفَ على مُنْتَهَاهَا، بحيثُ لَمْ يَبْقَ وراءَهُ شيءٌ منها، وَتَصِحُّ مَنْذُورةٌ، وَتُسَنُّ نَافِلَةٌ فيها وعليها وفي الحِجْرِ، ويَصِحُّ التّوجُّهُ إِليه مطلقًا، والفرض فيه كداخِلِهَا.
(1) الخَشْخَاشَة: بيت في الأَرْضِ له سَقْفٌ يُقبرُ فيه جماعةٌ. "كشاف القناع" للبهوتي (1/ 294).
وتُكْرَهُ الصَّلاةُ بأرضِ الخَسْفِ لا في بَيْعةٍ وَكَنِيسَةٍ.
الخامس: استقبالُ القِبْلَةِ مَع القُدْرَةِ، فَلَا تَصِحُّ بدونِهِ إلَّا لِمَعْذُورٍ، كالتحامِ حَرْبٍ وَهَرَبٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَبُعٍ ونَحْوِهِ، كَمَرِيضٍ عَجَزَ عنه وعن مَن يُدِيرُهُ إِليها، وَكَمَرْبُوطٍ ونحوِهِ، فَتَصِحُّ إلى غَيْرِ القِبْلَةِ مِنْهُم بِلَا إِعَادَةٍ.
وَلِمُتَنَفِّلٍ رَاكِبٍ وَمَاشٍ في سَفَرٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلا مَكْرُوهٍ ولو قَصِيرًا، لا رَاكِبٍ تَعَاسيْفَ وهو رُكوبُ الفَلاةِ وَقطْعُها على غير صَوْبٍ.
فلو عَدَلَت بِهِ دابَّتُه عن جِهَةِ سَيْرِهِ لِعَجْزِهِ عَنْها أو لِجِماحِها ونحوِه، أَوْ عَدَلَ هو إلى غَيْرِ القِبْلَةِ، غَفْلَةً أَوْ نَوْمًا أَوْ جَهْلًا أَوْ سَهْوًا، أَوْ لِظَنِّهِ أَنّها جِهَةُ سَيْرِه، وطالَ، بَطَلَتْ، لا إِنْ قَصُرَ، وَيَسْجُدُ للسَّهْوِ.
وإِنْ كَانَ غير مَعْذُورٍ في ذَلِكَ بأن أمكنه رَدُّ دابتِهِ أَوْ عَدَلَ إِلى غَيْرِ القِبْلَةِ مع عِلْمِهِ بَطَلت.
وإِنْ وَقَفَتْ دابتُهُ تَعَبًا أو مُنْتَظِرًا رِفْقَةً ونحوِهِ، أَوْ نوى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَه، اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ.
وَلَوْ رَكِبَ المُسافِرُ النَّازِلُ وهو في نَافِلَةٍ، بَطَلَت، لا المَاشي فَيُتِمُّها. وإِنْ نَزَلَ الرَّاكِبُ في أَثْنَائِهَا، نَزَلَ مُسْتَقْبِلًا وأتمَّها.
وَيَلْزَمُ الرَّاكِبَ استقبَالٌ وَرَكُوعٌ وسُجودٌ، إِنْ أَمْكَنَه بِلا مَشَقَّةٍ، وإلَّا فَيَلْزَمُهُ ما يَقْدِرُ عَليه، فإِن لَمْ يَقْدِرَ على شَيء سَقَطَ الجميعُ.
وَيُومِئُ بالركوعِ والسُّجُودِ.
وَيَجِبُ أَنْ يَجْعَلَ سجودَهُ أَخْفَضَ مِنْ ركوعِهِ إِنْ قَدَرَ، وَيُعْتَبَرُ فيه طَهَارَةُ مَحَلِّه، نحوَ سَرْجٍ وَإِكَافٍ (1)، وإن وَطِئَ الماشي نجاسةً عمدًا بَطَلت صَلاتُهُ.
ويدورُ في السَّفينةِ والمِحفَّةِ وَنَحْوِهَا إلى القِبْلَةِ في كُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ لا نَفْلٍ، والمُرَادُ غَيْرُ الملَّاحِ لحاجَتِهِ.
وَيَلْزَمُ الماشِيَ أيضًا الافْتِتاحُ إلى القِبْلَةِ ورُكوعٌ وسُجودٌ.
والفَرْضُ في القِبْلَةِ لِمَن قَرُبَ مِنْها - كمَن بِمَكَّةَ - إِصَابَةُ العَيْنِ بِبَدَنِهِ كُلِّهِ، فإِنْ تَعَذَّرَت بِحَائِلٍ أَصْلِيٍّ مِن جَبَلٍ وَنَحْوه، اجْتَهَدَ إلى عَيْنِها. وبِحَائِلٍ غيرِ أَصلِيٍّ كالمَنَازِلِ، لا بُدَّ مِن اليَقينِ بِنَظَرٍ أَوْ خَبَرٍ ونحوِه.
وَفَرْضُ البعيدِ إِصابةُ الجِهَةِ بالاجتهادِ - وَيُعْفَى عن الانْحِرافِ قَليلًا - وهو مَن لَمْ يَقْدِرْ على المُعَايَنَةِ ولا على مَنْ يُخْبِرُهُ عن عِلْمٍ، سوى المُشَاهِدِ لِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والقَرِيبِ مِنْهُ، فَفَرْضُهُ إِصَابَةُ العَيْنِ، فإِن أَمْكَنه ذلك بِخَبَرِ ثِقةٍ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ ظَاهِرًا
(1) الإِكافُ والأُكاف من المراكب: شبه الرِّحال والأقْتابِ. "لسان العرب" لابن منظور (9/ 8 - أكف).
وَبَاطِنًا عن يَقِينٍ، أو باسْتِدْلالٍ بِمَحَارِيبِ المُسْلِمِين، لَزِمَه العَمَلُ به.
وإن اشْتَبَهَت في السَّفَرِ اجتهَدَ عَارِفٌ بِأَدِلَّتِها وَقَلَّدَ غَيْرَهُ، فإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ اجْتِهادٍ وَلَا تَقْلِيدٍ مع القُدْرَةِ قَضَى سواءٌ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ.
السَّادس: النِّيَّة، وهي شَرْعًا؛ عَزْمُ القَلْبِ على فِعْلِ العِبَادَةِ تَقَرُّبًا إلى اللهِ تعالى، فَلَا تَصِحُّ عِبَادَةٌ بدُونها بِحَالٍ.
وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلاةَ بِعَيْنِها، إِنْ كَانَتْ مُعَيَّنةً - كَظُهْرٍ وعَصْرٍ وَمَنْذُورةٍ - وَنَفْلٍ مُوقَّتٍ - كَوِتْرٍ وراتبةٍ - وإن لَمْ تَكُن مُعَيَّنَةً أَجْزَأَتْهُ نيةُ الصَّلاة.
وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ قَضَاءٍ في فَائِتَةٍ، ولا أَداءٍ في حَاضِرَةٍ، ولا فَرْضِيَّةٍ في فَرْضٍ، وَيَصِحُّ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ أَدَاءٍ، وَعَكْسُه مَع الجَهْلِ.
وَلَوْ كانَ عليه ظُهْران؛ حَاضِرَةٌ وفَائِتةٌ، فَصَلَّاهُما، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّه تَرَكَ شَرْطًا مِنْ إِحْداهُما لا يَعْلَمُ عَيْنَها، صَلَّى ظُهْرًا وَاحِدَةً، يَنْوِي بِهَا ما عَلَيه، وَلَوْ كانَ الظُّهْران فَائِتتيْن، فنوَى ظُهْرًا منهما، لَمْ يُجْزِئْه عن وَاحِدَةٍ مِنْهُما حَتَّى يُعَيِّنَ السَّابِقَة لأَجْلِ التَّرْتِيبِ، بِخِلَافِ المَنْذُورَتَيْنِ.
وَتُسَنُّ إِضَافَةُ الفِعْلِ إِلى اللهِ تعالى في العِبَادات كُلِّها، وَمُقَارَنةُ النِّيَّةِ لِتكبِيرةِ الإِحْرامِ. ولو قُدِّمَتْ عليها بِيَسِيرٍ بعدَ دُخُولِ الوَقْتِ وَلَمْ يَفْسَخْها صَحَّت، كما لَوْ أَتَى بِهَا قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ في فَرْضٍ.
وَيَجِبُ اسْتِصْحابُ حُكْمِها إلى آخِرِ الصَّلَاةِ، فإِنْ قَطَعَها في أثنائِها، أَوْ عَزَمَ على قَطْعِها، أَوْ تَرَدَّدَ في قَطْعها، أَوْ شَكَّ هل نَوَى فَعَمِلَ مَع الشَّك عَمَلًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّه نَوَى أَوْ شَكَّ في تَكْبيرةِ الإِحْرامِ، أَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ ثُمَّ ذَكَرَ فِيها، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَقْطَعُها بَطَلَت.
وَإِنْ شَكَّ هل نَوَى فَرْضًا أَوْ نَفْلًا؟ أَتَمَّها نَفْلًا، إلَّا أن يَذْكُرَ أَنَّهُ نَوَى فَرْضًا قَبْلَ أَن يُحْدِثَ عَمَلًا فَيُتِمَّها فَرْضًا، وإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ رُبَاعيةٍ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَينِ يَظُنُّهَا جُمْعَةً أَوْ فَجْرًا أَوْ مِنَ التَّرَاوِيحِ ثُمَّ ذَكَرَ بَطُل فَرْضُهُ، وإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ عدمُهُ أَوْ قَبْلَ دُخولِ وَقْتِهِ انقلبَت نَفْلًا، ولا تَنْعَقِدُ مَع العِلْمِ فيهما (1).
وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ في وَقْتِهِ المُتَّسِع ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحيحٍ، مِثْلَ أَنْ يُحرِمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يريدَ الصَّلاةَ في جَمَاعَةٍ، جَازَ، بل هو أَفْضَلُ. وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الفَرْضِ.
وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلى فَرْضٍ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرةِ إِحْرَامٍ للثَّانِي، انْقَلَبَ فَرْضُهُ الأَوَّلُ نَفْلًا، وكَذَا حُكْمُ ما يُبْطِلُ الفَرْضَ فَقَط، إذا وُجِدَ فيه، كَتَرْكِ القِيَامِ، والصَّلاةِ في الكَعْبَةِ، والائتِمَامِ بِمُتَنَفِّلٍ، ولم يَنْعَقِد الثاني، إلَّا أَن يَقْتَرِنَ بِهِ بِتَكْبِيرةِ إِحْرامٍ لَه فَيَصِحُّ وَيَبْطُلُ الأَول.
(1) سقطت هذه الكلمة من (ب).
وَمِنْ شَرْطِ الجَمَاعَةِ أَن يَنْوِيَ الإِمامُ والمَأْمُومُ حالَهما، فَلَوْ نَوَى إِمامَةَ مَنْ لا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّه، كَأُمِّيٍّ يَؤْمُّ قَارِئًا، وامرأَةٍ تَؤمُّ رَجُلًا، أَوْ نَوَى الائتِمَامَ بِأَحَدِ الإِمَامينِ لا بعينِهِ، أَوْ بِهِمَا، أَوْ بِمُنْفردٍ، أَوْ أَحْرَمَ بِحَاضِرٍ فانصرَفَ قَبْلَ إِحْرَامِهِ، أَوْ عَيَّن إِمَامًا أَوْ مَأمُومًا فَأَخْطَأَ، أَوْ نَوَى الإِمَامَةَ وهو لا يَرْجو مَجيءَ أَحَدٍ، لَمْ يَصِحَّ.
وَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأمُومٍ، صَحَّ، لا مع الشَّكِّ، فإنْ لَمْ يَحْضُرْ لَمْ تَصِحَّ.
وإنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الإِمَامَةَ أَوْ الائتِمَامَ لَمْ تَصحَّ. وإنْ أَحْرَمَ مَأمومًا، ثُمَّ نَوَى الانْفِرَادَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الجَمَاعة - كَتَطْويلِ إِمامٍ، وَمَرَضٍ، وَغَلَبةِ نُعاسٍ، أَوْ لِشَيءٍ يُفْسِدُ صَلاتَه، أَوْ خَوْفٍ على أَهْلٍ، أَوْ مَالٍ، أَوْ فَوْتِ رُفْقَةٍ، أَوْ خَرَجَ مِنَ الصَّفِّ مَغْلُوبًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ، وَنحوِه - صَحَّ إنْ استَفَادَ بِمُفَارَقَتِهِ تَعْجِيلَ لُحُوقِ حَاجَتِهِ قَبْلَ فراغِ إِمامه. فَإِن زَالَ العُذْرُ قَبْل إتمامِها فَلَهُ الدُّخولُ مع الإِمامِ. فإنْ فَارَقَهُ في قِيَامٍ قبل قِراءَتِهِ الفَاتِحَةَ، قَرَأَ، وبعدَها لَهُ الرُّكُوعُ في الحَالِ، وفي أثنائِها يُكْمِلُ ما بَقِيَ.
وَإِنْ كَانَ في صَلَاةِ سِرٍّ وَظَنَّ أن إمامَه قَرَأَ، لَمْ يَقْرَأْ.
وَإِنْ فَارَقَهُ في ثانيةِ جُمعَةٍ أَتَمَّ جُمعةً.
وإِنْ أَحْرَمَ إِمامًا ثُمَّ صَارَ مُنْفَرِدًا كما لَوْ سَبَقَ المأْمومَ الحَدَثُ أَوْ فَسَدَتْ صلاتُهُ أَوْ انصَرَفَ، فنَوَى الانفِرَادَ، صَحَّ.
وَلَهُ أيضًا الانفرادُ لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الجَمَاعَةِ (1).
وَتَبْطُلُ صَلاةُ مَأْمُومِ بِبُطْلانِ صَلاةِ إِمامِهِ مُطْلقًا.
وَإِنْ سُبِقَ اثنانِ فأكثَرُ بِبَعْضِ الصَّلاةِ فَائتَمَّ أحدُهما بصاحِبِه في قَضَاءِ ما فاتَهُما، أو ائتم مُقيمٌ بِمِثْلِهِ إذا سَلَّمَ إمامٌ مُسَافِرٌ صَحَّ في غَيْرِ جُمُعَةٍ لا فيها، وبِلَا عُذْرِ السَّبْق لا يَصِحُّ.
وإنْ أَحْرَمَ إمامًا لِغَيْبةِ إِمَامِ الحَيِّ، أَوْ إِذْنِهِ، ثُمَّ حَضَرَ في أَثْنَائِها، فَأَحْرَمَ بِهم وَبَنى على صَلاةِ خَليفَتِهِ، وَصَارَ الإِمَامُ مَأْمُومًا صَحَّ، وتَرْكُه أَولى.
* * *
(1) في (ب): "الجمعة".