الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَحْظُورَاتِ الإحْرَامِ
وهي: ما يَحْرُمُ على المُحْرِمِ فِعْلُهُ، وهي تِسْعَةٌ:
إِزَالَةُ الشَّعْرِ من جَمِيعِ بَدَنِهِ ولو من أَنْفٍ بِحَلْقٍ أو غيره، فإن كانَ لَهُ عُذْرٌ من مَرَضٍ، أو قَمْلٍ أو قُرُوحٍ، أو صُدَاعٍ، أو شِدَّةِ حَرٍّ، أَزَالَهُ، وَفَدَى، كَأَكْلِ صَيْدٍ لِضَرورَةٍ.
الثَّاني: تَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، فَمَنْ حَلَقَ ثَلاثَ شَعَرَاتٍ فَأَكْثَرَ، أو قَلَّمَ ثَلاثَةَ أَظْفَارِ فَأَكْثَرَ، ولو مُخْطِئًا أو نَاسِيًا، فَعَليهِ دَمٌ، وفِيمَا دُونَ ذَلِكَ في كُلِّ واحِدٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، وبَعْضُ شَعْرَةٍ أو ظُفُرٍ كَجَمِيعِهِ.
وإن خَرَجَ في عينيهِ شَعْرٌ فَقَلَعَهُ، أو نَزَلَ شَعْرُ حاجِبَيهِ فَغَطَّى عَيْنَيْهِ فأزالَهُ، أو كُسِرَ ظفُرُهُ فَقَصَّهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، أو قَطَعَ إصْبَعًا بِظُفْرِها، أو قَلَعَ جِلْدًا عليه شَعْر، أو افْتَصدَ فَزَالَ شَعْرٌ، فلا فِدْيَةَ عَليه في شَيءٍ من ذَلِك، فإن خَلَّلَ لحيتَهُ أو مَشَطَها أو رأسَهُ فَسَقَطَ شَعْرٌ مَيِّتٌ فلا شيءَ عليه.
وإن تَيَقَّنَ أَنّهُ بانَ بالمشطِ أو التَّخلِيل فَدَى. وَتُسَنُّ الفديةُ مع الشَّكِّ، وَلَهُ حَكُّ بَدَنِهِ ورأْسِهِ بِرِفْقٍ ما لم تقْلَع شَعْرًا.
الثَّالِثُ: تعمُّدُ ذَكَرٍ تغطيةَ الرَّأْسِ والأُذنَانِ منه، فمن غَطَّاه بِلاصِقٍ ولو بِقِرْطَاسٍ فيه دواءٌ، أو بطينٍ، أو نُوْرَةٍ، أو حِنَّاءٍ، أو عصبَهُ، ولو بِسَيْرٍ، أو عِصَابَةٍ لِصُدَاعٍ، أو استَظَلَّ بِمَحْمِلٍ ونحوه، أو بِثَوْبٍ ونحوِه رَاكِبًا أو لا، فَدَى مُطْلقًا، وحَرُمَ بِلا عُذْرٍ، لا إن حَمَلَ عليه شيئًا أو نَصَبَ حيالَهُ شيئًا أو استَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أو شَجَرَةٍ.
الرَّابِعُ: تعمدُ ذَكَرٍ لُبْسَ المخيطِ إلَّا أن لا يجدَ إزارًا فَلَهُ لُبْسُ سراويلَ أو نعلينِ فَلَهُ لُبْسُ خفينِ أو نحوهِما حَتَّى يَجِدَ إزارًا ونعلينِ ولا فديَةَ، ويَحْرُمُ قَطْعُ الخُفينِ.
ولا يَعْقِدُ عليه رِداءً ولا غيرَهُ إلَّا إزارًا ومِنْطَقَةً وهِمْيانًا فيهما نَفَقَةٌ لِحاجَةِ العَقْدِ، ويتقلَّدُ بِسيفٍ لحَاجَةٍ، ويحمِلُ جِرابَهُ وقِرْبَةً في عُنُقِهِ لا صدرِهِ، وله أن يَتَّزِرَ ويلتحِفَ بقميصٍ ويرتَدِيَ بِهِ وبرداءٍ موصَّل، وإن طَرَحَ على كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَدَى.
الخَامِسُ: الطِّيبُ، فمتى طيَّبَ مُحْرِمٌ ثَوْبَهُ أو بَدَنَهُ، أو استعمَلَهُ في أَكْلٍ أو شُرْبٍ، أو ادهانٍ أو اكتحالٍ، أو استعاطٍ، أو احتقانٍ، بحيثُ يَظْهَرُ طعمُهُ أو ريحُهُ، أو قَصَدَ شَمَّ دُهْنٍ مُطَيَّبٍ، أو مِسْكٍ أو كافُورٍ أو عَنْبَرٍ أو زَعْفَرانٍ أو وَرْس، أو ما يُنْبِتُهُ آدميٌّ لطيبٍ ويُتَّخَذُ
مِنْهُ كَوَرْدٍ وبنفْسَجٍ ومنثورٍ (1) ولَيْنوُفَرٍ (2) وياسمَيِنَ ونحوِه، وشَمُّه، أو مسُّ ما يعلقُ به كماءِ وَرْدٍ حَرُمَ وَفَدى، لا إن شَئَم بِلا قَصْدٍ، أَو مَسَّ ما يعلقُ، أو شَمَّ ولو قَصْدًا فواكهَ أو عودًا بلا حرْق، أو نباتَ صحراءَ ونحوَهُ، أو ما ينبتُهُ آدَمِيٌّ لا بِقَصْدِ طيب كحِنّاءٍ وعُصْفُرٍ وقَرَنْفُلٍ، أو لِقَصْدِهِ ولا يُتَّخَذُ منه كريحانٍ فارِسيٍّ وهو الحَبَقُ، وَنَمَّامٍ (3) وَبَرمٍ (4) - وهو ثَمَرُ العِضَاةِ (5) - كَأُمِّ غَيْلان ونحوِها، ونَرْجِسٍ وَمَرْزجُوشٍ (6) أو ادهن بغير مطيَّب.
(1) نبات له زهرٌ مختلِفٌ في بعضه أبيض وبعضه أصفر "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" لابن البيطار (1/ 358، 2/ 461).
(2)
اسم فارسيٌّ معناه النيلي الأجنحة أو النيلي الأرياش "الجامع" لابن البيطار (4/ 486).
(3)
النَّمَّام: سُمِّي بذلك لسطوع رائحته؛ فينم على حامله، وهو كالنعنع لكنه أشد بياضًا؛ وفيه وفي النَّرْجس يقول القائل:
أَقُولُ وطَرفُ النَّرْجس الغَضِّ شَاخِصٌ
…
إِليَّ وللنمَّامِ حَوْلي إِلمامُ
أيا ربِّ! حَتَّى في الحدَائِقِ أعيُنٌ
…
علينا وحَتَّى في الرياحينِ نَمَّامُ
"تذكرة داود الأنطاكي" ص 378 وما قيل فيه من شعر ذكره العلامة محمد سعيد القاسمي في "بدائع الغرف"(1/ 171)، وانظر:"حدائق النَّمام" للكوكباني ص 21.
(4)
هو اسمٌ لزهرِ نوعٍ من الشَّجَر السبط يكون ببغداد، طيب الرائحة في غايةٍ يُتخذ من بساتينهم "الجامع" لابن البيطار (1/ 123).
(5)
العضاه: اسم يقع على شجر من شجر الشوك له أسماء مختلفة يجمعها العضاه. "لسان العرب"(7/ 190 - عضض).
(6)
هو من الرياحين التي تزرع في البيوت، دقيقُ الوَرَقِ بزهرِ أبيضَ إلى الحُمْرَةِ. "تذكرة داود الأنطاكي" ص 334.
السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ البَرِّ واصطيادُهُ، وهو الوحشيُّ المأكولُ والمُتَولِّدُ منه ومن غيره، والاعتبار بأَصْلِهِ، فَحَمَامٌ وبَطٌّ وحشيٌّ، فمن أَتْلَفَ صَيْدًا أو بَعْضَهُ، أو تَلِفَ في يدِهِ بمُباشَرَةٍ أو سَبَبٍ أو إشارةٍ لمريدٍ صيدَهُ، أو أعانَهُ بمناولةِ آلةٍ، ويَحْرُمُ ذَلِك، لا دلالةٍ على طيِبٍ ولِبَاسٍ، فعليهِ الجزاءُ إلَّا أن تقْتُلَهُ مُحْرِمٌ فبينَهُمَا.
ولو دَلَّ حَلالٌ حَلالًا على صيد بالحَرَمِ فكما لو دَلَّ مُحْرِمٌ مُحْرِمًا، وَحَرُمَ أكلُهُ من ذَلِكَ كُلِّهِ، وكذا ما ذُبِحَ أو صيد لأَجله.
ويلْزَمُهُ بأكلِهِ الجزاءُ، وما حَرُمَ عليه لِدَلالَةٍ أو إعانةٍ أو لكونِهِ صِيدَ لَهُ لا يَحْرُمُ على محرمٍ غيرِهِ كحلال.
وإن نَقَلَ بيضَ صَيْدٍ فَفَسَدَ، أو حَلَبَ صَيْدًا ضَمِنَ ذَلِكَ بقيمَتِهِ مكانَهُ، لا إن أتلفَ بَيْضًا مَذِرًا أوفيه فَرْخٌ مَيِّتٌ، إلَّا بيضَ نَعَامٍ؛ لأَن لقشرِهِ قِيمَة.
ولا يملِكُ صَيْدًا ابتداءً بغير إرْثٍ، فلو قبضَهُ رَهْنًا أو هِبَةً أو بشراءٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ، وعليه إن تَلِفَ قبلَهُ الجزاءُ مع قيمته في هِبَةٍ وشراءٍ.
وإن أَمْسَكَهُ مُحْرِمٌ أو حَلالٌ بالحَرَم فَذَبَحَهُ ولو بعد حِلِّهِ أو إخراجِهِ من الحَرَمِ ضَمِنهُ وكان ميتةً في حَقِّهِ وحَقِّ غيره، وإن ذَبَح مُحِلٌّ صيدَ حَرَمٍ فكالمُحْرِم.
ومن قَتلَ صَيْدًا صَائِلًا دَفْعًا عن نفسِهِ أو بتخليصِهِ من سَبُعٍ أو شَبَكَةٍ ليطلِقَهُ، أو قَطَعَ مِنْهُ عُضوًا مُتآكِلًا لم يَحِلَّ ولم يَضمَنْهُ، ولا تأثيرَ لِحَرَمٍ ولا إحْرَامٍ في تحريم حَيوانٍ إنْسِيٍّ، ولا في مُحَرَّمِ الأَكْلِ إلَّا المُتَولِّدِ.
ويحرُمُ بإحرامٍ قتلُ قَمْلٍ وصِئْبَانِهِ لا براغيثَ ولو بِزِئْبَقٍ ونحوه، وكذا رَمْيُهُ، ولا جزاءَ فيه.
ولا يَحْرُمُ صَيْدُ البَحْرِ والأَنْهارِ والعيُونِ.
وَيُسَنُّ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ في الحِل والحَرَمِ غيرِ آدميٍّ كالفَوَاسِقِ، -وهي: الحِدَأَةُ، والغُرابُ الأَبْقَعُ، وغُرابُ البَيْنِ، والفَأْرَةُ، والحَيّةُ، والعَقْرَبُ، والكَلْبُ العَقُورُ-، والأَسَدِ، والنَّمِرِ، والذِّئْبِ، والفَهْدِ، والبَازِيِّ، والصَّقْرِ، والشَّاهِينِ، والعُقابِ، والحَشَراتِ المُؤْذِيَةِ، والزَّنْبُورِ، والبَقِّ، والبَراغِيثِ، والرَّخَمِ، والبُومِ، والدِّيدانِ، ولا جزاءَ في ذَلِكَ.
وإن احتاجَ إلى فِعْلِ مَحْظُورٍ فَلَهُ فِعْلُهُ وعليه الفِداءُ.
السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكاح، فلا يَتَزَوَّجُ ولا يُزَوِّجُ غَيْرَهُ بولايةٍ ولا وَكَالةٍ، ولا يَقْبَلُ له النِّكَاحَ وَكِيلُهُ الحَلالُ، ولا تُزَوَّجُ المُحْرِمَةُ، والنَّكَاحُ في ذَلِكَ كُلِّه بَاطِل مطلقًا ولا فِدْيَةَ، ويَصِحُّ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
والاعْتِبارُ بحالَةِ العَقْدِ. وتُكْرَهُ خِطْبَتُهُ، وخِطْبَةُ مُحِلٍّ مُحْرِمَةً كخِطبة عَقْدِهِ وحضورِهِ وشهادةٍ فيه، ويُبَاحُ الرَّجْعَةُ.
الثَّامِنُ: الجِمَاعُ في فَرْجٍ أَصْلِيٍّ من آدَمِي أو غَيْرِهِ، فمن فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ ولو بَعْدَ الوُقُوفِ، فَسَدَ نُسُكُهُما، ولو سَاهيًا وجَاهِلًا أو مُكْرَهًا، أو نائِمَةً، ويَجِبُ بِهِ بَدَنَةٌ، وعليهما المُضِيُّ في فاسده.
وحُكْمُهُ حُكْمُ الإحرامِ الصَّحِيحِ، فَيَفْعَلُ بَعْدَ الإفْسَادِ كما كان يَفْعَلُ قَبْلَهُ، مِنَ الوُقُوفِ وغيره، ويَجْتَنِبُ ما يَجْتَنِبُهُ قَبْلَهُ من الوَطْءِ وغيرِهِ، وعليه الفِدْيةُ إذا فَعَلَ محظورًا، والقَضَاءُ على الفَوْرِ، ولو نَفْلًا إن كانا مُكَلَّفَيْنِ، وإلَّا بعدَهُ بَعْدَ حَجَّةِ الإسلامِ على الفَوْرِ.
وَيَصِحُّ قَضاءُ عَبْدٍ مُكَلَّفٍ في رِقِّه من حَيْثُ أَحْرَما أَوَّلًا من الميقاتِ أو قبله، فإن أَفْسَدَ القضاءَ، قَضَى الواجِبَ.
وَنَفَقَةُ المرْأةِ في القضاءِ عليها إن طاوَعت، وإن أُكْرِهَتْ فعلى مُكْرِهِهَا.
وَيُسَنُّ تفرقُهُما في القَضاءِ من المَوْضِعِ الذي أصابَها فيه إلى أن يُحِلَّا، بأن لايَرْكَبَ مَعَها على بَعِيرٍ، ولا يَجْلِسَ معها في خِباءٍ وما أَشْبَه ذَلِك، بل يكونُ قريبًا منها يُراعي أَحْوالَها.
والعُمْرَةُ في ذَلِكَ كالحَجِّ، يُفْسِدُها الوُطْءُ قبلَ الفَرَاغ من السَّعْي لا بعدَه، وَيجِبُ المُضِيُّ في فاسِدِها، والقضاءُ والدَّمُ، وهو شَاةٌ. لكن
إن كانَ مَكِّيًّا أو مُجاورًا بها، أَحْرَمَ للقَضَاءِ من الحِلِّ سواءٌ كانَ قد أَحْرَمَ بها منه، أو لا.
وإن أَفْسَدَ المُتَمَتِّعُ عُمْرَتهُ وَمَضَى في فاسِدها وَأَتَمَّها، خَرَجَ إلى الميقاتِ فَأَحْرَمَ منه بِعُمْرَةٍ، فإن خَافَ فَوْتَ الحَجِّ أَحْرَمَ به من مَكَّة، وعليه دَمٌ. فإذا فَرَغَ من حَجِّهِ خَرَجَ فَأَحْرَمَ من الميقاتِ بعُمْرةٍ مكان التي أَفْسَدَها، وعليه هَدْيٌ يَذْبَحُهُ إذا قَدِمَ مَكةَ لِمَا أَفْسَدَ من عُمْرَتِهِ.
وإن أَفْسَدَ المُفْرِدُ حَجَّتَهُ وأَتَمَّهَا، فَلَهُ الإحرامُ بالعُمْرَةِ مِن أَدْنَى الحِلِّ، وإن أَفْسَدَ القَارِنُ نُسُكَه، فعليه فِداءٌ واحِدٌ.
وَمَنْ جَامَعَ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ وقبلَ الثَّانِي لم يَفْسُدْ حَجُّهُ، قارنًا كان أو مُفْرِدًا، لكنْ فَسَدَ إحْرامُه. فَيُحْرِمُ من الحِل ليَطُوفَ للزِّيَارَةِ في إحرامٍ صَحيح، وَيَسْعَى إن لم يَكُنْ سَعَى وَتَحَلَّلَ؛ لأَنَّ عليه بَقِيَّةَ أفعال الحَجِّ، وَيَلْزَمُهُ شَاةٌ.
والقَارِنُ كالمُفْرِدِ، ولا فِدْيَةَ على مُكْرَهَةٍ، ولا يَلْزَمُ الواطئُ الفِدْيَة عنها.
التَّاسِعُ: المُبَاشَرَةُ فيما دُونَ الفَرْجِ لِشَهْوَةٍ بِوَطْءٍ أو قُبْلَةٍ أو لَمْسٍ، وكذا نَظَرٌ لِشَهْوَةٍ، فإن فَعَلَ فَأَنْزَلَ أو لا فعليهِ بَدَنَةٌ ولم يَفْسُدْ نُسُكُه؛ لأَنه لا يفسُدُ إلَّا بالوطءِ في الفَرْجِ.