الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوفقني لِذَلِكَ وإيَّاكَ (1).
فَصْلٌ في الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} [الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بِهَا عَشْرًا"(2). وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يُصلِّي عَلَيَّ إلَّا صَلَّتْ عليهِ المَلائِكَةُ ما دامَ يُصَلِّي عَليَّ، فَلْيُقِلَّ العَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ واحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَواتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عشرَ خَطِيئاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ
(1) في هامش نسخة (أ): "بَلَغَ مُقَابَلَةً على نُسْخَةِ المُؤَلِفِ".
(2)
أخرجه مسلم (1/ 288)، من حديث عبد بن عمرو رضي الله عنهما.
(3)
أخرجه أحمد (3/ 445)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(2/ 516)، وابن ماجه (907)، من حديث عامر بن ربيعة، وإسناده ضعيف، لكن قال المنذري في "الترغيب" (2/ 498):"هذا الحديث حسن في المتابعات"، وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص 169) -بعد نقل تحسين المنذري له-:"وكذا حَسَّنَ شيخُنا -يعني ابن حجر- هذا الحديث، على أنه قد اختلف على عاصم فيه؛ لكن قد رواه الطبراني من غير طريقه بسند لين" وعليه فالحديث حسن لغيره.
دَرَجاتٍ" (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عليَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا، وحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى عَليَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ، وَمَنْ صَلَّى عَليَّ نائيًا أُبْلِغْتُهُ"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى عليَّ صَلاةً كَتَبَ الله له قِيراطًا؛ والقيراطُ مِثْلُ أُحُدٍ"(4)، وقال صلى الله عليه وسلم:
(1) أخرجه أحمد (3/ 102، 261)، والبخاري في "الأدب المفرد"(643)، والنسائي (3/ 50)، من حديث أنس، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"(61)، والطبراني في "الكبير" كما في "جلاء الأفهام" لابن القيم (ص 127)، من حديث أبي الدرداء وقال الحافظ السخاوي في "القول البديع" (ص 179):"فيه انقطاع، لان خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء"، كما أن في السند بقية بن الوليد، مشهور بالتدليس ولم يصرح بالتحديث.
(3)
أخرجه العقيلي في "الضعفاء"(4/ 136، 137)، والبيهقي في "الشعب"(1583)، من حديث أبي هريرة، وهو موضوع، وقال العقيلي بعده:"ولا أصل له من حديث الأعمش، وليس بمحفوظ"، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 303)، وقال:"لا يصح، محمد بن مروان هو السدي الصغير، كذاب".
(4)
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف"(1/ 51)، من حديث علي بن أبي طالب، وإسناده ضعيف؛ فيه أشعث بن سوار، ضعيف كما في "التقريب"، وضعفه السخاوي في "القول البديع"(ص 174).
"أَوْلَى النَّاسِ بي يَوْمَ القِيامَةِ أَكْثَرُهُمْ عليَّ صَلاةً"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فيه خُلِقَ آدَمُ، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفْخَةُ، وفيه الصَّعْقَةُ، فأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فيه، فإنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ"، فقالوا: يا رسولَ الله وكيف تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وقد أَرَمْتَ أي بَليتَ؟ قال: "إنَّ الله حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أن تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاء"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عليَّ"(3)، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا تَجْعَلوا قَبْرِي عيدًا، وَصَلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتَكُمْ تَبْلُغني حيثُ كُنْتُم"(4).
(1) أخرجه الترمذي (484)، وابن أبي عاصم في "فضل الصلاة"(24، 25)، وأبو يعلى في "مسنده"(5011)، وغيرهم من حديث أبي مسعود، وإسناده ضعيف؛ فيه موسى بن عقبة الزمعي سيء الحفظ، وعبد الله بن كيسان لم يوثقه غير ابن حبان، وبالعلة الأولى أعله السخاوي في "القول البديع"(ص 191).
(2)
أخرجه أحمد (4/ 8)، وأبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91، 92)، وابن ماجه (1636)، من حديث أوس بن أوس، وصححه النووي في "الأذكار"(ص 206)، وابن القيم في "جلاء الأفهام"(ص 80 - 85)، ومن قبله الحافظ عبد الغني المقدسي، وابن دحية الكلبي كما في "القول البديع"(ص 232).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 254)، والترمذي (3545)، وابن أبي عاصم (65، 66) وإسناده حسن.
(4)
أخرجه أحمد (2/ 367)، وأبو داود (2042)، من حديث أبي هريرة بإسناد حسن.
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عليَّ إِلَّا رَدَّ الله عليَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصلِّ عليَّ"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ"(3).
وعن فَضالَةَ بنِ عبيدٍ رضي الله عنه قال: سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو في صَلاتِهِ لَمْ يَحْمَدِ الله تعالى،
(1) أخرجه أحمد (2/ 527)، وأبو داود (2041)، والبيهقي في "السنن"(5/ 245)، من حديث أبي هريرة، وإسناده جيد، وصححه النووي في "الأذكار"(ص 206).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 201)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(55)، والترمذي (3546)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"(32)، وابن حبان (909)، من طرق من حديث الحسين بن علي، وقد اختلف في إسناده، وأطنب في الكلام عليه السخاوي في "القول البديع"(ص 216، 217)، وقال في آخره:"وفي الجملة فلا يَقْصُرُ هذا الحديث عن درجة الحسن". وقال شيخه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(11/ 168): "ولا يقصر عن درجة الحسن
…
".
(3)
أخرجه الحارث بن أسامة في "مسنده" كما في "بقية الباحث في زوائد الحارث" للهيثمي (1064)، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة"(33)، من حديث أبي ذر، ورجاله ثقات إلَّا أن فيه راويًا لم يُسَمَّ، وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه ابن أبي عاصم في "فضل الصلاة"(29)، وإسناده ضعيف؛ فيكون الحديث به حسنًا.
وَلَمْ يُصَلِّ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجِلَ هذا"، ثُمَّ دعاهُ فقال لَهُ أو لغيرِهِ:"إذا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سبحانه وتعالى والثَّنَاءِ عليهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدعو بعدُ بِما شَاءَ"(1).
والحَاصِلُ أَن الأَحاديثَ الدَّالَّةَ على فرضيَّة الصَّلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ، والآثارُ في ذلك شهيرةٌ، ولا يليقُ استقصاءُ ذَلِكَ في هذا المُخْتَصَرِ بل ذلك مِمَّا لا يُمْكِنُ عِنْدَ أهلِ الأَثَرِ، إذْ فوق كُلِّ ذي عِلْمٍ عليمٌ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ العَليِّ العَظِيم.
ثُمَّ اعلم أنَّ الصَّلاةَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ بالإجماعِ إلَّا أن العلماءَ اختلَفوا في وقتِ وجُوبِها على أقوالٍ، أَصَحُّها: أنَّها فَرْضٌ في كُلِّ صلاةٍ، وفي كُلِّ خُطْبَةٍ سواءٌ كانت فرضًا أو نفلًا، وقيل: في العُمْرِ مَرَّةً، وقيل: في كُلِّ مَجْلِسٍ، وقيل: في أولِ كُلِّ دُعَاءٍ وآخره وقيل: كلما ذُكِرَ وهو ظاهِرُ الأَدلَةِ.
وقد ذَهَبَ إِلى ذلك جماعةٌ مُحَقِّقُونَ، وأَئِمَّةٌ مُدقِّقُونَ منهم: الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحاوي من الحنفية، والإمام أبو الحسين اللَّخمِيُّ من المالِكيةِ، والإمامُ أبو عبد الله الحليميُّ من الشَّافعيةِ، والإمام
(1) أخرجه أحمد (6/ 18)، وأبو داود (1481)، والترمذي (3477)، والنسائي (3/ 44)، من طرق من حديث فضالة بن عبيد، وإسناده صحيح.
أبو عبد الله بن بَطَّةَ من الحنابلة، والفقيرُ عفا الله عنه وهداهُ إلى سواءِ السَّبيلِ يميلُ إلى ذَلِكَ تَمسُّكًا بِما لَهُ من قاطع الدَّليلِ، واقتداءً بهؤلاءِ الأَئمة الأَعلامِ، ومن وافقَهُمْ من العلماءِ العِظَامِ، ورغبةً في وافِر الأَجْرِ مِنَ المَلِكِ العَلَّامِ، واسْتِئْناسًا بإفتاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لي بِلُزومها في المنام؛ وذلك أنِّي رأيتُ ليلةَ الجُمُعَةِ خِتَامَ شعبان سنة سَبْعٍ وأربعينَ وَألفٍ في المنامِ كَأنِّي في الجامعِ الأَموي مُسْنِدًا ظَهْرِي إِلَى المقصورةِ مِنَ الجانِبِ الغَرْبِي القريبِ من تحت القُبَّةِ وأنا واقفٌ، فبينما أنا كذلك إذْ حَضْرةُ جنابِ النَّبِيِّ المُكَرَّمِ، والرَّسولِ المُفَخَّمِ، والخليل المُعَظَّمِ سَيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مارٌّ عليَّ من جهةِ بيتِ الخِطَابَةِ غَيْرَ أَنِّي لم أعلم هل هو آتٍ منه أو من غيره، فأخذتُ أَنْظُرُ إلى ذاته الشَّرِيفَةِ المُعَظَّمَةِ المُنيفَةِ زادها الله لديهِ عُلُوًّا واحترامًا وَقُرْبًا وإجْلالًا وإعْظامًا.
وبينما أَنا كَذَلِكَ إذْ رجلٌ من إِخواني وَأَحِبَّائي بل من خيارهم يُناديني لِأَذْهَبَ معه، فَقَلْتُ له: اصْبِرْ حَتَّى أَسْتَفْتِيَ حَضْرَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عن هذه المسأَلةِ، فَلَمَّا صار صلى الله عليه وسلم تُجاهي وأنا واقف بين يديه قريبًا منه جدًّا، أَخَذْتُ أستفتيهِ، فقلت له صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إذا سَمعَ الإنسانُ ذِكْرَكَ هل يلزمُهُ أن يُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَمِعْتُ هذا الجواب الصَّرِيح بهذا اللَّفْظِ المُهَذَّبِ المُحَرَّرِ الصَّحيحِ من لِسانِهِ الصَّادِقِ الفَصيحِ، مشافِهًا لي بذلك مِنْ غَيْرِ شَكٍّ