الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء، ولا يشبهُ شيئًا ولا يشبهه شيء، فمن شبَّههُ بشيء من خلقه فقد كفر (كمن اعتقده جسمًا أو قال إنه جسم لا كالأَجسام)(1)، فلا تبلغه سبحانه الأَوهام، ولا تدركهُ الأَفهام، ولا تضرب له الأَمثال، (ولا يعرف بالقيل والقال)(2)، وبكُلِّ حال مهما خطر بالبال وتوهمه الخيال فهو بخلاف ذي الإكرام والجلال (3).
فَصْلٌ في أسماءِ الله تعالى وصفاته
وهي قديمة توقيفيةٌ، فلا يجوز أن نسميَه ولا نصفَه إلَّا بما ورد في الكتاب والسنة أو عن جميع علماء الأُمة، فَنكُفُّ عما كَفُّوا عنه ونَقِفُ حيث وقفوا، ولا نتعدى الكتاب والسُّنة وإجماع سلف الأُمة في ذلك.
فَكُلُّ ما صح نقله عن الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو جميع أمته في أسماء الله وصفاته يجب قبوله والأَخذ به وإمراره كما
(1) انظر تعليق (1 و 2) ص 488.
(2)
انظر تعليق (1 و 2) ص 488.
(3)
قال شيخنا محمد الأشقر: لم يتعرض المصنف لتوحيد الأُلوهية وهو أصل الدِّين ولكن أتى بهذه العبارات المحدثة التي لم تُعرف في كتاب الله عز وجل ولا سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف المرضيين، وأعرض عن الهدف الأصلي للرسالة المحمدية وسائر الرسالات السماوية وهي إفراد الله تعالى بالعبادة بجميع صورها. اهـ.
جاء وإن لم يعقل معناه (1)، فيحرم تأويل ما يتعلق به تعالى وتفسيره (2) كآية الاستواء وحديث النزول وغير ذلك إلَّا بصادر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض الصحابة، وهذا مَذْهَبُ السَّلَفِ قاطبةً وهو أسلم المذهبين وأولاهما.
وأقول وبالله التوفيق وعليه التُّكلان: هذا اعتقادي في السِّرِّ والإعلان، ولا يسعني خِلَافُهُ إلى أن ألقى الملك الديان، المنزه عن مشابهة شيء من الأَكوان، فالذي أدين الله به وأرجو أن ألقاه عليه الوقوف عن تأويل آيات الصِّفات وأحاديثها وما شابَهَهَا إلَّا أن يكون واردًا في الكتاب أو السنة أو تجتمع عليه علماء الأمة اتباعًا لإجماع السَّلفِ الصالح، واقتداءً بهم.
(1) قال شيخنا الأشقر -حفظه الله-: بل معناه معلوم ونثبت أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق بالله سبحانه وتعالى. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلام له: "وكذلك الأئمة كانوا إذ سئلوا عن شيء من ذلك لم ينفوا معناه بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية كقول مالك بن أنس لما سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)} كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وكذلك ربيعة قبله. وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول فليس في أهل السنَّة من ينكره". "مجموع الفتاوى" له (13/ 308، 309).
(2)
قال شيخنا الأشقر -حفظه الله تعالى-: التأويل بمعنى حمل اللفظ على خلاف ظاهره ممنوع في آيات الصفات كما ذكره المصنف، أما التفسير بمعنى بيان المعنى حسب كلام العرب، وما ذُكِرَ في القرآن في مواضعَ أُخرى أو في السنَّة النبوية غير محرم، بل هو من العلم بصفات الله تعالى وهو أعلى أنواع العلم.
وإني ولله الحمد من حين نَشَأْتُ على هذا الاعتقاد وقد زادني محبة وتمسكًا به وأكدَهُ عندي أني رأيت في المنام إِمامنا الإمام أحمد رضي الله عنه فأخبرتُهُ باعتقادي فأقرني عليه وشافهني بأن التأويل بغير ورود أو إجماع غير جائز، بل أفهمني أن ما نقله عنه أصحابه من امتناع التأويل هو مذهبه لا غيره، حَتَّى إِني سألته عن الاستدلال بكلام الأَخطل وغيره مما استدل به أهل التأويل فغضب من ذلك غضبًا بليغًا وأَعْرَضَ عني وتغير لونه ثُمَّ قَال: لا يجوز ذلك ولا يصح، وأشار إليَّ بالإعراض عن جميع ذلك، وأفهمني أنَّه لا يجوز قياس كلام الله تعالى وصفاته ولا تخريجها على شيء من ذلك أصلًا مع أني كَرَّرْتُ عليه ذلك مرارًا وهو لا يجاوبني إلَّا بمثل ذلك (1)، وهذا وشبهه هو الذي كان عليه في حياته كما نقله عنه أصحابه وغيرهم.
وكانت هذه الرؤيا في أواخر ذي القعدة سنة تسع وأربعين وألف وهي رؤيا حق إن شاء الله تعالى؛ لأَني كنت في مَرَضٍ شديدٍ مؤلم جدًّا وهو ريح مع بلغم بكتفي الأَيسر قد منعني النَّوم والأَكل والشُّرْبَ والمطالعَةَ والكتابةَ وغيرهُنَّ مُدَّةً، حَتى كدت أيأس من زواله، لأَني بالغت في التَّداوي له مبالغة زائِدَةً على العادة بحيث إني ما تركت دواءً وصفه لي مسلم أو ذميٌّ لشدةِ الوجع وفراغ الصبر، ولم يحصل
(1) هذه الرؤيا إذا كان ما فيها موافقًا للحق والصواب فإنه يستأنس بها ولا يبنى عليها حكم وقد سبق من المصنف أن أشار إلى ذلك وأنه لا يعتمد على الرؤى المنامية وإنما العمدة على الأدلة الشرعية، انظر ما سبق ص 434.
شيء من ذلك إلَّا زيادة في الألم، فزال ببركة رؤياه (1) رضي الله عنه وأرضاه، وشكر له ثباته وصبره على السُّنَّةِ ومسعاه، وأعاد علينا وعلى المسلمين من بركاته وبركة ما أنعم به عليه ومنحه وأعطاه، حَتَّى نلقاه على خير طويَّةِ وأحسن نية، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا على العقيدة السنية ببركة نبينا سيد البرية (2).
والحاصِلُ أن الصَّحابة والتابعين وتابعيهم اكتفَوْا بالإيمان بجميع ما ورد في الكتاب والسُّنَّةِ من أسماء الله سبحانه وصفاته مع إمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تعرُّضٍ لتفسيره أو تأويله (3) بلا ورودٍ، ولو كان تفسيره ذلك أو تأويله واجبًا لبينه صلى الله عليه وسلم ولما تركه الصحابة؛ إذ لم ينقل عنهم ما يدل على ذلك مع أنهم أعلم الأمة وأعرفُها بذلك وغيره بالإجماع، وسكتوا عنه مع أنهم هداةُ الدِّين والأُمة وأئمتهما، فلو كان تمام إيمانها وإرشادها موقوفًا على شيء من ذلك لبيّنوهُ ولم يسعْهم كتمُهُ، وإذا كان كذلك فليَسَعْنا ما وسِعَهُم، ولنسكت عما سكتوا، ولنكفَّ عما كفوا عنه؛ لأَنه أهون وأسلم وأصون وألزم، والله أدرى وأعلم وأعز وأكرم.
(1) إنما زال بقضاء الله تعالى وقدره.
(2)
هذا من التوسل الممنوع وغير المشروع كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في "قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة".
(3)
قال شيخنا الأشقر -حفظه الله تعالى-: تقدم التنبيه على ما في هذا الكلام. اهـ.