الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي الأَمْرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عَنِ المُنْكرِ
قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110].
وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].
وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)} [النساء: 63].
وقال تعالى حكايةً عن سيدنا لقمان: {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)} [لقمان: 17].
وقال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
والآيات في الباب كثيرة، وكذلك الأَحاديث، منها قوله عليه السلام:"لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْروفِ وَلتنْهَوُنَّ عن المُنكرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللهُ عليكُم شِرارَكُم؛ فَيَدعوا خِيارُكُم فلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ"، رواه البزار والطبراني (1).
(1) أخرجه البزار (4/ 106 - كشف)، والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع =
وقال عليه السلام: "مَنْ رَأَى مِنكم مُنكَرًا فَليُغَيِّرْهُ بيدِهِ، فإن لَمْ يَسْتَطعْ فَبِلِسانِهِ، فإن لم يَسْتَطعْ فَبِقَلْبِهِ، وذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ"، رواه أحمدُ ومسلمٌ وغيرهما (1).
وقال عليه السلام: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنا ويُوقِّرْ كبيرَنا، وَيَأْمُرْ بالمعروفِ وَينْهى عن المُنكرِ"، رواه أحمد، والترمذي (2)، والأَحاديثُ في الباب كثيرةٌ شهيرةٌ.
إذا عَلِمتَ ذلك فالأَمر بالمعروف والنَّهيُ عن المُنكرِ فَرْضُ كفايةٍ على الجماعة، وَفَرضُ عَيْنٍ على الواحد، فإذا تركه الجماعة أثِمُوا كُلُّهُم، وإن تَرَكَهُ المتعينُ عليه أَثِمَ وحدَهُ، فيجب على من عَلِمَهُ وتحقَّقَهُ وشاهَدهُ، وهو عارِفٌ بما يُنْكِرُهُ، ولم يَخَفْ سَوْطًا ولا عَصًا، ولا أَذىً في نفسِهِ أو مالِهِ أو أهلِهِ؛ ولا فتنةَ تزيدُ على المنكَرِ إذا علم حصولَ المقصودِ به، ولم يقم به غيرهُ، وسواء في ذَلِكَ الإِمام والحاكم والعالِمُ والجاهِلُ، والعدلُ، والفاسِقُ وأعلاهُ باليدِ ثُمَّ باللِّسانِ وأضعفَهُ بالقَلْبِ.
= البحرين" (7/ 246)، من حديث أبي هريرة وإسناده ضعيف فيه حبان بن علي ضعيف.
(1)
أخرجه أحمد (3/ 10، 20)، ومسلم (1/ 69)، من حديث أبي سعيد الخدري.
(2)
أخرجه أحمد (1/ 257)، والترمذي (1921)، من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف فيه ليث بن أبي سليم ضعيف، والفقرة الأولى من الحديث صحيحة قد وردت عن جماعة من الصحابة تنظر في "الترغيب"(1/ 149، 150).
وعلى النَّاسِ إِعانَةُ المُنْكِرِ وَنَصْرُهُ مع القُدرةِ، ولا ينكِرُ بسيفٍ أَو عصًا إلَّا مع سلطانٍ، ومن التزم مَذْهبًا أنكر عليه مخالفَته بلا دليلٍ صالحٍ أو تقليدٍ سائغٍ أو عذر ظاهرٍ.
واعلم أن الأَمرَ بالمعروف والنَّهي عن المُنْكَرِ أعظمُ أصول الدِّينِ، لأَن حصوله موقوفٌ عليهما عن يقين، فَهُمَا أجَلُّ ما يعتني به أهلُ الجِدِّ والتمكين؛ فلولاهما لدامَ الفسادُ، ولتَمَادَى أَهْلُ الضَّلالِ والعِنَادِ، ولم يكن هدىً ولا رشاد، ولتمكنَتْ أهلُ الغِوايَةِ وظهرت، وقَويت على أهل الصَّلاح والهدايَةِ، ولتعطلت الأَحكامُ، وخفيت الشَّريعة على جميع الأَنامِ، فلا يسقطانِ بحالِ مع الإِمكانِ؛ بل يَجِبُ القيام بهما كُلَّ وقتٍ على مدى الأَزمان، فيتعينُ الاعتناء بِهِمَا حَتَّى تقوم السَّاعة باتفاق العلماءِ وأهلِ العرفان، وبالله سبحانه وتعالى المستعان.
ثُمَّ المعروف: كُلُّ فِعْلٍ وقَوْلٍ وَقَصْدٍ حَسُنَ شرعًا، والمنكرُ: كُلُّ قَوْلٍ وفِعْلٍ وَقَصْدٍ قَبُحَ شرعًا، والإِنكار في تركِ الواجبِ وفِعْلِ الحرامِ فَرْضٌ، وفي تركِ المندوبِ، وعَدَمِ تَعَلُّمِهِ وتعليمه، وفي فعل المكروهِ، وتَعَلُّمِهِ وتعليمه، سُنَّةٌ.
فَائِدَةٌ: وكُلُّ ما يُؤْمَرُ فيه ويُنْهى فحقُّ الله تعالى أو حَقُّ الآدَميِّ أو حقُّهما، فَأَمَّا حَقُّ اللَّهِ فكصلاةٍ وصوْمٍ، وكالحثِّ على فِعْلِ الطَّاعَةِ وتركِ المعصية، وأمَّا حَقُّ الآدميّ فكالمطلِ بالمالِ والحَيْفِ والظُّلْمِ
ونحو ذلك، وأما حَقُّهما فكزكاةٍ وحَجٍّ، وكفارَةٍ وَحَدِّ قَذْفٍ ونحو ذلك، والأَبُ وغيره في الإِنكارِ عليه سواء.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغِي أن يَكونَ الآمِرُ بالمعروفِ، والنَّاهي عن المُنكَرِ؛ مُتواضِعًا، رقيقًا فيما يدعو إِليه، شَفيقًا رحيمًا غَيْرَ فظٍّ، ولا غليظِ القَلْبِ ولا مُتَعَنِّتٍ، حُرًّا، عَدْلًا، فقيهًا عالمًا بالمأْموراتِ والمنَّهياتِ شرعًا، دِيِّنًا نَزِهًا، عفيفًا ذا رَأْي ومُراقَبةٍ وشِدَّة في الدَّينِ، قاصدًا بِذَلِكَ وَجْهَ الله تعالى، وإقامَةَ دينِهِ، ونُصْرَةَ شرعِهِ، وامتثالَ أمرِهِ، وإحياءِ سُنَّةِ نَبيِّهِ بلا رياءٍ ولا مُنافَقَةٍ، ولا مُداهَنَةٍ، غير مُنافِسٍ ولا مُفاخِرٍ، ولا مِمَّنْ يُخالِفُ قَوْلُهُ فِعْلُهُ؛ لكن يَجِبُ عليه الإِنكار وإن كان شريكًا في المعصيَةِ، لئلا يجمع بين معصيتَينِ فِعْلُهُ للمعصية، وتَرْكُهُ للإِنْكارِ على فاعلها، فَمَا ذُكِرَ للأَكْمَلِ.
ويُسَنُّ العَمَلُ بالنَّوافِلِ، والرِّفْق، وطلاقَة الوجْهِ، وحُسْن الخُلُقِ عِنْدَ إنكارِهِ، والتَّثَبُّت والمُسامَحَة بالهفْوَةِ مَرَّةً ومرتينِ، وَيَبْدَأُ في إنكارِهِ بالأَسْهلِ فالأَسهل؛ فإن زال وإلَّا زادَ، فإن لم يَزِلْ رَفَعَهُ إِلى سلطانٍ عادِلٍ لا يأْخُذ مالًا ولا يفعَلُ غير ما يَجِبُ.
ويُنْكِرُ على السُّلْطانِ بالوعْظِ والتَّخويفِ.
فَائِدَةٌ: وَيُسَنُّ هُجْرانُ العُصَاةِ المُتَجاهِرينَ بالمَعْصيةِ، ويَجِبُ الإِغضاءُ عن المُتَستِّرِينَ الكاتمينَ لها، لكن يَنْبَغي نُصْحُهُمْ سِرًّا مع علمِهَا.