المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر - مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات

[ابن بلبان الحنبلي]

فهرس الكتاب

- ‌كلمة ذكرى ووفاء

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌مولده ومشايخه:

- ‌ثناء العلماء عليه والآخذون عنه:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌بَابُ المِيَاهِ

- ‌فَصْلٌ في الآنِيَةِ

- ‌بَابُ الاسْتِنْجَاءِ

- ‌بَابُ السِّوَاكِ وَغَيْرِهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ مَسْحِ الخُفَّيْنِ

- ‌بَابُ نَواقِصِ الوُضُوءِ

- ‌بَابُ الغُسْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الحَيْضِ

- ‌كتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الأَذانِ والإِقامَةِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌باب آداب المشي إلى الصلاة

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ سُجُودِ السَّهُوِ

- ‌فَصْلُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صَلاةِ التَّطَوُّعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابٌ جَامِعٌ في النَّفْلِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صَلاةِ الجَمَاعَةِ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صَلاةِ أَهْلِ الأَعْذَارِ

- ‌بَابُ القَصْرِ

- ‌بَابُ الجَمْعِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صَلاةِ الجُمُعَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صَلاةِ العِيدَيْنِ

- ‌بَابُ صَلاةِ الكُسُوفِ

- ‌بَابُ صَلاةِ الاسْتِسْقَاءِ

- ‌كَتَابُ الجَنَائِزِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الكَفَنِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّلاةِ عَلَيْهِ

- ‌فَصْلٌ في حَمْلِهِ ودَفْنِهِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ زَكاةِ السَّائِمَةِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الخَارِجِ مِنَ الأَرْضِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الأَثْمَانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ زَكَاةِ العُرُوضِ

- ‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

- ‌بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ

- ‌بَابُ أَهْلِ الزَّكاةِ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصِّيَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في المُفَطِّراتِ

- ‌فَصْلٌ فيما يُكْرَهُ فيه وحُكْمُ قَضَائِهِ

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌بَابُ الاعْتِكَافِ

- ‌فَصْلٌ في حُكْمِ المَسْجِدِ

- ‌كِتَابُ الحَجِّ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ المَواقِيتِ

- ‌بَابُ الإحْرَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ مَحْظُورَاتِ الإحْرَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الفِدْيةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ جَزَاءِ الصَّيْدِ

- ‌بَابُ صَيْدِ الحَرَمَيْنِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ صِفَةِ الحَجِّ والعُمْرَةِ

- ‌فَصْلٌ في زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّريفِ عليه السلام وَقَبْرِ صاحبيهِ، رضي الله عنهما

- ‌فَصْلٌ في صِفَةِ العُمْرَةِ

- ‌فَصْلٌ في أَرْكَانِ الحَجِّ والعُمْرَةِ وَوَاجِبَاتِهِمَا

- ‌بَابُ الفَواتِ والإحْصَارِ

- ‌بَابُ الهَدْي والأَضَاحِي

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كتابُ الجهاد

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ البَيْعِ

- ‌فَصْل

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْل

- ‌فَصْل

- ‌‌‌فَصْل

- ‌فَصْل

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الآدَابِ

- ‌فَصْلٌ فِيمَا جَاءَ في فَضْلِ الاشْتِغَالِ تَعَلُّمًا وَتَعْلِيمًا

- ‌فَصْلٌ في ذِكْرِ شَيءٍ مِن آدابِ طَالِبِ العِلْمِ

- ‌بَابُ حُكْمِ السَّلامِ والمُصَافَحَةِ والتَّثاؤبِ والعُطَاسِ والاسْتِئْذانِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْل

- ‌فَصْلٌ فيما يُسْتَحب فِعْلُهُ بيمينِهِ وما يُستحب فِعْلُهُ بشمالِهِ

- ‌بَابُ آدَابِ الأَكْلِ والشُّرْبِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ الوَليمَةِ

- ‌فَصْلٌ في الكَسْبِ

- ‌بَابُ آدابِ النِّكَاحِ

- ‌فَصْل

- ‌فَصْلٌ

- ‌آدابُ الجِمَاعُ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ نَظَرِ الرِّجَالِ إِلى النِّساءِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ آدابِ النَّوْمِ والاستيقاظِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

- ‌بابٌ في اللَّعِبِ المُبَاحِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في حُكْمِ الكَلْبِ

- ‌فَصْلٌ فِي حُكْمِ الحَيوانِ

- ‌فَصْلٌ في بِرِّ الوَالدينِ وصِلَة الرَّحِمِ

- ‌فَصْلٌ في الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ فِي ذِكْرِ بَعْضِ الآثَارِ في فَضْلِ الصَّلاة عليه صلى الله عليه وسلم

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الذِّكْر

- ‌فَصْلٌ في فَضْلِ حِلَقِ الذِّكْرِ والنَّدْبِ إِلى مُلازَمَتِها والنَّهيِ عن مُفارَقَتِها لِغَيْرِ عُذْرٍ

- ‌فَصْلٌ فِي الأَمْرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عَنِ المُنْكرِ

- ‌فَصْلٌ في الإِخلاص

- ‌خَاتِمَةٌ: في مَعْرِفَة الله تعالى وما يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِينَ مِنَ الاعْتِقادِ

- ‌البَابُ الأَوّل: في مَعْرِفَةِ اللهِ تعالى

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في أسماءِ الله تعالى وصفاته

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في الرؤية

- ‌الباب الثاني: في الأَفعال

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌البَابُ الثَّالِثُ: في الأَحكام

- ‌فَصْلٌ في الإسلامِ والإيمانِ

- ‌‌‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌البَابُ الرَّابعِ: في بَقِيَّةِ السَّمْعياتِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌البَابُ الخَامِسُ: في النُّبُوّةِ والإمَامَةِ

- ‌فَصْلٌ في النُّبُوّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌‌‌فَصْلٌفي الإِمَامِةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ في المُرْتَدِ

- ‌وصيَّة نافعة إن شاء الله تعالى

الفصل: ‌فصل في فضل حلق الذكر والندب إلى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر

واعلم أَنَّ الأَحاديث في هذا المَعنَى كثيراتٌ، والآثارَ كثيراتٌ، ولو قُصِدَ اسْتِقْصاءُ ذَلِكَ لَبَلَغَتْ عِدَّةَ مُجلدات؛ ولكن في هذا القَدْرِ كِفَايَة لأَهْلِ العنايات، وأصحابِ الجَدِّ والسَّعاداتِ، واللهُ المسؤول أن يُبَلِّغَنَا بفضلِهِ أسنى الدَّرجاتِ، وَيَحْشُرَنَا في زُمْرَةِ الذاكرين الله كثيرًا والذَّاكِراتِ، وأن يوفِقَنا للاقتداءِ بهم بنياتٍ زاكياتٍ.

والحاصلُ أن ذِكْرَ الله تعالى ركنٌ قويٌّ في طريقِ الحَقِّ سبحانه بل هو العمدةُ في هذا الطَّريقِ، ولا يَصِلُ أَحَدٌ إلى الله سبحانه إلَّا بدوام الذِّكْر.

‌فَصْلٌ في فَضْلِ حِلَقِ الذِّكْرِ والنَّدْبِ إِلى مُلازَمَتِها والنَّهيِ عن مُفارَقَتِها لِغَيْرِ عُذْرٍ

(1)

قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن لِلهِ مَلائِكَةَ يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ

(1) بداية هذا الفصل المشتملة على الأحاديث لا توجد في نسخة (أ)، حيث أن الناسخ قد وضع ورقة "طيّارة" ولكنها لا توجد في التصوير أو سقطت من أصل المخطوط؛ وقد أشار الناسخ إلى ذلك بقوله: هذه الورقة الزائدة من هنا مطلعها من أولها إلى آخرها" والمثبت من نسخة (ب).

ص: 459

يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذكْرِ، فإذا وَجَدوا قَوْمًا يَذْكُرون اللهَ تنادَوْا هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ، فَيَحفّونَ بِأَجْنِحَتِهِم إلى السَّماءِ الدُّنيا. فَيَسْأَلُهُم رَبُّهُم وَهُوَ أَعْلَمُ: ما يَقُولُ عِبادي؟ قالوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ ويُكَبِّرونَكَ ويَحْمَدُونَكَ ويُمَجِّدونَكَ، فيقول: هل رَأَوْنِي؟ فيقولون: لا واللهِ ما رَأَوْكَ، فيقولُ: كَيْف لَوْ رَأَوْنِي؟ قال يقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ تَمْجِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. فيقول: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قال يقولونَ: يَسْألونَكَ الجَنَّةَ، قال فيقولُ: وهل رَأَوْها؟ قال يقولونَ: لا وَاللهِ يا رَبِّ ما رَأَوْها، فيقول: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْها؟ قال يقولونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كانوا أَشَدَّ عَلَيْها حِرْصًا، وَأَشَدَّ لها طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فيها رَغْبَةً، قال: فَمِمَّا يَتَعَوَّذون؟ قال: يَتَعوَّذونَ مِنَ النَّارِ، قال فيقولُ: وهل رَأَوْهَا؟ قال فيقولونَ: لا وَاللهِ ما رَأَوْها، فيقولُ: فَكَيْفَ لو رَأَوْها؟ قال يَقُولُونَ: لَوَ رَأَوْهَا كانوا أَشَدَّ مِنْها فِرارًا، وَأَشَدَّ لها مَخَافَةً، قال فيقولُ: أشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قال: يقول مَلَكٌ مِنَ الملائِكَةِ: فيهم فُلان لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّما جاءَ لحاجَةٍ، قال: هُمُ الجُلَساءُ لا يَشْقَى جَليسُهُم"، متفق عليه (1).

وفي رواية لِمُسْلِمٍ عن أبي هريرة عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إن للهِ مَلائِكَةً سَيَّارَةً فضلًا يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ، فإذا وَجَدوا مَجْلِسًا فيه ذِكْر قَعَدُوا مَعَهُمْ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ

(1) هذا اللفظ أخرجه البخاري (11/ 208، 209) من حديث أبي هريرة.

ص: 460

حَتَى يَمْلَؤوا ما بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّماءِ، فإذا تَفَزَقُوا عَرَجُوا وَصعدُوا إلى السَّماءِ فَيَسْأَلُهُم اللهُ عز وجل وهو أَعْلَمُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ، قال: مَاذا يَسْأَلُونِي؟ قَالُوا: يَسْأَلونَكَ جَنَّتَكَ، قال: وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي؟ قالوا: لا أيْ ربِّ! قال: فكيف لو رَأَوْا جَنَّتِي، قالوا: وَيَسْتَجِيرُونَكَ، فيقول: وَمِمَّا يَسْتَجِيرونِي؟ قالوا: مِنْ نَارِكَ يا ربِّ، قال: وهل رَأَوْا نارِي؟ قَالُوا: لا، قال: فكيف لو رَأَوْا نَارِي؟ قالوا: وَيَسْتَغْفِرُونَكَ، فيقول: قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ ما سأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجاروا، قالوا: يقولُونَ: رَبِّ فِيهِمْ فُلان عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّما مَرَّ فَجَلَسَ معهم؟ فيقولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ، هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهم" (1).

وعنه وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرونَ اللهَ إلَّا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وَغَشْيِتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ"، رواه مسلم (2).

وعن أبي واقد الحَارث بن عَوْف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَما هو جَالِسٌ في المَسْجِدِ والنَّاسُ مَعَهُ، إذْ أَقْبَلَ ثلاثَةُ نَفَرٍ،

(1) هذه الرواية: أخرجها مسلم (4/ 2069، 2070)، من حديث أبي هريرة.

(2)

(4/ 2074).

ص: 461

فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَ واحِدٌ فَوَقَفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيها، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُم، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبا، فَلمَّا فَرَغَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أَلا أُخْبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلَى الله فآواهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ"، متفق عليه (1).

وعن أبي سعيد الخُدْرِي رضي الله عنه قال: خَرَجَ معاويةُ رضي الله عنه على حَلْقَةٍ فِي المَسْجِدِ فقال: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ، قال: اللهِ ما أَجْلَسَكُم إلَّا ذاك؟ قالوا: ما أَجْلَسَنَا إلَّا ذاك، قال: أَمَّا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَمَا كان أَحَدٌ بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقل عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ على حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فقال:"ما أَجْلَسَكُم؟ " قالوا: جَلَسْنَا نَذْكُرَ اللهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى ما هَدَانَا للإِسْلامِ، ومَنَ بِهِ عَلَيْنَا، قال:"آللهِ ما أَجْلَسَكُمِ إلَّا ذاكَ؟ " أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُم تُهْمَةً لَكُم، وَلَكِنَهُ أَتانِي جبْرِيلُ عليه السلام فَأَخْبَرَني أَنَّ اللهَ يُباهِي بِكُمُ الملائِكَةَ"، رواه مسلمَ (2).

واعلم أن الذِّكْرَ على ضَرْبين: ذِكْرُ اللِّسانِ، وذِكْرُ القَلْبِ،

(1) البخاري (1/ 562)، ومسلم (4/ 1713).

(2)

(4/ 2075).

ص: 462

والتَّأثير لِذِكْر القَلْب؛ فإذا كان العبدُ ذاكِرًا بلسانِهِ وَقَلبِهِ فهو الكامِلُ في وصفه في حال سلوكه، قاله القشيري في "رسالته"(1).

وقال فيها: وقيل ذكر الله بالقلب سيف المُريدين، به يقاتلون أعداءهم، وبه يدفعون الآفات التي تَقْصِدهُم، وإن البلاء إذا أظلَّ العبْدَ ففزع بقلبه إلى الله يحيدُ عنه في الحال كلَّ ما يكرهه.

وذكر فيها: أن ذا النون المصري قال: من ذكر الله ذكرًا على الحقيقة نسي في جنب ذكره كل شيءٍ، وحفظه الله من كل شيءٍ، وكان له عوضًا عن كل شيءٍ.

قال فيها: ومن خصائص الذكر أنه غير مُؤَقَّتٍ بل ما من وقت من الأَوقات إلَّا والعبد مأمور بذكر الله إمَّا فرضًا وإمَّا ندبًا.

والصلاةُ وإن كانتْ أشرفَ العبادات فقد لا تجوز في بعض الأَوقات، والذكرُ بالقلب مستدامٌ في عموم الحالات. قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191].

(1)"الرسالة القشيرية" لأبي القاسم عبد الكريم القشيري (ص 101)، وليت المصنف اكتفى بما ورد في الذكر عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛ فإن الرسالة القشيرية هذه مظنة الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا زمام لها ولا خطام، حتى إن معظم الأثار والأخبار لا يسوق لها القشيري سندا؛ قال شيخ الإِسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" له (10/ 678): "وما يذكره أبو القاسم في رسالته عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والمشايخ وغيرهم تارة يذكره بإسناد، وتارة يذكره مرسلًا، وكثيرًا ما يقول: وقيل كذا

" إلى آخر ما ذكر عنه من ذكره للأحاديث الضعيفة والموضوعة.

ص: 463

وقال: ومن خصائص الذِّكر أنَّهُ جُعِلَ في مُقَابَلَتِهِ الذِّكْرُ، قال الله تعالى:{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وفي خَبَرٍ أن جبرِيلَ عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول: أعطيتُ أُمَّتَكَ ما لم تُعْطَهُ أُمَّةٌ من الأمم، فقال: وما ذاك يا جبريل؟ قال: قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ، لم يقل هذا لأَحدٍ غيرِ هذه الأُمّة.

وقيل: إن المَلَكَ يستأمِرُ الذاكرَ في قَبْضِ روحه.

وفي بعض الكتب أن موسى عليه السلام قال: يا ربِّ أين تسكُنُ؟ فأوحى الله إليه: في قلب عبدي المؤمن، ومعناه سكون الذكر في القلب، فالحق سبحانه وتعالى منزه على كل سُكُونٍ وحلولٍ، وإنما هو إثبات ذكر وتحصيل.

وقال: قال سهل بن عبد الله: ما من يوم إلَّا والجليل سبحانه ينادي: عبدي ما أنصفتَني؛ أذكرُك وتنساني، وأدعوك إليَّ وتذهبُ إلى غيري، وأُذْهِبُ عنك البلايا وأنت معتكفٌ على الخطايا. يا ابن آدم ما تقول غدًا إذا جئتَني؟ (1)

(1)"الرسالة القشيرية"(ص 101، 102)، وقد جهدت أن أقف على سند الحديث الذي ذكره فلم أقف عليه، والأمر كما قال شيخ الإِسلام آنفًا. كما أن في بعض هذه الآثار السابقة والتي سيذكرها عن رسالة القشيري، ما يستنكر لفظًا ومعنًى مثل كلامه: إذا كان الغالب على عبدي ذكري عشقني وعشقته .. وإفراد الذكر بلفظ: "الله، الله". وبالجملة، فليت المصنف أراحنا من هذا الكلام فإنه ليس عليه من نور السُّنَّة شيء، والله المستعان.

ص: 464

وقال أبو سليمان الداراني: إن في الجَنَّة قيعانًا، فإذا أخذ الذّاكِرُ في الذِّكرِ أخذتِ الملائكةُ في غَرْسِ الأَشجار، فربما يقف بعضُ الملائكة فيقال له: لم وقفت؟ فيقول: فَتَرَ صاحبي.

وقال الحسن: تفقدوا الحلاوةَ في ثلاثة أشياء: في الصَّلاةِ والذِّكْرِ وقراءةِ القرآن، فإن وجدتموها وإلَّا فاعلموا أن الباب مُغْلَقٌ.

وقال حامد الأَسود: كنت مع إبراهيم الخواص في سفر فجئنا إلى موضعٍ فيه حياتٌ كثيرةٌ، فوضع ركوته وجلس وجلست، فلما كان بَرْدُ الليل، وَبَرْدُ الهواء خرجت الحيات، فصحت بالشيخ فقال: اذكروا الله، فذكرت، ورجعت ثُمَّ عُدتُ فَصحْتُ به فقال مثل ذلك، فلم أزل إلى الصَّباحِ في مثل تلك الحالة، فلما أصبحنا قام ومشى ومشيت معه، فسقط من وطائه حية عظيمة قد تطوقت فيه، فقلت: ما أحسست؟ فقال: لا، منذ زمان ما بت أطيب من البارحة (1).

وقال سَرِيُّ السّقَطي رضي الله عنه: مكتوب في بعض الكتب التي أنزل الله تعالى: إذا كان الغالب عَلى عَبْدِي ذكري عَشِقَني وعَشِقْتُهُ، وقال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: بي فافرحوا وبذكري فتنعّموا.

(1) كل هذا تواكل وليس بتوكل وهو خلاف السُّنَّة النبوية، والفطرة البشرية.

ص: 465

وقال النُّورِيُّ: لكل شيء عقوبةٌ، وعقوبةٌ العارف انقطاعه عن الذكر. وفي الإِنجيل: اذكرْني حين تَغْضَبُ أَذْكُرْكَ حين أغضب، وارض بنظرتي لك، فإن نظرتي لك خير من نظرتِك لنَفْسِكَ.

وقيل لراهب: أنت صائم؟ فقال: صائم بذكره، فإذا ذكرت غيره أفطرت.

وقيل: إذا تمكن الذِّكْرُ من القلب، فإن دنا منه الشيطان صُرعَ كما يُصْرَعُ الإِنسانُ إذا دنا منه الشيطان، فتجتمع عليه الشياطين فيقولون ما لهذا؟ فيقال: قد مسه الإِنس.

وقال سهل: ما أعرف معصيةً أقبحَ من نسيان هذا الرب.

وقال بعضهم: وُصِفَ لي ذاكر في أجمة فأتيته فبينا هو جالس إذا سبع عظيم ضَرَبَهُ ضَرْبَة واستلبَ منه قطعةً فغشي عليه وعليّ، فلما أفقت قلت: ما هذا؟ فقال: قيض الله هذا السبع على، فكلما داخلتني فترة عضني كما رأيت.

وقال الجَريري: كان بين أصحابنا رَجُل يكثر أن يقول: الله الله فوقع يومًا على رأسه جِذْعٌ فشجّ رأسَه وسقط الدمُ فانكتب على الأَرض: الله الله. انتهى كلامه في الرسالة، وتركت الأَسانيد رعاية للاختصار (1).

(1)"الرسالة القشيرية"(ص 101 - 103)، ولم يسق القشيري بإسناده شيئًا من الأقوال السابقة!

ص: 466

فإذا كان هذا حالُ الذِّكْرِ مع الذَّاكر، فالواجبُ على العاقلِ النَّاصِح لنفسِهِ ألَّا يَغْفُلَ عنه طرفةَ عينٍ إن كان مراده طريق الله تبارك وتعالى، وأن يندرج في سلك السَّادة الذَّاكرين الله كثيرًا والذَّاكرات، المحبين له في السِّر والعلانيات.

قال عليه السلام: "عَلامَة حُبِّ اللهِ حُبُّ ذِكْرِ اللهِ، وَعَلامَةُ بُغْضِ اللهِ بُغْضُ ذِكْرِ اللهِ"، رواه البيهقي (1).

وقال عليه السلام: "أَفْضَلُ العِبَادِ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ الذاكِرُونَ اللهَ كثيرًا"، رواه أحمد والترمذي (2).

واعلم أن الذِّكْر يتأكَّدُ في الزَّمانِ الفاضِلِ كرمضانَ، وَعَشْر ذي الحجَّةِ، وفي المكان الفاضلِ كالحرمينِ والأَقصى، فينبغي الإِكثارُ منه فيها لزيادةِ تضعيفِ الأَجْرِ فيها، وهذا شيءٌ بلا أشهرٌ من أن يشهر، وأظهرُ من أن يُذْكر.

وكذلك يتأكد الذِّكْرُ في أوقات الغَفْلَةِ وبين الغافلين؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَقَمَ: "ذاكِرُ الله في الغافلينَ بِمَنْزِلَة الصَّابِرِ في الفارين"، رواه الطبراني (3).

(1) أخرجه البيهقي في "الشعب"(410)، من حديث أنس وضعفه؛ وذلك لأن في سنده يوسف بن ميمون، ضعيف كما في "التقريب".

(2)

أخرجه أحمد (3/ 75)، والترمذي (3376)، من حديث أبي سعيد، وإسناده ضعيف؛ فيه ابن لهيعة ضعيف، وكذا دراج أبو السمح.

(3)

أخرجه الطبراني في "الكبير"(10/ 19)، وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 268)، من حديث ابن مسعود، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه الواقدي متروك الحديث.

ص: 467

وقال صلى الله عليه وسلم: "ذاكِرُ الله في الغافِلينَ مِثْلُ الذي يُقاتِلُ عن الفَارِّين، وذاكِرُ الله في الغافِلينَ كالمِصْبَاحِ في البَيْتِ المُظْلِمِ، وذاكِرُ الله في الغافلين كمثَلِ الشَّجَرَةِ الخَضْراء في وَسَطِ الشَّجَرِ الذي قد تحاتَّ من الضَّريب، وذاكِرُ اللهَ في الغافلين يُعَرِّفَهُ الله مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وذاكِرُ الله في الغافلين يَغْفِرُ اللهُ له بِعَدَدِ كُلِّ فصيحٍ وأَعْجَمِيٍّ"، أخرجَهُ أبو نعيم في "الحلية"(1).

تَنْبِيهٌ: المرادُ بالذِّكْرِ الشَّرعي كلُّ قول يدل على توحيد الله وإفرادِهِ، وتنزيهِهِ وتقديسه، وعلى كبريائِهِ وعظمتِهِ، وبيانِ كمال عِلْمِهِ وحُكْمِهِ، ووجوبِ بقائِهِ وقدرته إلى غير ذلك من الأَسماء والصفات الثابتة للهِ تعالى المُقَرَرَّةِ في علم التوحيد، وأجلُّ الذِّكْرِ وأنفعُهُ ما أرشد إِليه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وأجله ما ذكرناه في الأَحاديث السالفةِ.

أَوَّلُ الفَضْلِ وأَفْضَلُهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، لقوله عليه السلام:"أَفْضَلُ الذِّكْرِ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأَفْضَلُ الدُّعاءِ الحَمْدُ للهِ"، رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، والحاكم (2).

(1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 181)، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه يحيى بن سليم الطائفي، سيء الحفظ، وعمر بن مسلم القصير منكر الحديث كما قال البخاري.

(2)

تقدم تخريجه (ص 455).

ص: 468

وقوله عليه السلام: "مَا قَالَ عَبْدٌ: لا إلهَ إلَّا الله قَطُّ مُخْلِصًا إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبوابُ السَّماءِ حَتَّى تُفْضِيَ إلى العَرْشِ ما اجْتُنِبَتْ الكبائِرُ"، رواه الترمذي (1).

وقال عليه السلام: "ما مِنْ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ لا إله إلَّا اللهُ، ولا من الدُّعاءِ أَفْضَلُ مِنَ الاستغفارِ"، رواه الطبراني (2).

وليس شيءٌ من الذكر أفضلَ من ذلك إلَّا تلاوةَ القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ عِبَادَةِ أُمتي تِلاوةُ القرآنِ"، رواه البيهقيُّ (3).

وقال عليه السلام في أثناء حديث: "وما تقرَّبَ عَبْدٌ إلى الله عز وجل بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ منه"، رواه أحمد والترمذي (4).

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فله بِهِ حَسَنَةٌ، والحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِها، لا أَقُولُ ألم حَرْفٌ، ولكن أَلفٌ حَرْفٌ، ولامٌ

(1)(3590)، من حديث أبي هريرة وقال:"حديث حسن غريب" وهو كما قال.

(2)

أخرجه الطبراني من حديث ابن عمر وقال الهيثمي في "المجمع"(10/ 84)"وفيه الإفريقي - يعني عبد الرحمن بن أنعم - وغيره من الضعفاء".

(3)

في "شعب الإِيمان"(2022)، من حديث النعمان بن بشير، وإسناده ضعيف جدًّا فيه العباس بن الفضل، متروك، وفي السند كذلك من فيه كلام.

(4)

أخرجه أحمد (5/ 268)، والترمذي (2911)، واستغربه من حديث أبي أمامة، وإسناده ضعيف؛ فيه بكر بن خنيس صدوق له أغلاط، وليث بن أبي سليم ضعيف لاختلاطه.

ص: 469

حَرْفٌ، وميم حرفٌ"، رواه الترمذي (1).

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ بِمائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَه قُنُوتُ لَيْلَةٍ"، رواه أحمد، والنسائيُّ (2).

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يكْتَب مِنَ الغَافِلِينَ". رواه الحاكم (3).

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِيّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ"، رواه النسائيُّ، وابن حِبان (4).

(1)(2910)، من حديث ابن مسعود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال.

(2)

أخرجه أحمد (4/ 103)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(717)، والدارمي (2/ 464)، من حديث تميم الداري، وإسناده صحيح.

(3)

أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة في "صحيحه"(1142)، من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح، وأما الحاكم وهو الذي عزا إليه المصنف تبعًا للمنذري في "الترغيب"(1/ 496)، فإن المنذري أشار إلى استقلال اللفظ عند كل منهما واللفظ الذي عند الحاكم (1/ 308، 359) وذكره المنذري: "من صلَّى في لَيْلَةٍ بمائة آيَةٍ لم يُكْتَب مِنَ الغافلين".

وإسناده ضعيف؛ فيه سعد بن عبد الحميد وعبد الرحمن بن أبي الزناد متكلم فيهما.

(4)

أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(100)، والروياني في "المسند"(1268)، والطبراني في "الكبير"(8/ 134)، وفي "الأوسط" كما في "مجمع البحرين"(8/ 28، 29)، وفي "الدعاء"(675)، وابن حبان في صحيحه كتاب =

ص: 470

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ الآيتينِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كفتاهُ"، متفق عليه (1).

وقال عليه السلام: "مَنْ قَرَأَ قُل هو اللهُ أحد، فَكَأَنّما قَرَأَ ثُلُث القرآنِ"، رواه أحمدُ، والنسائي (2).

والحاصِلُ أن فضائلَ القرآن لا تعدُّ ولا تحصى، وقد أُفْرِدت بالتَّصانيف الكثيرةِ، وليس هذا محلَّ استقصائِها؛ وإنما المرادُ هنا التَّنبيهُ على وجهِ الاختصارِ على ما يَذْكُرُ العَبْدُ به ربَّه وما هو الأَفضلُ، ولا شُبْهَةَ عند أحدٍ أن القرآن أفضلُ الذِّكرِ على الإِطلاق؛ إلَّا أنَّه إذا عَيَّنَ الشارع لعبادةٍ أو وقتٍ غيرَ القرآن تَعَيَّنَ اتِّباعُهُ، وهذا لا ينافي أفضليةَ القرآن عليه لعروضِهِ والله أعلم.

والأَكملُ في حقِّ الذَّاكِرِ أن يكون على طهارةٍ كاملةٍ، وأن يذكرَ بسكينةٍ وَوَقَارٍ، وَخَوْفٍ وتَضَرُّعٍ وخُشُوع، وإخلاصٍ ولُطفٍ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ بصوتٍ مُتَوسِّطٍ، قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ

= "الصلاة" كما في "الترغيب"(2/ 448)، وأبو عمرو الخوري في "قوارع التنزيل"(21)، من حديث أبي أمامة، وصححه المنذري (2/ 448)، وجوَّد إسناده الهيثمي في "المجمع"(10/ 102).

(1)

البخاري (9/ 55)، ومسلم (1/ 555)، من حديث أبي مسعود.

(2)

أخرجه أحمد (5/ 141)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"(686)، من حديث أُبي بن كعب، وهو حديث صحيح.

ص: 471

عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)} [الأعراف: 205، 256]، لكن لا يَقْطَعكَ عن الذِّكر عدمُ اتصافِكَ بهذه الصِّفات.

فعليك بذكر اللهِ، وإن لم تكن مُتَّصِفًا بها فعسى أن يكون الذِّكْر على وجهٍ غيرِ أكملَ سَبَبًا للذِّكرِ على الوجه الأَكملِ.

واعلم أنَّه قد تقدمت آدابٌ كثيرةٌ، وأذكارٌ في الكتاب مع العبادات في مواضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ يقف عليها من طلبها، فتبقى المحافظةُ على جميع ما ذكرنا وعلى ما ورد في الصَّباحِ والمساءِ، وأحسن ما جُمعَ في ذلك وِرْدُ الشيخ عبد الرحمن بن داود (1)، فينبغي للسَّالِكِ في طريق اللهِ حفظُهُ، والمداومةُ عليه بكرةً وعشيًّا فإنه مستَنبطٌ من السُّنَّةِ الصَّحيحةِ، فلا ينبغي لراغبٍ في ذكرِ الله أن يتركه بُكرةً واحدةً ولا عشيَّةً واحدة إن رام اتباعَ السُّنَّة في الأَذكار، لأَن ذلك من أجلِّ ما رغب فيه أهل النُّهى والأَبصار.

(1) هو الشيخ العلامة عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي داود الحنبلي صاحب كتاب "الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وهو مطبوع؛ وألف كتابًا في "الأَوراد وشرحها" وكان موصوفًا بالنُّسك والعبادة والمحافظة على الأذكار والأدعية توفي سنة (856 هـ)، انظر ترجمته في "المقصد الأرشد" لابن مفلح (2/ 84).

ص: 472