الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويُباحُ إن كان حِكَمًا وَأَدَبًا، أو مَواعِظَ وأَمْثالًا، أو لُغَةً يستشهَدُ بها على تأويل القرآنِ والحَدِيثِ، أو مديحًا للنبي عليه السلام أو للنَّاسِ بما لا كذب فيه، أو هجوًا للمُشْرِكينَ ونحو ذلك.
فَصْلٌ في الكَسْبِ
هو سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَتَّى مع الكفاية، قال الله تعالى:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10].
وقال عليه السلام: "لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُم حَبْلَهُ ثُمَّ يأتيَ الجَبَلَ فَيَأْتيَ بِحُزْمةِ من حَطَبٍ على ظَهْرِهِ فيبيعَها فَيَكفَّ اللَّهُ وجهَهُ، خَيْرٌ لَهُ من أن يَسْأَلَ النَّاسَ، أعطَوْهُ أم مَنَعُوهُ"(1).
وقال عليه السلام: "كانَ داودُ عليه السلام لا يَأْكُلُ إلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِيهِ"(2).
وقال عليه السلام: "ما أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قط خَيْرًا من أن يَأْكُلَ من عَمَلِ يَدِهِ"(3)، روى الجميعَ البخاريُّ رحمه الله تعالى.
وقال عليه السلام: "كان زَكَريا عليه السلام نَجَّارًا"، رواه مسلم (4). وقال عليه السلام: "مَنْ بَاتَ كَالًّا مِن طَلَب الحَلالِ باتَ
(1) البخاري (3/ 335)، ومسلم (2/ 721) من حديث أبي هريرة.
(2)
البخاري (4/ 303) من حديث المقدام رضي الله عنه.
(3)
البخاري (4/ 303) من حديث أبي هريرة.
(4)
(4/ 1847) من حديث أبي هريرة.
مَغْفُورًا له" (1)، رواه ابن عساكر.
وقال عليه السلام: "خَيْرُ الكَسْبِ كَسْبُ يَدِ العَامِلِ إذا نَصَحَ"، رواه أحمد (2).
وقال عليه السلام: "أَفْضَلُ الأَعمال الكَسْبُ مِنَ الحَلالِ"(3).
وقال عليه السلام: "لَعَثْرَةٌ في كَدٍّ حَلالٍ على عَيِّلٍ مَحْجُوبٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ من ضَرْبٍ بِسَيْفٍ حَوْلًا كامِلًا، لا يجف دَمًا مع إِمامٍ عادِلٍ"(4)، رواه ابن عساكر.
والحاصِلُ أن الدَّلائِلَ الدَّالةَ على مشروعيَّةِ الكَسْبِ كثيراتٌ شَهيراتٌ، ولا يليقُ استقصاؤهُ في هذا المُخْتَصَرِ.
واعلم أَنَّه يُسَنُّ تَعَلُّمُ أحكامِ الكَسْبِ، وَيَجِبُ التكسُّبُ على من لا قُوتَ لَهُ أو لعيالِهِ فيكتَسِبُ لنفسِهِ، ولمن تلزمُهُ مؤنتُهُ، ولوفاءِ دينِهِ. ويقَدَّمُ الكَسْبُ لعيالِهِ ودَيْنهِ على كل نَفْلٌ.
(1) أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 324/ ب) من حديث المقدام، وإسناده ضعيف، فيه بقية بن الوليد، كثير التدليس عن الضعفاء.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 334، 357)، من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن، وقال المنذري في "الترغيب" (1/ 609):"ورواته ثقات".
(3)
أخرجه ابن لال من حديث أبي سعيد الخدري؛ وإسناده ضعيف، قال العلامة المناوي في "فيض القدير" (2/ 26):"فيه إسماعيل بن عمر شيخ لا يعرف، وعطية العوفي أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: ضعفوه".
(4)
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(4/ 209/ ب) من حديث عثمان بن عفان، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه عباد بن صهيب متروك كما في "الميزان"(2/ 367).
قال سفيان الثَّوري: عَلَيْكَ بَعَمَلِ الأَبطالِ، الكَسْبُ مِنَ الحلالِ والإِنفاقُ على العَيالِ.
ويُكْرَهُ تركُهُ والاتِّكالُ على النَّاسِ.
قال الإِمام أحمد: لم أرَ مِثْلَ الغِنَى عن النَّاس، وقال في قوْم لا يَعْمَلُونَ ويَقُولونَ نَحْنُ مُتَوَكِّلونَ: هؤُلاء مُبْتَدِعَةٌ (1)
واعلم أن هذا في حَقِّ أمثالِنَا مِمَّن ضَعُفَ إيمانُهُ وَقَلَّ يقينُهُ ونقصَ توكُّلُهُ، وأمًاا لكامِلُونَ في اليقينِ والتمكينِ فلا يَصِحُّ قَوْلُ مثل ذَلِكَ في حقهم، فإنَّه رحمه الله تعالى قد أجازَ التَّوكُّلَ لمن اسْتُعْمِلَ فيه الصِّدْقُ، نقلَهُ عنه المَرُّوْذِي (2). وقال: من لم يَطْمَعْ من آدميٍّ أن يجيبَهُ بشيءٍ رَزَقَهُ اللَّهُ إيَّاهُ كان متوكلًا. وقد قال في موضع آخرَ فيمن يَحجُّ على سبيل التَّوكُّلِ: هؤلاء يَحُجُّونَ متوكلينَ على أزوادِ النَّاسِ.
وقال: لا أُحِبُّ أن يدخُلَ الباديةَ بلا زاد، لأَنَّهُ يَتَوَكَّلُ على أزوادِ النَّاسِ (3)، وهذا وأشباهُهُ يُحْمَلُ على من ذكرنا أولًا.
والحَاصِلُ أَن الكَسْبَ من المصالحِ العامَّه؛ فلا يُرَخَّصُ في تركِهِ ولا يُعابُ فاعِلُهُ.
(1) ذكره الخلال في "الحث على التجارة"(ص 87)، وكذا ابن مفلح في "الآداب الشرعية"(3/ 262).
(2)
نقله في "الآداب الشرعية"(3/ 262).
(3)
"الحث على التجارة"(ص 67، 68، 72).
قال الإِمام أحمد: استغنِ عن النَّاسِ ما استطعتَ فلم أرَ مثله، الغِنى من العافية (1).
وقد دعا لعلي بن جعفر وقال لأَبيه: أَلْزِمْه السُّوقَ وَجنِّبْهُ أقرانه (2).
وقال له رجلٌ مرةً: يا أبا عبد الله ما ترى مكاسِبَ النَّاس؟ فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يريد أن يُفْسِدَ على النَّاسِ معايشهم (3).
وقال رجل: إني في كفاية، قال له: الزَم السُّوق، واتَّجِرْ تَصِلُ بِه الرَّحِمَ، وتعودُ به على نَفْسِكَ وغيرك (4).
وقال مرة: لا ينبغي أن يدعَ السَّبَبَ وينتظرَ ما بيدِ النَّاسِ. وقال عَمَّن يفعل هذا: هؤلاءِ مبتدعةٌ، إِنهم قومُ سوءٍ يريدونَ تعطيلَ الدُّنيا (5).
وفي "الغنية" قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ طَلَبَ الدُّنيا حلالًا؛ استعفافًا عن المَسْأَلةِ، وَسَعيًا على
(1) ذكره الخلال في "الحث على التجارة"(ص 30)، وابن مفلح في "الآداب"(3/ 261).
(2)
المصدر السابق (ص 24).
(3)
"الحث على التجارة"(ص 71).
(4)
أخرجه الخلال في "الحث على التجارة"(ص 23)، وذكره ابن مفلح في "الآداب"(3/ 261).
(5)
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (3/ 262).
أهلِهِ، وَتعَطُّفًا على جارِهِ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ القيامَةِ ووجهُهُ كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنيا حَلالًا مُكَاثِرًا، مُفاخِرًا، مُرائيًا، لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ القِيَامَةِ وهو عليه غَضْبَان" (1).
وعن ثابت البُنَانِيِّ أَنَّه قال: بَلَغَني أن العافيةَ في عَشْرَةِ أشياءٍ: تسعة منها في السُّكُوتِ، وواحد منها في الفرارِ من النَّاس. والعبادةُ عشرةُ أشياءٍ: تسعة منها في طلب المعيشة، وواحدٌ في العبادة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَفْتَحُ الرَّجُلُ على نفسِهِ بابًا من المسأَلةِ إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه بابًا مِنَ الفَقْرِ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغن يغنِهِ اللَّهُ، لأَن يَأْخُذَ أَحَدُكُم حَبْلًا ثُمَّ يَعْمَدَ إلى هذا الوادي فيحتَطِبَ مِنْهُ، ثُمَّ يأتيَ سُوقَكُم فَيَبيعَهُ بِمُدِّ تَمْرٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أن يَسْأَلَ النَّاسَ أعطَوْهُ أو مَنَعُوهُ"(2).
(1) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"(10374)، وأبو نعيم في "الحلية"(3/ 110، 8/ 215) واستغربه، وهو من طريق مكحول عن أبي هريرة، وإسناده منقطع؛ إذ أن مكحولًا لم يسمع من أبي هريرة.
(2)
هذا الحديث ذكره الشيخ عبد القادر الجيلاني في "كتاب الغنية"(1/ 31)؛ وهو يذكر فيه بعض الأحاديث التي لا زمام لها ولا خطام، لكن أخرجه أحمد في "المسند"(2/ 418)، وابن حبان (3387) من حديث أبي هريرة بإسناد حسن ولفظه:"لا يَفْتَحُ الإِنسانُ على نَفْسِهِ بابَ مَسْألةِ، إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه باب فقر، يأخذ الرجل حبله فيعمد إلى الجبل، فيحتطب على ظهره فيأكل به، خير له من أن يسأل الناس معطًى أو ممنوعًا" ولفظ: "ومن يستكف
…
" أخرجها: البخاري (11/ 303)، ومسلم (2/ 729) من حديث أبي سعيد الخدري.
ورُوِيَ: "ما مِنْ رَجُلٍ يفتَحُ على نفسِهِ بابًا من المَسْأَلةِ إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عليه سبعينَ بابًا مِنَ الفَقْر"(1).
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُحْتَرِفٍ أبا العيال، ولا يحبُّ الفارِغَ الصَّحيحَ لا في عملِ الدُّنيا ولا في عَمَلِ الآخِرَةِ"(2).
وروي أن خليفة الله تعالى ونبيه داود عليه السلام سَأَلَ اللَّهَ تعالى أن يجعلَ كسبَهُ في يده، فألانَ لَهُ الحديدَ حَتَّى صارَ في يَدِهِ كالشَّمْعِ أو العجينِ، يتخِذُ منه الدُّروعَ فيبيعُهَا ويعيشُ هو وعياله بِثَمَنِها.
وقال ابنه سليمان عليهما السلام: رب قد آتيتني مِنَ المُلْكِ ما لم تؤتِهِ أحدًا قبلي، وسألتُكَ ألَّا تُعْطِيَهُ أحدًا مِنْ بعدي فَأَعْطَيتَنيه، فإن قَصَّرْتُ في شُكْرِكَ فَدُلَّني على عَبْدٍ هو أَشْكَرُ لك مني، فأوحى الله إليه: أن يا سليمانُ، عَبْدٌ يَكْسِبُ بيدِهِ ليَسُدَّ جوعتَهُ ويستُرُ عورتَهُ، ويَعْبُدني، هو أشْكَرُ لي مِنْكَ، فقال: يا رَبِّ اجْعَلْ كسبي في يَدِي،
(1) ذكره الشيخ عبد القادر الجيلاني في "الغنية"(1/ 31) وكذا الغزالي في "الإِحياء"(2/ 62) ولم يقف الحافظ العراقي على هذا اللفظ كما هو واضح من تخريجه له حيث قال بعد ذكر لفظه: "رواه الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري: "ولا فتح عبد مسألة إلَّا فتح الله عليه باب فقر".
(2)
أخرجه الطبراني (13200)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(3/ 1073) من حديث ابن عمر، وفيه عاصم بن عبيد الله ضعيف، وقال الإِمام أبو حاتم الرازي كما في "العلل" لابنه (2/ 128):"حديث منكر".
فأتاهُ جبريلُ عليه السلام فعلَّمَهُ الخُوصَ يتخذُ منه القِفَافَ، فأول من عَمِلَ الخُوصَ هو عليه السلام.
وقال بَعْضُ الحُكماءِ: لا يقومُ الدِّينُ والدُّنيا إلَّا بأربعةٍ:
العلماءُ، والأمراءُ، والغُزاةُ، وَأَهْلُ الكَسْبِ.
فالأُمراءُ هم الرُّعاةُ يرعونَ الخَلْقَ، والعلماءُ هم ورثةُ الأَنبياءِ يَدُلّون الخَلْقَ على الآخِرَةِ، والنَّاسُ يقتدونَ بهم، والغُزاةُ هم جندُ اللَّهِ في الأَرض يقمع الكفار بهم، وأما أَهْلُ الكَسْبِ فهم أمناءُ الله تعالى بهم تَتِمُّ مصالحُ الخَلْقِ وعِمارةُ الأَرْضِ.
فالرُّعاةُ إذا صاروا ذِئابًا فَمَنْ يَحْفَظُ الغَنَمَ؟ والعلماءُ إذا تَركوا العِلْمَ واشتغلوا بالدُّنيا فَبِمَنْ يقتدي الخَلْقُ؟ والغُزاةُ إذا رَكِبُوا الفَخْرَ والخُيلاءُ، وخرجوا للطمع، فَمَتَى يظفرونَ بالعَدُوِّ؟ وأهلُ الكَسْبِ إذا خانوا النَّاسَ فكيف يأمنهُمُ النَّاسُ؟
وإذا لم يكن في التَّاجِرِ ثلاثُ خِلالٍ افتقرَ في الدُّنيا والآخرة:
أَوَّلُها: لِسانٌ يَتَّقِي ثلاثًا: الكَذِبَ، واللَّغْوَ، والحَلِفَ.
والثَّانيةُ: قَلْبٌ صافٍ مِنَ الغِشِّ والحَسَدِ لجارِهِ وقرينهِ.
والثَّالِثَةُ: نفسٌ مُحافِظَة لِثَلاثِ خِلالٍ: الجُمُعَةُ والجَمَاعَةُ، وَطَلَبُ العِلْمِ في بَعْضِ ساعاتِ اللَّيلِ والنَّهارِ، وإيثارُ مرضاتِ اللَّهِ تعالى على غيرها.
وإيَّاكَ والكَسْبَ الحرامَ فَقَدْ قيل: إذا كَسَبَ العَبْدُ خبيثًا وأرادَ أن يَأْكُلَ مِنْهُ وقال: بِسْمِ اللَّهِ، قال الشَّيطانُ: كلا إِنِّي كُنْتُ مَعَكَ حين كسبتَهُ فلا أُفارِقُكَ، إِنَّما أنا شَريكُكَ؛ فهو شريكُ كُلِّ كاسبِ حرامٍ.
قال الله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الإسراء: 64]، فالأَموالُ هي الأَموالُ الحرامِ، والأَولاد هي أولادُ الرنا، كذا ذُكِرَ في التَّفسير.
وقد رُوِيَ عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا يَكْسِبُ العَبْدُ مالًا مِنَ الحَرامِ، وَيَتَصَّدَّقُ بهِ فَيُؤْجَرَ عليه، ولا يُنْفِقُ منه فَيُبَارَكَ له فيه، ولا يَتْرُكُه خَلْفَ ظَهْرِهِ إلَّا كان زادَهُ إلى النَّارِ"(1).
في الجُمْلَةِ لا يمتنعُ مِنَ الحرامِ إلَّا من هو مُشْفِقٌ على لَحْمِهِ وَدَمِهِ، فدين المرءِ لحمُهُ وَدَمُهُ، فَلْيَجْتَنِب الحرامَ وأهلَهُ ولا يُجالِسْهُم، ولا يَأْكُلْ طعامَ من كسبُهُ حرامٌ، ولا يَذَر أحدًا على حرامٍ فيكونَ شريكَهُ، فالورعُ هو مِلاكُ الدَّينِ وقِوَامُ العِبَادَةِ واستكمالُ أمر الآخِرَةِ. انتهى كلامُ إِمامِ الأَئِمَّةِ، وسلطانِ الأَمَّةِ، شيخِ الإسلامِ وَرَحْمَةِ الأَنامِ، قُطْبِ العارفين، لِسَانِ المُوَحِّدِينَ، رُكنِ الشريعةِ، عَلَمِ الحقيقة (2)،
(1) أخرجه بنحوه أحمد (1/ 387)، والعدني في "الإِيمان"(64) من حديث ابن مسعود، وإسناده ضعيف؛ فيه الصباح بن محمد بن أبي حازم وهو ضعيف.
(2)
هذا الوصف فيه مبالغة ومجاوزة للحد المشروع.
عبد القادر الكيلاني في "الغنية"(1) رضي الله عنه.
إذا علمت هذا فاعلم أن الزِّراعة أفْضَلُ مُكْتَسَب، وقيل عَمَلُ اليَدِ، وقيل التِّجارة، لقوله عليه السلام:"أَفْضَلُ الكَسْبِ بَيْعٌ مَبْرورٌ، وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ"(2).
وقوله عليه السلام: "تِسْعَةُ أَعْشارِ الرِّزْقِ في التِّجَارَةِ، والعُشْرُ في المواشي"(3).
وقولُهُ عليه السلام: "إِنَّ أَطْيَبَ الكَسْبِ كَسْبُ التُّجَّارِ الذينَ إذا حَدَّثُوا لم يَكْذِبُوا، وإذا ائْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، وإِذا وَعَدُوا لم يخْلِفوا، وإِذا اشْتَرْوا لم يَذُمُّوا، وإِذا بَاعُوا لم يُطْرُوا، وإِذا كان عَلَيْهِمْ لَمْ يَمْطُلُوا، وإذا كانَ لَهُمْ لَمْ يُعَسِّرُوا"(4).
(1)"الغنية"(1/ 31، 32).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 466) من حديث أبي بردة بن نيار وإسناده ضعيف؛ إلَّا أنه حسن بشواهده وقد ذكرها المنذري في "الترغيب"(2/ 512، 513).
(3)
أخرجه مسدد بن مسرهد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" لابن حجر (2/ 108 - النسخة المسندة، 1/ 409 - النسخة غير المسندة)، عن نعيم بن عبد الرحمن به، وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإِحياء" (2/ 62):"رواه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من حديث نعيم بن عبد الرحمن ورجاله ثقات، ونعيم هذا قال فيه ابن منده: ذُكِرَ في الصحابة ولا يصح، وقال أبو حاتم الرازي وابن حبان: إنه تابعي. فالحديث مرسل"؛ وعليه فيكون الحديث ضعيفًا.
(4)
أخرجه البيهقي في "شعب الإِيمان"(4854) من حديث معاذ بن جبل؛ وإسناده ضعيف فيه بقية بن الوليد ضعيف لكثرة تدليسه.
وأفضلُها في بزٍّ وَعِطْرٍ وَزَرْعٍ وَغَرْسٍ وماشيةٍ، وأبغضُها في رقيقٍ وَصَرْفٍ.
وأفضَلُ الصنائع خِياطَةٌ، وَكُلُّ ما نُصِحَ فيه فهو حَسَن، وَأدناها حِياكَةٌ وحِجَامَةٌ، وَأَشَدُّهَا كراهةً صبغٌ وصياغَة وحِدادةٌ ونحوها، ويُكْرَهُ كَسْبُهُم. وَكسبُ الجَرارِ أيضًا مكرُوهٌ؛ لأنَّهُ يُوجِبُ قساوةَ القَلْبِ، وكَذَلِكَ يُكْرَهُ كَسْبُ من يُباشِرُ النَّجاسَةَ، والفَاصِدِ والمُزيّنِ والجَرائحي والخَتَّانِ ونحوهِم مِمَّن صَنعتُهُ دنيئة، والمرادُ مع إمكانِ أصلحَ مِنْها.
وَيُسَنُّ الغَرسُ والحَرْثُ، واتِّخاذُ الغَنَمِ.
تَنْبِيهٌ: يَنْبَغي للتَّاجِرِ أن يَصْحَبَ الرِّفْقَ والسَّمَاحَةَ في أمورِهِ كُلِّها، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ في بيعِهِ وشرائِهِ وقضائِهِ واستقضَائِهِ لِتَشْمَلَهُ دعوتُهُ عليه السلام بالرَّحمة لمن كان كذلك؛ قال عليه السلام:"رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إذا بَاعَ، سَمْحًا إذا اشْتَرَى، سَمْحًا إذا قَضَى، سَمْحًا إذا اقتضى". رواه البخاري وابن ماجه (1).
وينبغي لَهُ أيضًا أن يَتَجَاوَزَ عن المُعْسِرِ رجاءَ أن يتجاوزَ اللهُ عنه وهو أَحْوَجُ ما يكونُ إلى ذَلِكَ، قال عليه السلام: "حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الخَيْر شيءٌ إِلَّا أنَّهُ كان رَجُلًا مُوسِرًا،
(1) أخرجه البخاري (4/ 306)، وابن ماجه (2203) من حديث جابر بن عبد الله، ولا يوجد عندهما لفظة:"سمحًا إذا قضى".
وكان يُخالِطُ النَّاسَ، وكان يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أن يَتَجَاوَزُوا عن المُعْسِرِ. فَقَالَ اللهُ عز وجل لملائكَتِهِ: نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ منه، تَجَاوَزوا عَنْهُ". رواه البُخاري والتِّرمذي والحاكم (1).
وقال عليه السلام: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أو وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ"، رواه أحمد ومسلم (2).
وقال عليه السلام: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا فَلَهُ بِكُلّ يَوْمٍ مِثْلَهُ صَدَقَة قَبْلَ أن يَحِلَّ الدَّيْنُ، فإِذا حَلَّ الدَّيْنُ فَأَنْظَرَهُ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ مِثْلاهُ صَدَقَةٌ"، رواه أحمد، وابن ماجه، والحاكم (3).
تَتِمَّةٌ: أَفْضَلُ مَأْكُولٍ الصَّيدُ لكن يُكْرَهُ اتخاذهُ لهوًا، وإن كانَ فيه ظُلْمُ النَّاسِ بالعُدوانِ على زُرُوعِهِم وأموالِهِم فَحَرامٌ يُعَزَّرُ فَاعِلُهُ، ولا يُصَادُ الحَمَامُ إلَّا أن يكونَ وحشيًا، وَيَحْرُمُ صَيْدُ سَمَكٍ وغيرِهِ بنجاسَةٍ كَعَذِرَةٍ وميتةٍ.
* * *
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم (3/ 1195، 1196)، والترمذي (1307) والحاكم (2/ 29) من حديث أبي مسعود، وأخرجه بنحوه البخاري (4/ 308، 309، 6/ 514) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (3/ 427)، ومسلم (4/ 2301) من حديث أبي اليَسَر رضي الله عنه.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 360) والحاكم (2/ 29) من حديث بريدة رضي الله عنه، وإسناده صحيح، وأخرجه ابن ماجه (2418) من حديث آخر لكن الإِسناد إليه ضعيف جدًّا.