الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ حُكْمِ السَّلامِ والمُصَافَحَةِ والتَّثاؤبِ والعُطَاسِ والاسْتِئْذانِ
يُخيَّرُ في السَّلامِ على الجماعة بَيْنَ تَعْريفِهِ وَتَنْكِيرِهِ، وابْتِداؤُهُ سُنَّة، ومِن جماعَةٍ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، والأَفضلُ مِنْ جَمِيعِهم؛ فلو سَلَّمَ عليه جَمَاعَةٌ، فقال: وَعَلَيْكُمُ السَّلامَ. وَقَصَدَ الرَّدَّ عليهمْ جميعًا، أَجْزَأَهُ.
ويُسَنُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بابتدائِهِ بحيثُ يَسْمَعُ المُسَلَّمُ عليهم سَمَاعًا مُحَقَّقًا. وإن سَلَّمَ على أَيْقَاظٍ عِنْدَهُم نِيَامٌ، أو على مَن لا يَعْلَمُ هَلْ هُمْ أيقاظٌ أو نِيَامٌ، خَفضَ صَوْتَه بحيثُ يُسْمعُ الأَيقاظَ ولا يُوقِظُ النِّيَامَ.
ولو سَلَّمَ على إنسانٍ، ثُمَّ لقيهُ على قُرْبٍ، استُحِبَّ أن يُسَلِّمَ عليه ثانيًا، وثالثًا، وأكثَرَ.
ويُسَنُّ أن يبدَأَ بالسَّلامِ قَبْلَ كُلِّ كَلامٍ، ولا يتْرُكُ السَّلامَ إلَّا إذا غَلَبَ على ظَنِّهِ أن المُسَلَّمَ عليه لا يَرُدُّ.
وإن دَخَلَ على جماعةٍ فيهم عُلماءُ، سَلَّمَ على الكُلِّ عمومًا ثُمَّ على العلماءِ ثانيًا.
وردُّ السَّلامِ فورًا فَرْضُ عينٍ على المفرَدِ، وكفايةٍ على الجَمَاعَةِ، ورفْعُ الصَّوْتِ به واجبٌ قدرَ ما يحصلُ به السَّماعُ للمُسَلِّمِ، وكذا زيادة الواو. ويُكْرَهُ السَّلامُ على الأَجنبيةِ إلَّا أن تكون عَجُوزًا أو بَرْزَةً، وفي الحَمَّامِ، وعلى من يَأْكُلُ أو يقاتِلُ، وعلى تالٍ، وذاكرٍ، ومُلَبٍّ، وَمُحدِّثٍ، وخطيبٍ، وواعظٍ، وعلى من يَسْتَمعُ لهم، وعلى مُكَرِّرِ فِقْهٍ وَمُدَرِّسٍ، وعلى من يَبْحَثونَ في العِلْمِ، وعلى من يُؤَذِّنُ أو يقيمُ، وعلى من هو على حَاجَتِهِ، أو يتمتعُ بأهله، أو مُشْتَغِلٍ بالقَضَاءِ، ونحوهم، ولا يَجِبُ الرَّدُّ.
ولا يُسَلِّم على المُتَلبسينَ بالمعاصي، كمن يلعبونَ بالشَّطَرنج أو النَّرْدِ، أو يشربونَ الخَمْرَ، أو يلعبونَ بالقمارِ.
وإن سَلَّمَ أحدٌ منهم عليه رَدَّهُ إلَّا أن يغلِبَ على ظنه انزجارُهُ عن المعصية بتركِهِ الرَّدَّ عليه، فإذًا لا يَرُدُّ.
ولا يُسَلِّم على الذِّميّ، فإن كان معه مُسْلمٌ نواهُ بِالسَّلامِ، وإن كَتَبَ كِتابًا إلى كافرٍ، وَكَتَبَ فيه سلامًا كتب: سَلامٌ على من اتَّبَعَ الهُدى.
وإن سَلَّمَ على من ظَنَّهُ مُسْلمًا ثُمَّ عَلِمَ أنَّه ذميٌّ نُدِبَ قَوْلُهُ لَهُ: رُدَّ عليَّ سلامي.
وإن سَلَّمَ أَحَدُهُم لَزِمَ رَدُّهُ فيقال له: وعليك أو وعليكم، وإذا لَقِيَهُ المُسْلِمُ في طريقٍ فلا يوسِّع له بل يضطَرُّه إلى أضْيَقِهِ.
وتُكْرَهُ مصافحتُهُ وتشميتُهُ والتَّعَرُّضُ له بما يُوجِبُ المودةَ بينهما.
وإن شَمَّت الكَافِرُ مسلمًا أجابَهُ بنحو يهديكُمُ الله.
وتَحْرُمُ تهنئَتُهُم وتعزيتُهُم، وعيادتُهُم، وشهودُ عيدِهم، ومُهَاداتُهُم لعيدهم.
ويَحْرُمُ بيعُهُم ما يعملونَ به كنيسةً أو تمثالًا ونحوَه، وكل ما فيه تخصيصٌ لعيدهم وتمييز لهم، وهو من التَّشبُّهِ بهم، والتَّشَبُّهُ بهم منهيٌّ عنه إِجماعًا لقوله عليه السلام:"مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فهو مِنْهُم"(1).
وَيُكْرَهُ أن يَخُصَّ بِالسَّلامِ بعضَ قوم لقيهم، وأن يقولَ: سلامُ اللَّهِ عليكم.
فَائِدَةٌ: ولا يَهْجُرُ المسلمُ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ إلَّا أن يكونَ من أهلِ البِدَعِ والضَّلالِ فيجبُ هجرُهُ على الدَّوامِ.
وَيُسَنُّ هجرُ المتجاهِرِ بالمعاصي ما دام على هذه الحال، والهجرُ المنهيُّ عنه يزول إثْمُهُ بِالسَّلامِ.
وَيُسَنُّ السَّلامُ عِنْدَ الانصراف أيضًا، وإن دَخَلَ بيتًا خاليًا أو مسجدًا خاليًا قال: السَّلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين.
(1) أخرجه أبو داود (4031) من حديث ابن عمر، وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية في "اقتضاء الصراط المستقيم" ص 236: بعد سياقه له: "وهذا إسناد جيد".
وإذا دخل بيته قال: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْألكَ خَيْرَ المَوْلجِ، وَخَيْرَ المَخْرَج، بِسْمِ اللهِ وَلَجْنَا، وبِسْم الله خَرَجْنَا، وَعَلَى الله رَبِّنا تَوَكَّلْنا"؛ ثُمَّ يُسَلِّمُ على أهلِهِ (1).
ويسنُّ السَّلامُ على الصِّبيان تأديبًا لهم، ويُسَنُّ لهم الرّدُّ ليعتادُوه، وإن سَلَّم على صبي وبالغٍ لم يَكْفِ ردُّ الصبي، وإن سَلَّمَ الصبيُّ على بالغٍ وَجَبَ الرَّدُّ في وجهٍ، وهو الصحيحُ.
والمجزئُ في السَّلامِ: السَّلامُ عليكم، وفي الرَّدِّ: وعليكم السَّلامُ، وأكملهُ ابتداءً وردًّا: وبركاتُهُ.
وإن سَلَّمَتْ شابةٌ على رَجُلٍ ردَّهُ عليها، وإن سلَّمَ عليها لا تَرُدُّهُ. وإرسالُ السَّلامِ إلى الأَجنبيةِ لا بأس به للمصلحةِ مع عدم المحذورِ.
والسُّنَّةُ أن يُسَلِّمَ الصغيرُ والقليلُ والماشي والرَّاكبُ على ضِدِّهم، فإن عكسُوا حصلت السُّنَةُ، لكن الوارد يَبْدَأُ مطلقًا.
وإن سَلَّمَ مِنْ وراءِ جدارٍ، أو الغائبُ عن البلدِ برسالةٍ أو كتابةٍ وَجَبَت الإِجابةُ عند البَلاغ.
(1) أخرجه أبو داود (5096)، والطبراني في "الكبير"(3452) من حديث أبي مالك الأشعري، وإسناده ضعيف؛ وذلك أن الراوي عن أبي مالك وهو شريح بن عبيد لم يسمع منه، وبهذا أعله الحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار"(1/ 172).