الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ آدَابِ الأَكْلِ والشُّرْبِ
يُسَنُّ غَسْلُ اليَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وبعده ولو مُتَوضئًا، وأن يتوضأَ الجُنُبُ قبل الأَكلِ والشُرْبِ.
ولا يُكْرَهُ غَسْلُ اليدينِ في الإِناءِ الذي أُكُلَ منه، ويُكْرَهُ بطَعامٍ، وهو القوتُ، ولو دقيقَ حِمِّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَّاءٍ ونحوه، ولا بأس بِنُخَالَةٍ.
وإن دعت الحاجَةُ إلى استعمالِ القُوتِ، كالدَّبغ بدقيقِ الشَّعيرِ، واستعمالِ اللَّبَنِ والدَّقِيقِ للجَربِ ونحو ذلك رُخصَ فيه.
ويُسَنُّ بِتَأَكُّدٍ أن يَتَمَضْمَضَ من شُرْبِ اللَّبَنِ، ويُسَنُّ لِمن أَكَلَ أن يَلْعَقَ أصابِعَهُ قبل غَسْلِهَا أو مَسْحِها، أو يُلْعِقَها لغيره.
ويَعْرِضُ رَبُّ الطعامِ الماءَ لِغَسْلِهِما ويقدِّمُهُ بِقُرْبِ طعامِهِ، ولا يَعْرِضُ الطَّعامَ.
وتُسَنُّ التَّسميةُ على الطَّعامِ والشَّرابِ، ويجهَرُ بها فيقولُ: بِسْمِ الله، ولو زادَ الرَّحمن الرحيم لكان حسنًا. وأن يَأْكُلَ بيمينه، ومِمَّا يليه
ويُكْرَهُ تركُهُما، والأَكْلُ والشُّرْبُ بشمالِهِ إلَّا من ضَرورةٍ، وإن جَعَلَ بيمينه خُبْزًا وبشمالِهِ شيئًا يأْتَدِمُ به، وَجَعَلَ يَأْكُلُ من هذا ومن هذا، كُرِهَ لما فيه من الشَّرَهِ؛ ولأَنَّهُ أَكَلَ بِشِمَالِهِ.
ومَنَ أَكَلَ أو شَرِب بِشمالِهِ شاركَهُ الشَّيطانُ في ذلك. وإن نسيَ التَّسْميةَ في أَوَّلِهِ قال إذا ذَكَرَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وآخِرَهُ. فإن كانوا جماعةً سَمُّوْا كُلُّهُمُ حَتَّى المُمَيِّزُ، ويُسمَّى عمن لا عَقْلَ له.
وإذا فَرَغَ الآكلُ والشَّارِبُ حَمِدَ الله جَهْرًا وقال ما ورد، ومنه:"الحَمْدُ للَّهِ الذي أطْعَمَنا وسَقَانا وجَعَلَنا مسلمين"(1).
"الحَمْدُ للَّهِ الذي أَطْعَمَنِي هذا وَرَزَقَنيهِ، من غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ"(2).
(1) أخرجه أحمد (3/ 32)، وأبو داود (3850) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال الإمام ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 206):"هذا الحديث فيه ضعف واضطراب".
(2)
أخرجه الترمذي (3458) من حديث معاذ بن أنس.
وإسناده ضعيف؛ فيه سهل بن معاذ وعبد الرحمن بن ميمون، وبهما أعل الإِسنادَ الإمامُ ابن مفلح في "الآداب" (3/ 206). وفي الباب عن أبي أيوب الأنصاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَكَلَ أو شَرِبَ قال: "الحَمْدُ للهِ الذي أَطْعَمَ وَسَقى وَسَوَّغ وَجَعَلَ لَه مخرجًا" أخرجه أبو داود (3851)، والبيهقي في "الدعوات الكبيرة"(455) وصححه الحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات الربانية"(5/ 229).
ويُسَنُّ الدُّعاء لصاحِبِ الطَّعامِ ومنهُ: "أفْطَرَ عِنْدَكُم الصائمونَ، وَأَكَلَ طعامَكُمُ الأَبرارُ، وصَلَّت عليكم الملائكة، ونَزَلَتْ عليكم الرَّحْمَةُ، وذكَركم اللَّهُ فيمن عنده"(1).
ويُسَنُّ إذا فَرَغَ من الأَكل ألَّا يُطِيلَ الجُلُوسَ من غَيْرِ حاجةٍ، بل يستأذِنُ رَبَّ المنزلِ وينصرِفُ.
وَيُسمي الشَّارِبُ عِنْدَ كل ابتداءٍ، ويَحْمَدُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ، وإن فَعَلَهُ في أَكْلِ كُلِّ لُقْمةِ كان حسنًا؛ لأَن الإِمام أحمد فَعَلَهُ وقال: أَكْل وحَمْدٌ خَيْرٌ من أَكْلٍ وَصَمتٍ.
ويُكْرَهُ الأَكْلُ من أعلى الطعام، ومن وسطه، فالأَكمل الأَكل من أسفلِهِ وكذلك الكيلُ.
وَيُكْرَهُ نَفْخُ الطَّعَامِ والشَّرَابِ والتَّنفُّسُ في إنائيهِمَا، وأكلهُ حارًّا بلا حاجَةٍ، وأَكلُهُ مِمَّا يَلي غَيْرَهُ إن كان الطَّعامُ نوعًا واحدًا، فإن كان أنواعًا أَو فاكِهةً فلا بأس.
وكُرِهَ شديدًا أن يَتَعَمَّدَ القَوْمَ حينَ وَضْعِ الطَّعامِ فَيَفْجَأَهُم، وأن يَتْبَعَ القومَ من غير أن يُدْعى وهو الطُّفَيْليّ، ولا تقبل شهادتُهُ.
(1) أخرجه أحمد (1/ 138)، وأبو داود (3854)، والطبراني في الدعاء (924) وغيرهم من حديث أنس ولفظه عندهم:"أَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ، وَصلَّتْ عَلَيْكُمْ الملائِكَةُ، وَأَفْطَرَ عِندَكم الصَّائمون"، وإسناده صحيح، وجَوَّد إسناده ابن مفلح في "الآداب"(3/ 208)، وليس عندهم ذكر اللفظ الذي ذكره المصنف.
وقال الشيخ عبد القادر (1): ويحرُمُ التَّطَفُلُ على طعام النَّاس، وهو دخولُهُ مع المَدْعُوينَ من غَيْرِ أن يُدْعَى، وهو ضَرْبٌ من الوَقَاحَةِ والغَصْبِ، ففيه إِثمان، أحدهما: الأَكلُ لِمَا لَمْ يُدْعَ إليه، والآخَرُ: دخولُهُ إلى مَنْزِلِ الغَيْرِ بغَير إذنِهِ، والنَّظَرُ إلى أسرارِهِ والتَّضْييقُ على من حَضَرَ، انتهى.
وكُرِهَ الخُبْزُ الكِبارُ، لأَنَّهُ لا بَرَكَةَ فيه، وأن يتبذلَهُ، فلا يمسَحُ يَدَهُ ولا السكينَ به، ولا يضعُهُ تَحْتَ القَصْعَةِ ولا تحت المِمْلَحَةِ، ويجوزُ وضعُ المِلْحِ وحدَهُ على الخُبْزِ.
وَيُسَنُّ أن يُصَغِّرَ اللُقْمَةَ، ويجيدَ المَضْغَ، ويطيلَ البَلْعَ، لا يأخذ لُقْمَةً حَتَّى يَفْرُغَ من التي قبلَهَا، وتصغيرُ الكَسْرِ، وأن ينويَ بأَكْلِهِ وشُرْبِهِ التَّقَوِّيَ على الطَّاعَةِ، وَيَبْدَأَ الأَكبرُ، والأَعلَمُ، وصاحِبُ البَيْتِ، ويُكْرَهُ لغيرهم السَّبْقُ إلى الأَكلِ. وإذا أَكَلَ معه ضريرٌ أعلمَهُ بما بين يديه.
ويُسَنُّ مَسْحُ الصَّحْفَةِ وأكلُ ما تناثَرَ، والأَكْلُ عِنْدَ حضور رَبِّ الطَّعامِ وإذنِهِ، والأَكْلُ بثلاثِ أصابعٍ، ويُكْرَهُ بما دُونَها، وَبِما فَوْقَها بلا حاجَةٍ، ويُبَاحُ بالمِلْعَقةِ.
ويُكْرَهُ القِرانُ في التَّمْرِ وَنَحْوهِ، مِمَّا جرت العادةُ بتناوُلِهِ إفرادًا، وفِعْلُه ما يَستقذِرُهُ من غيرِهِ، كبصاقٍ ومُخاطٍ وغيرِهما، وأن يَنْفُضَ يَدَهُ
(1) أي الشيخ عبد القادر الجيلاني.
في القَصْعَةِ، وأن يُقَدَّمَ إليها رَأسَهُ عِنْدَ وضعِ اللُّقْمَةِ في فيه، وأن يَغْمِسَ اللقْمَةَ الدَّسِمَةَ في الخَل أَو الخَلَّ في الدَّسَمِ فقد يكرهُهُ غيره، ولا بَأْسَ بوضعِ الخَلِّ والبُقُولِ على المَائِدَةِ غَيْرَ الثومِ والبَصَلِ وما له رائِحَةٌ كريهة، ويَحْسُنُ وضعُ ماءٍ تُدْفَعُ به الغُصَّةُ.
وَيَنْبَغِي أن يُحَوِّلَ وجهَهُ عِنْدَ السُّعَالِ والعُطَاسِ عن الطعامِ، أو يُبْعِدَهُ عَنْهُ، أو يَجْعَلَ على فيه شيئًا؛ لئلا يَخْرُجَ منه بُصَاقٌ فيقَعَ في الطعَامِ.
وإن خَرَجَ من فيه شيءٌ ليرميَ به، صَرَفَ وجهَهُ عن الطَّعامِ، وأخذَهُ بيسارِهِ ورماهُ، ويُكْرَهُ رُدُّهُ إلى القصعةِ، وأن يغمِسَ بقيَّةَ اللُقْمَةِ التي أَكَلَ منها في المَرَقَةِ، وكذا هَنْدَسَةُ اللقْمَةِ؛ وهي أن يَقْضِمَ بأسنانِهِ بَعْضَ أطرافها، ثُمَّ يضعَهَا في الإِدامِ، وأن يتكلَّمَ بما يُسْتقذَرُ أو بما يُضْحِكُ أو يُحْزِنُ، وأن يأكُلَ مُتكئًا، أو مُضْطَجِعًا، أو مُنْبَطِحًا، أو على الطَّريقِ، وأن يعيبَ الطَّعامَ، بل إن اشتهَاهُ أَكَلَ مِنْهُ، وإلَّا تَرَكَهُ، ولا بأس بمدحِهِ، لا من صاحبِهِ فيكرَهُ منه ذَلِكَ لتقويمِهِ له.
وَيُسَنُّ أن يَجْلِسَ على رجْلِهِ اليُسرى، وَيَنْصِبَ اليُمْنى أو يَتَربَّعَ.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ولا يَشْرَبُ الماءَ في أثناءِ الطَّعامِ؛ فإنه أَجودُ في الطِّبِّ. ومَحَلُّهُ إن لم يكن عادةٌ، ولا يَعُبُّ الماءَ عبًّا، بل يأخُذُ إناءَ الماء بيمينِهِ، ويُسَمّي، وينظرُ فيه ثُمَّ يشربُ منه مَصًّا مقطعًا ثلاثًا، ويُكْرَهُ أن يَتنفّس في الإِناءِ، وأن يشربَ من فَمِ