الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الوُضُوءِ
شُروطُهُ ثَمَانِيَةٌ:
انقِطَاعُ ما يوجِبُهُ، والنِّيَّةُ، وَالإِسْلامُ، والعَقْلُ، والتَّمييز، والماءُ الطَّهُورُ المُبَاحُ، وَإِزَالَةُ ما يمنَعُ وصولَهُ، والاستنجاءُ أو الاستجمارُ قَبْلَهُ إن بَالَ أو تَغَوَّطَ.
فالنِّيَّةُ هنا قَصْدُ رَفعِ الحَدَثِ أو قَصْدُ استباحَةِ ما تَجِبُ لَهُ الطَّهَارةُ، كَصَلاةٍ، وطَوافٍ، وَمَسِّ مُصْحَفٍ، أو قَصْدُ ما تُسَنُّ له كَقِراءَةٍ، وذِكْرٍ، وأَذانٍ، وَنَوْمٍ وَرَفْعِ شَكٍّ، وغَضَبٍ، وكَلامٍ مُحَرَّمٍ، وجلوسٍ بِمَسْجِدٍ، وتدريسِ عِلْمٍ، وأَكْلٍ، فمَتَى نَوَى شيئًا من ذَلِكَ ارتَفَعَ حَدَثُهُ.
وإن نَوى التَّجديدَ حَيْثُ سُنَّ وصَلَّى بَيْنَهُمَا ناسيًا حَدَثَهُ ارْتَفَعَ.
ومَحلُّهَا القَلْبُ، فلا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِهِ بِخِلافِ قَصْدِهِ، ولا شكُّهُ في النِّيَّةِ أو في فَرْضٍ بَعْدَ فَراغِ كُلِّ عِبَادَةٍ، وإن شَكَّ في النِّيَّةِ قَبْلَ فَراغِها اسْتَأْنَفَ.
وواجبُهُ التَّسمِيةُ، وتَسْقُطُ سَهْوًا وَجَهْلًا، وغسل يدي قَائِمٍ من نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوضُوءٍ، وشَرْطُهُ النِّيَّةُ، وَوَاجِبُهُ التَّسمِيَةُ، ويسقطُ أيضًا سَهْوًا وَجَهْلًا.
وفروضُ الوضُوءِ سِتّةٌ:
الأَول: غَسْلُ الوَجْهِ، ومِنْهُ المَضْمَضَةُ والاستنشاقُ. وحَدُّهُ طُولًا من مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ المُعْتَادِ غَالِبًا مَعَ ما انْحَدَرَ من اللَّحْيَيْنِ والذَّقْنِ، وَعَرْضًا من الأُذُنِ إلى الأُذُنِ. فَيَجِبُ غَسلُ الشعورِ الثَّمَانِيَةِ التي فيه، وَغَسْلُ ما تَحْتَها إن كانت خفيفةً، وإلَّا فيجبُ غَسْلُ ظاهِرها، ويُسَنُّ تَخْلِيلُ بَاطِنها.
الثَّاني: غسل اليدينِ مع المِرْفَقينِ، ولا يَضُرُّ وسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ الأَظْفَارِ وداخِلَ الأَنْفِ ولو مَنَعَ وصولَ المَاءِ، وَيَجِبُ غَسْلُ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ ويدٍ أَصْلُها في مَحَلِّ الفَرْضِ، أو غَيْرِهِ ولم تتميَّز، وإن حَصَلَ في بعضِ أعضائِهِ شَقٌّ أو ثَقْبٌ لَزِمَ غسلُهُ.
الثَّالِثُ: مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ ومِنه الأُذُنَانِ، فيُفْتَرَضُ مَسْحُهُما.
وهو من حَدِّ الوجهِ إلى ما يُسَمَّى قفا، والسُّنَّةُ في مَسْحِهِ أن يَبْدَأَ بيديْهِ مَبْلُولَتينِ من مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، فيضَعُ طَرَفَ إِحْدَى سبابتَيْهِ على طَرَفِ الُأخْرى ويَضَعُ الِإبهامَيْنِ على الصُّدْغَيْنِ ثُمَّ يُمِرُّهُما إلى قفاه ثُمَّ يَرُدهُما إلى مُقَدَّمِهِ بِمَاءٍ واحد، ويُجْزِئُ غَسْلُهُ مع الكراهَةِ إن أَمَرَّ يَدَهُ.
وَيَجِبُ مَسْحُ الأُذُنَيْنِ ظَاهِرِهما وباطِنِهِما، ويُسَنُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ، والسُّنَّةُ في مَسْحِهِما أن يُدْخِلَ سبابتيهِ في صماخَيْهِمَا ويَمْسَحُ بإبهامَيهِ ظَاهِرَهمَا، ولا يَجِبُ مَسْحُ ما اسْتَتَرَ بالغَضَارِيفِ.
الرَّابعُ: غَسْلُ الرِّجْلينِ مَعَ الكَعْبَيْنِ، وهُما العَظْمَانِ النَّاتِئَانِ في جَانِبَيْ الرِّجْلِ.
وإن كَانَ أقْطَعَ وَجَبَ غَسْلُ ما بَقِي من مَحَلِّ الفَرْضِ أَصْلًا أو تَبَعًا كَرَأْسِ عَضُدٍ وسَاقٍ، وكذا تَيمُّمٌ، فإن لم يبقَ شيءٌ سَقَطَ، لكن يُسَنُّ أن يَمْسَحَ مَحَلَّ القَطْعِ بالمَاءِ.
وإذا وَجَدَ الأَقْطَعُ ونحوُه من يُوضِّئُه بِأُجْرَةِ المِثْلِ، وَقَدَر عليها من غيرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ، وإن وَجَدَ من يُيَمِّمُهُ لا من يُوَضِّئُه لَزِمَهُ ذَلِكَ، فإن لم يَجِدْ، صَلَّى على حَسَبِ حَالِه، ولا إعادةَ عليه، واسْتِنْجَاءٌ مثلُهُ.
وإن تَبَرَّعَ أَحَدٌ بتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ القبول.
الخَامِسُ: التَّرتيبُ، بِأَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ ويَخْتِمُ بِمَا خَتَمَ اللهُ بِهِ، فلو انْغَمَسَ في ماءٍ كَثيرٍ بنيةِ رَفْعِ الحَدَثِ لَم يَرْتَفِعْ حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتّبًا، فَيُخْرِجُ وَجْههُ ثُمَّ يديهِ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَخرُجُ من المَاءِ.
السَّادِسُ: المُوالاةُ، وهي أن لا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَنْشَفَ الذي قَبْلَهُ، يَليه في زَمَن مُعْتَدِلٍ أو قَدْرِه مِن غيرِه. ولا يَضُرُّ جَفافٌ
لاشْتِغالِهِ بِسُنَّةٍ، كتَخْلِيلٍ، وإسْبَاغٍ، وإِزَالةِ شَكٍّ ووسْوَسَةٍ. ويَضُرُّ إسْرَافٌ، وإزالَةُ وسَخٍ ونحوِه، لغيرِ طَهَارَةٍ، وَتَضُرُّ الإِطَالَةُ في إزالَةِ نَجِسٍ وَتَحْصِيلِ مَاءٍ.
ومن سُنَنِ الوُضُوء:
اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، والسِّوَاكُ، وَغَسْلُ الكَفَّيْنِ ثلاثًا، والبداءَةُ قَبْلَ غَسْلِ الوَجْهِ بالمَضْمَضَةِ والاسْتِنْشَاقِ، والمُبَالَغَةُ فيهما لغيرِ صَائِمٍ، والمُبَالَغَةُ في سائِرِ الأَعْضَاءِ مُطلقًا، والزِيَادَةُ في مَاءِ الوَجْهِ، وتَخْلِيلُ اللِّحيَةِ الكَثَّةِ، وتَخْلِيلُ الأَصَابِعِ، وأخذُ مَاءٍ جَديدٍ للأُذُنَينِ، وتقديمُ اليُمْنى على اليُسْرى، ومجاوزَةُ مَحلِّ الفَرْضِ، وتكرارُ الغسل ثلاثًا لا المَسْحِ، واستصحابُ ذِكْرِ النِّيَّةِ إلى آخِرِ الوضوء، والإِتيانُ بِهَا عِنْدَ أول سُنَنِ الطَّهَارَةِ، وأن يَتَوَلَّى وضوءه بنفسِهِ من غير مُعَاوَنَةٍ، وَرَفْعُ بَصَرِهِ فيه وفي الغُسْلِ إلى السَّماءِ بَعْدَ فَراغِهِ مع قوله:"أَشْهَدُ أن لا إِله إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسُولُه"(1)، "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي من التَّوَّابِينَ، واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ"(2)، "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أن لا إِلهَ إلَّا
(1) أخرجه مسلم (1/ 210) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
أخرج هذه الزيادة الترمذي (55) بإسناد صحيح، وقد أفاض العلامة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في الكلام عليها في "حاشيته على سنن الترمذي"(1/ 78 - 83).
أنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِليْكَ" (1).
ويُكْرَهُ الإِسْرافُ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ، وَنَفْضُ المَاءِ عن الأَعْضَاءِ، وإراقَةُ ماءِ الطَّهَارَةِ حيثُ يُداسُ أو في المَسْجِدِ.
وَيُبَاحُ الوُضُوء والغُسْلُ فيه إذا أَمِنَ الضَّرَرَ، والتَّنْشِيفُ.
وصفَتُهُ:
أن يَنْوِيَ ثُمَّ يُسَمِّيَ وَيَغْسِلَ كفيه ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ ويستنْشِقَ، ثُمَّ يَغْسِلَ وجهَهُ ثُمَّ يديهِ مع مرفقيهِ، ثُمَّ يَمْسَحَ جميعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ، والبَياض فَوْقَ الأُذنينِ منه، ثُمَّ يَمْسَحَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيهِ مع كَعْبيهِ.
* * *
(1) أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"(81)، والطبراني في "الدعاء"(388 - 391)، والحاكم (1/ 564، 565) وإسناده صحيح من حديث أبي سعيد الخدري إلَّا أنه اختُلف في وقفه ورفعه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "التلخيص"(1/ 102) و "نتائج الأفكار"(1/ 248 - 250)، وقال في الأخير منهما:"هذا مِمَّا لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، والله أعلم".