الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْل
ومن اشترَى مَكيلًا أو مَوْزونًا أو مَعْدودًا أو مَذْروعًا لَزِمَ بالعَقْدِ ولم يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَحْصُلُ قَبْضُ ما بِيعَ بكيلٍ ونحوه بِذَلِكَ مع حضورِ المُشْتَرِي أو نائبِهِ أو وعائِهِ، ويُكْرَهُ زَلْزَلَةُ الكَيلِ.
وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ في غَيْرِ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِهِ إلَّا المبيعَ بِصِفَةٍ أو رؤيةٍ مُتَقَدِّمَةٍ، ويحصُلُ قَبْضُ صُبْرَةٍ وَمَنْقُولٍ بنقلٍ، وما يُتناوَلُ بتناولِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ بالتَّخْلِيَةِ.
فَائِدَة: والإقَالَةُ لِلنَادِم من بائعٍ ومُشْتَرٍ سُنَّةٌ، وهي فَسْخٌ.
تَنْبِيه: ما قَبْضُهُ شرط لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فيه إذا تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ فعلى بائعٍ، وإلَّا فَعَلَى مُشْتَرٍ ما لم يَمْنَعْهُ مِنْهُ بائِع أو يكن ثَمَرًا على شَجَرٍ.
فَصْلٌ
الرِّبَا مِنَ الذنُوبِ العِظَامِ بل الكبَائِرِ المُوبِقَاتِ، يَجِبُ التّنزُّهُ عنه باتفاقِ الخَلِيقَاتِ، وهو نَوْعانِ: رِبا فَضْلٍ، ورِبَا نَسِيئَةٍ.
فَرِبَا الفَضْلِ يَحْرُمُ في كُلِّ مَكِيلٍ وموزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا ولو يَسيرًا لا يتأتى لِحَبَّةِ حنطَةٍ وأَرْزَةٍ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ بِهِ مُتَساوِيًا وبغيرِهِ مُطْلقًا، ويشتَرطُ فيهما القَبْضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ.
ولا يَصِحُّ بَيع مَكيلٍ بِجِنْسِهِ وَزنًا ولا موزونٍ بجنسِهِ كيلًا إلَّا إذا عَلِمَ تساويَهمَا في معيارِهِما الشَّرْعي.
وَرِبا النَّسِيئةِ يَحْرُمُ فيما اتفقا في علةِ رِبا الفَضْل كَمَكيلٍ بِمَكيلٍ وموزونٍ بموزونٍ نَسَاءً، إلَّا أن يكونَ الثمَنُ أحدَ النَقْدينِ فَيَصِحُّ.
وَيَصِحُّ بيع مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ وعكسُهُ مُطْلقًا، ويجوزُ صَرْفُ ذهبٍ بِفِضّةٍ وعكسُهُ بِشَرْطِ القَبْضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فإذا افتَرَقَ المُتَصارِفَانِ بَطَلَ العَقْدُ فيما لم يقبَضُ، وَيَحْرُمُ تعاطيهما عَقْدًا فَاسِدًا، فلا يملكُ بِهِ ولا ينفُذُ تَصَرُّفُهُ ويضمنُهُ وزيادتهُ بالقيمةِ كمغصوبِ لا بالثَّمَنِ، ويعزّرُ فَاعِلُهُ.
تَنْبِيهٌ: الربا من أَكْبَرِ المُحَرَّمَاتِ، بل هو من الكَبَائِرِ العِظَامِ والسَّبع المُوبِقَاتِ، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)} [البقرة: 278، 279].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ"، قِيلَ: يا رسُول اللهِ وما هي؟ قال: "الشِّرْكُ بالله، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إلَّا بالحَقّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْف المُحْصَناتِ الغَافِلاتِ
المُؤْمِنَاتِ". متفق عليه (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ الله آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وكَاتِبَهُ". رواه الخمسة (2).
والأَحاديثُ في ذَلِكَ أَكْثَرُ من أن تُذْكَرَ وَأَشْهَرُ من أن تُشْهَرَ، ونَاهِيكَ بِذَنْبٍ تَوَعّدَ اللهُ فَاعِلَهُ بالمُحَارَبَةِ وَلَعَنَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الكريمُ وشاهدَيهِ وكاتِبَهُ. ومِنْ أَعْجَبِ العَجَائِبِ، وأَبْهَرِ الوَقَائِع، وأعظمِ ما يَتَّعِظُّ بِهِ أولوا البَصائِرِ، وَأَبْلَغِ ما يَعْتَبِرُ به العُقَلاءُ من الأَوائِلِ والأَوَاخِرِ، ما حُكِيَ أن سُليمان بن داود عليهما السلام احتاجَ إلى حنطةٍ فَبَعَثَ إلى وادِ النَّمْلِ فاقتَرَضَ مِنْهُم، فقالت النَّمْلَةُ إلى غَداةِ غَدٍ، فَلَمَّا أَصْبَحوا إذا الوادي بأَسْرِهِ حِنْطَة، فَلَمَّا أَخْصَبَت الأَرْضُ بَعَثَ إليهم سُليمان أضعافَ ذَلِكَ، فَأَخَذُوا مِقْدار ما أقْرَضُوا، وتَركوا البَاقِي مَكانَهُ، فَأَرْسَلَ إِليهم سليمان يُعاتِبُهُم على ذَلِكَ فقالت النَّمْلَةُ: إِنَّا مَعاشِرَ النمْلِ لا نَأْكُلُ الربا. ذَكَرَهُ وَهْب.
فلِلهِ دَرُّ عَاقِلٍ فَطِنٍ رَحِيمٍ بِنَفْسِهِ اتعظَ بهذِهِ القِصَّةِ، وَسَلَكَ سبيلَ هَذِهِ النَّملة، فَتَدَارَكَ ما أسْلَفَهُ ما دامَ في زمن المُهْلَةِ، ولم يَغْتَرَّ بمن باعَ أُخراهُ بدنياه، واتّخَذَ إلهَهُ هَواهُ، وَجَعَلَ دينَهُ وعبادَتَهُ تحصيلَ
(1) أخرجه البخاري (5/ 393)، ومسلم (1/ 92) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه مسلم (3/ 1219) من حديث جابر وانظر ذكر طرقه ووروده عن بعض الصحابة الآخرين "الترغيب والترهيب" للمنذري (2/ 615، 616).