الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السِّقاءِ وثُلمةِ الإِناءِ أو مُحاذيًا للعُروَةِ المُتَّصِلَةِ بَرَأْسِ الإِناءِ.
ولا يُكْرَهُ الأَكلُ والشُّرْبُ قائمًا والأَكملُ قَاعِدًا.
فَائِدَةٌ: وماءُ آبارِ ثَمُودَ لا يُباحُ شُرْبُهُ، ولا الطَّبْخُ به، ولا استعمالُهُ، فإن طَبَخَ منه، أو عَجَنَ أَكْفَأَ القِدْرَ، وعَلَفَ العجينَ النَّواضِحَ، ويُبَاحُ منها بِئْرُ النَّاقَةِ.
وديارُ قوم لوطٍ يُكْرَهُ شُرْبُ مائِهَا واستعمالُهُ، لأَنَّها مسخوطٌ عليها.
فَصْلٌ
وإذا شَرِبَ يُسْتَحَبُّ أن يُناولَهُ الأَيمنَ، وكذا غسلُ اليدين ورشُّ الماوَرْدِ ونحوِه، ويبدأُ في ذلك بأفضلهم ثُمَّ بمن على اليمين.
ويُسَنُّ أن يَغُضَّ طَرْفَهُ عن جليسِهِ، وأن يؤثر على نفسه المحتاجَ، وأن يُخَلِّلَ أسنانَهُ إن عَلِقَ بها شيءٌ لا في أثناءِ الطَّعامِ ولا بِعُودٍ يَضُرُّهُ، ويُكْرَهُ ابتلاعُ ما قلعَهُ بالخِلالِ لا ما قَلَعَهُ بلسانِهِ.
ولا يأكُلْ مِما شُرِبَ عليه الخَمْرُ ولا مُخْتَلِطًا بحرام إلَّا لضرورةٍ، ولا يُلَقِّمْ جليسَهُ ولا يَفْسَحْ لغيرِهِ، ولا يُطْعِمْ هرًّا ولا سائِلًا إلَّا بإذنِ رَبِّ الطَّعَامِ، وفي معنى ذلك تقديمُ الضَّيْفِ ما لديه إِلى غَيْرِهِ، ولا يَخْلِط طعامًا بطعامٍ، وقطعُ اللَّحْمِ بالسِّكينِ جَائِز.
فَائِدَةٌ: يُبَاحُ النّهْدُ، وهو أن يُخْرِجَ كُلُّ واحدٍ من رُفقةٍ شيئًا من
النَّفَقَةِ، ويدفعونَهُ إلى من يَنْفِقُ عليهم منه، ويأكلونَ جميعًا، فلو أَكَلَ بعضُهُمْ أَكْثَرَ أو تَصَدَّقَ منه فلا بَأْسَ.
والسُّنَّةُ أن يكونَ البَطْنُ أَثلاثًا:
ثُلثًا للطَّعامِ، وثُلثًا للشَّرابِ، وثُلثًا للنَّفَس.
ويَحْرمُ أكلُهُ كثيرًا بحيثُ يتأذَّى وَيَتَّخِمُ.
ويُكْرَهُ إدمانُ أَكْلِ اللَّحْمِ، وتقليلُ الطَّعام بحيثُ يَضُرُّهُ، ومِنَ السَّرفِ أن تَأْكُلَ كلما اشْتَهَيْتَ.
ويأكُلُ ويشرَبُ مع أبناء الدُّنيا بالأَدبِ والمُروءَةِ، ومع الفُقراءِ بالإِيثار، ومع الإِخوانِ بالانْبِساطِ، ومع العلماءِ بالتَّعَلُّم، ولا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلى المكانِ الذي يخرجُ منه الطَّعامُ.
وَيُسَنُّ الأَكْلُ مع الزَّوْجَةِ والولَدِ، ولو طِفْلًا، وأَن تكثُرَ ألأَيدي على الطَّعامِ، وأن يُجْلِسَ عبدَهُ على الطَّعامِ، فإن لم يُجْلِسْهُ أطْعَمَهُ منه.
وَيُسَنُّ لمن أَكَلَ مع جماعة ألَّا يَرْفَع يَدَهُ حَتَّى يكتَفُوا.
ويُسَنُّ أن يُباسِطَ الإِخْوانَ بالحديثِ الطَّيِّبِ والحكاياتِ التي تليقُ بالحالِ إذا كانوا مُنقبضينَ، ويُقدِّم ما حَضَرَ من الطَّعامِ من غير تَكَلُّفٍ، ولا يَحْتَقِرهُ فيمتنعَ من تقديمِهِ. قال الشَّاعِرُ:
نُقَدِّمُ للضَّيْفِ ما عِنْدَنا
…
وإن لم يَكُنْ غَيْرَ خَلٍّ وَبَقْلْ
فَأَمَّا الكَرِيمُ فَيَرْضى بِهِ
…
وَأَمَّا اللئيمُ فَمَنْ لَمْ نُبَلْ
وقلت:
إذا جاءك الزَّائرُ مُخْلِصًا
…
فَأَحْسِنْ قِرَاهُ مِمَّا حَضَرْ
وبادِرْ أُخَيَّ بِلا كُلْفَةٍ
…
لَهُ فالشَّرْعُ عَنْها زَجَرْ
فَأَمَّا الكَرِيمُ فَيَرْضَى بِمَا
…
تَيَسَّرْ وذو اللؤمِ لا يُعْتبَرْ
وإذا كان الطَّعامُ قليلًا والضُّيوفُ كثيرةً فالأَولى تركُ الدَّعوةِ.
ويُسَنُّ أن يَخُصَّ بدعوتِهِ الأَتقياءَ والصَّالِحين، وإذا طَبَخَ مَرَقَةً أن يُكْثِرَ ماءها ويتعاهدَ مَعَهُ بعضَ جيرانِهِ.
تَنْبِيهٌ: وإقراءُ الضَّيْفِ مسنونٌ بِتَأَكُّدٍ، ولا خَيْرَ فيمن لا يُضَيِّفُ.
ومن آدابِ إحضار الطَّعامِ تعجيلُهُ وتقديمُ الفاكهةِ قَبْلَ غيرها؛ لأَنَّهُ أَصْلَحُ في بابِ الطِّبِّ، ولا يستأْذِنُهُم في التَّقْدِيم.
ومِنَ التكلُّفِ أنْ يُقَدِّمَ جميعَ ما عِنْدَهُ، ولا يجمعْ بين النَّوى والتَّمْرِ في طَبَقٍ، ولا يجمَعهُ في كفِّهِ، بل يَضَعُهُ من فيه على ظهرِ كَفِّهِ، وكذا كُلُّ ما فيه عَجَمٌ وثُفْلٌ (1).
ولا يَخْلِطْ قِشْرَ البطِّيخِ الذي أَكلَهُ بما لم يُؤْكَلْ، ولا يَرمِ به، بل
(1) العَجَمُ بالتحريك: النَّوى وكُل ما كان في جوف مأكول الزبيب وما أشبه، والثُّفْلُ: ما يَثْفُلُ من كل شيء، وقولهم: تركتُ بني فلان متثافلين، أي يأكلون الثفل، يعنون الحَبَّ إذا لم يكن لهم لبن، وكان طعامهم الحب، ذكره ابن مفلح في "الآداب الشرعية"(3/ 216).
يَجْمَعُهُ مُنْفردًا عنده ثُمَّ يُلْقيه.
ولِرَبِّ الطَّعامِ أن يَخُصَّ بعض الضيفانِ بشيءٍ طَيِّبٍ إذا لم يَتَأَذَّ غيرُهُ.
ويُسَنُّ للضَّيْفِ أن يُفْضِلَ شيئًا لا سيَّما إن كانَ مِمَّنْ يُتبَرَّكُ بفضلتِهِ (1)، أو كانَ ثَمَّ حاجةٌ.
وفي "شرح مسلم" للنَّووي رحمه الله تعالى: يُسْتَحَبُ لصاحِبِ الطَّعامِ، وأهلِ الطَّعامِ الأَكلُ بعد فراغِ الضَّيفانِ (2). والأَولى النَّظَرُ في قَرائِنِ الحَالِ.
ولا يُشْرَع تقبيلُ الخُبْزِ ولا شيء من الجماداتِ، إلَّا ما وردَ بِهِ الشَّرْعُ كالحجرِ الأَسود.
ويُكْرَهُ أن يَأْكُلَ ما انْتَفَخَ من الخُبْزِ ووجْهَهُ، ويَتْرُكَ الباقي. ولا يقتَرح الزَّائِرُ طعامًا بعينِهِ، وإن خُيِّرَ بين طعامَيْنِ، اختارَ الأَيْسَرَ، إلَّا أن يعلمَ أنَّ مُضَيِّفَهُ يُسَرُّ باقتراحِهِ ولا يقصِّرُ عن تحصيلِ ذلك.
وينبغي ألَّا يقصدَ بالإِجابةِ إلى الدَّعْوةِ نفسَ الأَكْلِ، بل يَنْوي بها الاقتداءَ بالسُّنَّةِ، وإكرامَ أخيه المُسْلم، وصيانَةَ نفسِهِ عن مُسِيءٍ به الظَّنَّ، بالتَّكبُّرِ.
(1) لا يجوز التبرك بأحدٍ من المخلوقين، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة اللَّهُمَّ إلَّا ما كان من الصحابة في عهد الرسول فيما يتعلق به صلى الله عليه وسلم.
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (13/ 222).
وَيُسَنُّ أن يجْعَلَ ماءَ الأَيْدي في طَسْتٍ واحدٍ، ولا يَرْفَعْهُ حَتَّى يمتلئَ، ولا يَضَعَ الصَّابونَ في ماءِ الطسْتِ بَعْدَ غسل يَدِهِ.
ومن أَكَلَ طعامًا فليقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فيه، وأَطْعِمْنا خَيْرًا منه.
وإذا شَرِبَ لبنًا قال: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لنا فيه، وزِدْنا منه"(1).
وإذا وَقَعَ الذُّبَابُ ونحوُهُ في طعامٍ أو شراب، سُن غَمْسُهُ كُلِّهِ فيه ثُمَّ ليَطْرَحْهُ. وَيَغْسِلُ يديْهِ وَفَمَهُ من ثُومٍ وَبَصَلٍ وزُهُومةٍ ورائحةٍ كريهةٍ، ويتأكَّدُ عند النَّوْمِ.
واعلم أن في الثَّريدِ فَضْلًا على غيره من الطَّعامِ، وهو أن يَثْرُدَ الخُبْزَ -أي يَفُتَّهُ- ثُمَّ يَبُلَّهُ بِمَرقِ لحمٍ أو غيره.
وإذا ثَرَدَ غَطَّاه شيئًا حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَهُ؛ فإنه أَعْظَمُ للبَرَكَةِ.
ويُكْرَهُ رَفْعُ يَدِهِ قبلَهُم بلا قرينةٍ، وأن يُقيمَ غيره عن الطَّعامِ قبل فراغِهِ؛ لما فيه من قطع لذَّته، ولا يقومُ عن الطَّعامِ حَتَّى يُرفَع إلَّا لحاجة.
وإن أَكَلَ تَمْرًا عتيقًا ونحوه فَتَّشَه، وأَخْرَجَ سُوسَهُ. وإطعامُ الخُبْزِ البَهِيمَةَ ترْكُهُ أَوْلى إلَّا أن يكونَ يسيرًا أو لحاجةٍ.
(1) أخرجه ابن ماجه (3322) من حديث ابن عباس وإسناده ضعيف؛ لكن له طريق أخرى: أخرجها أحمد (1/ 225)، والترمذي (3455) وغيرهما، وإسنادها ضعيف، وقد حسنه لطرقه الحافظ ابن حجر في "أمالي الأذكار" كما في "الفتوحات الربانية" لابن علان (5/ 238).
ومن السُّنَّةِ أن يَخْرُجَ مع ضَيْفِه إلى بابِ الدَّارِ، ويحسُنُ أن يَأْخُذَ بركابِهِ لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ أَخَذَ بِرِكَابِ مَنْ لا يَرْجُوهُ ولا يَخَافُهُ غُفِرَ لَهُ"(1).
وينبغي للإنسان أن يتواضعَ في مجلسِهِ، وإذا حضرَ أن لا يَتَصَدَّرَ، وإن عَيَّنَ له صاحِبُ البيتِ مكانًا لا يَتَعَدَّاه.
والنِّثارُ في العُرْسِ وغيرِه مكروهٌ، وكذا التقاطُهُ، لأَنَّهُ شبيهٌ بالنِّهبةِ، والتقاطُهُ دناءَةٌ، وإسقاطُ مروءةٍ. ومن أخذَ منه شيئًا ملكَهُ، ومن حَصَلَ في حجره منه شيءٌ فهو لَهُ، كما لو وَثَبَتْ سمكةٌ من البحر فوقعَتْ في حِجْرِهِ. وأما قَسْمُ ذَلِكَ على الحاضرين فليس بمكروهٍ، وكذا إن وَضَعَهُ بين أيديهم، وأَذِنَ لهم في أخذه على وَجْهٍ لا يقَعُ فيه تناهُبٌ.
* * *
(1) أخرجه الخطيب في "الجامع"(1/ 187، 188) من حديث ابن عباس وهو حديث باطل كما قال الحافظ الذهبي في "الميزان"(3/ 209).