الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَحْرُمُ أن يَحْلِبَ من لبنِهِ ما يضُرُّ بولدِهِ، ويُسَنُّ للحالِبِ أن يَقُصَّ أظفارَهُ لئلا يَجْرَحَ الضَّرْعَ. وجيفته له، ونقلها عليه، فيلزمه أن ينقلها إلى مكانٍ يدفعُ فيه ضَرَرَها عن النَّاسِ.
وَيَحْرُمُ ضَرْبٌ وَوَسْمٌ فِي الوجْهِ إلَّا لمداواة، وفي الآدميِّ أَشدُّ، ويُكْرَهُ خَصْيُ غير غَنَمٍ، وديوكٍ، ويحرمُ في الآدميِّ لِغَيْرِ قِصاصٍ.
وَيُكْرَهُ تعليقُ جَرَسٍ وَوَتْرٍ، وَجَزُّ معرفةٍ وناصيةٍ وَذَنَبٍ.
وَيَحْرُمُ لَعْنُ الدَّابة، قال الإمام أحمد: قال الصَّالِحُونَ: لا تُقْبَلُ شهادتُه، وإن امتنَعَ من الإنفاق على دابَّتِهِ أجْبِرَ على ذَلِكَ، فإن أبى أو عَجَزَ أجْبِرَ على بَيعٍ أو إجارةٍ أو ذبحِ مَأْكُولٍ، فإن أبى فعلى الحاكم الأَصلحُ أو اقتَرضَ عليه.
ويجوزُ الانتفاعُ بها في غير ما خُلِقَت له كَبَقَرٍ للحملِ أو الرَّكوبِ، وإبلِ، وحُمْرٍ للحرثِ ونحوه، ولا يجوزُ قَتْلُهَا ولا ذَبْحُها للإِراحَةِ، كما لا يجوزُ قَتْلُ الآدميِّ المُتَأَلِّمِ بالأَمراضِ الصَّعْبَةِ.
فَصْلٌ في بِرِّ الوَالدينِ وصِلَة الرَّحِمِ
هو فَرْضُ عَيْنٍ على كُلِّ وَلَدٍ له أبوانِ أو واحدٌ، وعُقُوقُهما من أكبر الكبائر. قال الله عز وجل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)
…
} [الإسراء: 23]، الآية.
وقال تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15].
وقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} [لقمان: 14].
وروى ابن عباس عن النِّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لِوالِدَيْهِ، أَصْبَحَ وَلَهُ بابانِ مَفْتُوحانِ مِنَ النَّارِ، ومن أَمسى مُسْخِطًا لوالِديهِ أَمْسَى وله بابانِ مَفْتوحانِ من النَّارِ، وإن كان واحدٌ فواحدٌ، وإِنْ ظَلَمَاهُ، وإِنْ ظَلَمَاهُ، وإِن ظَلَمَاهُ"(1).
وعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رِضى الرَّبِّ في رضى الوالدينِ، وَسَخَطُهُ في سَخَطِهما"(2).
وقال عليه السلام: "لا يُجْزِي وَلَدٌ والدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ"(3).
وقال عليه السلام: "بابانِ مُعَجلَةٌ عُقُوبَتُهُمَا في الدُّنيا: البَغْيُ والعُقُوقُ"(4).
(1) أخرجه البيهقي في "الشعب"(7916)، من حديث ابن عباس، وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(2/ 216)، "أخرجه البيهقي ولا يصح".
(2)
أخرجه الترمذي (1899)، والحسن بن سفيان في "الأربعين"(34) وإسناده ضعيف؛ فيه عطاء العامري لا يعرف كما قال الذهبي في "الميزان"(3/ 78).
(3)
أخرجه مسلم (2/ 1148)، من حديث أبي هريرة.
(4)
أخرجه الحاكم (4/ 177)، من حديث أنس، وقد صححه الحاكم ووافقه الذَّهبي وهو كما قالا.
وعن عبد الله بن عمرو قال: جاءَ رَجُلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إِنِّي أُرِيدُ الجِهَادَ فقال: "أَلَكَ أَبَوانِ؟ "، قال: نعم، قال:"فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"(1).
وقال عليه السلام: "ثَلاثَةٌ لا يَدْخُلونَ الجَنَّةَ أبدًا: العَاقُّ لِوالديهِ، والدَّيُّوثُ، وَرَجلَةُ النِّسَاءِ"(2).
وقال عليه السلام: "ثَلاثَةٌ لا يَنْفَعُ مَعَهُنَّ عَمَلٌ: الشِّرْكُ باللهِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، والفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ"(3).
وقال عليه السلام: "ثَلاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمُ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ الخَمْرَ، والعَاقُّ لوالِديهِ، والدَّيُّوثُ الذي يُقِرُّ في أَهْلِهِ الخَبَثَ"(4).
وَصِفَةُ البِّرِّ أن تكفيَهُما ما يحتاجانِ إِليه، وَتُكَفَّ عَنْهُما الأَذى، وتُدارِيَهُمَا مُداراةَ الطَّفْلِ الصَّغيرِ، وألَّا تَضجَرَ من حاجَتِهِما، وأن تُقَدِّمَ خدمَتهُما على كثيرٍ من نوافِلِكَ من صَلاةٍ وصيامٍ وغيرهما، وتَسْتَغْفِرَ لَهُما، ويتأكدُ عَقِبَ صَلاتِكَ، ولا تُحْوِجهُما إلى التَّعَبِ،
(1) أخرجه البخاري (6/ 140)، ومسلم (4/ 1975).
(2)
أخرجه النسائي في "الكبرى"(2343)، والبزار (1875، كشف الأستار)، والحاكم (1/ 72)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وهو صحيح، وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 147):"رواه البزار بإسنادين، ورجالهما ثقات".
(3)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(2/ 90)، من حديث ثوبان، وقال الهيثمي في "المجمع" (1/ 104):"وفيه يزيد بن ربيعة، ضعيف جدًّا".
(4)
أخرجه أحمد (2/ 69، 134)، والنسائي (5/ 80)، وغيرهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وإسناده حسن.
وتَتَحَمَّلَ أَذاهُما، ولا تُعْلِي صَوْتَكَ على صَوْتِهِمَا، ولا تُخَالفهُما فيما لا يكونُ فيه تَرْكُ شيءٍ من فَرائِضِ الله كَحَجَّةِ الإسلامِ، والصَّلواتِ الخَمْسِ، والزَّكَاةِ، والكَفَّارَةِ، والنَّذْرِ، وَطَلَبِ العِلْمِ المَفْرُوضِ وغير ذلك، ولا تُطِعهُما في ارتكابِ مُحَرَّمٍ من مَحارِمِ الله تعالى كالزِّنا، وَشُرْبِ الخَمْرِ، والقَتْلِ، والقَذْفِ، والغَصْبِ، والسَّرِقَةِ، وغيرِ ذلك من المناهي لقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"لا طَاعَةَ لأَحَدٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى"(1).
ولقوله عليه السلام: "لا طَاعَة لِمَخْلُوقٍ في مَعْصِيَةِ الخَالِقِ"(2).
ولقوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15]، فهذا الحديثُ وهذه الآيةُ عامَّانِ في وجُوبِ مُخالَفَةِ كُلِّ من يَأْمُرُ بمعصيةِ الله تعالى أو تَرْكِ طاعتِهِ.
وسُئِلَ الإمامُ أحمد عن الرَّجُلِ ينهاهُ أَبُوهُ عن الصَّلاةِ في الجَمَاعَةِ فقال: لَيْسَ لَهُمَا طاعةٌ في الفَرْضِ، وأمَّا النَّوافلُ فيجوزُ تَرْكُها لطاعتِهِمَا؛ بل الأَفضلُ طاعَتُهُمَا فيها.
(1) أخرجه أحمد (5/ 66)، والبزار (1613)، من حديث الحكم بن عمرو، وقال الهيثمي في "المجمع" (5/ 226):"ورجاله رجال الصحيح" وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح"(13/ 123): "وسنده قوي".
(2)
أخرجه الطبراني في "الكبير"(18/ رقم 367، 437، 571)، من حديث عمران بن حصين، وإسناده جيد.
ومن البِرِّ لهما أن تَصِلَ من وَصَلَهُمَا، وَتَهْجُرَ من هَجَرَهُمَا، وتَغْضَبَ لَهُما كما تَغْضَبُ لِنَفْسِكَ في الموتِ والحياةِ، وإذا ثارَ طبعُكَ في الغَضَبِ عليهما فاذكر تَرْبيتَهُمَا وَسَهَرَهُمَا وتَعَبَهُما وإشفاقَهُما، واذكر قول الله سبحانه لك:{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} [الإسراء: 23]، فإن لم يَرْدَعَك ذَلِكَ عن غَيْظِكَ عليهما، ولم تَرْحَمْهُما بعد ذلك لا لله ولا لَهُما فاعلم أنَّك مَحْرومٌ مَسْخُوطٌ عليك، مطرودٌ عن رحمة الله تعالى إن لم تَتَدَارَكْ زَلَّتَكَ بالتَّوَّبةِ النَّصُوح، وباسترضائِهِمَا والتَّذَلُلِ لَهُما، والتَّواضُعِ غايةَ ما يُمكِنُكَ مع مُخالَفَةِ نَفْسِكَ بما تَأْمُرَكَ به في حَقِّهِما؛ لأَنَّها لا تَأْمُرُ إلَّا بالسُّوء؛ فَعَساهُما أن يَرْحَماكَ ويَرْضيا عَلَيْكَ؛ وإلَّا فيَا خَسَارَتَكَ دُنيا وأُخرى بِغَضَبِهِمَا عَلَيْكَ، وسخَطِهِمَا مِنْكَ بِسَبَبِ عُقوقك لَهُما.
إذا علمتَ هذا فلا تسافِرْ سَفَرًا لَيْسَ بواجِبٍ عَلَيْكَ إلَّا بإِذْنِهِما، ولا تغزُ غَزْوًا غَيْرَ مُتعَيِّنٍ عَلَيْكَ إلَّا بإِذْنهما، فلا تَفْجَعْهُمَا بِنَفْسِكَ، فَقَدْ نُهِىَ غَيْرُكَ أن يَفْجَعَهُمَا بِكَ، قالَ صلى الله عليه وسلم:"لَعَنَ الله مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الوالدينِ وَوَلدِهِما، وَبَيْنَ الأَخِ وَأَخيهِ"(1).
وقال عليه السلام: "مَنْ فَرَّقَ بين والِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ الله بَيْنَهُ
(1) أخرجه ابن ماجه (2250)، من حديث أبي موسى، وإسناده ضعيف فيه إبراهيم بن إسماعيل، ضعيف، وبه أعله المنذري في "الترغيب"(2/ 579).
وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ القِيامَةِ" (1).
ثُمَّ إن ظفِرتَ بطعامٍ أو شرابٍ من الحلالِ فَعَلَيْكَ بإيثارِهِما بأطيبِهِ فطالما آثَراكَ وجاعا وأَشْبَعَاكَ وَسَهِرا وَنَوَّمَاكَ، فاجتهد رَحِمَكَ الله على بِرِّهِما غايةَ الاجتهادِ، واعمل بِمَا ذَكَرْتُ لَكَ من النَّصِيحَةِ والإرشادِ، ولا تتبع سَبيلَ العاقِّ لوالديهِ من أهلِ الغِوايَةِ والعِنَادِ، فإنْ فَعَلْتَ تَكُنْ من المبعُودينَ والمطرودينَ من رحمةِ المَلِكِ الجوَاد، نَسْأَلُ اللهَ العافيةَ من ذَلِكَ، والنَّجَاةَ من كُلِّ أمرٍ مُوقعٍ في المهالكِ.
إذا علمتَ هذا فاعلم أيضًا أنه يجِبُ عليك أن تَصِلَ بَقِيَّةَ رَحِمِكَ، وهم كُلُّ قرابَةٍ لَكَ مِنَ النَّسَبِ، فَصِلَتُهُم فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْكَ، وقطيعتُهُمْ مُحَرَّمَةٌ عليك تحريمًا مُؤَكَّدًا، فهي من أكْبَرِ الكبائِرِ عِنْد الله تعالى، وقد قرنَ الله سبحانه الأَرحامَ باسمِهِ الكريم في قوله: جلَّ من قائِلٍ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]؛ وذلك تنبيهٌ على أن صِلَتَها بمكانٍ منه سبحانه ومُقَرِّبٌ إليه، وقطعَهَا خَطَرٌ عظيمٌ عِنْدَهُ وَمبعدٌ عنه تبارك وتعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: "الرَّحِم شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمن، قال الله تعالى: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ"(2)، وقال عليه
(1) أخرجه الترمذي (1283)، والحاكم (2/ 55)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وإسناده جيد.
(2)
أخرجه البخاري (11/ 417)، من حديث أبي هريرة.
السَّلامُ: "الرَّحِمُ مُتَعَلِّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ الله، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ الله"(1).
وقال عليه السلام: "للرَّحِمِ لِسانٌ عِنْدَ الميزانِ، تَقُول: يا رَبِّ مَنْ قَطَعَنِي فاقْطَعْهُ، وَمَنْ وَصَلَنِي فَصِلْهُ"(2).
وقال عليه السلام: "مَكْتُوبٌ في التَّوْراةِ: مَنْ سَرَّهُ أن تَطُولَ حَياتُهُ، وَيُزادَ في رِزْقِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(3).
وقال عليه السلام: "مِنْ أَشراطِ السَّاعَةِ الفَحْشُ والتَّفَحُّش، وقطيعَةُ الرَّحِم، وتَخْوِينُ الأَمينِ، وائتمانُ الخَائِن"(4).
(1) أخرجه البخاري (11/ 417)، ومسلم (4/ 1981).
(2)
ذكره السيوطي في "الجامع الصغير"(5/ 290 - من فيض القدير)، معزوًّا إلى الطبراني في "الكبير" من حديث بريدة ولا جود له فيه، وقد رمز السيوطي لحسنه كما ذكره ذلك المناوي في "شرحِهِ". وقد جهدتُ أن أجده في غير هذا الموضع فلم أقف عليه.
(3)
أخرجه الحاكم (4/ 160)، من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف؛ فيه سعيد بن بشير ضعيف كما في "التقريب"، ويغني عنه ما في البخاري (10/ 415)، ومسلم (4/ 1982)، من حديث أنس مرفوعًا:"مَنَ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنسَّأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
(4)
أخرجه البزار (3413)، والطبراني في "الأوسط" كما في "مجمع البحرين"(7/ 257، 258)، من حديث أنس، وإسناده لين؛ فيه شيب بن بشر لين الحديث.
وقال عليه السلام: "إنِّي لم أُبْعَث بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ"(1).
وقال عليه السلام: "لَيْسَ شيءٌ أُطِيعَ الله فيه أعجلَ ثَوابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمَ، وَلَيْسَ شيءٌ أَعْجَلَ عِقابًا مِنَ البَغْيِ وقطيعَةِ الرَّحِمَ، واليَمِينُ الفَاجِرَةُ تَدَعُ الدِّيارَ بَلاقِعَ"(2).
وقال عليه السلام: "إنَّ الرَّحْمَةَ لا تَنْزِلُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِع"(3).
وقال عليه السلام: "إنَّ أَعْمَالَ بَني آدَمَ تُعْرَضُ على اللهِ عَشِيَّةَ كُلِّ خَمِيسٍ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ فَلا يُقْبَلُ عَمَلُ قَاطِع رَحِمٍ"(4).
وقال عليه السلام: "لَيْسَ الواصِلُ بالمُكافِئ؛ لَكِنَّ الواصِلَ الذي إِذا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَها"(5).
(1) أخرجه الطبراني في "الكبير"(4/ 33)، والبيهقي في "السنن"(9/ 26، 27)، من حديث حصين بن وحوح الأنصاري، وإسناده ضعيف؛ فيه سعيد بن عثمان البلوي لين إذ لم يتابعه عليه أحد، وعروة بن سعيد الأنصاري مجهول كما قال الذهبي وابن حجر.
(2)
أخرجه البيهقي (10/ 35)، من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.
(3)
أخرجه الأصبهاني في "الترغيب والترهيب"(2290)، من حديث عبد بن أبي أوفى، وهو حديث موضوع، قال الهيثمي في "المجمع" (8/ 151):"رواه الطبراني، وفيه أبو إدام، وهو كذاب".
(4)
أخرجه أحمد (2/ 484)، من حديث أبي هريرة بإسناد صالح.
(5)
أخرجه البخاري (10/ 423)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
وقال عليه السلام: "الصَّدَقَةُ على وَجْهِهَا، واصْطِنَاعُ المَعْرُوفِ، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، وَصِلَةُ الرَّحِمَ، تُحَوِّلُ الشَّقَاءَ سَعَادَةً، وتَزِيدُ في العُمُرِ وَتَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ"(1).
واعلم أَن المُرادَ بِصِلَةِ الرَّحم موالاتُهُم ومَحَبَّتُهُم أكثرَ من غيرهم لأَجل قرابتهم، وتأكيدُ المبادرةِ إلى صلحهم عِنْدَ عداوتِهِم، والاجتهادُ في إيصالهم كفايتَهُم بطيبِ نَفسٍ عِنْدَ فَقْرِهِم، والإسراعُ إلى مُساعدتِهم ومعاونَتِهِم عند حاجتِهِم، ومُراعاةُ جَبْرِ خاطِرِهم مع التَّعَطُّفِ والتَّلطُّفِ بهم، وتقديمُهُم في إِجابةِ دعوتِهِم، والتَّواضُعِ معهم من غير ترافع مع غنَاهُ وفقرِهِم وقوتِهِ وَضَعْفِهِم، ومداومةُ مودَّتِهِم وَنُصْحِهِم في كُلِّ شؤونِهِم، والبُداءَةُ بهم في الدَّعوةِ والضِّيافَةِ قبل غيرِهِم، وإيثارُهُم في الإحسانِ والصَّدَقَةِ والهديَّةِ على من سِوَاهُم؛ فإن الصَّدَقَةَ عليهم صدقةٌ وصِلَةٌ، وفي معناها الهديةُ وغيرها.
وَيَتأَكَّدُ فِعْلُ ذلك مع الرَّحِمِ الكاشِحِ أي المُبغِضِ، عَسَاهُ يرجعُ عن بُغْضِهِ إلى مودَّةِ قريبه ومحبتِهِ.
قال صلى الله عليه وسلم: "الصَّدَقَةُ على المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعلى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ"(2).
(1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية"(6/ 145)، من حديث علي بن أبي طالب، وفي إسناده جهالة.
(2)
أخرجه الترمذي (658)، والنسائي (5/ 92)، وابن حبان (3344)، من حديث =
وقال عليه السلام: "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ؛ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الكَاشِحِ"(1)
واعلم أن هذا كُلَّه مع الرَّحِمِ الموافِق في الدِّين، أما إذا كان الشَّخْصُ مُسْلِمًا وهم كفار فلا يُوالهم ولا يُوادُّهُم لقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ
…
} [المجادلة: 22]، الآية.
فَصِلْ رَحِمَكَ رَحِمَكَ مَوْلاكَ، وخالف بِذَلِكَ نَفْسَكَ وهواكَ، واصبِرْ على أذاهُم إذ نَبِيُّكَ بِذَلِكَ أوصاكَ، وَأَحْسِنْ إلى من أساءَ إِلَيْكَ منهم تُحْمَدْ بِذَلِكَ عُقْبَاكَ، وَحسِّنْ خُلقَكَ معهم تَنَلْ بِذَلِكَ راحتَكَ ورضاكَ، وتظفرْ بخيْري دُنياكَ وأُخْراكَ، واللهُ المسؤولُ بفضْلِهِ أن
= سلمان بن عامر، وهو حديث صحيح، ونحوه في "الصحيحين" من حديث زينب الثقفية.
(1)
أخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق"(1/ 280)، والطبراني في "الكبير"(25/ 80)، والحاكم (1/ 406)، من حديث أم كلثوم، وقال المنذري في "الترغيب"(1/ 683)، والهيثمي في "المجمع" (3/ 116):"رجاله رجال الصحيح" وله شاهد من حديث حكيم بن حزام: أخرجه أحمد (3/ 402، 5/ 416)، وحسنه المنذري في "الترغيب"(1/ 682)، فالحديث صحيح.
ومعنى "الكاشح" هو الذي يُضْمِرُ عداوته في كشحِهِ، وهو خصره، يعني: أنَّ أفْضلَ الصَّدَقَة على ذي الرَّحِمِ القاطعِ المُضْمِرِ العَدَاوةَ في باطِنِهِ. قاله المنذري.