الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: طلاق الزوجة في الاعتكاف
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا كانت المرأة معتكفة، ثم طلقها زوجها، وهي في معتكفها، فهل تخرج من اعتكافها؟
المسألة الثانية: حكم طلاق الزوجة في الاعتكاف:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة، على أربعة أقوال:
القول الأول:
إن كان الاعتكاف مستحبا أُبيح لها الخروج، وإن كان الاعتكاف واجبا لم يبح لها الخروج، وهو وجه عند الحنابلة
(1)
.
دليل القول الأول:
المطلقة سواء كانت رجعية، أو بائن لا يجب عليها ملازمة السكن، ولا المبيت فيه؛ فحالها كحال غيرها من النساء، إن كان الاعتكاف واجبا لم يبح لها الخروج حتى تقضيه، وإن كان مستحبا جاز لها الخروج
(2)
.
القول الثاني:
يجب على المرأة أن تخرج من معتكفها؛ لتقضي عدتها في بيتها، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(3)
، ووجه عند الحنابلة
(4)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
(5)
فأمر -سبحانه- أن لا يخرج النساء المطلقات من بيوتهن، وأراد به بيوت أزواجهن، والأمر على الوجوب، وهذه الآية عامة في كل مطلقة، ثم خص وجوب السكنى للمطلقة البائن في الآية الأخرى، فقال تعالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}
(6)
ويدل على أن المراد بالآية: المطلقة البائن؛ أنه شرط في وجوب النفقة لها الحمل، وذلك إنما يعتبر في البائن، أما الرجعية: فإنما تجب لها النفقة بكل حال
(7)
.
(1)
تخريجا على رواية: عدم وجوب ملازمة السكن، والمبيت فيه، على الرجعية، والبائن. ينظر: المحرر، لعبدالسلام ابن تيمية 2/ 108، وشرح الزركشي 5/ 581، والإنصاف، للمرداوي 9/ 312 - 313.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 232.
(3)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، لابن أبي موسى ص: 155، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 503، وحاشية البجيرمي 2/ 416.
(4)
ينظر: المحرر، لعبدالسلام ابن تيمية 2/ 108، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي 5/ 581، والإنصاف، للمرداوي 9/ 312 - 313.
(5)
الطلاق من الآية: 1.
(6)
الطلاق من الآية: 6.
(7)
ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 11/ 50 - 51.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول:
أما المطلقة البائن، فالآية مخصوصة بحديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال:(ليس لك عليه نفقة)، فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:(تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم)
(1)
، ولما أنكر بعضهم على فاطمة هذا الخبر، قالت: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}
(2)
فأي أمر يحدث بعد الثلاث؟
(3)
فإذا لم تكن حاملا علام تُحبس وهي لا نفقة لها؟ فكيف تحبس امرأة بغير نفقة؟
(4)
.
ويمكن أن يناقش من وجه ثاني:
وأما المطلقة الرجعية، فهي زوجة كالزوجات؛ حبست في البيت لحق الزوج، فإن أسقط الزوج حقه، وأذن لها في الخروج، لم يكن لخروجها من المعتكف معنى!
القول الثالث:
يحرم على المرأة الخروج من معتكفها، حتى تقضي اعتكافها؛ بإتمام أقل الاعتكاف -يوم وليلة- إن كان تطوعا أو نذرا مطلقا، أو إتمام المدة المعينة في النذر المعين، ثم ترجع إلى بيتها فتعتد فيه، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(5)
.
دليل القول الثالث:
المرأة التي وجبت عليها العدة بعد الاعتكاف، قد دخلت في عمل بر لزمها إتمامه، فلم يجز لها إبطاله؛ لقوله عز وجل:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}
(6)
'
(7)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثا لا نفقة لها (1480) 2/ 1114.
(2)
الطلاق من الآية: 1.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطلاق، باب: في نفقة المبتوتة (2290) 2/ 287، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 7/ 59.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 8/ 165 - 166.
(5)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 5/ 509، وشرح مختصر خليل، للخرشي 4/ 158، وحاشية الدسوقي 2/ 486.
(6)
محمد من الآية: 33.
(7)
ينظر: البيان والتحصيل، لابن رشد الجد 2/ 324.
نوقش:
الاعتكاف يجوز تركه لعذر، أو عارض، كالخروج إلى الجمعة، وأداء الشهادة، وسائر الواجبات
(1)
.
القول الرابع:
يباح للمرأة أن تخرج من معتكفها مطلقا، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(2)
.
دليل القول الرابع:
لم أقف على استدلال لهذا القول، لكن يمكن أن يستدل لهذا القول:
إذا تزاحم واجبان على المكلف؛ واجب ملازمة السكن على المطلقة، وواجب إتمام الاعتكاف، ولا يمكن الجمع بينها، خير المكلف بأداء أحدهما.
يمكن أن يناقش:
لا يُسلم بأن المطلقة يلزمها ملازمة السكن، على كل حال.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بأن الاعتكاف إن كان مستحبا أُبيح للمطلقة الخروج، وإن كان الاعتكاف واجبا لم يبح لها الخروج؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 204.
(2)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 351، والبناية، للعيني 4/ 126، والبحر الرائق، لابن نجيم المصري 2/ 326.