الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما يُقال في هذا المقام في حق الزوجة يُقال أيضا في حق الزوج؛ لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
.
المطلب الثاني: خروج المذي
(2)
من الاستمتاع بما دون الفرج
، وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا حصل الاستمتاع بين الزوجين بما دون الجماع وخرج المذي؛ فهل يجب منه الوضوء؟ وهل يجب تطهير البدن والثوب من أثره؟
المسألة الثانية: حكم خروج المذي من الاستمتاع بما دون الفرج:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن خروج المذي ناقض للوضوء، وموجب له
(3)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
دلت السنة الصحيحة الصريحة على وجوب الوضوء من خروج المذي، ومن ذلك: حديث علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاءً، فأمرت رجلا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته، فسأل فقال:(توضأ، واغسل ذكرك)
(4)
، فأمره صلى الله عليه وسلم بالوضوء، والأمر يقتضي الوجوب.
(1)
البقرة: من الآية 228.
(2)
المذي هو: سائل رقيق لزج يميل إلى البياض، يخرج من الرجل والمرأة عند تحرك الشهوة. ينظر: التعريفات الفقهية، للبركتي ص: 200، وشرح غريب ألفاظ المدونة، للجبي ص: 13، وتحرير ألفاظ التنبيه، للنووي ص: 39، والمطلع على ألفاظ المقنع، للبعلي ص:54.
(3)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 348، والمبسوط، للسرخسي 1/ 67، والبناية، للعيني 1/ 346، ومناهج التحصيل، للرجراجي 1/ 109، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 153، وحاشية الدسوقي 1/ 114 - 115، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 215، والمجموع، للنووي 2/ 144، وكفاية الأخيار، للحصني ص: 37، والمغني، لابن قدامة 1/ 126، وشرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 100، والمنح الشافيات، للبهوتي 1/ 174.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الغسل، باب: غسل المذي والوضوء منه، (269) 1/ 62، ومسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: المذي، (303) 1/ 247 ولفظه:(يغسل ذكره ويتوضأ).
الدليل الثاني:
إجماع العلماء على انتقاض الوضوء من خروج المذي؛ حيث حكى ابن عبدالبر
(1)
، وابن المنذر
(2)
، وابن قدامة
(3)
؛ الإجماع على نقض الوضوء بخروج المذي، ووجوب الوضوء منه
(4)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء في نجاسة المذي على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
المذي نجس نجاسةً مخففة، كنجاسة بول الغلام، وهذا القول رواية عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء، فكنت أكثر منه الغسل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسألته عنه، فقال:(إنما يجزئك من ذلك الوضوء)، فقلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه، قال:(يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)
(6)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لما أمر صلى الله عليه وسلم بنضح المذي، دل على أن نجاسته مخففة.
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال بالحديث:
النضح وإن كان في استعمال اللغة لا يرد إلا للرش
(7)
، إلا أنه ورد في استعمال الشرع تارة للرش، وتارة للغسل
(8)
، فمثال استعماله للرش: حديث أم قيس بنت محصن رضي الله عنها، (أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فنضحه ولم
(1)
هو: يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري شيخ علماء الأندلس في وقته، من أعلام المالكية، كان متقدما في علم الأثر، بصيرا بالفقه، ومعاني الحديث، توفي رحمه الله سنة 463 هـ. ينظر: ترتيب المدارك وتقريب المسالك، للقاضي عياض 8/ 127 - 130.
(2)
هو: محمد بن إبراهيم بن المنذر أبو بكر النيسابوري، فقيه مجتهد من أعلام الشافعية، توفي رحمه الله سنة 318 هـ. ينظر: العقد المذهب في طبقات حملة المذهب لابن الملقن 1/ 37.
(3)
هو: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي موفق الدين أبو محمد، من أئمة الفقه الحنبلي، ولد فِي شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، صنف تصانيفا كثيرة فِي المذهب، فروعا وأصولا، توفي رحمه الله يَوْم عيد الفطر سنة عشرين وستمائة. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 3/ 281 - 297.
(4)
ينظر: الاستذكار، لابن عبدالبر 1/ 242، والأوسط، لابن المنذر 1/ 134، والمغني، لابن قدامة 1/ 125.
(5)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101، والإنصاف، للمرداوي 1/ 330، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: في المذي، (210) 1/ 151، والترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: في المذي يصيب الثوب، (115) 1/ 197، وابن ماجة في سننه، كتاب: الطهارة وسننها، باب: الوضوء من المذي، (506) 1/ 169، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود 1/ 380.
(7)
ينظر: مقاييس اللغة، لابن فارس 5/ 438 (ن ض ح).
(8)
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 5/ 70.
يغسله)
(1)
، ومثال استعمال النضح للغسل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسماء رضي الله عنها:(إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة، فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصلي فيه)
(2)
، فيجوز أن يكون في حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه مرادا به الغسل.
ويمكن أن يجاب عن المناقشة:
جاء في رواية أخرى لحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه: (فتمسح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)
(3)
، وهذه الرواية قرينة تقوي حمل النضح على معنى الرش.
الدليل الثاني:
المذي متردد بين الطهارة والنجاسة، فهو يشبه المني؛ لكونه جزء منه ناشئ عن شهوة، ويشبه البول؛ لكونه لم يكمل ولا يخلق منه الحيوان، فلما تردد بينهما ناسب أن تكون طهارته مخففة
(4)
.
الدليل الثالث:
المذي يشق التحرز منه؛ لأنه يخرج من الشباب كثيرا، وتعم به البلوى، والمشقة تجلب التيسير؛ فأجزأ فيه النضح كبول الغلام
(5)
.
القول الثاني:
المذي نجس كبول البالغ، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(6)
، والمالكية
(7)
، والشافعية
(8)
، والمذهب عند الحنابلة
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الوضوء، باب: بول الصبيان، (223) 1/ 54 ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الطهارة، باب: حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (287) 1/ 238.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: غسل دم الحيض، (307) 1/ 69.
(3)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند: المكيين، حديث سهل بن حنيف، (15973) 25/ 345، وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه على مسند أحمد.
(4)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(5)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(6)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 348، والتجريد، للقدوري 2/ 745، والمبسوط، للسرخسي 1/ 81.
(7)
ينظر: التمهيد، لابن عبدالبر 21/ 207، ومناهج التحصيل، للرجراجي 1/ 124، وحاشية الدسوقي 1/ 112.
(8)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 215، والمجموع، للنووي 2/ 552، وكفاية الأخيار، للحصني ص:66.
(9)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 61، وشرح العمدة في الفقه (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 100، والمنح الشافيات، للبهوتي 1/ 174.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث علي رضي الله عنه السابق، وفيه:(اغسل ذكرك)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
دل الحديث على وجوب غسل أثر المذي، ولو لم يكن المذي نجساً لكان الأمر بغسل أثره عبثا، والأصل في الأمر الوجوب.
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال:
بأن الأمر بغسل الذكر من المذي، هو أمر بتنجية السبيل من الخارج فحسب، ولا يلزم منه وجوب غسل ما سوى السبيل من البدن، والثياب إذا أصابها شيء من المذي، ويؤيد هذا التفريق، روايات حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه وفيها: الأمر بنضح الثوب
(2)
، ومسح الثوب
(3)
، ولم يرد الأمر بغسل الثوب من المذي! بخلاف الذَكَر؛ فإن غسله أيسر من غسل ما سواه.
الدليل الثاني:
المذي خارج من مخرج البول، فأقل أحواله أن ينجس بملاقاته لموضع النجاسة
(4)
.
ويمكن أن يناقش:
لا ينازع في كونه نجس، ولكن نجاسته نجاسة مخففة كبول الغلام؛ للأحاديث الآمرة بنضحه، ومسحه
(5)
.
القول الثالث:
المذي طاهر غير نجس، وهو رواية عند الحنابلة
(6)
.
(1)
سبق تخريجه ص: 20.
(2)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فتنضح به ثوبك)، سبق تخريجه ص:21.
(3)
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (فتمسح به ثوبك)، سبق تخريجه ص:22.
(4)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 348، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(5)
كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه: (يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك) سبق تخريجه ص: 22، وقوله صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى:(فتمسح به ثوبك) سبق تخريجه ص: 21.
(6)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 100، والإنصاف، للمرداوي 1/ 330، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول:
حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه السابق، وفيه:(إنما يجزئك من ذلك الوضوء)، وفيه:(يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لم يأمر صلى الله عليه وسلم بغسل الفرج من المذي، ولو كان واجبا لأمر به؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
(2)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
سكوته صلى الله عليه وسلم عن غسل الفرج من المذي، قد يكون لعلم المستمع به، وإنما خرج الجواب مخرج السؤال؛ فإنه سأل عما يوجبه خروج المذي من الطهارة الكبرى، أو الصغرى، وعن كيفية تطهير الثوب من أثر المذي
(3)
.
الدليل الثاني:
المذي جزء من المني؛ إذ يخرج بسبب الشهوة من مخرج المني، لكنه لم يستحكم بكمال الشهوة
(4)
.
ويمكن أن يناقش:
قياس المذي على المني في الطهارة، قياس في مقابل النص.
الترجيح:
الذي يترجح -والله أعلم- القول الأول القائل؛ أن المذي نجاسته نجاسة مخففة؛ لإمكان جمع النصوص عليه، وهو الأقرب لقواعد الشريعة، الدالة على التيسير، ورفع الحرج عند المشقة.
المسألة الثالثة: ثمرة الخلاف:
مما ينبني على الخلاف السابق؛ الخلاف في كيفية تطهير ما يصيب الثوب، وسائر البدن -سوى السبيل- من أثر المذي
(5)
؛ على قولين:
القول الأول:
ينضح ما أصاب الثوب، والبدن من أثر المذي، وهو قول عند المالكية
(6)
، ورواية عند الحنابلة
(7)
.
(1)
سبق تخريجه ص: 21.
(2)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:101.
(3)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:101.
(4)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(5)
يتصور الخلاف بناءً على القولين الأولين القائلين بنجاسة المذي، ولا يمكن تصوره بناء على القول الثالث القائل بطهارته.
(6)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 1/ 244.
(7)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
أدلة القول الأول:
استدل أصحاب هذا القول؛ على إجزاء نضح المذي، بالأدلة التي استدلوا به على تخفيف نجاسة المذي، ومنها:
حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه وفيه: فقلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبي منه، قال:(يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه)
(1)
، وهو صريح في إجزاء نضح المحل من أثر المذي.
القول الثاني:
يجب غسل ما أصاب الثوب، والبدن من أثر المذي، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(2)
، والمشهور عند المالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والمذهب عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر من المذي؛ فيقاس عليه سائر المحال التي يصيبها المذي
(6)
.
يمكن أن يجاب:
الأحاديث الواردة في التعامل مع أثر المذي فرقت بين الذكر وغيره؛ ففي حديث علي رضي الله عنه أمر بغسل الذكر من أثر المذي
(7)
، وفي حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه أمر بنضح
(1)
سبق تخريجه ص: 21.
(2)
ينظر: شرح معاني الآثار، للطحاوي 1/ 48، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 348، والمبسوط، للسرخسي 1/ 81.
(3)
ينظر: مناهج التحصيل، للرجراجي 1/ 124، والتاج والإكليل، للمواق 1/ 244.
(4)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 144 - 145، وكفاية الأخيار، للحصني ص:66.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 61، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 101 ، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(6)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:101.
(7)
سبق تخريجه ص: 20.
الثوب من أثر المذي
(1)
؛ فغسل الذكر أيسر من غسل غيره، والمشقة اللاحقة بغسله أهون من المشقة اللاحقة بغسل ما سواه، فلا يصح القياس عليه.
الدليل الثاني:
المذي نجس، والثوب رقيق تتداخل النجاسة في أجزائه؛ فلا يخرجه إلا الغسل بالماء، والحت، والنضح يزيلان ما على ظاهر الثوب دون ما يتداخل في أجزائه
(2)
.
ويمكن أن يجاب:
محل النزاع ليس في تداخل النجاسة بالثوب من عدمها، وإنما في نوع النجاسة وكونها مخففة كبول الصبي؛ فإن بوله ينضح وإن تداخل في الثوب.
الترجيح:
الترجيح في هذه المسألة تابع للترجيح في المسألة السابقة، وعليه فالراجح -والله أعلم- هو القول الأول؛ القائل بإجزاء النضح؛ لإمكان جمع النصوص عليه، ولمناسبته قواعد الشريعة في التيسير، ورفع الحرج.
المسألة الرابعة: كيفية تطهير مخرج المذي من أثره.
اختلف الفقهاء في كيفية تطهير مخرج المذي من أثره، على أربعة أقوال:
القول الأول:
يغسل موضع الحشفة فقط، ويتعين غسلها بالماء، وهذا أحد قولي المالكية
(3)
، وأحد القولين عند الشافعية
(4)
.
أدلة القول الأول:
أولاً: أدلتهم على إجزاء غسل الحشفة:
الدليل الأول:
حديث علي رضي الله عنه في أحد رواياته: (توضأ، واغسله)
(5)
.
(1)
سبق تخريجه ص: 21.
(2)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 81.
(3)
ينظر: مناهج التحصيل، للرجراجي 1/ 109.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 160، والمجموع، للنووي 2/ 144.
(5)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند: علي رضي الله عنه (1026) 2/ 45 ، وصححه أحمد شاكر في تحقيقه على المسند 2/ 45.
وجه الاستدلال بالحديث:
الضمير عائد إلى المذكور في السؤال وهو المذي؛ فأمر بغسل موضعه فقط، دون ما لم يجاوزه من بقية الذكر.
الدليل الثاني:
من غسل مخرج المذي من ذكره، فقد صدق عليه أنه غسل ذكره
(1)
.
الدليل الثالث:
القياس على سائر الأحداث الصغرى؛ فالمذي حدث، والأحداث الصغرى لا يجب بها إلا غسل موضع خروجها، فكذلك المذي
(2)
.
ثانياً: أدلتهم على تعين الماء:
الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (اغسل ذكرك)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أمر صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر، والغسل يقتضي سيلان الماء على العضو
(4)
.
الدليل الثاني:
كل الآثار في المذي على اختلاف ألفاظها وأسانيدها ليس فيها ذكر الاستجمار، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ)
(5)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:(اغسل ذكرك)
(6)
، وقوله صلى الله عليه وسلم:(توضأ، واغسله)
(7)
، مع أن الاستجمار أيسر، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
(8)
.
القول الثاني:
يغسل موضع الحشفة ويجزئ عنه الاستجمار
(9)
، وهذا قول الحنفية
(10)
، وأحد القولين عند الشافعية
(11)
، ورواية عند الحنابلة
(12)
.
(1)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 145.
(2)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 145.
(3)
سبق تخريجه ص: 20.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 160.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: في المذي (208) 1/ 54، وأخرجه أحمد في مسنده، مسند: علي بن أبي طالب (1035) 2/ 47، وصحح إسناده الألباني في صحيح أبي داود 1/ 381.
(6)
سبق تخريجه ص: 20.
(7)
سبق تخريجه ص: 27.
(8)
ينظر: التمهيد، لابن عبد البر 21/ 208.
(9)
الاستجمار: إزالة النجاسة عن السبيلين بالحجارة، ونحوها
…
ينظر: التعريفات الفقهية، للبركتي ص: 23، وشرح حدود ابن عرفة، للرصاع ص: 35، والزاهر في شرح غريب ألفاظ الشافعي، للهروي ص: 28، والمطلع على ألفاظ المقنع، للبعلي ص:26.
(10)
ينظر: شرح معاني الآثار، للطحاوي 1/ 48، وشرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 348.
(11)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 160 ، ومغني المحتاج، للشربيني 1/ 160.
(12)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 114، وشرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 102، والإنصاف، للمرداوي 1/ 330 ، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
أدلة القول الثاني:
أولاً: استدلوا على إجزاء غسل الحشفة بما استدل به أصحاب القول الأول.
ثانياً: أدلتهم على إجزاء الاستجمار:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط، فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بها، فإنها تجزي عنه)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
الغائط هو: الموضع المطمئن من الأرض، يستتر به عند قضاء الحاجة، وقد يؤتى لكل خارج من الفرج، للاستتار، ولم يفرق النبي-صلى الله عليه وسلم حين أمر بالاستنجاء بالأحجار، بين حدث، وآخر
(2)
.
الدليل الثاني:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومن استجمر فليوتر)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
الحديث عام في إجزاء الاستجمار من جميع الأحداث الصغرى دون تفريق بين حدث، وآخر
(4)
.
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال بالحديثين:
يجوز أن يكون هذا العموم مخصوص بأحاديث غسل المذي.
القول الثالث:
يغسل الذكر كاملا، ما أصاب المذي منه، وما لم يصبه، وهذا القول المعتمد عند المالكية
(5)
، ورواية عند الحنابلة
(6)
.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول:
حديث علي رضي الله عنه السابق، وفيه:(اغسل ذكرك)
(7)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
المراد بالأمر بغسل الذكر، غسل الذكر كله؛ إذ لا مُخرِج لبعضه من عموم النص.
نوقش:
الأمر بغسل الذكر المراد به بعض الذكر، وهو ما أصابه المذي؛ قياسا على سائر الأحداث الصغرى؛ فالمذي حدث، والأحداث الصغرى لا يجب بها إلا غسل موضع خروجها، فكذلك المذي
(8)
.
وأجيب:
غسل الذكر كاملا غير معلل، ولا يمكن قياسه على غيره، وإنما هو تعبدي للنص الآمر به:(اغسل ذكرك)
(9)
.
ويمكن أن يناقش الجواب:
ابن عباس رضي الله عنه أحد رواة حديث علي رضي الله عنه ، قال: (من المذي .. الوضوء يغسل حشفته
(10)
، ويتوضأ)
(11)
، فدل على أن المراد بغسل الذكر: غسل الحشفة، وفهم الصحابي
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الاستنجاء بالحجارة (40) 1/ 10 ، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: الطهارة، باب: الاجتزاء في الطهارة بالحجارة دون غيرها (44) 1/ 41، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 1/ 156.
(2)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 1/ 349 ،والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 160.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الوضوء، باب: الاستنثار في الوضوء (161) 1/ 43 ، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار، والاستجمار، (237) 1/ 212.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 114.
(5)
ينظر: مناهج التحصيل، للرجراجي 1/ 109 ، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 285، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 149، وحاشية الدسوقي 1/ 112.
(6)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 102، والإنصاف، للمرداوي 1/ 330 ، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216.
(7)
سبق تخريجه ص: 20.
(8)
ينظر: شرح معاني الآثار، للطحاوي 1/ 48، والمجموع، للنووي 2/ 145.
(9)
ينظر: حاشية الدسوقي 1/ 112.
(10)
الحشفة هي: رأس الذكر، ما تحت الجلدة التي تقطع في الختان، ينظر: طلبة الطلبة، للنسفي ص: 164، وشرح غريب ألفاظ المدونة، للجبي ص: 18، والمطلع على ألفاظ المقنع، للبعلي ص:44.
(11)
أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كتاب: الطهارة، باب: المذي (610) 1/ 159.
أولى من فهم غيره؛ لأنه عربي فصيح لم تدخل لسانه العجمة، كما أن ابن عباس رضي الله عنه أقرب عهدا بالواقعة، وقد عاصر أصحابها، فلو كان يقتضي ذلك غسل الذكر كله، لكان ابن عباس أولى بهذا الفهم من غيره.
القول الرابع:
يغسل الذكر، والأنثيين، وهذا القول هو المذهب عند الحنابلة، ومن مفرداتهم
(1)
.
أدلة القول الرابع:
الدليل الأول:
جاء في أحد روايات حديث علي رضي الله عنه لما سأل عن المذي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يغسل ذكره، وأنثييه، ويتوضأ)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أمر صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر، والأنثيين، والأمر يقتضي الوجوب
(3)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه الأول: لفظة (أنثثيه) غير محفوظة في الحديث؛ إذ ورد الحديث بطرق أخرى كثيرة صحيحة ليس فيها ذكر (أنثييه)
(4)
، والواقعة واحدة لا تحتمل تعدد الأحكام.
الوجه الثاني: الحديث محمول على ما إذا أصاب الذكر والأنثيين، أو على الاستحباب؛ لاحتمال إصابتها بالنجاسة
(5)
.
الدليل الثاني:
المذي خارج بسبب الشهوة، فأوجب غسلا زائدا على غسل محله كالمني
(6)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 114، وشرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 102 ، والإنصاف، للمرداوي 1/ 330، والمبدع، لابن مفلح 1/ 216، والمنح الشافيات، للبهوتي 1/ 174.
(2)
سبق تخريجه ص: 28.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 126.
(4)
منها: طريق محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صحيح البخاري (132) 1/ 38، وصحيح مسلم (303) 1/ 247، وطريق ابن عباس، عن علي رضي الله عنه في صحيح مسلم (303) 1/ 247، وطريق أبو عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه في صحيح البخاري (269) 1/ 62.
(5)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 145.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 126، وشرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 102 ، والمنح الشافيات، للبهوتي 1/ 174.
ويمكن أن يناقش:
الأحداث إما أن توجب غسلا كاملا، وإما أن توجب غسل المحل فقط مع الوضوء؛ فالمذي إما أن يقال أنه يوجب غسلا كاملا، وإما أن يقال لا يوجب إلا غسل المحل مع الوضوء.
الدليل الثالث:
الأنثيين وعاء المذي فغسلهما يقطعه ويزيل أثره
(1)
.
ويمكن أن يناقش:
غسل النجاسة هو الواجب، أما قطعها تماما فلا دليل على إيجابه من الشرع.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- من عرض الأدلة، والمناقشة، رجحان القول الأول القائل؛ بغسل موضع الحشفة مع تعين الماء؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 102.