الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السابع: نزع المجامع مع أول طلوع الفجر
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا جامع الرجل امرأته في ليالي رمضان، ثم طلع الفجر، فنزع من حاله فما حكم صيامهما؟
المسألة الثانية: حكم نزع المجامع مع أول طلوع الفجر:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على وجوب نزع المجامع من حاله، إذا طلع الفجر في شهر رمضان، وهو ممن يلزمه صيامه
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
حديث البراء رضي الله عنه قال: لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاس لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاس لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ}
(2)
'
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الله سبحانه وتعالى جعل غاية إباحة النساء إلى طلوع الفجر.
ثانيا: اختلف الفقهاء في حكم صوم من نزع من الجماع حين طلع الفجر، على قولين:
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 66، ودرر الحكام، لملا خسرو 1/ 205، والنهر الفائق، لابن نجيم الحنفي 2/ 15، وشرح الزرقاني 2/ 377، والفواكه الدواني، للنفراوي 1/ 306، وأسهل المدارك، للكشناوي 1/ 420، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 417، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159، والمجموع، للنووي 6/ 311، والمغني، لابن قدامة 3/ 139، والمبدع، لابن مفلح 3/ 30، والإنصاف، للمرداوي 3/ 321.
(2)
البقرة من الآية: 187.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: تفسير القرآن، باب:{أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} (4508) 6/ 25.
القول الأول:
يصح صيامه ولا يلزمه القضاء، وهذا ما ذهب إليه أكثر الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، وأكثر الشافعية
(3)
، وقول عند الحنابلة
(4)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}
(5)
.
وجه الاستدلال بالآية:
أن الله -سبحانه- جعل جميع الليل زمانا للإباحة، فإذا نزع مع آخر الإباحة اقتضى أن لا يفسد صومه
(6)
.
الدليل الثاني:
الإخراج هو: ترك للجماع، وضد الإيلاج، فوجب أن يختلف الحكم فيهما، فإنه لو قال: والله لا دخلت هذه الدار، وهو داخلها فبادر إلى الخروج منها لم يحنث، ولو قال: والله لا لبست هذا الثوب، وهو لابسه فبادر إلى نزعه، لم يحنث، كذلك حكم الإخراج، يجب أن يكون مخالفا لحكم الإيلاج
(7)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 66، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 91.
(2)
ينظر: شرح الزرقاني 2/ 377، والفواكه الدواني، للنفراوي 1/ 306، وأسهل المدارك، للكشناوي 1/ 420.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 417، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159، والمجموع، للنووي 6/ 311.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 139، والمبدع، لابن مفلح 3/ 30، والإنصاف، للمرداوي 3/ 321.
(5)
البقرة من الآية: 187.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 417.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 417، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159.
الدليل الثالث:
يمكن أيضا أن يستدل لهذا القول:
من نزع حين طلوع الفجر، فقد امتثل لأمر الإمساك بما يستطيع، وجماعه السابق لطلوع الفجر، فعل لأمر مباح غير مضاد للصوم، وإبطال صومه إما أن يكون تكليف بما لا يستطاع، وإما أن يكون تحريم للحلال، وكلاهما ممنوع.
القول الثاني:
لا يصح صيامه، ويجب عليه القضاء فقط، وهذا ما ذهب إليه زفر
(1)
من الحنفية
(2)
، والمزني
(3)
من الشافعية
(4)
.
دليل القول الثاني:
وُجِد جزء من الجماع وقع بعد طلوع الفجر، وإن قل، وهذا يكفي لفساد الصوم؛ لوجود المضادة له
(5)
.
نوقش:
لم يوجد بعد طلوع الفجر إلا الامتناع من قضاء الشهوة، فالموجود منه بعد الطلوع، هو النزع، والنزع ترك للجماع، وترك الشيء لا يكون محصلا له، بل يكون اشتغالا بضده، فلم يفسد صومه
(6)
.
القول الثالث:
لا يصح صومه، وعليه القضاء، والكفارة، وهذا هو المذهب عند الحنابلة
(7)
.
(1)
هو: زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، ولد سنة عشر ومائة، صاحب الإمام أبو حنيفة، وكان يفضله ويقول هو أقيس أصحابي، وكان زفر ذا عقل ودين وفهم وورع وكان ثقة في الحديث، دخل البصرة فى ميراث أخيه، فتشبث به أهل البصرة فمنعوه الخروج منها، وتولى قضاء البصرة، وتوفي بالبصرة سنة ثمان وخمسين ومائة، وله ثمان وأربعين سنة. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحيي الدين الحنفي 1/ 243.
(2)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 66، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 91، والدر المختار، للحصفكي ص:146.
(3)
هو: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري، ولد سنة خمس وسبعين ومائة، أخذ عن الشافعي، وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعي، وكان زاهدا، عالما، مجتهدا، مناظرا، صنف كتبا كثيرة، قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي. وتوفي في سنة أربع وستين ومائتين. ينظر: طبقات الشافعية، لابن قاضى شهبة 1/ 58.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 417، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159.
(5)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 66، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 91.
(6)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 66، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 91.
(7)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 139، والمبدع، لابن مفلح 3/ 30، والإنصاف، للمرداوي 3/ 321.
دليل القول الثالث:
النزع جماع يلتذ به، فتعلق به ما يتعلق بالاستدامة، كالإيلاج
(1)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم بأن النزع جماع، بل هو ترك للجماع، ولا يمكن أن يسوى بين الفعل، وتركه!
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بصحة صيام من نزع عند طلوع الفجر في رمضان؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 139، والمبدع، لابن مفلح 3/ 30.