الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: تغسيل المرأة الذمية
.
اختلف الفقهاء في حكم تغسيل المرأة الذمية لزوجها، والعكس، على أربعة أقوال:
القول الأول:
يباح لزوج الذمية تغسيلها، ويكره تغسيل الذمية لزوجها المسلم، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(1)
.
دليل القول الأول:
لم يرد من الشرع ما يحرم غسل المسلم لقرابته المشركين، ولو كان محرما لجاء الدليل بالنهي عنه كما نُهي عن الصلاة، والاستغفار لهم
(2)
.
ولم أقف على دليل لهذا القول على كراهة تغسيل الذمية زوجها المسلم، إلا أنه يمكن تعليل الكراهة؛ بالخروج من الخلاف، والشبهة.
القول الثاني:
لا يباح للرجل أن يغسل زوجته ذميةً كانت، أو غير ذمية، ويباح لها غسله، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(3)
.
دليل القول الثاني:
المرأة هي محل النكاح؛ والشيء يزول بزوال محله؛ فإذا زالت الزوجية بموت المرأة، لم يجز النظر إليها، ولا لمسها بعد موتها
(4)
، بخلاف موت الزوج، فإن الزوجية لا تزال قائمة حتى بعد موته؛ لبقاء محلها، وفرض غسل الميت يتحقق بوقوع الفعل، سواءً كان من مسلم أو غيره، ونية الغاسل هي شرطٌ لتحصيل الثواب، لا لصحة الغسل
(5)
.
(1)
ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 3/ 25، والمجموع، للنووي 5/ 140، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 314.
(2)
ينظر: أسنى المطالب، للسنيكي 1/ 314.
(3)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي ص: 46، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 187، وحاشية ابن عابدين 2/ 198.
(4)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي ص:46.
(5)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 2/ 187، وحاشية ابن عابدين 2/ 198.
نوقش:
لا يسلم بأن المرأة هي محل النكاح فقط بل كل واحد من الزوجين هو محل لنكاح صاحبه
(1)
، كما أن قولهم هذا مبني على المسألة الأم السابقة (تغسيل أحد الزوجين للآخر) ، وقد نوقش هذا القول في موضعه.
القول الثالث:
لا يباح غسل الرجل زوجته الذمية، ويباح غسل الذمية زوجها المسلم إذا كان بحضرة مسلم، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(2)
.
دليل القول الثالث:
لا يُغسل إلا من يصلى عليه، والذمية لا يصلى عليها؛ فلا فائدة من غسلها
(3)
، وشهود مسلمٌ تغسيل الذمية لزوجها المسلم، يورث اليقين بأنها أتت بالغسل على الوجه الكامل
(4)
.
يمكن أن يناقش:
غسل الذمية من كمال الوفاء بعهدها، والإحسان إليها؛ لقوله تعالى:{لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ}
(5)
.
القول الرابع:
لا يباح غسل الرجل زوجته الذمية، ولا غسل الذمية زوجها، وهو مذهب الحنابلة
(6)
.
(1)
ينظر: حاشية الجمل 2/ 149، والمبدع، لابن مفلح 2/ 226.
(2)
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي 2/ 115، وحاشية العدوي 1/ 422، وحاشية الدسوقي 1/ 409، والثمر الداني، للآبي ص:275.
(3)
ينظر: حاشية العدوي 1/ 422، والثمر الداني، للآبي ص:275.
(4)
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي 2/ 115، وحاشية الدسوقي 1/ 409.
(5)
الممتحنة من الآية: 8.
(6)
ينظر: المغني لابن قدامة 2/ 391، والإقناع، للحجاوي 1/ 214، وحاشية الروض، لابن قاسم 3/ 31.
دليل القول الرابع:
زوجية الذمية تنقطع بالموت؛ إذ إنها لا يمكن أن تكون زوجة له في الآخرة، والموت أول منازل الآخرة، وليس يبقى من أحكام نكاحها شيء بعد الموت، فلا ترث زوجها المسلم، ولا يرثها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم)
(1)
، وإذا تقرر هذا فلا يحل للرجل المسلم أن ينظر لزوجته الذمية ولا أن يمسها بعد الموت، ولا تُمكن الذمية أيضا من لمس زوجها بعد موته؛ إذ إنها تكون في حكم الأجنبيات
(2)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم بانقطاع زوجية الذمية بعد الموت؛ فإنها في مذهب الحنابلة تُلزم بعِدَة الوفاة، والإحداد
(3)
، ولو كانت الزوجية منقطعة لكفاها الاستبراء
(4)
بحيضة.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بجواز غسل الرجل زوجته الذمية، وجواز غسلها له مع الكراهة؛ لقوة تعليلهم بعدم ورود النص المانع، مع قيام الحاجة إليه وقت التنزيل، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، كما أمكن مناقشة تعليلات الأقوال الأخرى -والله أعلم-.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الفرائض، باب: لايرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم (6764) 8/ 156، ومسلم في صحيحه، كتاب: الطلاق، بابك قدر الطريق إذا اختلفوا فيه (1614) 3/ 1233.
(2)
ينظر: المغني لابن قدامة 2/ 391، وحاشية الروض، لابن قاسم 3/ 31.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 8/ 154، 96.
(4)
الاستبراء: طلب طهارة الرحم بحيضة. ينظر: طلبة الطلبة، للنسفي ص: 113، وشرح حدود ابن عرفة، للرصاع ص: 214، والمطلع على ألفاظ المقنع، للبعلي ص:424.