الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: وطء الزوجة التي تطهرت بالتيمم من الحيض، أو النفاس
، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا طهرت المرأة من الحيض، أو النفاس، ولم تجد الماء، أو لم تقدر عليه، فهل يجوز لزوجها أن يطأها إذا تيممت؟
المسألة الثانية: حكم وطء الزوجة التي تطهرت بالتيمم من الحيض أو النفاس:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن الحائض، والنفساء إذا طهرتا من الحيض، والنفاس، ولم تجدا الماء تيممتا، وتستبيحان الصلاة بالتيمم
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
حديث عبد الرحمن بن أبزى، قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أما تذكر أنا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت فصليت، فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما كان يكفيك هكذا) فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه.
(2)
لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التيمم مجزئ عن الغسل في حدث الجنابة، ويصلي به الجنب؛ فكذلك حدث الحيض، والنفاس؛ فإنها جميعا من الأحداث الكبرى.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 523، والمبسوط، للسرخسي 1/ 117، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 59، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 374، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، والثمر الداني، للأزهري ص: 80، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 387 ، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 1/ 343، والمجموع، للنووي 2/ 368، والمغني، لابن قدامة 1/ 197، والكافي، لابن قدامة 1/ 137، والشرح الكبير لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 261.
(2)
أخرجه البخاري في سننه، كتاب: التيمم، باب: المتيمم هل ينفخ فيهما؟ (338) 1/ 75 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: التيمم (368) 1/ 280.
الدليل الثاني:
حديث عمران بن حصين الخزاعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم، فقال:(يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟ ) فقال يا رسول الله: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:(عليك بالصعيد فإنه يكفيك)
(1)
، وهذا أيضا حديث صحيح، صريح في قيام التيمم مقام الغسل، عند حصول الحدث الأكبر، وعدم الماء.
ثانياً: اختلف الفقهاء في حل وطء زوجها لها إذا تطهرت من الحيض، أو النفاس بالتيمم، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
تحل المرأة لزوجها إذا تطهرت من الحيض، والنفاس بالتيمم، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: بعض الحنفية
(2)
، وبعض المالكية
(3)
، وإليه ذهب الشافعية
(4)
، والمذهب عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
التيمم قائم مقام الغسل، وبدل منه عند عدمه؛ فاستبيح به ما يستباح بالغسل، ومن ذلك وطء الزوجة
(6)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التيمم، باب: التيمم ضربة (348) 1/ 78 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة (682) 1/ 474.
(2)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 215.
(3)
ينظر: مواهب الجليل، للحطاب 1/ 374.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 387 ، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 1/ 343، والمجموع، للنووي 2/ 368.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 197، والكافي، لابن قدامة 1/ 137، والشرح الكبير لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 261.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 387، والمجموع، للنووي 2/ 366، والكافي، لابن قدامة 1/ 137.
الدليل الثاني:
التيمم طهارة تبيح الصلاة، كطهارة الماء؛ فأباحت الوطء؛ إذ ليس استباحة الوطء بأعظم من استباحة الصلاة، فما أباح الصلاة أباح ما دونها
(1)
.
القول الثاني:
لا تحل المرأة لزوجها إذا تطهرت بعد الحيض، والنفاس بالتيمم، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية
(2)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ}
(3)
.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
أن الله -تعالى- جعل إباحة إتيان النساء بعد الحيض، مقيدة بشرط اغتسالهن بالماء؛ إذ أن معنى (تطهرن) أي: تطهرن باغتسالهن بالماء
(4)
، وإذا تيممت المرأة بعد الحيض لم يصدق عليها أنها اغتسلت بالماء!
يمكن أن يناقش وجه الاستدلال بالآية من وجهين:
الوجه الأول:
لو سُلم ِأن المراد بقوله -تعالى- (تطهرن) أي: تطهرن بالماء، فإن الله -تعالى- في غير هذا الموضع قد أقام الصعيد الطيب مقام الماء، وجعله بدلا منه عند عدمه، سواءً في الطهارة الكبرى، أو
(1)
ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 1/ 343 ، والكافي، لابن قدامة 1/ 137.
(2)
ينظر: مواهب الجليل، للحطاب 1/ 374، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، والثمر الداني، للأزهري ص:80.
(3)
البقرة من الآية: 222.
(4)
ينظر: شرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208.
الصغرى، وذلك بقوله -تعالى-:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}
(1)
، فجعل سبحانه التيمم رافعٌ للحدث الأكبر، والأصغر على السواء.
الوجه الثاني:
لا يسلم بأن المراد: تطهرن بالماء، وإنما المراد تطهرن طهارة شرعية، سواء كانت طهارة أصلية بالغسل، أو طهارة مخففة بالتيمم
(2)
.
الدليل الثاني:
التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة فقط؛ فلا يمكن إتيان الزوجة وحدث الحيض باق
(3)
.
يمكن أن يناقش من وجهين:
الوجه الأول: لا يسلم بأن التيمم مبيح للصلاة فقط، بل هو رافع للحدث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصعيد الطيب طهور)
(4)
، وكيف يكون طهورا مالم يُطهِر المسلم من حدثه، ويرفع حكمه!
الوجه الثاني: إن سُلم أن التيمم مبيح للصلاة فقط؛ فما أباح الصلاة أباح ما دونها
(5)
.
القول الثالث:
تحل المرأة لزوجها إذا تطهرت بالتيمم، وصلت بذاك التيمم، وهذا القول هو الصحيح من مذهب الحنفية
(6)
.
دليل القول الثالث:
لا يحكم بطهارة الحائض، والنفساء، حتى يصح تيممهما، ويتأكد ذلك بصلاتهما
(7)
.
(1)
المائدة من الآية: 6.
(2)
ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 588.
(3)
ينظر: شرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208.
(4)
سبق تخريجه ص: 66.
(5)
ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 1/ 343 ، والكافي، لابن قدامة 1/ 137.
(6)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 523، والمبسوط، للسرخسي 1/ 117، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 59.
(7)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 117.
يمكن أن يناقش:
الصلاة لا ترفع حدثا، ولا تحدث طهورا! فمتى فعل المسلم الطهارة الشرعية، التي أمره الله بها حُكم بطهارته.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بجواز وطء من تيممت من الحيض، والنفاس؛ لوجاهة تعليلهم، وموافقته لقواعد الشريعة السمحة، ولورود المناقشة على ما استدلت به الأقوال الأخرى.
المسألة الثالثة: سبب الخلاف في المسألة:
من أسباب الخلاف في هذه المسألة، الخلاف في حكم التيمم؛ هل هو رافع للحدث، أم مبيح للعبادة التي يشترط لها الطهارة، على قولين:
القول الأول:
التيمم رافع للحدث إلى حين وجود الماء، وهو قول الحنفية
(1)
، وأحد القولين في مذهب المالكية
(2)
، ورواية عند الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
(4)
.
وجه الاستدلال بالآية الكريمة:
أن الله سبحانه وتعالى نص على أنه شرع لنا الوضوء، والغسل، والتيمم إرادةً منه سبحانه لتطهير المسلم، ولم يفرق بين الوضوء، والغسل، والتيمم في التطهير؛ فدل على أن التيمم مطهر بنص الكتاب.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 55.
(2)
ينظر: الذخيرة، للقرافي 1/ 365، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 348، وحاشية الدسوقي 1/ 155.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى ابن تيمية 21/ 352، والإنصاف، للمرداوي 1/ 296.
(4)
المائدة من الآية: 6.
الدليل الثاني:
أن الله -تعالى- سمى الماء طهورا بقوله سبحانه: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}
(1)
، وسمى نبيه صلى الله عليه وسلم التراب طهورا، كما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: -وذكر منها- جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا)
(2)
، والطهور هو: الطاهر في ذاته، المطهر لغيره
(3)
، فكما ثبت حكم الطهورية للماء بالكتاب، فقد ثبت حكم الطهورية للتراب بالسنة، ولا فرق، وإلا لما كان فيه مزية لهذه الأمة.
القول الثاني:
التيمم لا يرفع الحدث، وإنما هو مبيح فقط، وهو المشهور عند المالكية
(4)
، والقول الجديد عند الشافعية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
دليل القول الثاني:
حديث عمران بن حصين الطويل، وفيه: فلما انفتل من صلاته إذا هو برجل معتزل لم يصل مع القوم، قال:(يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم؟ ) قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:(عليك بالصعيد، فإنه يكفيك) وفي آخر الحديث حين وجد عليه الصلاة والسلام الماء أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال:(اذهب فأفرغه عليك)
(7)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الحدث لو كان يرتفع بالتيمم لما عاد إليه حدثه إذا وجد الماء؛ إذ لو كانت الجنابة قد ارتفعت بالتيمم كيف تعود الجنابة بوجود الماء؟ مع أنه لم يوجد ما يوجب تجدد الجنابة! ولذلك لما كان الماء
(1)
الفرقان من الآية: 48.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: التيمم (335) 1/ 74، ومسلم في صحيحه، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة -بدون باب- (523) 1/ 371.
(3)
ينظر: المطلع، للبعلي ص:12.
(4)
ينظر: الذخيرة، للقرافي 1/ 365، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 343، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 191.
(5)
ينظر: المهذب، للشيرازي 1/ 74، والمجموع، للنووي 2/ 328.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 82 ، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 175.
(7)
سبق تخريجه ص: 69.
رافعاً للحدث لم يرجع الحدث إلا بتجدد حدث آخر، وهذا دليل على أن الحدث أصلاً لم يرتفع، وإنما أبيح فعل المأمور مع بقاء الحدث.
وأجيب عن وجه الاستدلال بالحديث:
كون الحكم يكون ثابتاً إلى غاية، أو غايات كثيرة غير ممنوع شرعاً، فالتيمم يرفع الحدث إلى غايات منها: طريان الحدث، ومنها: وجود الماء، كالأجنبية تكون ممنوعة محرمة، والعقد عليها رافع لهذا المنع إلى غايات منها: الطلاق، والحيض، والصوم .. ، وكالملتقط يملك اللقطة مالم يأت صاحبها، وكان ملك الملتقط ملكاً مؤقتاً إلى ظهور المالك، فما المانع أن يكون الحدث مرتفعاً إلى حين وجود الماء؟
(1)
الترجيح:
يظهر -والله أعلم-رجحان القول الأول القائل بأن التيمم رافع للحدث؛ لصراحة، وصحة الأدلة التي استدلوا بها، ولورود المناقشة على وجه الاستدلال الذي استند إليه القول الثاني.
(1)
ينظر: مجموع فتاوى ابن تيمية 21/ 437.