الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: تغسيل أحد الزوجين الآخر بعد وفاته
، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: حكم تغسيل أحد الزوجين الآخر بعد وفاته:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن المرأة يباح لها غسل زوجها إذا مات
(1)
.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت، ما غسله إلا نساؤه)
(3)
، وهي أعلم الناس بسنته صلى الله عليه وسلم، ولو كانت تعلم أنه لا يجوز لها تغسيله لما تمنت غسله صلى الله عليه وسلم.
ثانياً:
اختلف الفقهاء في غسل الرجل امرأته إذا ماتت، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يباح للزوج غسل زوجته، وبه قال: المالكية
(4)
، والشافعية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
(1)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 205، والغرة المنيفة، للغرنوي ص: 46، وحاشية ابن عابدين 2/ 198، والجامع لمسائل المدونة، للصقلي 3/ 1016، والمختصر الفقهي، لابن عرفة 1/ 441، وحاشية العدوي 1/ 413، وفتح الوهاب، للسنيكي 1/ 108، وحاشية الجمل 2/ 150، وحاشية البجيرمي 1/ 458، والمغني، لابن قدامة 2/ 390، والمبدع، لابن مفلح 2/ 225، والإنصاف، للمرداوي 2/ 479.
(2)
ينظر: الأوسط، لابن المنذر 5/ 334، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 241،
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الجنائز، باب: في ستر الميت عند غسله (3141) 3/ 196، وأحمد في مسنده، مسند: النساء، مسند: الصديقة، (26307) 43/ 332، وحسنه الألباني في إرواء الغليل 3/ 162.
(4)
ينظر: الجامع لمسائل المدونة، للصقلي 3/ 1016، والمختصر الفقهي، لابن عرفة 1/ 441.
(5)
ينظر: فتح الوهاب، للسنيكي 1/ 108، وحاشية الجمل 2/ 149، وحاشية البجيرمي 1/ 458.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، الشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312، والمبدع، لابن مفلح 2/ 225، والإنصاف، للمرداوي 2/ 479.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ضرك لو مت قبلي، فقمت عليك، فغسلتك، وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عائشة رضي الله عنها أنه إن عاش بعد موتها غسلها، ولو كان تغسيل الرجل لامرأته بعد موتها حراما لم يعزم صلى الله عليه وسلم على فعله.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه الأول:
أن زوجية النبي صلى الله عليه وسلم لا تنقطع بالموت؛ لحديث عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي
(2)
)
(3)
، فيكون ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز فيها المتابعة
(4)
.
ويمكن أن يجاب عن هذا الوجه:
أن تغسيل الميت من أحكام الدنيا، وليس من أحكام الآخرة، والحديث ينص على انقطاع السبب، والنسب في الآخرة فقط.
الوجه الثاني:
أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: (غسلتك) أي: قمت بتهيئة أسباب غسلك وأمرت به، كما يقال: بنى السلطان المدرسة، أي: أمر ببنائها
(5)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الجنائز، باب: ماجاء في غسل الرجل امرأته والمرأة زوجها (1465) 1/ 470 ، وأحمد في مسنده، مسند: النساء، مسند: الصديقة (25908) 43/ 81، وصححه الألباني في إرواء الغليل 3/ 160.
(2)
السبب: ما يكون بالزواج، والنسب: ما يكون بالولادة. ينظر: النهاية، لابن الأثير 2/ 329.
(3)
أخرجه الطبراني في معجمه الكبير، باب: الحاء، أخبار الحسن بن علي (2635) 3/ 45، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب: النكاح، باب: ما جاء في نكاح الآباء الأبكار (13660) 7/ 185، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 832.
(4)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي 1/ 46.
(5)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي 1/ 46.
أجيب عن هذا الوجه:
الأصل في إضافة الفعل إلى الشخص أن تكون للمباشرة، وإذا حملنا الحديث على الأمر بطلت فائدة التخصيص؛ إذ ليس في الأمر بالتغسيل مزيد مزية
(1)
.
الدليل الثاني:
أن تغسيل الزوج لزوجته، كتغسيل الزوجة لزوجها، ولا دليل على التفريق، فيكون حكمهما إذن واحدا
(2)
.
نوقش:
المرأة هي محل النكاح، فيمكن بقاء النكاح ببقائها، ولهذا تعتد المرأة بعد وفاة زوجها، والعدة أثر النكاح، والشيء يعد باقيا ببقاء أثره، أما إذا ماتت الزوجة فيستحيل بقاء النكاح؛ لاستحالة بقاء الشيء بدون محله
(3)
.
أجيب عن المناقشة بوجهين:
الوجه الأول:
لا يسلم بأن المرأة هي محل النكاح فقط بل كل واحد من الزوجين هو محل النكاح لصاحبه.
الوجه الثاني:
إن سُلِّم أن المرأة هي محل النكاح فقط، وسُلِّم أن الشيء يعد باقيا ببقاء أثره، فإن الإرث أيضا أثر للنكاح، والرجل يرث من امرأته
(4)
.
نوقش الوجه الثاني:
أن الإرث بناء على سبب يسبق الموت
(5)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312.
(3)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي ص:46.
(4)
ينظر: حاشية الجمل 2/ 149، والمبدع، لابن مفلح 2/ 226.
(5)
ينظر: الغرة المنيفة، للغرنوي ص:46.
ويمكن أن يجاب هذه المناقشة:
أن التغسيل كذلك مبني على سبب يسبق الموت.
الدليل الثالث:
أن الميت يسهل عليه إطلاع زوجه على عورته دون غيره من الناس؛ لما كان بينهما في الحياة من المعاشرة والإفضاء
(1)
.
الدليل الرابع:
أن الزوج أحرى بأن يأتي بالغسل على أكمل وجه، لما بين الزوجين من المودة والرحمة
(2)
.
القول الثاني:
لا يباح للزوج غسل زوجته، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(3)
، ورواية عند الحنابلة
(4)
.
دليل القول الثاني:
قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
…
وَرَبَائِبُكُمُ الَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ الَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
…
وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ}
(5)
.
وجه الاستدلال بالآية:
دلت الآية الكريمة على أنه يباح للرجل أن يتزوج بنت زوجته، إذا حصلت الفرقة قبل الدخول، فإن توفيت المرأة قبل الدخول بها، ثم نكح الرجل ابنتها قبل غسلها، فإن غسلها ونظر إلى فرجها، فإنه يصبح جامعا بين الأم وابنتها في بعض أحكام النكاح، وكذلك لو تزوج أختها قبل غسلها، ثم غسلها، لكان مستبيحا للنظر إلى فرج الأختين، وذلك محرم بظاهر الكتاب
(6)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312.
(3)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 205، والغرة المنيفة، للغرنوي ص: 46، وحاشية ابن عابدين 2/ 198.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312، والمبدع، لابن مفلح 2/ 226، والإنصاف، للمرداوي 2/ 479.
(5)
النساء من الآية: 23
(6)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 205، والمغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312، والمبدع، لابن مفلح 2/ 226.
نوقش:
لا يُسلم بصحة الاستدلال بالآية؛ لأن معنى النهي عن الجمع هو ما كان على وجه الاستمتاع، ولم يرد تحريم الجمع فيما عداه، كالجمع بينهما في عقد الاستخدام، وغير ذلك، وإذا تقرر هذا؛ فليس في إباحة غسل المرأة، والنظر إليها، جمع بينها وبين أختها؛ لأن إباحة النظر إلى أختها هو من طريق الاستمتاع، والالتذاذ، وليس في النظر إليها، وتغسيلها، حال وفاتها استمتاع، ولا التذاذ
(1)
.
القول الثالث:
يُكره للرجل تغسيل زوجته مع وجود من يغسلها سواه، وهذا القول رواية عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الثالث:
أن غسل الزوجة وقع فيه خلاف قوي، فيتنزه عنه خروجا من الخلاف، وتورعا عن الشبهة
(3)
.
يمكن أن يناقش:
الشبهة تزول إذا قام الدليل.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان قول الجمهور؛ القائل بإباحة غسل الزوج لزوجته؛ لقوة الأدلة المستدل بها، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
المسألة الثانية: سبب الخلاف:
اختلاف الفقهاء في تشبيه فرقة الموت بفرقة الطلاق، فمن شبه فرقة الموت بفرقة الطلاق، قال: لا يحل أن ينظر إليها بعد الموت، أما من لم يشبه فرق الموت بفرقة الطلاق، قال: إن ما يحل له من النظر إليها قبل الموت، يحل له بعد الموت
(4)
.
(1)
ينظر: شرح الرسالة، للقاضي عبدالوهاب 1/ 92.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312، والمبدع، لابن مفلح 2/ 225، والإنصاف، للمرداوي 2/ 479.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390.
(4)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 241.
المسألة الثالثة: حكم غسل الزوج زوجته، إذا تزوج بعد وفاة زوجته بمن يحرم جمعها معها حال حياتها.
اختلف الفقهاء القائلون بإباحة غسل الزوج زوجته في هذه المسألة، على قولين:
القول الأول:
يُكره للزوج تغسيل زوجته، إذا تزوج بمن يحرم جمعها معها حال حياتها، وهو أحد القولين عند المالكية
(1)
.
دليل القول الأول:
لم أقف لهم على دليل لهذه الصورة، لكن مما يمكن الاستدلال به:
أن هذه الصورة يتجاذبها حاظر ومبيح؛ أما الحاظر فالجمع في بعض أحكام النكاح، بين امرأتين يحرم الجمع بينهما، وأما المبيح فهو استصحاب بقاء عقد النكاح، فغلب جانب الحظر احتياطا.
القول الثاني:
يباح للزوج غسل زوجته، حتى وإن تزوج بمن يحرم جمعها معها حال حياتها، وهو أحد القولين عند المالكية
(2)
، وقول الشافعية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
.
أدلة القول الثاني:
استدلوا بنفس الأدلة التي استدلوا بها على إباحة غسل الزوجة زوجته مطلقا.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول القائل بكراهة تغسيل الزوج لزوجته إذا تزوج بمن يحرم الجمع بينهما حال الحياة؛ لما فيه من الاحتياط للفروج، وصيانة عورة الميت.
(1)
ينظر: الجامع لمسائل المدونة، للصقلي 3/ 1016، والمختصر الفقهي، لابن عرفة 1/ 441.
(2)
ينظر: الجامع لمسائل المدونة، للصقلي 3/ 1016، والمختصر الفقهي، لابن عرفة 1/ 441.
(3)
ينظر: فتح الوهاب، للسنيكي 1/ 108، وحاشية الجمل 2/ 149، وحاشية البجيرمي 1/ 458.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 390، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 312، والمبدع، لابن مفلح 2/ 225، والإنصاف، للمرداوي 2/ 479.