الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: الجماع بعد الوقوف بعرفة، وقبل التحلل الأول
(1)
.
اختلف الفقهاء في حكم الجماع بعد الوقوف بعرفة، وقبل التحلل الأول، على قولين:
القول الأول:
يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة، وتجب الفدية، والقضاء، مع المضي في الحج الفاسد، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والحنابلة
(4)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
أثر ابن عباس رضي الله عنهما في رجل وقع على امرأته وهو محرم ، قال:(اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل فاخرجا حاجين، وأهديا هديا)
(5)
فقضى بفساد الحج، ولم يستفصل هل كان قبل الوقوف، أو بعده، ولو اختلف الحال لوجب البيان
(6)
.
الدليل الثاني:
أن هذا وطء صادف إحراما تاما لم يتحلل شيء منه، فوجب أن يفسده كالوطء قبل الوقوف
(7)
.
(1)
التحلل الأول: عند الحنفية: يكون بالحلق أو التقصير يوم النحر. ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 409، والمبسوط، للسرخسي 4/ 22، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 142.
وعند المالكية: يكون برمي جمرة العقبة يوم النحر. ينظر: شرح حدود ابن عرفة، للرصاع ص: 109، وشرح مختصر خليل، للخرشي 2/ 300، ومنح الجليل، للشيخ عليش 2/ 253.
والصحيح عند الشافعية، والحنابلة: أن التحلل الأول يكون بفعل اثنين من ثلاثة، وهي: الحلق أو التقصير، والرمي، والطواف. ينظر: التنبية في الفقه الشافعي، للشيرازي ص: 78، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 4/ 346 - 347، والمجموع، للنووي 8/ 205، والكافي، لابن قدامة 1/ 524، والفروع، لابن مفلح 6/ 57 - 58، والإنصاف، للمرداوي 4/ 41.
(2)
ينظر: شرح الزرقاني 2/ 539، وحاشية الدسوقي 2/ 68، وحاشية الصاوي 2/ 94.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 4/ 217، والوسيط، للغزالي 2/ 688، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 4/ 217.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 423، وشرح الزركشي 3/ 146، والمبدع، لابن مفلح 3/ 148.
(5)
سبق تخريجه ص: 287.
(6)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 3/ 149.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 4/ 218.
القول الثاني:
لا يفسد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة، وقبل التحلل الأول، وتجب به الفدية، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(1)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث عبد الرحمن بن يعمر، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه ناس، فسألوه عن الحج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع
(2)
، فقد تم حجه)
(3)
.
وجه الاستدلال من الحديث:
أن لفظ الإتمام يطلق على أحد وجهين: إما لاستيفاء أداء الأفعال، أو لانتفاء ورود الفساد عليه، وبالاتفاق لم يرد التمام من حيث أداء الأفعال؛ فقد بقي عليه بعض الأركان، فلما لم يرد استيفاء فروضه، فقد أراد نفي ورود الفساد عليه؛ إذ إنه بالوقوف تأكد حجه؛ فإنه يأمن الفوات بعد الوقوف، فكما يثبت حكم تأكد الحج في الأمن من الفوات، فكذلك في الأمن من الفساد
(4)
.
نوقش:
الفوات أخف حالا من الفساد؛ فالفوات يسقط بإدراك بعض الشيء، والفساد لا يسقط بإدراك بعض الشيء، فمن أدرك ركعة من الجمعة، فقد أمن فواتها، ولا يأمن فسادها، فكذلك جاز أن يأمن بالوقوف فوات الحج، ولا يأمن فساده
(5)
.
(1)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 550، والمبسوط، للسرخسي 4/ 57، والبناية، للعيني 4/ 352.
(2)
يعني: ليلة مزدلفة، ينظر: النهاية، لابن الأثير 1/ 296.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: المناسك ، باب: من لم يدرك عرفة، (1949) 2/ 196، والترمذي في سننه، أبواب: الحج، باب: ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج (889) 3/ 228، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: مناسك الحج، باب: فرض الوقوف بعرفة (3016) 5/ 265 ، وابن ماجه في سننه، كتاب: المناسك، باب: من أتى عرفة، قبل الفجر، ليلة جمع (3015) 2/ 1003، وصححه الألباني في تحقيقه لأحاديث مشكاة المصابيح 2/ 829.
(4)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي، للجصاص 2/ 551، والمبسوط، للسرخسي 4/ 57.
(5)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 4/ 57.
الدليل الثاني:
بعد الوقوف بعرفة يُمنع الوطء لأجل بقاء الرمي الذي يقع به التحلل، فلما كان ترك الرمي لا يفسد الحج، فالوطء الذي منع منه لأجل الرمي أولى أن لا يفسد الحج
(1)
.
نوقش:
ليس تحريم الوطء لأجل بقاء الرمي، وإنما هو لأجل بقاء الإحرام، وبقاء الإحرام يؤذن بفساد العبادة كالصلاة
(2)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بفساد الحج بالجماع بعد الوقوف بعرفة، وقبل التحلل الأول؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 4/ 58.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 4/ 219.