الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الاستمتاع بما دون الفرج من غير خروج مني ولا مذي
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا حصل استمتاع بشهوة بين الزوجين بأي نوع من المباشرة، ولم تبلغ حد الإيلاج، ولم يصحبها خروج مني أو مذي، فما الحكم فيه؟
المسألة الثانية: حكم الاستمتاع بما دون الفرج من غير خروج مني ولا مذي:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على عدم وجوب الغسل من مجرد المباشرة بشهوة
(1)
.
ويمكن أن يُستدل على ذلك:
أن الوجوب حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل، والأصل براءة الذمة، ولم يرد عن الشارع ما يوجب الغسل، من المباشرة فيما دون الفرج، من غير إنزال.
ثانيا: اختلف الفقهاء في وجوب الوضوء من مجرد المباشرة بشهوة، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يجب الوضوء من المباشرة بشهوة سواءً فحشت أم لا، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: المالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
(5)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 67، والبناية، للعيني 1/ 324، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 55، وعيون الأدلة، لابن القصار 1/ 505، والجامع لمسائل المدونة، للصقلي 1/ 225، والقوانين الفقهية، لابن جزي 1/ 23 ، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 183، والتهذيب، للبغوي 1/ 321 ، وكفاية الأخيار، لتقي الدين الحصني 1/ 40 ، والمغني، لابن قدامة 1/ 141، والمبدع، لابن مفلح 1/ 150، وأخصر المختصرات، لابن بلبان 1/ 97.
(2)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 505.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 183.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 141، والفروع، لابن مفلح 1/ 230.
(5)
المائدة من الآية: 6.
وجه الاستدلال من الآية الكريمة:
أن المقصود من قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} مسهن بشهوة، سواء كان بجماع، أو ما دونه، فهي عامة في نوعي الحدث الأكبر، والأصغر.
نوقش وجه الاستدلال:
لا نسلم أن المراد بالآية هو المباشرة بشهوة، بل المراد هو صريح الجماع
(1)
.
وأجيب عن المناقشة من وجهين:
الوجه الأول:
أن الله سبحانه وتعالى أطلق ذكر مس النساء في الآية والمفهوم من هذا في عرف أهل اللغة والشرع هو: اللمس للتلذذ، وقضاء الشهوة، فإن اللمس لغرض آخر لا يفهم من تخصيص النساء بالمس؛ إذ لا فرق بينهن، وبين غيرهن في ذلك المس، فنسبته إلى النساء أوحت تخصيصه بالمقصود من مسهن
(2)
.
الوجه الثاني:
أن مباشرة النساء المذكورة في القرآن يراد بها ما كان مع الشهوة، كقوله تعالى:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}
(3)
، وهذا من تفسير القرآن بالقرآن
(4)
.
الدليل الثاني:
أن الأحكام المتعلقة بمباشرة النساء إنما تثبت في مس الشهوة قل، أو كثر؛ مثل تحريم المباشرة على المحرِم، والمعتكِف، وتحريم الربيبة، فكذلك انتقاض الوضوء
(5)
.
الدليل الثالث:
أن نواقض الوضوء مما علقت بالمظان، كالنقض بالنوم؛ لأنه مظنة خروج الريح، فكذلك المباشرة بشهوة هي مظنةٌ لخروج المذي
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 68.
(2)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 316.
(3)
البقرة من الآية: 187.
(4)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 316.
(5)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 525، وشرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 317.
(6)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 525 ، والمغني، لابن قدامة 1/ 142 ، وشرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 316.
الدليل الرابع:
أنَّ فيه احتياطاً للصلاة؛ لتبرأ الذمة منها بيقين
(1)
.
القول الثاني:
يجب الوضوء إذا كانت المباشرة فاحشة يحصل معها الانتشار
(2)
، وهذا مذهب أبي حنيفة، وأبي يوسف
(3)
، ورواية عن الإمام أحمد رحمهم الله
(4)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ)
(5)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان مجرد المباشرة لشهوة ناقضاً للوضوء لتوضأ صلى الله عليه وسلم؛ إذ الغالب من قبلة الرجل لامرأته أنها قبلة استمتاع، وشهوة.
نوقش:
يمكن أن يقبل الرجل امرأته لغير شهوة برا بها، وإكراما لها، ورحمة، فالقبلة تكون لشهوة، ولغير شهوة
(6)
.
(1)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 536.
(2)
الانتشار هو: الإنعاظ، وهو: قيام ذكر الرجل وانتصابه. ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون، للتهانوي 1/ 274، وشرح غريب ألفاظ المدونة، للجبي 1/ 14.
(3)
هو: يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، أخذ الفقه عن الإمام أبي حنيفة، وهو المقدم من أصحابه، ولي القضاء لثلاثة من الخلفاء المهدي، والهادي، والرشيد، توفي سنة 182 هـ، ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحيي الدين القرشي 2/ 220 - 222.
(4)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 67، والبناية، للعيني 1/ 306، والمغني، لابن قدامة 1/ 142، والفروع، لابن مفلح 1/ 230.
(5)
أخرجه أبو دواد في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء من القبلة، (179) 1/ 129، والترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: ترك الوضوء من القبلة (86) 1/ 133، وابن ماجه في سننه، أبواب: الطهارة وسننها، باب: الوضوء من القبلة (501) 1/ 315، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح أبي داود 1/ 317.
(6)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 1/ 535، والمغني، لابن قدامة 1/ 142.
الدليل الثاني:
أن المباشرة الفاحشة مع الانتشار سبب لاستطلاق وكاء المذي فيقام مقام خروج المذي حقيقة في إيجاب الوضوء، أخذا بالاحتياط في باب العبادة؛ إذ الغالب من حال من بلغ في المباشرة هذا المبلغ خروج المذي منه حقيقة، فيجعل كالممذي؛ بناءً للحكم على الغالب دون النادر
(1)
.
ويمكن أن يناقش:
يسلم أن المباشرة الفاحشة مع الانتشار مظنة لخروج المذي، ولكن ما هو أدنى منه مظنة أيضا لخروجه، فتعليق الحكم بالمظنة القريبة أولى من تعليقه بالمظنة البعيدة.
القول الثالث:
لا يجب الوضوء من المباشرة بين الزوجين بشهوة مطلقا، وهذا مذهب محمد بن الحسن
(2)
رحمه الله من الحنفية
(3)
.
دليل القول الثالث:
أن المباشر بشهوة على يقين أنه لم يخرج منه شيء، فهو باقٍ على طهارته الأصلية، واليقين لا يزول إلا بيقين مثله
(4)
.
نوقش:
إن لم يخرج منه شيء من المذي، فهو مظنة للخروج، ونواقض الوضوء مما أنيطت بالمظان
(5)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 68.
(2)
هو: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه، ثم عن أبي يوسف، وصنف الكتب، ونشر علم أبي حنيفة، ولى القضاء للرشيد بالرقة، ثم بالري، وتوفي بها سنة 187 هـ. ينظر: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحيي الدين القرشي 2/ 44.
(3)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 67، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 44.
(4)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 68.
(5)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة) ، لابن تيمية 1/ 316.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- أن الخلاف قوي في المسألة ولكل قول حظه من النظر؛ والذي يطمئن له القلب، وتبرأ به الذمة، هو قول الجمهور، القائل بوجوب الوضوء من المباشرة إذا كانت مع شهوة.