الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب التاسع: الجماع بعد طلوع الفجر ظاناً عدم طلوعه
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
من جامع بعد طلوع الفجر في نهار رمضان، وهو يظن أن الفجر لم يطلع، فهل يفسد صومه بذلك الجماع، ومالذي يلزمه بفساده؟
المسألة الثانية: حكم الجماع بعد طلوع الفجر ظاناً عدم طلوعه:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة، على قولين:
القول الأول:
من جامع ظانا أن الفجر لم يطلع، صومه صحيح، ولا يلزمه قضاء، وهو وجه عند الشافعية
(1)
، ورواية عند الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، قالت: أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم، ثم طلعت الشمس. قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: لا بد من قضاء، وقال معمر: سمعت هشاما -يقول-: لا أدري أقضوا أم لا
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن أسماء رضي الله عنها لم تذكر أنهم أمروا بالقضاء، ولو أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لشاع ذلك، ولنقله الصحابة، كما نقلوا فطرهم، فلما لم ينقل؛ دل على أنه لم يأمرهم بالقضاء، أما قول هشام: لابد من قضاء، فهو قول برأيه، بل شكه في الرواية الثانية لا يدري أقضوا أم لا، يدفع جزمه
(4)
.
الدليل الثاني:
الأصل بقاء الليل، والفجر طارئ، فمن جامع يظن أن الفجر لم يطلع، فقد عمل بالأصل
(5)
.
(1)
ينظر: نهاية المطلب، للجويني 4/ 20، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159، والمجموع، للنووي 6/ 306.
(2)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 3/ 30، وحاشية الروض، لابن قاسم 3/ 407.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959) 3/ 37.
(4)
ينظر: حاشية الروض، لابن قاسم 3/ 407.
(5)
ينظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159.
القول الثاني:
يفسد صوم من جامع ظانا أن الفجر لم يطلع، ويقضي يوما مكانه، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
من جامع بعدما طلع الفجر، وهو يظن أن الفجر لم يطلع، فقد فوت أداء الواجب بعد تقرر سبب الوجوب؛ فيضمنه بالمثل بما هو مشروع له، فهو حق مضمون بالمثل، كالمريض، والمسافر
(5)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم بصحة القياس على المريض، والمسافر؛ فإن المريض، والمسافر، حين يفطر الواحد منهما، فإنه يفطر عامدا مختارا ذاكرا، وليس الأمر كذلك في هذه الصورة، بل قياسه على الناسي المعذور أولى.
الدليل الثاني:
الجماع بعد طلوع الفجر ظانا عدم طلوعه، ليس إلا جهلا بوقت الصيام، فلم يعذر به، كالجهل بأول رمضان
(6)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم أيضا بصحة القياس على من جهل أول رمضان، فإن من جهل أول رمضان لم يُبيت نية الصوم، بخلاف من جامع ظانا أن الفجر لم يطلع، فإنه مبيت لنية الصوم، لكنه أخطأ في وقت وجوب الإمساك.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ فإنه الأقرب موافقةً لظاهر الحديث الصحيح، كما أنه الأقرب إعمالا للقواعد الفقهية، ومنها قاعدة: الأصل بقاء ماكان على ماكان
(7)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 55، والبناية، للعيني 4/ 101، وحاشية ابن عابدين 2/ 405.
(2)
ينظر: الكافي، لابن عبدالبر 1/ 350، والقوانين الفقهية، لابن جزي ص: 81، وأسهل المدارك، للكشناوي 1/ 418.
(3)
ينظر: نهاية المطلب، للجويني 4/ 20، والتهذيب في فقه الإمام الشافعي، للبغوي 3/ 159، والمجموع، للنووي 6/ 306.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 147، وشرح الزركشي 2/ 599، والمبدع، لابن مفلح 3/ 30.
(5)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 55، والبناية، للعيني 4/ 101.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 147.
(7)
ينظر: الأشباه والنظائر، للسبكي 1/ 13.