الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: الاستمتاع بما دون الفرج
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على جواز استمتاع الرجل بزوجته الحائض فيما عدا ما بين السرة، والركبة
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفعلية على الاستمتاع بما تحت الإزار من الحائض، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها
(3)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء في الاستمتاع بالحائض بما تحت الإزار -ما بين السرة والركبة- ما عدا الفرج، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يجوز الاستمتاع بالزوجة الحائض كلها، ولا يحرم إلا الفرج، وهو مذهب محمد بن الحسن من الحنفية
(4)
، ووجه عند الشافعية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(7)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 3/ 69، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 208، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 62، والتاج والإكليل، للمواق 1/ 550، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، والأم، للشافعي 1/ 76، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، والمجموع، للنووي 2/ 364، والمغني، لابن قدامة 1/ 242، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:463.
(2)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 364، والمغني، لابن قدامة 1/ 242، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:463.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: مباشرة الحائض (203) 1/ 67، ومسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار (293) 1/ 242.
(4)
ينظر: المبسوط، للشيباني 3/ 69، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 208.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 428، والمجموع، للنووي 2/ 363.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 242، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(7)
البقرة من الآية: 222.
وجه الاستدلال بالآية:
أن المحيض هو: اسم لموضع الحيض؛ وهو الفرج كالمقيل، والمبيت، فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على إباحة ما عداه
(1)
.
نوقش وجه الاستدلال بالآية:
يحتمل أن يكون المراد بالمحيض: الحيض، وهو الدم نفسه، بدليل قوله تعالى في أول الآية:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}
(2)
والأذى: هو دم الحيض، وقال تعالى:{وَالَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ}
(3)
أي: يئسن من خروج الدم، فعلى هذا يكون معنى الآية: اعتزلوا النساء زمان الحيض، وحال خروجه
(4)
.
أجيب عن مناقشة وجه الاستدلال بأمرين:
الأمر الأول:
أن الله تعالى لو أراد بـ (المحيض) الحيض، لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية، والإجماع بخلافه.
الأمر الثاني:
أن سبب نزول الآية، حديث أنس السابق؛ أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(5)
إلى آخر الآية .. ،
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57، والمغني، لابن قدامة 1/ 243، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316 - 317، شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(2)
البقرة من الآية: 222.
(3)
الطلاق من الآية: 4.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 243، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316 - 317، شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(5)
البقرة من الآية: 222.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)
(1)
، وهذا تفسير لمراد الله تعالى، ولا تتحقق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض؛ لأنه يكون موافقا لهم لا مخالفا لهم
(2)
.
الدليل الثاني:
حديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(3)
إلى آخر الآية .. ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اصنعوا كل شيء إلا النكاح)
(4)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن المراد بالنكاح في الحديث: الجماع؛ فكنى باسم السبب عن المسبب
(5)
، والحديث صريح في إباحة جميع أوجه الاستمتاعات بالحائض ماعدا الجماع
(6)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء .. ) محمول على القبلة، ولمس الوجه، واليد، ونحو ذلك .. مما هو معتاد لغالب الناس، فإن غالبهم إذا لم يستمتعوا بالجماع استمتعوا بذلك، لا بما تحت الأوزار
(7)
.
يمكن أن يجاب عن المناقشة:
تخصيص عموم الحديث تحكم لا دليل عليه.
(1)
سبق تخريجه ص: 80.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 243، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316 - 317، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(3)
البقرة من الآية: 222.
(4)
سبق تخريجه ص: 80.
(5)
ينظر: مرقاة المفاتيح، للقاري 2/ 492.
(6)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 363.
(7)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 363.
الدليل الثالث:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناوليني الخمرة من المسجد)، قالت فقلت: إني حائض، فقال:(إن حيضتك ليست في يدك)
(1)
وقولها رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخرج إلي رأسه من المسجد، وهو مجاور، فأغسله وأنا حائض)
(2)
فدلت هذه الأحاديث على أنه ليس من جسم الحائض شيء نجس إلا موضع الدم
(3)
.
الدليل الرابع:
وطء الحائض في فرجها إنما حُرِم للأذى؛ فلم يحرم الاستمتاع بما حواليه، كالوطء في الدبر؛ حُرم للأذى، ولم يحرم الاستمتاع بما حواليه
(4)
.
القول الثاني:
يحرم الاستمتاع بالحائض بما تحت الإزار -ما بين السرة والركبة-، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(5)
، والمالكية
(6)
، والأصح عند الشافعية
(7)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث عبد الله بن سعد رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: (لك ما فوق الإزار)
(8)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن هذا الحديث مانع، وحديث أنس مبيح، فيُقدم المانع على المبيح
(9)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما فوق الإزار) كناية عن ما سوى الفرج، فكنى عن الفرج بالإزار، ومشهور في لغة العرب الكناية عن الفرج بالإزار
(10)
، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:(كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره)
(11)
، كناية عن اعتزاله صلى الله عليه وسلم جماع نسائه
(12)
.
الدليل الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها
(13)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن فعله صلى الله عليه وسلم على ذلك؛ إذ لو كان الممنوع موضع الدم لا غير لم يكن لأمرها بأن تتزر معنى
(14)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه لأول:
مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم فوق الإزار محمولة على الاستحباب، جمعا بين قوله وفعله صلى الله عليه وسلم
(15)
.
الوجه لثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يترك بعض المباح تقذرا، كتركه أكل الضب، والأرنب
(16)
.
الدليل الثالث:
حديث النعمان بن البشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه)
(17)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: الحائض تناول من المسجد (298) 1/ 244.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه (297) 1/ 244.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 428، والمجموع، للنووي 2/ 361، والمغني، لابن قدامة 1/ 243، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316 - 317، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(5)
ينظر: المبسوط، للشيباني 3/ 69، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(6)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 62، والتاج والإكليل، للمواق 1/ 550، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208.
(7)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 425، والمجموع، للنووي 2/ 363.
(8)
أخرجه أبوداود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: في المذي (212) 1/ 55، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/ 383.
(9)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(10)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، والمجموع، للنووي 2/ 363.
(11)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: صلاة التراويح، باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان (2024) 3/ 47.
(12)
ينظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال 4/ 159، وعمدة القاري، للعيني 11/ 139، وفتح الباري، لابن حجر 4/ 269.
(13)
سبق تخريجه ص: 88.
(14)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57.
(15)
ينظر: المجموع، للنووي 2/ 363.
(16)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 243، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316 - 317، شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(17)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: البيوع، باب: الحلال بين والحرام بين وبينهما مشبهات (2051) 3/ 53، ومسلم في صحيحه، كتاب: الطلاق، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات (1599) 3/ 1219.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن ما تحت الإزار حريم للفرج؛ والاستمتاع بما تحت الإزار يدعو إلى الاستمتاع بالفرج
(1)
.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه الأول:
الأذى القائم بالفرج حال الحيض، ينفر عن الفرج، كما ينفر الأذى القائم بالدبر، عن الوطء في الدبر
(2)
.
الوجه الثاني:
لو روعي هذا، لحرم جميع بدن الحائض، كالمُحرِمة، والصائمة، والمعتكفة
(3)
.
القول الثالث:
يجوز الاستمتاع من الحائض بما تحت الإزار -ما عدا الفرج- إن أمن على نفسه الجماع؛ لشدة ورعه، أو ضعف شهوته، وإلا حرم عليه، وهو وجه عند الشافعية
(4)
.
دليل القول الثالث:
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها، ثم يباشرها، قالت: وأيكم يملك إربه
(5)
، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه
(6)
، فأخبرت رضي الله عنها أن مباشرته صلى الله عليه وسلم للحائض لأنه كان يأمن على نفسه من الوقوع في المحظور.
يمكن أن يناقش:
قول عائشة رضي الله عنها معارض بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح)
(7)
.
(1)
ينظر: فتح العزيز، للرافعي 2/ 425، والمجموع، للنووي 2/ 363.
(2)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(3)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 425، والمجموع، للنووي 2/ 363.
(5)
قول عائشة رضي الله عنها: (يملك إربه) يحتمل تأويلين: التأويل الأول: الحاجة، تعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان غالبا لهواه، والتأويل الثاني: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء خاصة الذكر. ينظر: النهاية، لابن الأثير 1/ 36.
(6)
سبق تخريجه ص: 88.
(7)
سبق تخريجه ص: 80.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول القائل بجواز الاستمتاع بما دون الفرج؛ لموافقته سبب نزول آية المحيض، ولصحة وصراحة حديث أنس رضي الله عنه، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى، وإن كان ترك ماتحت الإزار أولى، لفعله صلى الله عليه وسلم وخروجا من الخلاف، يقول ابن تيمية
(1)
رحمه الله وهو ممن رجح القول الأول: " فالأفضل أن يقتصر في الاستمتاع على ما فوق الإزار؛ لأنه هو الغالب على استمتاع النبي صلى الله عليه وسلم بأزواجه، مع ما في ذلك من الخروج من اختلاف العلماء "
(2)
.
(1)
هو: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني، إمام فقيه، مجتهد محدث، حافظ مفسر، أصولي زاهد، لقب بشيخ الإسلام، ولد يوم الاثنين، عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة بحران، أفتى ودرس ولم يبلغ عشرون عاما، كثير التصانيف، سريع الحفظ، قوي الإدراك والفهم، إذا أفتى لم يلتزم بمذهب، بل بما يقوم دليله عنده، حبس في ذات الله مرارا، ومات رحمه الله بالحبس في قلعة دمشق، ليلة الاثنين عشرين ذي القعدة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب 4/ 491 - 525.
(2)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:461.