الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الحادي عشر: مقدمات الجماع للصائم
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
من قبل امرأته، أو باشرها دون الفرج، وهو صائم، فماحكم فعله؟
المسألة الثانية: حكم مقدمات الجماع للصائم:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن من أتى شيئا من مقدمات الجماع، ولم يخرج منه مني، ولا مذي، فصومه صحيح
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
القياس على المضمضة؛ فالمضمضة إذا لم يكن معها نزول للماء إلى الجوف لم يفطر بها الصائم، فكذلك مقدمات الشهوة، إذا لم يكن معها إنزال للمني، ولا للمذي لم يفطر بها الصائم أيضا
(3)
.
ثانيا: اتفق الفقهاء على من أتى شيئا من مقدمات الجماع، فأمنى، فإن صومه فاسد، ويجب عليه القضاء
(4)
.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 324، والعناية، للبابرتي 2/ 331، والبناية، للعيني 4/ 44، والمدونة، للإمام مالك 1/ 269، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 346، والذخيرة، للقرافي 2/ 504، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 438 - 439، والإقناع، للماوردي ص: 75 - 76، والمجموع، للنووي 6/ 355، والمغني، لابن قدامة 3/ 127، والمبدع، لابن مفلح 3/ 22 - 23، والإنصاف، للمرداوي 3/ 329.
(2)
نقل الإجماع على ذلك: المرداوي في كتابه الإنصاف 3/ 329.
(3)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 438، والمغني، لابن قدامة 3/ 127.
(4)
ينظر: المبسوط، للشيباني 2/ 200، والمبسوط، للسرخسي 3/ 65، والبناية، للعيني 4/ 45، والمدونة، للإمام مالك 1/ 269، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 346، والذخيرة، للقرافي 2/ 504، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 438 - 439، والإقناع، للماوردي ص: 75 - 76، والمجموع، للنووي 6/ 355، والمغني، لابن قدامة 3/ 127، والمبدع، لابن مفلح 3/ 22 - 23، والإنصاف، للمرداوي 3/ 315.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
ركن الصوم هو الإمساك عن شهوة البطن، والفرج، وإنزال المني بمقدمات الجماع، يحصل به قضاء شهوة الفرج، فانعدم ركن الصوم، ولا يتصور أداء العبادة بدون ركنها
(1)
.
ثالثا: اتفق الفقهاء على أن من كان يخشى على نفسه الجماع، أو إنزال المني، فإنه يكره أن يقبل امرأته، أو يباشرها
(2)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم: يقبل، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه
(3)
'
(4)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أشارت رضي الله عنها إلى أنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يقبل، ويباشر؛ لأنه كان لا يخشى على نفسه إفساد صومه بجماع، أو إنزال.
رابعا: اختلف الفقهاء في حكم صيام من أتى شيئا من مقدمات الجماع، فأمذى، على قولين:
القول الأول:
لا يفسد صوم من أمذى بشيء من مقدمات الجماع، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(5)
، والشافعية
(6)
، وقول بعض الحنابلة
(7)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 65.
(2)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 58، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 106، والجوهرة النيرة، للحداد 1/ 139، والكافي، لابن عبد البر 1/ 346، والذخيرة، للقرافي 2/ 504، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 332، ومختصر المزني 8/ 153 (مطبوع ملحقا بالأم) ، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 439، والمجموع، للنووي 6/ 354، المغني، لابن قدامة 3/ 128، والكافي، لابن قدامة 1/ 449، والإنصاف، للمرداوي 3/ 328.
(3)
الإرب له تأويلان: أحدهما: أنه الحاجة، تعني: أنه كان غالبا لهواه، والثاني: أرادت به العضو، وعنت به من الأعضاء: الذكر خاصة. ينظر: النهاية، لابن الأثير 1/ 36.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، باب: المباشرة للصائم (1927) 3/ 30، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1106) 2/ 777.
(5)
ينظر: العناية، للبابرتي 2/ 331، والبناية، للعيني 4/ 44.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 438 - 439، والإقناع، للماوردي ص: 75 - 76، والمجموع، للنووي 6/ 355.
(7)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 3/ 22 - 23، والإنصاف، للمرداوي 3/ 301.
دليل القول الأول:
لم يوجد ما ينافي صورة الصوم، ولا معناه؛ إذ لم يحصل قضاء تمام الشهوة بإيلاج الفرج في الفرج، ولا بإنزال المني بالمس عن شهوة، فلم يفسد الصوم
(1)
.
القول الثاني:
يفسد صوم من أمذى بشيء من مقدمات الجماع، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(2)
، والصحيح من مذهب الحنابلة
(3)
.
دليل القول الثاني:
خارج تخلله شهوة، وخرج بالمباشرة، فأفسد الصوم، كالمني
(4)
.
يمكن أن يناقش:
لا يسلم بصحة قياس المذي على المني، بل هو أشبه بالبول؛ بجامع عدم إفساد الطهارة الكبرى.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول، القائل بأن من أمذى بشيء من مقدمات الجماع، فصومه صحيح، ولا يلزمه قضاء؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
خامسا: اختلف الفقهاء في حكم مقدمات الجماع للصائم، إذا كان لا يخشى عل نفسه الجماع، أو إنزال المني، على قولين:
القول الأول:
تباح القبلة، ونحوها .. إن أمن الجماع، أو إنزال المني، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(5)
، والشافعية
(6)
، والمذهب عند الحنابلة
(7)
.
(1)
ينظر: البناية، للعيني 4/ 44.
(2)
ينظر: المدونة، للإمام مالك 1/ 269، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 346، والذخيرة، للقرافي 2/ 504.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 127، والمبدع، لابن مفلح 3/ 22 - 23، والإنصاف، للمرداوي 3/ 315.
(4)
ينظر: الذخيرة، للقرافي 2/ 504، المغني، لابن قدامة 3/ 127.
(5)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 58، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 106، والجوهرة النيرة، للحداد 1/ 139.
(6)
ينظر: مختصر المزني 8/ 153 (مطبوع ملحقا بالأم) ، والحاوي الكبير، للماوردي 3/ 439، والمجموع، للنووي 6/ 354.
(7)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 128، والكافي، لابن قدامة 1/ 449، والإنصاف، للمرداوي 3/ 328.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث عمر بن أبي سلمة
(1)
، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سل هذه) لأم سلمة فأخبرته، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أما والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
بين صلى الله عليه وسلم أنه وأمته سواء في هذا الحكم، وأن من لا يخشى على نفسه إفساد صومه من القبلة، ونحوها، فلا حرج عليه فيها.
الدليل الثاني:
حديث عمر بن الخطاب، قال: هششت يوما فقبلت وأنا صائم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرا عظيما، قبلت وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ ) قلت: لا بأس بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ففيم؟ )
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
نبه صلى الله عليه وسلم إلى القياس القبلة على المضمضة، وأنها لا تفطر إلا بما يترتب عليها.
الدليل الثالث:
أنها مباشرة لغير شهوة، فأشبهت لمس اليد لحاجة
(4)
.
(1)
هو: عمر بن أبي سلمة ابن عبد الأسد بن هلال، أبو حفص القرشي، المخزومي، المدني، الحبشي المولد، ولد قبل الهجرة بسنتين، أو أكثر، فإن أباه توفي في سنة ثلاث من الهجرة، وخلف أربعة أولاد، هذا أكبرهم، وهم: عمر، وسلمة، وزينب، ودرة، ثم كان عمر هو الذي زوج أمه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو صبي، ثم إنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم تزوج، وقد احتلم، وكبر، فسأل عن القبلة للصائم، وكان موته في سنة ثلاث وثمانين. ينظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي 4/ 423 - 424.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (1108) 2/ 779.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصوم، باب: القبلة للصائم (2385) 2/ 311، وأحمد في مسنده، مسند: الخلفاء الراشدين، مسند: عمر (138) 1/ 285، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 7/ 147.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 128.
القول الثاني:
تكره القبلة، ونحوها .. حتى وإن أمن الجماع، أو إنزال المني، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(1)
، ورواية عند الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
القبلة، ونحوها .. داعية لحدوث الشهوة، وسبب مفض إلى الجماع، والإنزال
(3)
.
يمكن أن يناقش:
النبي صلى الله عليه وسلم أحرص على أمته، ولو كان يخاف عليهم فساد الصوم بالقبلة، على كل حال، لنهاهم عنها بإطلاق.
الدليل الثاني:
كل شيء منع من الجماع منع من دواعيه، كالحج
(4)
.
نوقش:
القياس على الحج لا يصح؛ لأنه أبلغ في منع دواعي الجماع، من الصوم؛ فإنه يمنع عقد النكاح، والطيب، وهما دون القبلة، فجاز أن يمنع من القبلة، وليس كذلك الصوم
(5)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بإباحة القبلة، ونحوها .. إن أمن الجماع، أو إنزال المني؛ لموافقته ظاهر الأحاديث الصحيحة، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: الكافي، لابن عبد البر 1/ 346، والذخيرة، للقرافي 2/ 504، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 332.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 128، والكافي، لابن قدامة 1/ 449، والإنصاف، للمرداوي 3/ 328.
(3)
ينظر: الكافي، لابن عبدالبر 1/ 346، والإنصاف، للمرداوي 3/ 328.
(4)
ينظر: الذخيرة، للقرافي 2/ 504، والمغني، لابن قدامة 3/ 128، والإنصاف، للمرداوي 3/ 329.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 3/ 440.