الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دليل القول الثالث:
إذا كفر بالصوم اندرج القضاء في الكفارة؛ إذ هو من جنسه، فلم يلزمه القضاء
(1)
.
يمكن أن يناقش:
لا تعارض في إيجاب شيئين من جنس واحد لجهتين مختلفتين؛ فالتكفير بالصوم لمحو الذنب الحاصل بالجناية على الصوم، والقضاء لضمان ما أفسد بمثله.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بوجوب القضاء مطلقا على من جامع نهار رمضان، لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على استدلال الأقوال الأخرى.
المسألة الثانية: الجماع في صيام النفل
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن كفارة الجماع، لا تجب على الصائم صيام نفل
(2)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
أن الإفطار في رمضان أبلغ في الجناية، ولا يلحق غيره به؛ حيث وجبت في رمضان لحرمة الزمان، لا لنفس العبادة، فافترق صوم رمضان، وغيره؛ لكونها جناية على الصوم، والشهر جميعا، وغيره جناية على الصوم وحده؛ لأن الوقت في غير رمضان غير متعين للصوم
(3)
.
ثانيا: اختلف الفقهاء، في وجوب القضاء على من جماع امرأته، وهو صائم صيام نفل على قولين:
القول الأول:
لا يجب القضاء على من جامع امرأته، وهو صائم صيام نفل، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(4)
، والمذهب عند الحنابلة
(5)
.
(1)
ينظر: الوسيط، للغزالي 2/ 548، والمجموع، للنووي 6/ 331.
(2)
ينظر: بداية المبتدي، للمرغياني ص: 40، والعناية، للبابرتي 2/ 341، والبناية، للعيني 4/ 63، والتاج والإكليل، للمواق 3/ 357، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 432، وحاشية الدسوقي 1/ 527، والوسيط، للغزالي 2/ 544، وفتح العزيز، للرافعي 6/ 441، والمجموع، للنووي 6/ 342، والمغني، لابن قدامة 3/ 138، والكافي، لابن قدامة 1/ 446، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 3/ 64.
(3)
ينظر: العناية، للبابرتي 2/ 341.
(4)
ينظر: منهج الطلاب، للسنيكي ص: 41، وفتح الوهاب، للسنيكي 1/ 145، وحاشية الجمل 2/ 353.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 159، والكافي، لابن قدامة 1/ 452، وشرح الزركشي 2/ 617.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال:(أصمت أمس؟ )، قالت: لا، قال:(تريدين أن تصومي غدا؟ ) قالت: لا، قال:(فأفطري)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان القضاء على من أفطر في صيام نفل واجبا، لأمرها به؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
الدليل الثاني:
ما جاز ترك جميعه، جاز ترك بعضه، فلما جاز ترك صوم النفل جميعا بلا بدل، جاز الخروج منه بلا بدل
(2)
.
القول الثاني:
يجب القضاء على من جامع امرأته، وهو صائم صيام نفل، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(3)
، والمالكية
(4)
، ورواية عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبطِلُوا أَعمَالَكُم}
(6)
.
وجه الاستدلال بالآية:
أن صيام النفل عمل تجب صيانته بالمضي عن الإبطال، وإذا وجب المضي وجب القضاء بتركه، والنهي عن الإبطال يوجب الإتمام، فإذا ترك الإتمام الواجب عليه، يجب عليه القضاء
(7)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصوم، با: ب صوم يوم الجمعة (1986) 3/ 42.
(2)
ينظر: الكافي، لابن قدامة 1/ 452.
(3)
ينظر: بداية المبتدي، للمرغياني ص: 41، والبناية، للعيني 4/ 87، واللباب في شرح الكتاب، للميداني 1/ 171.
(4)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 3/ 380، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 445، وحاشية الدسوقي 1/ 534.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 3/ 159، والكافي، لابن قدامة 1/ 452، وشرح الزركشي 2/ 619.
(6)
محمد: 33.
(7)
ينظر: البناية، للعيني 4/ 88.
نوقش:
الآية يمكن حملها على الكراهة جمعا بين النصوص
(1)
.
ويمكن أن يناقش وجه الاستدلال بالآية أيضا:
الآية عامة، وأحاديث إباحة الخروج من صيام النفل إلى غير بدل خاصة، والخاص مقدم على العام.
الدليل الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: أهدي لي ولحفصة طعام، وكنا صائمتين فأفطرنا، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا له: يا رسول الله، إنا أهديت لنا هدية، فاشتهيناها فأفطرنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا عليكما صوما مكانه يوما آخر)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة، وحفصة رضي الله عنهما بالقضاء عند الخروج من صوم النفل.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول:
الحديث ضعيف لا تقوم به حجة
(3)
.
الوجه الثاني:
لو صح الحديث فيحمل على صوم النذر، توفيقا بين النصوص، أو يحمل الأمر بالقضاء على الندب، جمعا بين الأدلة، بقرينة:(لا عليكما) أي: لا بأس، ومن لا بأس عليه لا قضاء عليه
(4)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم وجوب القضاء على من جامع امرأته في صيام نفل؛ لموافقته ظاهر الأحاديث الصحيحة، ولورود المناقشة على استدلال القول الثاني.
(1)
ينظر: فتح الوهاب، للسنيكي 1/ 145، وحاشية الجمل 2/ 353.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصوم، باب: من رأى عليه القضاء (2457) 2/ 330، والترمذي في سننه، أبواب: الصوم، باب: ما جاء في إيجاب القضاء عليه (735) 3/ 103 ، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 291.
(3)
ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 291.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 2/ 620.