الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: إذن الزوج لزوجته في الخروج لصلاة الجماعة
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن صلاة المرأة في بيتها، أفضل من صلاتها في المسجد
(1)
.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
بين صلى الله عليه وسلم أن صلاة المرأة كلما كانت أخفى، وأستر كان أعظم لأجرها.
الدليل الثالث:
حديث ابن عمر-رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)
(4)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 2/ 102، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 380، حاشية ابن عابدين 1/ 566، والمدخل، لابن الحاج 2/ 233، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 117 - 116، وحاشية العدوي 1/ 377، والمجموع، للنووي 4/ 198، وتحفة المحتاج، لابن حجر 2/ 252، ومغني المحتاج، للشربيني 1/ 466، والمغني، لابن قدامة 2/ 253، وشرح منتهى الإرادات، للبهوتي 1/ 268، وحاشية الروض، لابن قاسم 2/ 293.
(2)
وقد نقل الإجماع على ما ذُكر الحطاب في كتابه: مواهب الجليل 2/ 117 - 116.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصلاة، باب: التشديد في ذلك (570) 1/ 156، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/ 103.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (567) 1/ 155، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 3/ 108.
وجه الاستدلال بالحديث:
الحديث صريح في تفضيل صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في مسجدها.
ثانيا: اتفق الفقهاء على أن المرأة ذات الزوج، لا تخرج للمسجد، إلا بإذن زوجها
(1)
.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان إذن الزوج غير لازم في خروج المرأة، لما نهى الأزواج عن منعهن؛ إذ لا معنى للنهي عن منعها، وهي تملك الخروج بغير إذنه!
الدليل الثاني:
حق الزوج في ملازمة المسكن واجب؛ فلا تترك المرأة المسلمة الواجب من أجل الفضيلة
(3)
.
ثالثا: اتفق الفقهاء على أن المرأة إن كان يخشى من خروجها فتنة؛ كأن تخرج متزينة، أو متطيبة، أو نحوه .. فإنه لا يجوز لها الخروج، ولا الإذن لها بذلك
(4)
.
(1)
ينظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 3/ 171، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 380، وحاشية ابن عابدين 3/ 146، والتاج والإكليل، للمواق 2/ 450، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 117 - 116، وحاشية الصاوي 1/ 447، والمجموع، للنووي 4/ 199، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 210، والغرر البهية، للسنيكي 2/ 32، والمبدع، لابن مفلح 2/ 66، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 456، وحاشية الروض، لابن قاسم 2/ 293.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: النكاح، باب: استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره (5238) 7/ 38 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة (442) 1/ 326.
(3)
ينظر: المجموع، للنووي 4/ 199، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 210، وحاشية الروض، لابن قاسم 2/ 293.
(4)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 2/ 41، وبدائع الصنائع، للكاساني 1/ 276، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 380، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 117 - 116، وشرح مختصر خليل، للخرشي 2/ 35، وحاشية الصاوي 1/ 447، والحاوي الكبير، للماوردي 2/ 455، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 210، والغرر البهية، للسنيكي 2/ 32، والكافي، لابن قدامة 1/ 287، والمبدع، لابن مفلح 2/ 66، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 456.
والدليل على ذلك ما يأتي:
خروج المرأة بزينة، أو طيب أمر منكر، وممنوع شرعا، كما دلت النصوص على ذلك، ومنها: حديث زينب الثقفية
(1)
رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا)
(2)
، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن، وهن تفلات
(3)
)
(4)
، وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم، ليجدوا من ريحها، فهي زانية)
(5)
، وإذن الزوج لزوجته في فعل المنكر، منكرٌ مثله؛ لما يتضمن من إقراره، والرضا به.
رابعا: اختلف الفقهاء في حكم إذن الزوج لزوجته، بالخروج للمسجد، من غير طيب ولا زينة، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يستحب الإذن للزوجة إذا استأذنت زوجها للخروج للمسجد، وهو المذهب عند الحنابلة
(6)
.
(1)
هي: زينب بنت أبي معاوية الثقفية، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها ابن مسعود، وعن عمر رضي الله عنهما. ينظر: الإصابة، لابن حجر 8/ 164.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتابك الصلاة ، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة (443) 1/ 328.
(3)
أي: تاركات للطيب، ينظر: النهاية، لابن الأثير 1/ 191.
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المسجد (565) 1/ 155، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 1242.
(5)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الترجل، باب: ما جاء في المرأة تتطيب (4173) 4/ 79، والترمذي في سننه، أبواب: الأدب، باب: ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة (2786) 5/ 106، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: الزينة، باب: ما يكره للنساء من الطيب (5126) 8/ 153، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/ 216.
(6)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 2/ 66، والإنصاف، للمرداوي 2/ 242، وشرح منتهى الإرادات، للبهوتي 1/ 267.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث ابن عمر-رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
يفهم من سياق الحديث أن النهي نهي تنزيه؛ لأنه لما كانت البيوت خيرا لهن، ومنعهن من الخروج للمساجد يقتضي حصولهن على ذلك الخير، كان النهي عن منعهن نهي تنزيه
(2)
.
الدليل الثاني:
الصلاة المكتوبة في جماعة فيها فضل كبير، وكذلك المشي إلى المساجد، فبالنساء أكبر حاجة إلى ذلك كما بالرجال؛ فلذلك استحب حضورها للمسجد، وكُره منعها
(3)
.
القول الثاني:
لا يجوز الإذن للمرأة بالخروج للمسجد مطلقا، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(4)
.
دليل القول الثاني:
أبيح الخروج للنساء في الابتداء إلى الجماعات لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)
(5)
، ثم مُنعن بعد ذلك لما نزل قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَئْخِرِينَ}
(6)
فقد قيل في تفسيرها: ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة، والمستأخرين فيها بسبب النساء
(7)
، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدم
(1)
سبق تخريجه ص: 127.
(2)
ينظر: تحفة المحتاج، لابن حجر 2/ 252.
(3)
ينظر: حاشية الروض، لابن قاسم 2/ 293.
(4)
ينظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 3/ 171، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 380، وحاشية ابن عابدين 3/ 146.
(5)
سبق تخريجه ص: 128.
(6)
الحجر: 24.
(7)
تفسير الطبري 17/ 93.
في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله عز وجل في شأنها هذه الآية
(1)
، فكانت هذه الآية ناسخة للإذن المتقدم
(2)
.
يمكن أن يناقش:
جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل) فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: لا ندعهن يخرجن فيتخذنه دغلا
(3)
، فزبره
(4)
ابن عمر وقال: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: لا ندعهن!
(5)
، ولو كان الأمر منسوخا لما زجر ابن عمر رضي الله عنهما ابنه من أجله، ويبعد أن يكون النسخ في أمر عام، ظاهر، ثم يخفى على من لازم النبي صلى الله عليه وسلم كابن عمر رضي الله عنهما.
القول الثالث:
يستحب الإذن للزوجة العجوز، ويكره الإذن للزوجة الشابة، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(6)
، والشافعية
(7)
.
دليل القول الثالث:
الأحاديث الواردة في خروج المرأة للمسجد تقتضي هذا التفصيل؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد، فلا يمنعها)
(8)
،
(1)
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، كتاب: الإمامة، باب: التغليظ في قيام المأموم في الصف المؤخر إذا كان خلفه نساء، إذا أراد النظر إليهن، أو إلى بعضهن، والدليل على أن المصلي إذا نظر إلى من خلفه من النساء لم يفسد ذلك الفعل صلاته (1696) 3/ 97، وابن حبان في صحيحه، كتاب: البر، باب: ذكر الإخبار عما يجب على المرء من لزوم الرياضة والمحافظة على أعمال السر (401) 2/ 126، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة 1/ 70.
(2)
ينظر: المحيط البرهاني، لابن مازه 2/ 102.
(3)
أي: خديعة. ينظر: النهاية، لابن الأثير 2/ 123.
(4)
أي: نهره. ينظر: النهاية، لابن الأثير 2/ 293.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه ، كتاب: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة (442) 1/ 327.
(6)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 2/ 449، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 117 - 116، وحاشية الصاوي 1/ 446.
(7)
ينظر: المجموع، للنووي 4/ 198، وأسنى المطالب، للسنيكي 1/ 210، والغرر البهية، للسنيكي 2/ 32.
(8)
سبق تخريجه ص: 127.
وحديث عائشة رضي الله عنها، قالت:(لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل)
(1)
، فجمعا بين النصوص؛ يحمل النهي عن منع النساء على النساء العجائز، اللاتي ليس في خروجهن فتنة، وحديث عائشة رضي الله عنها يُحمل على خوف الفتنة من خروج النساء الشواب
(2)
.
يمكن أن يناقش من عدة أوجه:
الوجه الأول:
إذا خرجت المرأة بحجاب كامل، غير متبرجة بزينة، لم تعرف المرأة العجوز من الشابة، وقد تخرج العجوز المتبرجة، فتكون أكثر فتنة من الشابة التفلة.
الوجه الثاني:
حديث عائشة رضي الله عنها لا يفيد منع خروج النساء للمساجد؛ فإنها قالت: (لو أدرك .. ) و -لو- حرف امتناع لامتناع
(3)
؛ فامتنع المنع لامتناع إدراكه صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء بعده.
الوجه الثالث:
لو سُلم بأن حديث عائشة رضي الله عنها يفيد المنع، فإنه لا اجتهاد في مقابل النص.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بكراهة منع الزوجة من الخروج للمساجد، لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الآذان، باب: خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس (869) 1/ 173، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: منع نساء بني إسرائيل المسجد (445) 1/ 328.
(2)
ينظر: المجموع، للنووي 4/ 199.
(3)
ينظر: شرح ابن عقيل 4/ 47.