الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تغسيل أحد الزوجين الآخر، إذا مات أحدهما في زمن عدة الطلاق
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: حكم تغسيل أحد الزوجين الآخر، إذا مات أحدهما في زمن عدة الطلاق:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن المطلقة البائن، لا تغسل زوجها، ولا يغسلها
(1)
.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
أن اللمس والنظر بعد البينونة محرم حال الحياة، فبعد الموت أولى
(3)
.
الدليل الثالث:
المطلقة طلاقا بائنا ليس لها شيء من أحكام الزوجية؛ وإنما حكمها حكم الأجنبية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس-رضي الله عنها
(4)
، لما طلقها زوجها ثلاثا:(لا نفقة لك، ولا سكنى)
(5)
فكذلك حكمها في غسل الوفاة.
ثانياً: اختلف الفقهاء في المطلقة الرجعية، هل تغسل زوجها، ويغسلها؟ على ثلاثة أقوال:
(1)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 304، وحاشية الطحطحاوي ص: 571، وحاشية ابن عابدين 2/ 199، والنوادر والزيادات، لابن أبي زيد القيرواني 1/ 155، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 242، وإرشاد السالك، لابن عسكر ص: 30، والمجموع، للنووي 5/ 133 - 136، وحاشية الجمل 2/ 150، وحاشية الشرواني 3/ 108، والمغني، لابن قدامة 2/ 391، والكافي، لابن قدامة 1/ 354، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 2/ 213.
(2)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 242.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 391.
(4)
هي: فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر القرشية الفهرية، أخت الضحاك بن قيس، كانت من المهاجرات الأول، لها عقل وكمال، قدمت الكوفة على أخيها الضحاك بن قيس، وكان أميرا، فسمع منها الشعبي، وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى لما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. ينظر: أسد الغابة، لابن الأثير 7/ 224.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الطلاق، باب: المطلقة ثلاثا لا نفقة لها (1480) 2/ 1114.
القول الأول:
يباح لكل واحد من الزوجين غسل صاحبه، وإن كان التغسيل في زمن عدة الطلاق الرجعي، وهو قول عند المالكية
(1)
، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الأول:
المطلقة الرجعية تعتد للوفاة، وترث زوجها ويرثها، ويباح لزوجها وطؤها، فأحكام الزوجية لا تزول بالطلاق الرجعي، والغسل أحدها
(3)
.
القول الثاني:
لا يباح لكلا الزوجين غسل الآخر، إذا وقع الطلاق الرجعي بينهما، وهو المشهور من مذهب المالكية
(4)
، وذهب إليه الشافعية
(5)
، ووجه عند الحنابلة
(6)
.
دليل القول الثاني:
المطلقة الرجعية لا يحل مسها، ولا النظر إليها، ولا الاستمتاع بها؛ لانحلال عقد الزوجية؛ فإذا حُرم ذلك حال الحياة مع احتمال الرجعة، فتحريمه حال الوفاة آكد؛ لانقطاع الرجعة
(7)
.
نوقش:
لايُسلم بانحلال عقد الزوجية؛ إذ لو كان عقد الزوجية منحلا لما بقي من أحكامه شيء، كالطلاق البائن، فأما إذا ثبت للرجعية النفقة، والسكنى، والميراث، فبقية أحكام النكاح مثلها ولا فرق.
القول الثالث:
يباح للمطلقة الرجعية تغسيل زوجها، ولا يباح له تغسيلها، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(8)
.
(1)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 242، والتوضيح، لضياء الدين الجندي 2/ 135، وحاشية العدوي 1/ 413.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 391، وشرح الزركشي 2/ 337، والإنصاف، للمرداوي 2/ 478.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 391
(4)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 242، والتوضيح، لضياء الدين الجندي 2/ 135، وحاشية العدوي 1/ 413، وحاشية الدسوقي 1/ 409.
(5)
ينظر: المجموع، للنووي 5/ 133 - 136، وفتح الوهاب، للسنيكي 1/ 108، وحاشية الجمل 2/ 150.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 391 ، وشرح الزركشي 2/ 337، والمبدع لابن مفلح 2/ 226.
(7)
ينظر: بداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 2/ 242، والتوضيح، لضياء الدين الجندي 2/ 135، وحاشية الدسوقي 1/ 409، والمجموع، للنووي 5/ 133 - 136، وحاشية الجمل 2/ 150.
(8)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 305، وحاشية الطحطحاوي ص: 571، وحاشية ابن عابدين 2/ 199.
دليل القول الثالث:
الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح؛ فأبيح للمرأة أن تغسل زوجها، أما موتها فإنه يُذهب بمحل النكاح، ولا يبقي شيئا من أثره، فلا يباح للزوج أن يغسلها، كالمرأة التي في عصمته بل أولى
(1)
.
نوقش:
لا يسلم بعدم بقاء أثر النكاح بعد موت الزوجة؛ فإن التوارث بين الزوجين أثر للنكاح
(2)
.
كما يمكن أن يناقش:
هذا الاستدلال مبني على القول بعدم إباحة غسل الزوج لزوجته المتوفاة، وهو غير مُسَلّم، وقد نوقش في المطلب السابق.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بإباحة تغسيل كل من الزوجين لصاحبه إذا حصلت الوفاة في زمن عدة الطلاق الرجعي؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
المسألة الثانية: سبب الخلاف:
الخلاف في المسألة مبني على سببين:
السبب الأول:
الخلاف في جواز تغسيل الزوج زوجته المتوفاة، وقد سبق بحث المسألة في المطلب السابق.
السبب الثاني:
الخلاف في المطلقة الرجعية، هل يحل النظر إليها، ومسها أم لا؟
اختلف الفقهاء في ذلك، على قولين:
القول الأول:
المطلقة الرجعية حلال يباح مسها، والنظر إليها كالزوجة غير المطلقة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 1/ 304.
(2)
ينظر: حاشية الجمل 2/ 149، والمبدع، لابن مفلح 2/ 226.
(3)
ينظر: العناية، للبابرتي 4/ 175، والبناية، للعيني 5/ 470، والبحر الرائق، لابن نجيم 4/ 60.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 7/ 520، والمبدع، لابن مفلح 6/ 417، والإنصاف، للمرداوي 9/ 153.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ}
(1)
.
وجه الاستدلال بالآية:
أن الله تعالى سمى المُطلق طلاقا رجعيا بعلا؛ وهذا يعني أن له ما للزوج من إباحة النظر، واللمس ونحوه ..
نوقش وجه الاستدلال بالآية:
تسمية المُطلق طلاقا رجعيا في الآية بعلا، لا يستلزم كونها حلالاً له؛ إذ المُظاهر، وزوج الحائض يصدق على كل واحد منهما أنه بعل، ومع ذلك تحرم عليهما زوجاتهما
(2)
.
الدليل الثاني:
الزوجية بين المطلق طلاقا رجعيا ومن طلقها قائمة، ولا يزول شيء من أحكامها حتى تنتهي العدة، ولهذا يملك المطلق طلاقا رجعيا مراجعة زوجته من غير رضاها، واستبداد الزوج بالرجعة يدل على أنه استدامة للنكاح، لا إنشاء نكاح جديد، والاستدامة لا تتصور إلا فيما كان قائما
(3)
.
القول الثاني:
المطلقة الرجعية محرمة لا يباح مسها، ولا النظر إليها كالأجنبية، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(4)
، والشافعية
(5)
، وإحدى الروايتين عند الحنابلة
(6)
.
دليل القول الثاني:
الطلاق مضاد للنكاح، وقاطع له، والنكاح هو سبب الإباحة، ولا بقاء للضد مع وجود ضده، ولا للشيء مع وجود قاطعه
(7)
.
(1)
البقرة من الآية: 228.
(2)
ينظر: تحفة المحتاج، لابن حجر 8/ 153، ونهاية المحتاج، للرملي 7/ 63.
(3)
ينظر: العناية، للبابرتي 4/ 175.
(4)
ينظر: حاشية الدسوقي 2/ 422، وحاشية الصاوي 2/ 614، وشرح مختصر خليل للخرشي 4/ 85.
(5)
ينظر: تحفة المحتاج، لابن حجر 8/ 153، ونهاية المحتاج، للرملي 7/ 63، وحاشية الجمل 4/ 391.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 7/ 520، والمبدع، لابن مفلح 6/ 417، والإنصاف، للمرداوي 9/ 153.
(7)
ينظر: شرح مختصر خليل للخرشي 4/ 85، وتحفة المحتاج، لابن حجر 8/ 153، ونهاية المحتاج، للرملي 7/ 63.
نوقش:
وجود القاطع لا ينافي قيام الزوجية؛ لأن المُطلق طلاقا رجعيا أخر عمل القاطع إلى مدة، كالبيع الذي فيه الخيار؛ تأخر عمل البيع في اللزوم إلى مدة
(1)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بأن المطلقة طلاقا رجعيا حلال؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة القول الثاني، والترجيح في هذه المسألة يبنى عليه الترجيح في المسألة السابقة.
(1)
ينظر: العناية، للبابرتي 4/ 175.