الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: اغتسال الزوجين من إناء واحد من جنابة
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن اغتسال الرجل مع امرأته في آنٍ واحد، من إناء واحد، جائز
(1)
.
واستدلوا بما يأتي:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد)
(2)
، وحديث ابن عباس رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد)
(3)
، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه يقول:(كان النبي صلى الله عليه وسلم والمرأة من نسائه يغتسلان من إناء واحد)
(4)
، وحديث أم سلمة رضي الله عنها:(كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة)
(5)
.
وجه الاستدلال من الأحاديث:
دلت هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة؛ على جواز مشاركة الرجل لامرأته في الغسل من إناء واحد.
ثانياً: اتفق الفقهاء على جواز اغتسال المرأة بعد الرجل من الإناء الذي اغتسل منه
(6)
.
واستدلوا بما يأتي:
القياس على اغتسال الرجل والمرأة جميعا؛ إذ المرأة مغتسلة بفضل الرجل حين اغتسالها معه، فكذلك اغتسالها بفضله منفردة
(7)
.
ثالثاً: اختلف الفقهاء في اغتسال الرجل بعد امرأته، من الإناء الذي اغتسلت منه، على قولين:
القول الأول:
يجوز للرجل أن يتطهر من الإناء الذي اغتسلت منه المرأة، ويرتفع بذلك حدثه، سواء خلت به أم لا، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(8)
، والمالكية
(9)
، والشافعية
(10)
، ورواية عند الحنابلة
(11)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة)
(12)
، وفي رواية: اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت: له يا رسول الله، إني كنت جنبا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الماء لا يجنب)
(13)
، والحديث صريح في تطهر النبي صلى الله عليه وسلم من إناء تطهرت منه امرأة.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
يحتمل أن ميمونة-رضي الله عنها-لم تخل بالإناء؛ لذلك اغتسل منه النبي صلى الله عليه وسلم
(14)
.
أجيب عن المناقشة:
الحديث ظاهر الدلالة على الخلوة بالإناء؛ لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال، لاسيما المرأة التي جبلت على الحياء والستر
(15)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 39، والمبسوط، للسرخسي 1/ 61، والمحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 86، والمدونة، للإمام مالك 1/ 122، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 37، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 52، والأم، للشافعي 1/ 21، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 229، والمجموع، للنووي 2/ 190، والمغني، لابن قدامة 1/ 158، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 22، والمبدع، لابن مفلح 1/ 34.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته (250) 1/ 59، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (319) 1/ 255.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الغسل، باب: الغسل بالصاع ونحوه (253) 1/ 60، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (322) 1/ 257.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الغسل، باب: هل يدخل الجنب يده في الإناء (264) 1/ 61.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: النوم مع الحائض وهي في ثيابها (322) 1/ 71.
(6)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 61، والمحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 86، واللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 1/ 55، والبيان والتحصيل، لابن رشد الجد 1/ 49، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 37 ، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 52، والأم، للشافعي 1/ 21، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 231، والمجموع، للنووي 2/ 191، والمغني، لابن قدامة 1/ 157، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 22، والمبدع، لابن مفلح 1/ 35.
(7)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 61، وبداية المجتهد، لابن رشد الجد 1/ 37.
(8)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 39، والمبسوط، للسرخسي 1/ 61، والمحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 86.
(9)
ينظر: المدونة، للإمام مالك 1/ 122، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 37، ومواهب الجليل، للحطاب 1/ 52.
(10)
ينظر: الأم، للشافعي 1/ 21، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 229، والمجموع، للنووي 2/ 190.
(11)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 158، والكافي، لابن قدامة 1/ 117، والمبدع، لابن مفلح 1/ 34.
(12)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (323) 1/ 257.
(13)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الماء لا يجنب (68) 1/ 18، والترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (65) 1/ 94، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: المياه، -بدون باب- (325) 1/ 173 ، وابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة، باب: الرخصة بفضل وضوء المرأة (370) 1/ 132، وأحمد في مسنده، مسند: بني هاشم، مسند: عبدالله بن عباس، (2102) 4/ 14، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 1/ 118.
(14)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 158.
(15)
ينظر: المبدع، لابن مفلح 1/ 34.
الدليل الثاني:
إذا جاز اغتسال الرجل مع امرأته، وجاز اغتسال المرأة بعد المرأة، وجاز اغتسال المرأة بعد الرجل، فكذلك يجوز اغتساله بعدها؛ إذ لا فرق بين هذه الصور، والشريعة لا تأتي بالتفريق بين المتماثلات
(1)
.
القول الثاني:
يحرم على الرجل أن يتطهر من الإناء الذي خلت به المرأة لطهارتها، ولا تصح طهارته به، وهذا القول هو المذهب عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الثاني:
حديث حميد الحميري، قال: لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين، كما صحبه أبو هريرة، قال:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، وليغترفا جميعا)
(3)
، فنص الحديث على النهي عن الاغتسال بعد المرأة، وجواز الاغتسال معها.
أجيب عن وجه الاستدلال بالحديث بجوابين:
الأول: أن الحديث محمول على الاستحباب؛ ويشهد له أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أيضا في الحديث عن فضل الرجل، ولم يقل أحد بحرمته!
الثاني: أن الحديث محمول على فضل الأعضاء، وهو ما سال من الماء عن الأعضاء، لا على ما بقي من الماء في الإناء
(4)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان قول الجمهور؛ القائل بجواز الاغتسال بعد المرأة، من الإناء الذي اغتسلت منه، سواءً خلت به أم لا؛ لوجاهة ما استدلوا به، وسلامته من المعارضة، ولورود المناقشة على أدلة القول الثاني.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 1/ 61، وبداية المجتهد، لابن رشد الحفيد 1/ 38، والمجموع، للنووي 2/ 190، والمبدع، لابن مفلح 1/ 34.
(2)
ينظر: مسائل الإمام أحمد، لكوسج 2/ 342، والمغني، لابن قدامة 1/ 158، والمبدع، لابن مفلح 1/ 34.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: النهي عن ذلك (81) 1/ 21، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: المياه، باب: ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب (238) 1/ 130، وأحمد في مسنده، مسند: الشاميين (17011) 28/ 223، وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح 1/ 146.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 1/ 229، والمجموع، للنووي 2/ 190.