الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: أثر ترك الصلاة على عقد الزوجية
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن تارك الصلاة جاحدا وجوبها كافر، إذا كان ممن لا يجهل مثله ذلك
(1)
.
والأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
أن من جحد وجوب الصلاة؛ فهو مكذب لله، ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لإنكاره معلوما من الدين بالضرورة؛ إذ إن وجوب الصلاة ثابت بالأدلة القطعية
(3)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء في كفر من ترك الصلاة تهاونا، وكسلا، على قولين:
القول الأول:
تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا يُحكم بكفره، ولا تُطبق عليه أحكام الردة، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(4)
، وجمهور المالكية
(5)
، والشافعية
(6)
، وإحدى الروايتين عند الحنابلة
(7)
.
(1)
ينظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 1/ 155، والمعتصر، للجمال الملطي 1/ 93، وحاشية ابن عابدين 1/ 352، والجامع لمسائل المدونة، للصقلي 2/ 402 - 403، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس 1/ 197، وحاشية الدسوقي 1/ 191، والحاوي الكبير، للماوردي 2/ 525، والمجموع، للنووي 3/ 13 ، والمقدمة الحضرمية، لبافضل الحضرمي ص: 114، والمغني، لابن قدامة 9/ 11، والمبدع، لابن مفلح 1/ 269، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 227.
(2)
وقد نقل الإجماع على ما ذُكر ابن عابدين في حاشيته 1/ 352.
(3)
ينظر: حاشية ابن عابدين 1/ 352، والحاوي الكبير، للماوردي 2/ 525، والمجموع، للنووي 3/ 14، والفروع، لابن مفلح 1/ 417، والروض المربع، للبهوتي ص:62.
(4)
ينظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 1/ 155، والمعتصر، للجمال الملطي 1/ 93، وحاشية ابن عابدين 1/ 352.
(5)
ينظر: الجامع لمسائل المدونة، للصقلي 2/ 402 - 403، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس 1/ 197، وحاشية الدسوقي 1/ 191.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 2/ 525، والمجموع، للنووي 3/ 13، والإقناع، للشربيني 2/ 554.
(7)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 331، والفروع، لابن مفلح 1/ 417، والإنصاف، للمرداوي 1/ 404.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
عموم الأحاديث الدالة على عصمة من قال: لا إله إلا الله، ولم تستثن تارك الصلاة، كحديث محمود بن الربيع رضي الله عنه
(1)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)
(2)
، وحديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة)
(3)
، وحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)
(4)
، وحديث أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن ذرة من خير)
(5)
.
(1)
هو: محمود بن الربيع بن سراقة الأنصاري الخزرجيّ، عقل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهه من دلو في دارهم، وهو ابن خمس سنين، أكثر روايته عن الصحابة، توفي سنة تسع وتسعين للهجرة. ينظر: الإصابة، لابن حجر 6/ 33.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: المساجد في البيوت (425) 1/ 92 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: المساجد، باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة لعذر (263) 1/ 455.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: اللباس، باب: الثياب البيض (5827) 7/ 149 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة (154) 1/ 95.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: أحاديث الأنبياء ، باب: قوله: قل يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم (3435) 4/ 165، ومسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار (46) 1/ 57.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه (44) 1/ 17، ومسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها (193) 1/ 182.
الدليل الثاني:
حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن تارك الصلاة لو كان كافرا، لم يكن تحت مشيئة الرحمة
(2)
.
الدليل الثالث:
تارك الصلاة يؤمر بالصلاة، ولو كان كافرا لأمر بالإسلام أولا؛ إذ لا يؤمر كافر بالصلاة حتى يسلم
(3)
.
القول الثاني:
يكفر تارك الصلاة تهاونا، وكسلا، ويطبق عليه الإمام، أو نائبه أحكام الردة، وهو قول عند المالكية
(4)
، وعند الشافعية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الصلاة، باب: من لم يوتر (1420) 2/ 62، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: الصلاة، باب: من لم يحافظ على الصلوات الخمس (461) 1/ 230، وابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء في فرض الصلوات الخمس (1401) 1/ 449، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/ 617.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 331
(3)
ينظر: المعتصر، للجمال الملطي 1/ 93
(4)
ينظر: الجامع لمسائل المدونة، للصقلي 2/ 402 - 403، وعقد الجواهر الثمينة، لابن شاس 1/ 197
(5)
ينظر: المهذب، للشيرازي 1/ 101، والمجموع، للنووي 3/ 14.
(6)
ينظر: الفروع، لابن مفلح 1/ 417، والمبدع، لابن مفلح 1/ 269، والإنصاف، للمرداوي 1/ 404، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 227.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث بريدة
(1)
رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الحديث نصٌ في كفر تارك الصلاة.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث:
الإخبار بكفر تارك الصلاة هو على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة:(من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد)
(3)
، وقوله في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)
(4)
، وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد
(5)
.
(1)
هو: بريدة بن الحصيب بن عبد اللَّه الأسلمي، أسلم حين مرّ به النبيّ صلى الله عليه وسلم مهاجرا، وأقام في موضعه حتى مضت بدر وأحد، ثم قدم بعد ذلك، غزا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ستّ عشرة غزوة، غزا خراسان في زمن عثمان ثم تحوّل إلى مرو فسكنها إلى أن مات في خلافة يزيد بن معاوية، سنة ثلاث وستين. ينظر: الإصابة، لابن حجر 1/ 418.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الإيمان، باب: ماجاء في ترك الصلاة (2621) 5/ 13، والنسائي في سننه، كتاب: الصلاة، باب: الحكم في تارك الصلاة (463) 1/ 231، وابن ماجه في سننه، كتاب: إقامة الصلاة، باب: ماجاء في من ترك الصلاة (1079) 1/ 342، وصححه الألباني في تحقيقه على كتاب مشكاة المصابيح 1/ 181.
(3)
سبق تخريجه ص: 80.
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الأدب، باب: ما ينهى من السباب واللعن (6044) 8/ 15، ومسلم في صحيحه، كتاب: الإيمان، باب: بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر (64) 1/ 81.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 331.
الدليل الثاني:
عن عبد الله بن شقيق العقيلي
(1)
، قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة
(2)
. وهذا حكاية لإجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على كفر تارك الصلاة.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول:
أن المراد بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنه حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وأعربه بإعرابه، فهو إنما يحكي فتوى من لقي من الصحابة -رضوان الله عليهم-.
الوجه الثاني:
إن أراد جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصحابة -رضوان الله عليهم- لم يحكموا بذلك إلا اتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)
(3)
، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلا على سبيل التغليظ، فإذا حمل قوله صلى الله عليه وسلم على التغليظ فكذلك قول أصحابه رضي الله عنهم أجمعين-
(4)
.
الترجيح:
الذي يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا؛ لقوة ما استدلوا به من الأثر، والنظر، ولتطرق الاحتمال إلى استدلال القول الثاني.
ثالثا: اتفق الفقهاء على أن ردة أحد الزوجين قبل الدخول، تثبت به الفرقة في الحال
(5)
، فإذا ترك أحد الزوجين الصلاة جحودا، أو تركها تهاونا، وكسلا، وحكم الإمام بكفره، وكان ذلك قبل الدخول؛ فإن الفرقة تثبت في الحال.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
الإجماع المحكي في المسألة
(6)
.
رابعا: اختلف الفقهاء في حكم عقد الزوجية، إذا ثبتت ردة أحد الزوجين بعد الدخول، على قولين:
القول الأول:
تتوقف الفرقة على انقضاء العدة، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(7)
، والمذهب عند الحنابلة
(8)
.
دليل القول الأول:
المرأة المدخول بها عليها العدة، فلذلك تعلقت الفرقة بانقضاء العدة، كالطلاق الرجعي، تتعجل الفرقة في غير المدخول بها؛ لعدم لزوم العدة عليها، وتتأجل إلى انقضاء العدة في المدخول بها؛ للزوم العدة عليها
(9)
.
(1)
هو: عبد الله بن شقيق العقيلي، من أهل البصرة، تابعي جليل من أصحاب عمر رضي الله عنه، كان ثقة في الحديث، توفي في ولاية الحجاج على العراق. ينظر: طبقات ابن سعد 7/ 91.
(2)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الإيمان، باب: ما جاء في ترك الصلاة (2622) 5/ 14، وصححه الألباني في تحقيقه لأحاديث مشكاة المصابيح 1/ 183.
(3)
سبق تخريجه ص: 116.
(4)
ينظر: اللباب في الجمع بين السنة والكتاب، للمنبجي 1/ 155.
(5)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 5/ 49، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 337، ودرر الحكام، لملا خسرو 1/ 301، والتاج والإكليل، للمواق 5/ 137، وشرح مختصر خليل، للخرشي 3/ 229، وحاشية الدسوقي 2/ 270، والأم، للشافعي 6/ 173، والحاوي الكبير، للماوردي 9/ 295، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 9/ 355 - 356، والمغني، لابن قدامة 6/ 370، والمبدع، لابن مفلح 6/ 183، والإنصاف، للماوردي 8/ 216.
(6)
وقد نقل الإجماع على ما ذُكر الماوردي في الحاوي الكبير 9/ 295.
(7)
ينظر: الأم، للشافعي 6/ 173، والحاوي الكبير، للماوردي 9/ 295، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 9/ 355 - 356.
(8)
ينظر: المغني، لابن قدامة 6/ 370، والمبدع، لابن مفلح 6/ 183، والإنصاف، للماوردي 8/ 216.
(9)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 9/ 295.
القول الثاني:
تثبت الفرقة في الحال، وهذا ما ذهب إليه الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، وإحدى الروايتين عند الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
الردة تنافي النكاح، واعتراض السبب المنافي للنكاح موجب للفرقة بنفسه، كاعتراض المحرمية برضاع، أو مصاهرة
(4)
.
نوقش:
تحريم الرضاع، والمصاهرة يتأبد، أما تحريم الردة قد يرتفع بالعودة للإسلام، فلذلك افترقا
(5)
.
الدليل الثاني:
الردة سبب مفض إلى الموت، والميت لا يكون محلا للنكاح
(6)
.
يمكن أن يناقش:
لو هرب المرتد بعد ردته، وعجز عنه الإمام، ثم عاد مسلما قبل انقضاء عدة زوجته، فهل يكفي هذا التعليل لإبطال نكاحه الأول!
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بتأجيل فرقة المرتد إلى انقضاء العدة؛ إذ الشرع يتشوف إلى تصحيح العقود ما أمكن، ولورود المناقشة على أدلة القول الثاني.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 5/ 49، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 337، ودرر الحكام، لملا خسرو 1/ 301.
(2)
ينظر: التاج والإكليل، للمواق 5/ 137، وشرح مختصر خليل، للخرشي 3/ 229، وحاشية الدسوقي 2/ 270.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 6/ 370، والمبدع، لابن مفلح 6/ 183، والإنصاف، للماوردي 8/ 216.
(4)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 5/ 49 ، والمبدع، لابن مفلح 6/ 183.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 9/ 295، والمبدع، لابن مفلح 6/ 183.
(6)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 2/ 337