الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: صدقة المرأة بمالها من غير إذن زوجها
.
اختلف الفقهاء في حكم صدقة المرأة بمالها من غير إذن زوجها، على قولين:
القول الأول:
تصح جميع تبرعات المرأة بمالها، دون إذن زوجها، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من: الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
، والمذهب عند الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
(4)
، فدلت هذه الآية على أن الحجر ثابت على اليتامى حتى يجمعوا خصلتين: البلوغ، والرشد، ولم يفرق بين الذكر، والأنثى في ذلك ودل قول الله عز وجل:{فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ}
(5)
على أنهم إذا جمعوا البلوغ، والرشد لم يكن لأحد أن يلي عليهم أموالهم، وكانوا أولى بولاية أموالهم من غيرهم، سواء نكحت المرأة، أو لم تنكح، لا يزيد النكاح في رشدها، ولا ينقص، كما لا يزيد النكاح في رشد الغلام، ولا ينقص منه؛ لأن شرط الله عز وجل أن يدفع إليه إذا جمع الرشد مع البلوغ، وليس النكاح بواحد منهما، وأيهما صار إلى ولاية ماله، فله أن يفعل في ماله ما يفعل غيره من أهل الأموال، وسواء في ذلك المرأة، والرجل، وذات الزوج، وغير ذات الزوج، ومن أخرجه الله عز وجل من الولاية، لم يكن لأحد أن يلي عليه بشيء من ماله قل، أوكثر، إلا إن حدث له سفه يخرجه عن الرشد
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للسرخسي 3/ 105، وبدائع الصنائع، للكاساني 2/ 249، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 272.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 6/ 352، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير العمراني 6/ 227، والمجموع، للنووي 13/ 372.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 348، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 532، والإنصاف، للمرداوي 5/ 343.
(4)
النساء من الآية: 6.
(5)
النساء من الآية: 6.
(6)
ينظر: الأم، للشافعي 3/ 220 - 221.
الدليل الثاني:
(1)
، فدلت هذه الآية على أن المرأة مسلطة على أن تعفو من مالها بما شاءت، وسوى بين المرأة، والرجل فيما يجوز من العفو، ولم يفرق بينهما في ذلك
(2)
.
الدليل الثالث:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى، أو فطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها
(3)
، وتلقي سخابها
(4)
،
(5)
. فلو كان تبرعهن لا ينفذ بغير إذن أزواجهن، لما أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة
(6)
.
القول الثاني:
لا تصح تبرعات المرأة بمالها، فيما زاد على الثلث، إلا بإذن زوجها، وهذا ما ذهب إليه المالكية
(7)
، والرواية الثانية عند الحنابلة
(8)
.
(1)
البقرة من الآية: 237.
(2)
ينظر: الأم، للشافعي 3/ 221
(3)
الخرص: الحلقة. ينظر: معالم السنن، للخطابي 1/ 253.
(4)
السخاب: القلادة. ينظر: معالم السنن، للخطابي 1/ 253.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: الخطبة بعد العيد (964) 2/ 19، ومسلم في صحيحه، كتاب: صلاة العيدين، باب: ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى (884) 2/ 606.
(6)
ينظر: المجموع، للنووي 13/ 373، والمغني، لابن قدامة 4/ 349.
(7)
ينظر: المدونة، للإمام مالك 4/ 123، والتوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، لضياء الدين الجندي 6/ 257، والمختصر الفقهي، لابن عرفة 6/ 471.
(8)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 348، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 532، والإنصاف، للمرداوي 5/ 343.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث عمرو بن شعيب
(1)
، أن أباه، أخبره، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لا يجوز لامرأة عطية، إلا بإذن زوجها)
(2)
، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أضحى، أو فطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها، وتلقي سخابها
(3)
.
ووجه الاستدلال من الحديثين:
أن الحديثين ظاهرهما التعارض، فيجمع بين الحديثين بجواز اليسير دون الكثير، والثلث هو اليسير المأذون فيه
(4)
؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لو غض الناس إلى الربع، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(الثلث، والثلث كثير، أو كبير)
(5)
.
(1)
هو: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، سكن مكة، وكان يخرج إلى الطائف روى عن أبيه وجل روايته عنه، صدوق، مات سنة ثماني عشرة ومائة. ينظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر 8/ 48، وتقريب التهذيب، لابن حجر ص:423.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: البيوع، باب: في عطية المرأة بغير إذن زوجها (3547) 3/ 293، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: الزكاة، باب: عطية المرأة بغير إذن زوجها (2540) 5/ 65، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2/ 1263.
(3)
سبق تخريجه ص: 182.
(4)
ينظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، لضياء الدين الجندي 6/ 257.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الوصايا، باب: الوصية بالثلث (2743) 4/ 3، ومسلم في صحيحه، كتاب: الهبات، باب: الوصية بالثلث (1629) 3/ 1253.
نوقش وجه الاستدلال من وجهين:
الوجه الأول: حديث عمرو بن شعيب محمول على أنه لا يجوز عطيتها من ماله بغير إذنه؛ إذ غالب ما تملكه المرأة هو من مال زوجها
(1)
.
الوجه الثاني:
إن حُمل حديث عمرو بن شعيب على منع عطية المرأة من مالها فليس فيه تقييد للمنع بما زاد على الثلث، فالتحديد تحكم ليس فيه دليل، وحديث:(الثلث والثلث كثير، أو كبير)
(2)
لا دلالة فيه؛ إذ هو في الوصية، لا في محل نزاع هذه المسألة
(3)
.
الدليل الثاني:
الرجل إنما يتزوج المرأة لمالها، ويرفع في صداقها لمالها؛ لأن المرأة ذات المال تتجمل بمالها، ويتبسط زوجها عادة في مالها، وينتفع به، وإن أعسر بالنفقة أنظرته، فلو كان لها أن تتبرع بجميع مالها، أو أكثره بغير إذنه، لأضر ذلك به؛ وكان فيه غررا عليه
(4)
.
نوقش من وجهين:
الوجه الأول:
هذا المعنى منتقض بالمفلسة إن نُكحت، ثم أيسرت بعد زواجها، فلم يكن المال مقصودا عند نكاحها
(5)
.
الوجه الثاني:
هذا المعنى منتقض أيضا بعكسه، فإن المرأة أيضا قد ترضى بنكاح الرجل لماله، ثم قد يتبرع بماله كله، فيكون قد غرها! فإذا كان ذلك جائزا في حق الرجل، فكيف يحرم على المرأة!
(6)
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 349.
(2)
سبق تخريجه ص: 180.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 349.
(4)
ينظر: التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب، لضياء الدين الجندي 6/ 257، المختصر الفقهي، لابن عرفة 6/ 471، والمغني، لابن قدامة 4/ 349.
(5)
ينظر: الأم، للشافعي 3/ 222.
(6)
ينظر: الأم، للشافعي 3/ 222.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بجواز تبرع المرأة بمالها مطلقاً، دون إذن زوجها؛ لموافقته نصوص الكتاب، والسنة، ولعدم قيام المعارض الراجح -والله أعلم-.