الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: القصر في السفر إذا دخل بلدا تزوج فيه
.
اختلف الفقهاء في حكم القصر إذا دخل المسافر بلدا له فيه زوجة، على قولين:
القول الأول:
لا ينقطع السفر بدخول المسافر بلدا له فيه زوجة -مالم يكن محل إقامته-، ويباح له القصر، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعية
(1)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان صدرا من خلافته
(2)
، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع
(3)
. فدلت السنة الصحيحة، الصريحة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في حجة الوداع مدة مقامه بمكة، ومعه خلق كثير من المهاجرين، ولهم بمكة دور، ومال، ،وأهل، وقرابة،
وكذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم حجوا بالناس، وكان لهم بمكة دور، وأهل، وقرابة، ولم ينقل: أن أحدًا منهم أتم الصلاة، بل نُقل: أنهم قصروا فيها
(4)
.
الدليل الثاني:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم
(5)
.
(1)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 2/ 375، وحلية العلماء، للشاشي 2/ 200، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 2/ 473.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحج، باب: الصلاة يمنى (1655) 2/ 161، ومسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: قصر الصلاة بمنى (694) 1/ 482.
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر (1081) 2/ 42، ومسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: مدة القصر (693) 1/ 481.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 2/ 375، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 2/ 473.
(5)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الحج، باب: تزويج المحرم (1837) 3/ 15 ، ومسلم في صحيحه، كتاب: الحج ،باب: تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته (1410) 2/ 1032.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة رضي الله عنها في حجة الوداع بمكة، ومع ذلك لم يُتم بل ظل يقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة.
القول الثاني:
ينقطع سفر المسافر إذا دخل بلدة له فيها زوجة، ولا يباح له القصر فيها، وإليه ذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، وقول عند الشافعية
(3)
، والمذهب عند الحنابلة
(4)
.
دليل القول الثاني:
حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه صلى بمنى أربع ركعات، فأنكره الناس عليه، فقال: يا أيها الناس، إني تأهلت بمكة منذ قدمت، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (من تأهل
(5)
في بلد، فليصل صلاة المقيم)
(6)
، فاعتبر عثمان رضي الله عنه أن زواجه بمكة جعلها وطنا له، فلم يقصر فيها الصلاة.
يمكن أن يناقش:
الحديث ضعيف، لا تقوم به الحجة.
الترجيح: الذي يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم انقطاع السفر بدخول المسافر بلدا تزوج فيه، ولم يستوطنه؛ لصحة، وصراحة الأحاديث التي استندوا إليها، كما أن الحديث الذي احتج به أصحاب القول الثاني ضعيف لا ينهض للاحتجاج به.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 214، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 147، ومراقي الفلاح، للشرنبلالي ص:165.
(2)
ينظر: مختصر خليل ص: 43، ومواهب الجليل، للحطاب 2/ 148، وأسهل المدارك، للكشناوي 1/ 314.
(3)
ينظر: حلية العلماء، للشاشي 2/ 200، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 2/ 473.
(4)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 2/ 331، والإقناع، للحجاوي 1/ 180، ومطالب أولي النهى، للسيوطي 1/ 722.
(5)
تأهل: أي: تزوج. ينظر: الصحاح، للجوهري 4/ 1629.
(6)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند: العشرة المبشرين بالجنة، مسند: عثمان بن عفان (443) 1/ 496، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة 5/ 434.