الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: صدقة الزوجة من مال زوجها بغير علمه، أو إذنه
.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق الفقهاء على أن الزوج، إذا منع زوجته من الإنفاق من ماله، حتى ولو بالشيء اليسير، فإنه لا يجوز لها الإنفاق من ماله
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
النصوص الصحيحة، الصريحة التي دلت على تحريم مال المسلم، ومنها: حديث أبي بكرة رضي الله عنه، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا)
(2)
فغلظ صلى الله عليه وسلم حرمة مال المسلم.
ثانيا: اتفق الفقهاء على عدم جواز إنفاق المرأة من مال زوجها، بغير إذنه، شيئا كثيرا لم تجري العادة، والعرف في الإذن به
(3)
.
(1)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 197، وتبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 208، والبناية، للعيني 11/ 145، والتمهيد، لابن عبدالبر 1/ 231، والاستذكار، لابن عبدالبر 5/ 125، عارضة الأحوذي، لابن العربي 2/ 52، والمجموع، للنووي 6/ 244، والمنهاج، للنووي 7/ 112، وفتح الباري، لابن حجر 9/ 297، والمغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم 5/ 201.
(2)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: العلم، باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب (105) 1/ 33، ومسلم في صحيحه، كتاب: القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679) 3/ 1306.
(3)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 197، وتبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 208، والبناية، للعيني 11/ 145، والتمهيد، لابن عبدالبر 1/ 231، والاستذكار، لابن عبدالبر 5/ 125، وعارضة الأحوذي، لابن العربي 2/ 52، والمجموع، للنووي 6/ 244، والمنهاج، للنووي 7/ 112، وفتح الباري، لابن حجر 9/ 297، والمغني، لابن قدامة 4/ 350، والكافي، لابن قدامة 2/ 114، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم 5/ 201.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
حديث عائشة، رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا)
(1)
فقيد صلى الله عليه وسلم حصول الأجر للمرأة، إذا كان إنفاقها على وجه لا يفسد مال زوجها، وإنفاق المال الكثير فيه إضرار بمال الزوج.
ثالثا: اختلف الفقهاء في إنفاق المرأة من مال زوجها شيئا يسيرا من غير أن تستأذنه، على قولين:
القول الأول:
يباح للمرأة أن تنفق من مال زوجها شيئا يسيرا من غير أن تستأذنه، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء من الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
، والشافعية
(4)
، والمذهب عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
الأحاديث الدالة على حث المرأة على إنفاقها من مال زوجها بالمعروف، وترتيب الأجر على ذلك، دون أن يقيده بإذن الزوج
(6)
، ومن هذه الأحاديث: حديث عائشة، رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا)
(7)
، وحديث أسماء رضي الله عنها، قالت: قلت: يا رسول الله ما لي مال إلا ما أدخل علي الزبير، فأتصدق؟ قال: (تصدقي، ولا توعي
(8)
، فيوعى عليك)
(9)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه (1425) 2/ 112، ومسلم في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: أجر الخازن الأمين (1024) 2/ 710.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع، للكاساني 7/ 197، وتبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 208، والبناية، للعيني 11/ 145.
(3)
ينظر: التمهيد، لابن عبدالبر 1/ 231، والاستذكار، لابن عبدالبر 5/ 125، وعارضة الأحوذي، لابن العربي 2/ 52.
(4)
ينظر: المجموع، للنووي 6/ 244، والمنهاج، للنووي 7/ 112، وفتح الباري، لابن حجر 9/ 297.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والكافي، لابن قدامة 2/ 114، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(7)
سبق تخريجه في الحاشية رقم: 1.
(8)
أي: لا تجمعي وتشحي بالنفقة، فيشح عليك، وتجازي بتضييق رزقك. ينظر: النهاية، لابن الأثير 5/ 208.
(9)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الهبة، باب: هبة المرأة لغير زوجها (2590) 3/ 158، ومسلم في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: الحث على الإنفاق (1029) 2/ 714.
الدليل الثاني:
أن العادة السماح بذلك، وطيب النفس، فجرى مجرى صريح الإذن
(1)
.
القول الثاني:
لا يباح للمرأة أن تنفق شيئا، ولو يسيرا من مال زوجها من غير أن تستأذنه، وهي إحدى الروايتين عند الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها)، فقيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال:(ذاك أفضل أموالنا)
(3)
، فلم يرخص صلى الله عليه وسلم للزوجة في الإنفاق بشيء من مال زوجها دون إذنه.
نوقش:
الحديث محمول على الطعام المدخر كالحنطة، ودقيقها، مما تشح به النفوس، ويكون ذا بال، أما غير المدخر، فإنها تتصدق به كما جرت العادة بين الناس
(4)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والكافي، لابن قدامة 2/ 114، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(3)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: البيوع، باب: في تضمين العور (3565) 3/ 296، والترمذي في سننه، أبواب: الزكاة، باب: في نفقة المرأة من بيت زوجها (670) 3/ 48، وابن ماجه في سننه، كتاب: التجارت، باب: ما للمرأة من مال زوجها (2295) 2/ 770، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/ 368.
(4)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 5/ 208، والبناية، للعيني 11/ 145.
الدليل الثاني:
الأحاديث العامة التي جاءت بتحريم مال المسلم، ومنها: حديث أبي بكرة رضي الله عنه-ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا)
(1)
، ولم يستثن صلى الله عليه وسلم مال الزوج اليسير من هذا التغليظ في تحريم المال.
نوقش:
الأحاديث التي جاءت في الإذن للزوجة، أن تنفق من مال زوجها بالمعروف من غير إذنه، خاصة صحيحة، والخاص يقدم على العام ويبينه، ويعرف أن المراد بالعام غير هذه الصورة المخصوصة
(2)
.
الدليل الثالث:
إنفاق المرأة من مال زوجها، تبرع بمال الغير من دون إذنه، فلم يجز، كتبرع غير الزوجة
(3)
.
نوقش:
لا يصح قياس المرأة على غيرها؛ لأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها، وتتبسط فيه، وتتصدق منه، في حضوره، وغيبته، بخلاف غيرها من الناس
(4)
.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان قول الجمهور؛ القائل بإباحة إنفاق المرأة من مال زوجها بالشيء اليسير، الذي جرى العرف، والعادة بالسماح به، دون أن تستأذنه؛ لموافقته النصوص الصحيحة، الصريحة، الخاصة، ولورود المناقشة على ما استدل به أصحاب القول الثاني -والله أعلم-.
(1)
سبق تخريجه ص: 175.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 4/ 350، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 4/ 537.