الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: دفع أحد الزوجين زكاة ماله للآخر
، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: دفع الزوجة لزوجها زكاة مالها
.
اختلف الفقهاء في حكم دفع الزوجة لزوجها زكاة مالها، على قولين:
القول الأول:
لا يصح دفع المرأة زكاة مالها لزوجها، وإن كان مستحقا، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة
(1)
، وأحد القولين عند المالكية
(2)
، والمذهب عند الحنابلة
(3)
.
دليل القول الأول:
أن بين الزوجين اتصال في المنافع؛ لوجود الاشتراك في الانتفاع بينهما عادة، ولهذا يستغني كل واحد منهما بمال الآخر عادة، قال الله تعالى:{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}
(4)
أي: بمال خديجة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن دفعت إليه زكاتها كانت كأنها لم تخرج الزكاة عن ملكها
(5)
.
نوقش:
أن الزوجة لا ترتفق بالدفع، وإنما ترتفق بما قد يحدث بعده من اليسار، وذلك لا يمنع من الزكاة، كمن دفع زكاته إلى غريم له، فأخذها من بعد قبضها من دينه جاز، ولا يكون ذلك رفقاً يمنع من جوازها؛ لحصول ذلك بعد استقرار الملك بالقبض، وكذلك ما يأخذه الزوج
(6)
.
أجيب:
بعدم التسليم بما ذُكر للفرق بين الغريم، والزوج من وجهين:
الوجه الأول:
أن حق الزوجة في النفقة آكد من حق الغريم، بدليل أن نفقة المرأة مقدمة في مال المفلس على أداء دينه، وأنها تملك أخذها من ماله بغير علمه، إذا امتنع من أدائها.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 301، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 262، وحاشية ابن عابدين 2/ 346.
(2)
ينظر: القوانين الفقهية، لابن جزي ص: 74، وحاشية الدسوقي 1/ 499.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 484، وشرح الزركشي 2/ 431، والإنصاف، للمرداوي 3/ 261.
(4)
الضحى: 8.
(5)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 301، وشرح الزركشي 2/ 432.
(6)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 8/ 538، وبحر المذهب، للروياني 6/ 373.
الوجه الثاني:
أن المرأة تتبسط في مال زوجها بحكم العادة، ويعد مال كل واحد منهما مالا للآخر، بخلاف مشاحاة الغريم لغريمه في المال
(1)
.
القول الثاني:
يصح دفع المرأة زكاة مالها لزوجها، إن كان من أهل الزكاة، وهذا ما ذهب إليه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن من الحنفية
(2)
، وأحد القولين عند المالكية
(3)
، وذهب إليه الشافعية
(4)
، ورواية عند الحنابلة
(5)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، ثم انصرف، فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة، فقال:(أيها الناس، تصدقوا)، فمر على النساء، فقال:(يا معشر النساء، تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهب للب الرجل الحازم، من إحداكن، يا معشر النساء) ثم انصرف، فلما صار إلى منزله، جاءت زينب
(6)
، امرأة ابن مسعود، تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال:(أي الزيانب؟ ) فقيل: امرأة ابن مسعود، قال:(نعم، ائذنوا لها) فأذن لها، قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)
(7)
، وإطلاق النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:(أحق من تصدقت به عليهم) يفهم منه عموم الصدقة، واجبةً كانت، أو نفلا، ولو كان المراد الصدقة غير الواجبة، لوجب البيان؛ إذ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 484.
(2)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 301، والبحر الرائق، لابن نجيم 2/ 262، وحاشية ابن عابدين 2/ 346.
(3)
ينظر: الكافي، لابن عبد البر 1/ 324، والقوانين الفقهية، لابن جزي ص: 74، وحاشية الدسوقي 1/ 499.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 8/ 538، وبحر المذهب، للروياني 6/ 373، ومغني المحتاج، للشربيني 4/ 176.
(5)
ينظر: المغني، لابن قدامة 2/ 484، وشرح الزركشي 2/ 431، والإنصاف، للمرداوي 3/ 261.
(6)
هي: زينب بنت أبي معاوية بن عتاب الثقفية، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها ابن مسعود، وعن عمر، وروى عنها ابنها أبو عبيدة بن عبد اللَّه بن مسعود، وابن أخيها. ينظر: الإصابة، لابن حجر 8/ 163.
(7)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: الزكاة على الأقارب (1462) 2/ 120.
نوقش:
حديث زينب رضي الله عنها كان في صدقة التطوع فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (زوجك، وولدك أحق) ، والصدقة الواجبة لا يجوز صرفها إلى الولد
(1)
.
أُجيب عن المناقشة:
يُحتمل أن أولادها لا نفقة لهم؛ لبلوغهم، وصحتهم، فجاز دفع الزكاة إليهم
(2)
.
وأُجيب عن هذا الجواب:
لو سُلم أنه لا نفقة لولدها، فلا يُسلم أنها صدقة واجبة؛ لأنها تصدقت بكل حليها، والصدقة الواجبة لا تجب بكل حليها، فدل على أنها كانت تطوعا
(3)
.
الدليل الثاني:
الأصل جواز الدفع؛ لدخول الزوج في عموم الأصناف الثمانية في الزكاة
(4)
.
يمكن أن يناقش:
الأصل مدفوع بالقياس على دفع الزكاة للزوجة، فكما لا يصح دفع الزكاة للزوجة، لا يصح دفعها للزوج.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم صحة دفع الزوجة زكاة مالها لزوجها؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة القول الثاني، ولأنه الأحوط لعبادة المسلم.
(1)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 301 - 302.
(2)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 8/ 538، وبحر المذهب، للروياني 6/ 373.
(3)
ينظر: تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 301 - 302.
(4)
ينظر: الحاوي الكبير، للماوردي 8/ 537، والمغني، لابن قدامة 2/ 485.