الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: حيض المرأة، أو نفاسها قبل غسلها من الجماع
، وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: صورة المسألة:
إذا أجنبت المرأة، ثم حاضت، أو نفست قبل أن تغتسل للجنابة، كيف تكون طهارتها؟
المسألة الثانية: حكم حيض المرأة، أو نفاسها قبل غسلها من الجماع:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على أن المرأة إذا أجنبت، ثم حاضت لم يجب عليها غسل حتى تطهر من الحيض
(1)
.
واستدلوا على ذلك بما يأتي:
القياس على جواز تأخير الجنب للغسل، حتى يحين وقت الصلاة، فكذلك إذا أجنبت، ثم حاضت، تؤخر غسلها حتى يحين وقت الصلاة
(2)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء فيما يجب من الأغسال على المرأة الجنب إذا حاضت، ثم طهرت، على قولين:
القول الأول:
يجب على المرأة الجنب إذا حاضت، ثم طهرت غسل واحد، يرفع حدث حيضها وجنابتها، وهو قول جمهور أهل العلم؛ قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن من الحنفية
(3)
، ومذهب المالكية
(4)
، ومذهب الشافعية
(5)
، والمذهب عند الحنابلة
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 49، والمبسوط، للسرخسي 1/ 70، والمحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 87، وعيون الأدلة، لابن القصار 2/ 1043، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 153، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، والأم، للشافعي 1/ 61، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 431، والمجموع، للنووي 2/ 149، والإرشاد إلى سبيل الرشاد، لابن أبي موسى ص: 46، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100، والإنصاف، للمرداوي 1/ 240.
(2)
ينظر: المحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 87.
(3)
ينظر: المحيط البرهاني، لأبي المعالي 4/ 278، والجوهرة النيرة، للحداد 1/ 11، والبحر الرائق، لابن نجيم 4/ 391.
(4)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 2/ 1044، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 153، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208
(5)
ينظر: الأم، للشافعي 1/ 61، وحلية العلماء، للمستظهري 1/ 176، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 2/ 585.
(6)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 162، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 217، والإنصاف، للمرداوي 1/ 149.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
حديث أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
الحديث صريح في تداخل أحداث الجنابة، وإجزاء الغسل الواحد عنها.
الدليل الثاني:
لم يشرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم غسلا من الجماع إلا غسلا واحدا، وهو يتضمن شيئين موجبين للغسل؛ الإيلاج، والإنزال؛ إذ هو لازم للجماع في غالب الأحوال، ومع ذلك كان الفرض غسلا واحدا
(2)
.
الدليل الثالث:
جرت عادة الشرع أن الأسباب إذا اجتمعت، تداخل حكمها، إذا كان موجبها واحد، سواءً في الأحداث، كاجتماع البول، والغائط، والريح، والمذي ينوب عن جميعها وضوء واحد، وكذلك لو وطئ أكثر من مره أجزأه غسل واحد، أو في الحدود مثل أن يسرق مرارا، أو يشرب الخمر مرارا، أو يقذف مرارا، فيقام عليه حدا واحدا، وكذا في الكفارات كما لو قتل المحرم صيدا في الحرم فإن عليه جزاء واحدا، عن إحرامه، والحرم، فما الذي يخرج الحائض الجنب عن هذا النسق؟
(3)
القول الثاني:
يجب على المرأة الجنب إذا حاضت، ثم طهرت غسلان، غسل للحيض، وغسل للجنابة، وهو قول أبي يوسف من الحنفية
(4)
، ورواية عند الحنابلة
(5)
.
(1)
سبق تخريجه ص: 52.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 162، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 217.
(3)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 2/ 1045، والبيان في مذهب الإمام الشافعي، لابن أبي الخير 2/ 585، والمغني، لابن قدامة 1/ 163، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 217.
(4)
ينظر: المحيط البرهاني، لأبي المعالي 4/ 278، والجوهرة النيرة، للزبيدي 1/ 11، والبحر الرائق، لابن نجيم 4/ 391.
(5)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، لابن أبي موسى ص: 46، والإنصاف، للمرداوي 1/ 249.
أدلة القول الثاني:
لم أقف على دليل لأصحاب هذا القول، لكن يمكن أن يستدل له:
أن الحيض، والجنابة حدثان مستقلان، أوجب كل واحد منهما غسلا مستقلا.
ويمكن أن يناقش:
أن الأحداث الكبرى تتداخل، ويكون موجبها واحد، كما تتداخل الأحداث الصغرى، ويكون موجبها واحدا.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- من عرض المسألة رجحان القول الأول؛ القائل بإجزاء غسل واحد عن حدث الحيض والجنابة؛ لوجاهة ما استُدل به عليه، ولم يقم دليل ناهض للقول الثاني.
ثالثا: اختلف الفقهاء في صحة غسلها، وارتفاع حدث الجنابة، إذا اغتسلت حال الحيض، على قولين:
القول الأول:
يصح غسل الجنب إذا حاضت، ويرفع عنها حدث الجنابة، وهو ما ذهب إليه الحنفية
(1)
، ووجه خرجه بعض الشافعية على قول قديم للشافعي
(2)
، والمذهب عند الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الأول:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(4)
.
وجه الاستدلال بالآية:
أن الآية عامة في كل جنب، ولم تستثن الحائض منها
(5)
.
الدليل الثاني:
أن الحدث الذي يُغتسل منه هو الجنابة، وقد انقطع ذلك الحدث، فجاز أن يصح الغسل منه
(6)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 1/ 49، والمبسوط، للسرخسي 1/ 70، والمحيط البرهاني، لأبي المعالي 1/ 87.
(2)
ينظر: نهاية المطلب، للجويني 1/ 315، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 431، والمجموع، للنووي 2/ 149.
(3)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، لابن أبي موسى ص: 46، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100، والإنصاف، للمرداوي 1/ 240.
(4)
المائدة من الآية: 6.
(5)
ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100.
(6)
ينظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100.
القول الثاني:
لا يصح من الحائض غسل الجنابة، ولا يرفع عنها حدث الجنابة، وهو المشهور من مذهب المالكية
(1)
، والصحيح من مذهب الشافعية
(2)
ورواية عند الحنابلة
(3)
.
دليل القول الثاني:
من عليه حدثان من جنس واحد، لا يمكن أن يرتفع أحدهما مع استدامة الآخر، كمن أحدث بنوم، ثم شرع في البول، وتوضأ حال بوله عن النوم، فإنه لا يصح وضوؤه، فكذلك استدامة الحيض تمنع صحة الغسل من الجنابة
(4)
.
الترجيح:
أتوقف عن الترجيح في هذه المسألة؛ لتكافؤ الأدلة -والله أعلم-.
المسألة الثالثة: سبب الخلاف:
هذه المسألة من الفروع التي تُبنى على الخلاف في تخصيص عموم النص بالقياس، فإن قلنا بجوازه رجحنا القول الثاني؛ لاستناده إلى قياس مخصص لعموم الآية، وإن منعناه رجحنا القول الأول؛ لاستناده إلى عموم الآية.
المسألة الرابعة: ثمرة الخلاف:
من قال بصحة غسل الحائض من الجنابة، وجواز قراءة القرآن للحائض دون الجنب، فإن الحائض إذا اغتسلت من الجنابة جاز لها عنده أن تقرأ القرآن، وإذا لم تغتسل من الجنابة لا تقرأ
(5)
.
(1)
ينظر: عيون الأدلة، لابن القصار 2/ 1043، والكافي، لابن عبدالبر 1/ 153، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208.
(2)
ينظر: الأم، للشافعي 1/ 61، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 431، والمجموع، للنووي 2/ 149.
(3)
ينظر: الإرشاد إلى سبيل الرشاد، لابن أبي موسى ص: 46، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100، والإنصاف، للمرداوي 1/ 240.
(4)
ينظر: شرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، والأم، للشافعي 1/ 61، والمجموع، للنووي 2/ 149، والمسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين، لأبي يعلى 1/ 100.
(5)
ينظر: نهاية المطلب، للجويني 1/ 315، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 431، والمجموع، للنووي 2/ 149.