الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: الاستمتاع بالزوجة الحائض
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الاستمتاع بالفرج، وكفارته
، وفيها ثلاثة فروع:
الفرع الأول: حكم الاستمتاع بفرج الزوجة الحائض، وكفارته:
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولاً: اتفق الفقهاء على حرمة وطء الحائض في فرجها
(1)
.
واستدلوا بما يأتي:
الدليل الأول:
الإجماع المحكي في المسألة
(2)
.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(3)
.
وجه الاستدلال بالآية:
أن الله -تعالى- نهى عن قربان النساء في المحيض، والمحيض هو: اسم لموضع الحيض، وهو: الفرج
(4)
.
(1)
ينظر: المبسوط، للشيباني 3/ 69، وتبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207، والتاج والإكليل، لابن المواق 1/ 550، وشرح مختصر خليل، للخرشي 1/ 208، وحاشية الدسوقي 1/ 173، والأم، للشافعي 1/ 76، والحاوي الكبير، للماوردي 1/ 384، والمجموع، للنووي 2/ 361، والمغني، لابن قدامة 1/ 242، والشرح الكبير، لعبدالرحمن ابن قدامة 1/ 316، وشرح العمدة كتاب الطهارة، لابن تيمية ص:461.
(2)
ينظر: الأوسط، لابن المنذر 2/ 208، والبحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207، والمجموع، للنووي 2/ 359، والمغني، لابن قدامة 1/ 242.
(3)
البقرة من الآية: 222.
(4)
ينظر تبيين الحقائق، للزيلعي 1/ 57.
الدليل الثالث:
حديث أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى:{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}
(1)
إلى آخر الآية .. ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اصنعوا كل شيء إلا النكاح) فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول: كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننا أن قد وجد عليهما
(2)
. والمراد بالنكاح في الحديث: الجماع؛ فكنى باسم السبب عن المسبب
(3)
.
ثانياً: اختلف الفقهاء في حكم الكفارة على من وطئ حائضا، على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
تستحب الكفارة لمجامع الحائض، وهو قول الحنفية
(4)
، والمشهور عند الشافعية
(5)
.
دليل القول الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:(يتصدق بدينار أو نصف دينار)
(6)
، وهذه الرواية مما يستدل بها على أن الأمر للاستحباب؛ لأنه لا معنى للتخيير في الإيجاب بين القليل والكثير، من نوع واحد، إلا صرف الأمر للاستحباب
(7)
.
(1)
البقرة من الآية: 222.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض ، باب: اصنعوا كل شيء إلا النكاح (302) 1/ 246.
(3)
ينظر: مرقاة المفاتيح، للقاري 2/ 492.
(4)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(5)
ينظر: فتح العزيز، للرافعي 2/ 420، والمجموع، للنووي 2/ 359.
(6)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: في إتيان الحائض (264) 1/ 69، والنسائي في سننه الصغرى، كتاب: الطهارة، باب: ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضتها بعد علمه بنهي الله عز وجل عن وطئها (289) 1/ 158، وابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة وسننها، باب: في كفارة من أتى حائضا (640) 1/ 210، وأحمد في مسنده، مسند: بني هاشم، مسند: عبدالله بن عباس (2032) 3/ 473، وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/ 15.
(7)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 424.
القول الثاني:
لا تشرع الكفارة لمجامع الحائض، ولا يجب عليه إلا التوبة، والاستغفار، وهو قول المالكية
(1)
، ورواية عند الحنابلة
(2)
.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة من أتى حائضا، ولم يذكر وجوب الكفارة عليه، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
(4)
.
يمكن أن يناقش:
اقتصر هذا الحديث على بيان حرمة إتيان الحائض، ونص في حديث ابن عباس رضي الله عنهما الآنف الذكر على الكفارة، ولا مانع أن يكون في بعض النصوص الشرعية مزيد بيان.
(1)
ينظر: النوادر والزيادات، لابن أبي زيد القيرواني 1/ 130، والقوانين الفقهية، لابن جزي ص:31.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 243، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 465، والإنصاف، للمرداوي 1/ 351.
(3)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: ما جاء في كراهة إتيان الحائض (135) 1/ 242، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي هريرة في ذلك (8968) 8/ 201، وابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة وسننها، باب: النهي عن إتيان الحائض (639) 1/ 209،وأحمد في مسنده، مسند: المكثرين من الصحابة، مسند: أبوهريرة، (9290) 15/ 164، وصححه الألباني في تحقيقه لأحاديث مشكاة المصابيح 1/ 173.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 244.
الدليل الثاني:
وطء الحائض لم يحرم من أجل العبادة، وإنما حُرِم لأجل الأذى، فأشبه الوطء في الدبر، فلم يوجب كفارة
(1)
.
يمكن أن يناقش:
قياس الشبه، قياس في مقابل النص، فلا عبرة به.
القول الثالث:
تجب الكفارة على مجامع الحائض، وهو القول القديم عند الشافعية
(2)
، والمذهب عند الحنابلة
(3)
.
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته، وهي حائض قال:(يتصدق بدينار، أو نصف دينار)
(4)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أمر صلى الله عليه وسلم الذي يأتي امرأته، وهي حائض أن يتصدق، والأصل في الأمر الوجوب.
نوقش وجه الاستدلال بالحديث من وجهين:
الوجه الأول:
عدم التسليم بصحة الحديث، من جهتين:
الأولى: من جهة راويه عبدالحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب
(5)
، فقد ضعفه الإمام أحمد-رحمه الله
(6)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 244، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:465.
(2)
ينظر: فتح العزيز، للرافعي 2/ 422، والمجموع، للنووي 2/ 359.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 243، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 465، والإنصاف، للمرداوي 1/ 351.
(4)
سبق تخريجه ص: 79.
(5)
هو: عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي المدني، كان جده قاضي عمر بن عبد العزيز، وكان جليلا، وقال ابن حبان في الثقات زيد بن عبد الحميد، ينظر: تهذيب التهذيب، لابن حجر 3/ 417.
(6)
ينظر: ذيل ميزان الاعتدال، للحافظ العراقي 1/ 142.
الثانية: من جهة اضطرابه
(1)
، والاختلاف في رفعه
(2)
، ووقفه
(3)
، ووصله
(4)
، وإرساله
(5)
، واضطراب لفظه، فحتى وإن وثق بعض المحدثين راويه عبدالحميد بن عبدالرحمن
(6)
، إلا أن هذا الأمر يقدح في صحته
(7)
.
الوجه الثاني:
لو سُلم بصحة الحديث، فإن الأمر الوارد فيه يُحمل على الاستحباب؛ لوجود الصارف عن الوجوب، وهو التخيير بين الكثير والقليل من نفس النوع، فحُمل على الاستحباب
(8)
.
الدليل الثاني:
من وطئ زوجته وهي حائض، فقد وطئ فرجا يملكه حُرِم لعارض، فجاز أن يوجب الكفارة كالوطء في الصيام
(9)
.
يمكن أن يناقش:
أن الكفارات من العبادات، ولا مدخل للقياس فيها.
(1)
المضطرب من الحديث هو: الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مساوٍ، ومخالف له، ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص: 94.
(2)
المرفوع من الحديث هو: ما أضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة. ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص: 45.
(3)
الموقوف من الحديث هو: ما يُروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم، أو أفعالهم، ونحوها .. ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص: 46.
(4)
الموصول من الحديث هو: الذي اتصل إسناده، فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه، حتى ينتهي إلى منتهاه. ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص: 44.
(5)
المرسل من الحديث هو: حديث التابعي، إذا قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص: 51.
(6)
قال عنه أحمد بن عبد الله العجلي، والنسائي، وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وأبو بكر بن أبي داود: ثقة، وزاد أبو بكر: مأمون، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات. ينظر: تهذيب الكمال، للمزي 16/ 451.
(7)
ينظر: ذيل ميزان الاعتدال، للحافظ العراقي 1/ 142.
(8)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207، وفتح العزيز، للرافعي 2/ 424.
(9)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:465.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل باستحباب الكفارة على من وطئ حائضا؛ لاجتماع الأدلة عليه؛ فإن من أخذ بحديث أبي هريرة أسقط حديث ابن عباس، أما من أخذ بحديث ابن عباس لم يتعارض عنده مع حديث أبي هريرة، كما أن وجه استدلالهم بالحديث كان له حظ من النظر، والله أعلم.
الفرع الثاني: مقدار كفارة وطء الحائض، عند من يرى مشروعيتها.
اختلف القائلون بمشروعية الكفارة في قدرها، على خمسة أقوال:
القول الأول:
دينار، أو نصفه على التخيير، وإليه ذهب جمهور الحنفية
(1)
، والمذهب عند الحنابلة
(2)
.
دليل القول الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:(يتصدق بدينار أو نصف دينار)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الحديث ظاهرٌ في كون الأمر على التخيير
(4)
.
القول الثاني:
دينار إن كان الوطء في أول الحيض، ونصفه إن وطئ في آخره، وهذا قول عند الحنفية
(5)
، والمشهور من مذهب الشافعية
(6)
، ورواية عند الحنابلة
(7)
.
(1)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(2)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 466، والإنصاف، للمرداوي 1/ 351، والإقناع، للحجاوي 1/ 64.
(3)
سبق تخريجه ص: 79.
(4)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:466.
(5)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(6)
ينظر: فتح العزيز، للرافعي 2/ 422، والمجموع، للنووي 2/ 359، ونهاية المحتاج، للرملي 1/ 332.
(7)
ينظر: شرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص: 466، والإنصاف، للمرداوي 1/ 351.
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الحديث فَصّل في تقسيم الكفارة على حسب وقت الجماع.
يمكن أن يناقش:
الصحيح في الحديث وقفه على ابن عباس رضي الله عنهما، وابن عباس رضي الله عنهما قد اختلفت الروايات عنه في كفارة من أتى حائضا، وليس الأخذ ببعض أقواله بأولى من بعض.
الدليل الثاني:
لابد أن يحمل التقسيم في الحديث: (دينار، أو نصف دينار)
(2)
على معنى معقول، وهو اختلاف الكفارة في أول الحيض عن آخره؛ لأنه لا معنى للتخيير في الإيجاب بين القليل، والكثير في النوع الواحد
(3)
.
يمكن أن يناقش:
يجوز أن يكون المراد من التخيير هو؛ صرف الأمر من الإيجاب إلى الاستحباب.
القول الثالث:
إن وطئها ودم الحيض أسود أو أحمر يكفر بدينار، وإن كان أصفر يكفر بنصف دينار، وهذا قول عند الحنفية
(4)
، ورواية عند الحنابلة
(5)
.
دليل القول الثالث:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا كان دما أحمر فدينار، وإذا كان دما أصفر فنصف دينار)
(6)
.
(1)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب: الطهارة، باب: في إتيان الحائض (265) 1/ 69، وصحح الألباني وقفه في إرواء الغليل 1/ 218.
(2)
سبق تخريجه ص: 79.
(3)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207، وشرح العمدة (كتاب الطهارة)، لابن تيمية ص:466.
(4)
ينظر: البحر الرائق، لابن نجيم 1/ 207.
(5)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 1/ 351.
(6)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: ما جاء في الكفارة في ذلك (137) 1/ 245، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر الاختلاف على خصيف (9066) 8/ 233، وضعفه الألباني في تحقيقه لأحاديث مشكاة المصابيح 1/ 174.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الحديث فَصّل في تقسيم الكفارة على حسب لون الدم حين الجماع.
يمكن أن يناقش:
الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
القول الرابع:
يلزمه تحرير رقبة بكل حال، وهو أحد القولين عند الشافعية
(1)
.
دليل القول الرابع:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول: قال رجل: يا رسول الله إني أصبت امرأتي وهي حائض، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتق نسمة
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
لو كان الدينار، أو نصفه مجزئً لأمره به.
يمكن أن يناقش من وجهين:
الوجه الأول:
الحديث ضعيف لا يُستدل به.
الوجه الثاني:
على التسليم بصحته، فإن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تتمة الرواية السابقة:(وقيمة النسمة يومئذ دينار) فيكون صلى الله عليه وسلم قد خيره بين النسمة وقيمتها.
القول الخامس:
يكفر بنصف دينار مُطلقاً، وهو رواية عند الحنابلة
(3)
.
(1)
ينظر: فتح العزيز، للرافعي 2/ 422.
(2)
أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر الاختلاف على خصيف (9068) 8/ 233، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 299.
(3)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 1/ 351.
دليل القول الخامس:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يقع على امرأته وهي حائض، قال:(يتصدق بنصف دينار)
(1)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
اقتصر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث على نصف دينار، ولم يأمره بأكثر منه.
يمكن أن يناقش من وجهين:
الوجه الأول:
الحديث ضعيف لا تقوم به الحجة.
الوجه الثاني:
على التسليم بصحة الحديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أحد أمري التخيير؛ (دينار، أو نصف دينار)
(2)
، وإرشاده صلى الله عليه وسلم إلى أحدهما لا يعني إسقاط الآخر.
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول القائل؛ بأن كفارة إتيان الحائض دينار، أو نصفه على التخيير؛ لصحة الحديث المستند إليه، ووجاهة وجه الاستدلال به، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
سبب الخلاف:
اختلاف الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما في كفارة من أتى حائضا.
(1)
أخرجه الترمذي في سننه، أبواب: الطهارة، باب: ما جاء في الكفارة في ذلك، (136) 1/ 244، والنسائي في سننه الكبرى، كتاب: عشرة النساء، باب: ذكر الاختلاف على الحكم بن عتيبة فيه (9052) 8/ 229، وابن ماجه في سننه، كتاب: الطهارة وسننها، باب: من وقع على امرأته وهي حائض (650) 1/ 213، وأحمد في مسنده، مسند: بني هاشم، مسند: عبدالله بن عباس (2458) 4/ 269، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي 1/ 13.
(2)
سبق تخريجه ص: 79.
الفرع الثالث: وجوب كفارة إتيان الحائض على المرأة عند من يرى وجوبها.
تحرير محل النزاع في المسألة:
أولا: اتفق القائلون بإيجاب الكفارة على أن المرأة إذا كانت مكرهة، أو جاهلة، أنه لا كفارة عليها
(1)
.
ويمكن أن يستدل على ذلك بما يأتي:
حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:(إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)
(2)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أن الوضع يشمل وضع الإثم، وما يترتب على الفعل من أثر.
ثانيا: اختلفوا في إيجاب الكفارة على المرأة إذا كانت مطاوعة، على قولين:
القول الأول:
تجب الكفارة على المرأة كما تجب على الرجل، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد
(3)
.
دليل القول الأول:
القياس على الوطء في الإحرام، فكما تجب عليها الكفارة في وطء الإحرام إذا كانت مطاوعة، فكذلك الوطء في الحيض؛ بجامع أن كلاهما وطء لفرج مباح حُرم لعارض
(4)
.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 245، والمبدع، لابن مفلح 1/ 233، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 201.
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي 1/ 659 (2045) ، وصححه الألباني في إرواء الغليل 1/ 123.
(3)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 245، والمبدع، لابن مفلح 1/ 233، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 201.
(4)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 245، والمبدع، لابن مفلح 1/ 233، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 201.
القول الثاني:
لا تجب الكفارة على المرأة، وهو وجه عند الحنابلة
(1)
.
دليل القول الثاني:
إنما يُتلقى الوجوب من الشرع، والشرع لم يرد بإيجاب الكفارة على المرأة
(2)
.
الترجيح:
أتوقف عن الترجيح في هذه المسألة؛ لعدم ترجيح القول بوجوب الكفارة على من أتى حائضا-والله أعلم-.
(1)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 245، والمبدع، لابن مفلح 1/ 233.
(2)
ينظر: المغني، لابن قدامة 1/ 245، والمبدع، لابن مفلح 1/ 233.