الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تخلف الزوج عن الجماعة لزفاف
(1)
زوجته
.
اختلف الفقهاء في حكم تخلف الزوج عن الجماعة لزفاف زوجته على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
زفاف الزوجة إلى زوجها ليس بعذر في ترك الجمعة، والجماعة، وهذا ماذهب إليه الحنفية
(2)
، والمالكية
(3)
.
دليل القول الأول:
عموم النصوص الشرعية الدالة على وجوب الجمعة، ومنها: حديث: عبد الله بن عمر، وأبي هريرة رضي الله عنهما، أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول على أعواد منبره: (لينتهين أقوام عن ودعهم
(4)
الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)
(5)
، ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم من زُفت إليه زوجته من عموم الوجوب، ولم يرد نص بتخصيصه، ولا باعتباره من أصحاب الأعذار.
القول الثاني:
زفاف الزوجة إلى زوجها عذر في ترك الجمعة، والجماعة، وهذا من مفردات الحنابلة
(6)
.
دليل القول الثاني:
الجمعة، والجماعة رخص الشرع في تركهما بأيسر الأعذار؛ كمن كان بحضرة طعام يشتهيه، وزفاف العروس هنا عذر يبيح التخلف عن الجماعة
(7)
.
(1)
الزفاف: حمل العروس إلى زوجها، ينظر: طلبة الطلبة، للنسفي ص 42، وتحرير ألفاظ التنبيه، للنووي ص:259.
(2)
اعتبار أعذار الجماعة عند الحنفية، من أجل اعتبار حصول فضيلة الجماعة لمن تركها بعذر، لا لاعتبار سقوط الإثم عمن تركها بعذر؛ إذ صلاة الجماعة عندهم مستحبة وليست بواجبة. ينظر: نور الإيضاح، للشرنبلالي ص: 65 - 64، وحاشية ابن عابدين 1/ 556، ودرر الحكام، لعلي حيدر 1/ 85 - 84.
(3)
ينظر: البيان والتحصيل، لابن رشد الجد 1/ 357، والذخيرة، للقرافي 2/ 355، وحاشية الدسوقي 1/ 391.
(4)
ودعهم، أي: تركهم. ينظر: النهاية، لابن الأثير 5/ 166.
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الصلاة، باب: التغليظ في ترك الجمعة (865) 2/ 591.
(6)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 2/ 303، والإقناع، للحجاوي 1/ 175، وكشاف القناع، للبهوتي 1/ 497.
(7)
ينظر: الإنصاف، للمرداوي 2/ 303.
يمكن أن يناقش:
لا يُسلم بأن الجمعة والجماعة تسقطان بأيسر عذر، ويشهد لهذا حديث أبي هريرة، قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى، دعاه، فقال:(هل تسمع النداء بالصلاة؟ ) قال: نعم، قال:(فأجب)
(1)
.
القول الثالث:
زفاف الزوجة إلى زوجها عذر في ترك جماعة الصلوات الليلية فقط، وهذا ما ذهب إليه الشافعية
(2)
.
دليل القول الثالث:
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أم سلمة: (للبكر سبع، وللثيب ثلاث)
(3)
.
وجه الاستدلال بالحديث:
أوجب صلى الله عليه وسلم بقاء الرجل عند عروسه البكر سبعا، وعند الثيب ثلاثا، دون أن يقضي لنسائه الأخريات، ومحل المبيت، والقسم هو الليل، فعُلم منه تقديم حق العروس في الليالي المخصصة، على غيره من الواجبات
(4)
.
نوقش:
قوله صلى الله عليه وسلم: (للبكر سبع، وللثيب ثلاث)
(5)
معناه أن يكون معها، ويبيت عندها دون سائر أزواجه -إن كانت له أزواج سواها-، وليس عليه أن يلزم المقام عندها ليله ونهاره فلا يخرج إلى الصلاة، ولا يتصرف فيما يحتاج إليه من حوائج دنياه، ولا لها ذلك عليه إن سألته إياه، وإنما الذي لها من الحق أن يقيم عندها المدة التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لها دون غيرها من نسائه، فالحق للعروس إنما هو على الزوجات الأخريات إن كان للرجل زوجات غيرها، لا على الزوج نفسه
(6)
.
(1)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: المساجد، باب: يجب إتيان المسجد على من سمع النداء (653) 1/ 452.
(2)
ينظر: أسنى المطالب، للسنيكي 1/ 215، والغرر البهية، للسنيكي 1/ 411، ومغني المحتاج، للشربيني 4/ 422.
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: النكاح، باب: قدر ما تستحقه البكر، والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (1460) 2/ 1083.
(4)
ينظر: مغني المحتاج، للشربيني 4/ 421 - 422.
(5)
سبق تخريجه في الحاشية السابقة رقم: 3.
(6)
ينظر: البيان والتحصيل، لابن رشد الجد 1/ 357.
وأجيب عن المناقشة:
المعنى في المبيت عندها دون القضاء للأخريات؛ هو زوال الحشمة بينهما، والحشمة لا تزال بالمدة التي يتخللها دخول، وخروج، وقضاء حوائج
(1)
.
ويمكن أن يجاب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول:
الخروج للصلاة زمنه يسير، ولا ينافي مقصد زوال الحشمة بين العروسين، بخلاف المبيت والقسم للزوجات الأخريات.
الوجه الثاني:
إن كان المعنى من البقاء عند العروس هذه المدة، هو زوال الحشمة بين العروسين، فلم يرخص في الصلوات الليلية دون غيرها! بل قد تكون الصلوات الثلاث الأول التي تلي الزفاف هي صلوات نهارية -الفجر، والظهر، والعصر- فكيف لا يرخص للزوج في التخلف عنها، ثم يرخص له في الصلوات الليلية التي تليها ليزيل الحشمة بينهما! وقد كان أشد حاجة لإزالة الحشمة في الصلوات النهارية!
الترجيح:
يظهر -والله أعلم- رجحان القول الأول؛ القائل بعدم اعتبار زفاف الزوجة عذر في ترك الجمعة والجماعة؛ لوجاهة ما استدلوا به، ولورود المناقشة على أدلة الأقوال الأخرى.
(1)
ينظر: مغني المحتاج، للشربيني 4/ 421.